مديرية باجل.. نموذج تنموي واعد لتعزيز الاكتفاء الذاتي في الإنتاج المحلي
تاريخ النشر: 11th, December 2025 GMT
الثورة نت/ تقرير: جميل القشم
تشهد مديرية باجل في محافظة الحديدة تحولاً تنموياً واسعاً يعكس رؤية شاملة للنهوض بالقطاعين الزراعي والحيواني وبناء منظومة تسويقية فعّالة، في إطار برنامج “المديريات النموذجية” الهادف إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وإرساء نموذج عملي للشراكة بين الدولة والمجتمع.
وتُعد باجل إحدى أهم المديريات النموذجية في السهل التهامي ضمن برنامج يشمل 56 مديرية على مستوى المحافظات، اختيرت منها 17 مديرية في تهامة وفق معايير دقيقة شملت توافر الأراضي الخصبة وموارد المياه، ووجود جمعيات تعاونية فاعلة، وقيادة محلية قادرة على إدارة التحول التنموي.
ويستند هذا التوجه إلى رؤية وطنية أطلقتها وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، للعمل على تطوير 44 محصولاً ضمن سلاسل القيمة، بما يجعل المديريات النموذجية، وفي مقدمتها باجل، نماذج عملية للتنمية الزراعية والإنتاجية الشاملة، وبما ينسجم مع السياسة الاقتصادية للدولة وبرنامج الحكومة لمواجهة التحديات وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
رؤية تنموية صاعدة
تقع مديرية باجل في الجزء الأوسط من محافظة الحديدة على بعد 55 كم شمال شرق مركز المحافظة، وتمتد من حدود مديرية المراوعة حتى محافظتي صنعاء والمحويت، وتُعد من أكبر المديريات بمساحة تبلغ (1653.3) كم² وعدد سكان يصل إلى 287,653 نسمة، وتشكل البوابة الرئيسية للمحافظة.
وتمتلك باجل مزايا تنافسية واسعة تؤهلها لانتقال تنموي نوعي، حيث تزخر بأراضٍ خصبة ومساحات زراعية شهدت تجارب ناجحة في زراعة القطن والخضروات والفواكه والحبوب، إضافة إلى الثروة الحيوانية وإنتاج العسل وغيرها من المحاصيل الزراعية.
كما تتميز بوجود شريط ساحلي طبيعي في منطقة العرج بطول 35 كم، يهيئها لتعزيز النشاط السياحي والاصطياد السمكي، وتضم عدداً من المصانع ومقومات بيئية مناسبة للتصنيع كرافد سيادي للاقتصاد الوطني وتشغيل الأيدي العاملة.
وتمثل المديرية شرياناً رئيسياً لمرور الشاحنات والبضائع من ميناء الحديدة نحو المحافظات، ما يمنحها نشاطاً تجارياً واسعاً، كما يمر عبرها عدد من الأودية المائية مثل سهام وسردد المغذية للآبار والري، رغم انتشار الكثبان الرملية، وتعمل فيها جمعيات زراعية وتعاونية وسمكية فاعلة تدعم الإنتاج المحلي.
حراك زراعي واقتصادي
شهدت المديرية خلال الفترة الماضية مشاريع نوعية أسهمت في تنظيم المزارعين واستصلاح الأراضي وتطوير الإنتاج النباتي وتشغيل معامل الألبان وتفعيل مبادرات التسويق الداخلي، ما جعلها واحدة من أبرز النماذج التنموية في السهل التهامي.
وتمثل المجاميع الإنتاجية ركيزة هذا التحول، حيث تم تشكيل أكثر من 750 مجموعة إنتاجية تعمل في 22 صنفاً زراعياً وسمكياً وحيوانياً وفق آلية منظمة لاختيار المزارعين الأكثر التزاماً وقدرة على تطبيق التوصيات الفنية.
وتم اعتماد 25 مجموعة نموذجية لتكون نواة للتوسع نحو بقية المجاميع، بينما يتولى الميسرون الإشراف المباشر على تطوير مهارات المزارعين وتوثيق التقدم وربطهم بالوحدات الفنية، ما يحول هذه التشكيلات إلى خلايا إنتاجية منظمة ترفع كفاءة الإدارة الزراعية وتحسن جودة الإنتاج.
خطوات عملية نحو الإنتاج
نفذت جمعية باجل الزراعية التعاونية متعددة الأغراض أعمالاً واسعة لاستصلاح الأراضي الزراعية، خصوصاً في منطقة باب الناقة التي عانت نزاعاً امتد لأكثر من 70 عاماً، ما حال دون استفادة الأهالي من أراضيهم.
وبعد حل النزاع، بدأت الجمعية أعمال التسوية وصولًا إلى وادي سردد تمهيداً لزراعة الحبوب والبقوليات، في خطوة تمثل توسعاً نوعياً في الرقعة الزراعية وزيادة الإنتاج المحلي وخفض فاتورة الاستيراد.
كما شهدت المديرية تدخلات فنية في محور الإنتاج النباتي شملت إدخال أصناف جديدة وتنمية محاصيل قائمة، حيث دشنت الجمعية توزيع 800 كيس من بذور فول الصويا- المقدمة من مؤسسة الحبوب – لأكثر من 300 مزارع، باعتباره محصولاً استراتيجياً يقلل الاعتماد على الأعلاف المستوردة.
وفي السياق نفسه، شهدت زراعة الذرة الشامية تحولاً نحو زيادة إنتاجية رأسية من خلال توفير بذور محسنة وهجينة تسهم في رفع الإنتاجية وتخفيض الكلفة، فيما حظي محصول السمسم الشهير في المديرية بتدخلات واسعة شملت توزيع البذور وتنظيم الري والتسميد والمكافحة المتكاملة وتطوير حلقات القيمة المضافة عبر الزراعة التعاقدية وصناعة الطحينية والزيوت واستخدام الكسبة في الأعلاف.
مؤشرات النجاح
في محور الثروة الحيوانية، أطلقت المديرية خط إنتاج جديد لمنتجات الألبان عبر معمل الجمعية الذي بدأ بإنتاج الزبادي والحقين “خيرات باجل” بطاقة يومية تصل إلى 1500 لتر، ضمن إشراف صحي يكفل جودة المنتج وسلامته.
وأسهم المشروع في توفير أكثر من 25 فرصة عمل ودعم صغار المربين وتوفير منتجات طبيعية 100% للمستهلك المحلي، بما يحقق جانباً من الأمن الغذائي داخل المديرية.
كما تضمن دعم القطاع الحيواني توفير وسائل نقل مبردة للجمعيات، وتوزيع الأعلاف، وتوفير معدات تصنيع الأسمدة العضوية من مخلفات الأبقار، بما يعزز التكامل في منظومة الإنتاج الحيواني.
تحول تنموي
شهدت المديرية أيضاً توسعاً في مبادرة “خيرات باجل” للتسويق الداخلي، حيث قامت الجمعية بشراء كميات كبيرة من محصول المانجو من صغار المزارعين وفق معايير الجودة، ثم تعاقدت مع مصنع سويد لتحويله إلى لب، وبلغ إنتاج المصنع ثلاثة أطنان خلال الشهر الماضي وزعت على أسواق المديرية، وأسهم ذلك في تحسين دخل المزارعين وتعزيز استقرار العملية الإنتاجية.
كما تبنت الجمعية مشروع تسويق الدواجن المحلية وتنظيم ضوابط العمل بين المنتجين والمسالخ لضمان معايير الذبح والتغليف والتسويق داخل المديرية، ما أدى إلى تنظيم السوق وتثبيت الأسعار وتعزيز حضور المنتج المحلي.
وفي إطار مشاريع البنية التحتية، أنشئ السوق المركزي “كيلو 18” كنموذج حديث يضم هناجر لبيع الخضار والفواكه، ومركزاً للصادرات الزراعية، وفندقاً ومطعماً وبوفيهات، ومواقف للشاحنات ومرافق خدمية عامة، ليشكل منصة متكاملة لدعم الحركة التجارية والزراعية في المديرية.
وتبرز هذه المشاريع مجتمعة ملامح تحول تنموي شامل يعتمد على تنظيم المزارعين واستصلاح الأراضي وتطوير الإنتاج النباتي والحيواني وتفعيل معامل الألبان وتنظيم التسويق الداخلي وإنشاء بنية تحتية داعمة للتنمية الزراعية.
إدارة نشطة في الميدان
وحول آفاق هذه التجربة أوضح مدير المديرية عبدالمنعم الرفاعي أن ما يجري في باجل يأتي في سياق الثورة الزراعية التي يشهدها السهل التهامي، وانسجاماً مع توجه الدولة والحكومة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في المحاصيل والمنتجات الحيوانية، مؤكداً أن ما تحقق يعد امتداداً عملياً لهذه التوجهات على مستوى الميدان.
وأشار إلى أن المديرية تمتلك مقومات كبيرة في مجالي الزراعة والثروة الحيوانية، بدأت تتحول إلى فرص تنموية واضحة مع توسع الأنشطة الإنتاجية وتحسن مستوى التنظيم والإرشاد، ما عزز ثقة المزارعين بجدوى العمل المنظم.
ولفت إلى أن المؤشرات التنموية لعمل جمعية باجل التعاونية الزراعية، رغم حداثة التجربة، تعكس انتقالاً نحو مرحلة أكثر استقراراً في التخطيط والتنفيذ، حيث أسهم توسع المجاميع الإنتاجية وتحسن إدارة الحقول وارتفاع مستوى الالتزام بالتوصيات الفنية في رسم ملامح مسار تنموي جديد في المديرية.
وأكد أن السلطة المحلية تعمل على إعداد رؤى وخطط واعدة تستهدف تعميق الشراكة مع المزارعين وتوسيع التدخلات في الإنتاج النباتي والحيواني وتعزيز الربط بين الحقول ودوائر التسويق والتصنيع، لترسيخ موقع باجل كأحد أبرز النماذج التنموية في تهامة والمساهمة في تحقيق أهداف الاكتفاء الذاتي على المستوى الوطني.
وبهذا الحراك المتكامل، تسير مديرية باجل نحو ترسيخ مكانتها كواحدة من أهم المديريات النموذجية في السهل التهامي، ومركزاً متقدماً للإنتاج الزراعي المتطور، بما يسهم في بناء مستقبل اقتصادي وزراعي مستدام لأبنائها وخدمة الاقتصاد الوطني.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الاکتفاء الذاتی الإنتاج النباتی الإنتاج المحلی مدیریة باجل
إقرأ أيضاً:
خطا شحن جديدان وتمويلات أوروبية منخفضة الفائدة لتعزيز صادرات مصر الزراعية بختام فوود أفريكا
تناولت جلسة “برامج الاستثمار والبحث والابتكار الأوروبية في الأغذية والزراعة”، فى ختام فعاليات معرض فوود أفريكا، أحدث اتجاهات التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي، وشهدت الإعلان عن مباحثات لتدشين خطين جديدين للنقل البحري بنظام Ro-Ro بين مصر واليونان لدعم حركة الصادرات الطازجة إلى شرق أوروبا.
وأكّد نيكولاوس زيميس، رئيس قسم الاستثمار والتجارة ببعثة الاتحاد الأوروبي في مصر، أن المرحلة الحالية تشهد تركيزًا أوروبيًا على تعزيز الحوار الزراعي مع دول الشراكة وفي مقدمتها مصر، موضحًا أن الاتحاد الأوروبي «لن يسمح بدخول أي منتجات غذائية إذا جرى إنتاجها باستخدام مواد محظورة داخل أوروبا»، مع الإعلان عن «مستوى أعلى من الرقابة على الواردات الغذائية» قبل يومين فقط.
ولفت إلى تزايد التفتيش على المحاصيل المصرية بالتنسيق مع هيئة سلامة الغذاء ووزارة الزراعة، مشيرًا إلى أن الصادرات المصرية الغذائية ارتفعت من مليار يورو عام 2022 إلى 3 مليارات يورو عام 2025.
وكشف عن مباحثات لإطلاق خطّي شحن جديدين بين الإسكندرية وباتراس، ودمياط وفولوس، إلى جانب الخط القائم مع ترييستا، مؤكدًا منح القمة المصرية-الأوروبية الأخيرة «أولوية للاستثمارات في الزراعة المستدامة».
من جانبه، أوضح جويدو باتيستا، رئيس مكتب القاهرة لمؤسسة CDP الإيطالية، أن المؤسسة تعمل على دعم القطاع الزراعي في مصر من خلال برنامج الضمان الأوروبي الجديد TERRA، الذي «يقلّل المخاطر المرتبطة بتمويل المشروعات الزراعية ويتيح تقديم قروض بفوائد وشروط أفضل».
وقال إن البرنامج يعمل عبر ثلاثة مسارات تشمل التعاون مع البنوك، وتقديم ضمان مباشر، و«تمويل مباشر للشركات الخاصة في مصر بمعدلات فائدة أقل من السوق المحلي».
وأشار إلى تخصيص 30 مليون يورو لشمال إفريقيا ضمن برنامج حجمه 110 ملايين يورو، مؤكدًا جاهزية المكتب في القاهرة لاستقبال الشركات المهتمة.
وقدّم الدكتور كارستن ترانسفيلد، نائب رئيس غرفة الصناعة والتجارة في ماجديبورغ بألمانيا، عرضًا حول الدعم الفني المقدم للشركات المصرية ضمن مشروع Smart Agri، موضحًا أن العمل يرتكز على ثلاثة محاور: «الامتثال للمعايير الأوروبية في سلاسل الإمداد»، و«التدريب المهني لتطوير مهارات العاملين»، و«الاستدامة وتمكين المرأة في الشركات الصغيرة والمتوسطة الزراعية».
وأكد أن المشروع وفر خبرة مهمة لفهم متطلبات السوق الأوروبي، وأن الغرفة مستعدة لتبادل الخبرات مع الشركات المصرية لتعزيز قدراتها التصديرية.
كما استعرضت دورا فياني، رئيسة مؤسسة اقتصاد المعرفة ومنصة “بشاير”، دور المنصة في دعم الشركات والمزارعين للتوافق مع القوانين الأوروبية عبر خدمات سلاسل القيمة، وتسهيل إجراءات التصدير بالتعاون مع الحجر الزراعي وهيئة سلامة الغذاء، وتوفير دليل المبيدات المسجلة لكل محصول وآفة.
وأشارت إلى أن مصر تعد أكبر مورد من خارج الاتحاد الأوروبي للمنتجات البستانية، مستهدفة الوصول إلى 19 مليار دولار صادرات بحلول 2030.
واختُتمت الجلسة بعرض لبرنامج Horizon Europe قدّمه نيكولاوس زيميس، أشار فيه إلى أن مصر أصبحت عضوًا مشاركًا بما يسمح للباحثين المصريين بالحصول على تمويلات بحثية ضمن برنامج تبلغ قيمته 95 مليار يورو، مع توقع زيادته إلى 150 مليارًا.
وأكد أن مصر تحقق نسبة نجاح «مماثلة لأوروبا» في الحصول على التمويل، موضحًا أن البرنامج يركز خلال ديسمبر الجاري على المشروعات المرتبطة بالغذاء والبيئة والزراعة، في ظل احتفال الجانبين بمرور 20 عامًا على اتفاقية التعاون العلمي بين مصر والاتحاد الأوروبي.