اليمن والحلف الأمريكي الصهيوني.. المواجهة الفاصلة تُقرع طبولها من صنعاء
تاريخ النشر: 4th, August 2025 GMT
يمانيون | تقرير تحليلي
لم تعد المواجهة بين اليمن ومنظومة العدوان الأمريكي-الصهيوني مجرد صراع محدود الأثر، بل تحولت إلى اختبار حقيقي لمعادلة النفوذ الدولي في المنطقة.. ما يجري اليوم يتجاوز كونه رداً يمنياً على عدوان، بل يعكس انتقالاً استراتيجياً من موقع الدفاع إلى موقع التأثير الإقليمي المباشر.
فصنعاء، التي صمدت أمام تحالف عدواني يضم قوى إقليمية ودولية منذ 2015، دخلت اليوم مرحلة جديدة من الاشتباك الاستراتيجي، حيث لم تعد تُقاوِم فحسب، بل تقود مشروعاً تحررياً شاملاً يعيد تشكيل معادلات الصراع في المنطقة، بدءاً من فلسطين وحتى البحر الأحمر.
فشل أدوات الاحتواء.. بين الترهيب والاحتواء الناعم
منذ انطلاق العدوان على اليمن، اعتمد الحلف الأمريكي على مجموعة من الأدوات لمحاولة احتواء صنعاء: من الحصار الاقتصادي والتجويع الممنهج، إلى الحروب الإعلامية والضغوط الدبلوماسية، وصولاً إلى محاولات شراء الولاءات وفتح قنوات تفاوض مشروطة.. لكن كل هذه الأدوات اصطدمت بجدار من الصلابة العقائدية والسياسية.
لم تنجح السعودية والإمارات، وهما أبرز وكلاء المشروع الأمريكي في المنطقة، في إحداث اختراق حقيقي في الموقف اليمني. ومع تصاعد الدعم اليمني للمقاومة الفلسطينية في غزة، برزت مظاهر غضب وتململ في دوائر القرار الأمريكية، التي أدركت أن صنعاء لم تعد فقط “حالة تمرد” يجب قمعها، بل صارت مشروعاً مقاوماً يقوّض استراتيجيات الاحتلال الصهيوني في قلب المعركة.
استهداف الموقف لا الجغرافيا.. أدوات جديدة لحرب قديمة
إن المتتبع لتحركات الرياض وأبو ظبي في المرحلة الأخيرة يدرك أنها تسير في مسار مختلف عن الحرب التقليدية.. لم تعد الغارات الجوية هي الأداة الأولى، بل أصبحت المعركة اليوم على صعيد التأثير في الوعي، واستهداف الداخل اليمني بأساليب ناعمة لكنها لا تقل خطورة عن الصواريخ.
من خلال الإعلام، والتشويه، والترويج لمسارات تطبيع ناعمة، تحاول تلك القوى اختراق الوعي الجمعي اليمني، وتشتيت زخم الدعم الشعبي لغزة، وإحداث شروخ ثقافية بين فئة وأخرى.. ولكن رهانها فشل مرة أخرى، لأن المعركة في اليمن لم تكن يوماً معركة حدود، بل معركة وعي وهوية وتكليف قرآني.
دعم غزة.. انتقال اليمن إلى محور التأثير
لقد مثّل الدعم اليمني لغزة نقطة تحول استراتيجية في مسار الصراع.. فبينما كانت أمريكا و”إسرائيل” تسعيان لعزل المقاومة الفلسطينية، جاءت صنعاء من خارج حساباتهم لتربك المشهد وتفرض معادلة جديدة عنوانها: “لن تكون غزة وحدها”.
لقد أزعجهم أن تخرج الصواريخ من اليمن دعماً للمقاومة، وأن تنفذ القوات المسلحة اليمنية عمليات بحرية نوعية ضد السفن المرتبطة بالعدو في خليج عدن والبحر الأحمر.
هذه العمليات لم تكن عشوائية، بل جاءت ضمن رؤية متكاملة تربط بين الجغرافيا اليمنية وقدرتها على التأثير في مسار الحرب، وبين البعد العقائدي الذي يجعل من تحرير فلسطين قضية مركزية في وجدان الشعب اليمني، لا مجرد شعار.
معركة الجبهة الداخلية.. التعبئة الثقافية كجزء من المعركة
أدركت القيادة اليمنية، مبكراً، أن الجبهة الداخلية هي الركيزة الأساسية للصمود والانتصار.. لذلك، انطلقت في مسار متصاعد من التوعية والتعبئة الثقافية والدينية، جعلت من كل حي في صنعاء ومحافظات أخرى خلية وعي ورفض للاستسلام.
دورات ثقافية، فعاليات قرآنية، أنشطة توعوية، تعبئة خطابية وإعلامية… كلها ساهمت في صناعة وعي جماهيري يربط بين المقاومة في غزة ومصير الأمة كلها، وبين قتال الصهاينة وبين رضا الله ووعده بالتمكين.
لقد دخل الشعب اليمني هذه المواجهة مسلحاً بالإيمان والعقيدة والبصيرة.. لم تكن الحرب على غزة مجرد تضامن سياسي، بل كانت معركة وجودية يتحرك فيها اليمنيون بثقة مطلقة أنهم على حق، وأنهم طرف أصيل في وعد الآخرة.
معادلة الردع اليمنية.. من الدفاع إلى المبادرة
عسكرياً، استطاعت القوات المسلحة اليمنية أن تنتقل من مرحلة الصمود إلى الردع، ومن الدفاع إلى المبادرة.. ومع العمليات البحرية الأخيرة التي استهدفت سفن العدو وأدواته في الممرات الدولية، تبيّن أن اليمن بات يملك اليد الطولى في مساحات جغرافية كانت حتى وقت قريب تحت الهيمنة الأمريكية والغربية.
لكن هذا الردع لم يكن مجرد إنجاز عسكري، بل كان رسالة استراتيجية إلى كل من يفكر في جر اليمن إلى تسوية مشروطة أو إلى التخلي عن موقفه المبدئي تجاه فلسطين.. الرسالة تقول بوضوح: من يقترب من خيار المقاومة سيدفع الثمن.
حسابات الحلف الأمريكي.. ارتباك استراتيجي وقلق وجودي
من الواضح أن صنعاء باتت تمثل كابوساً استراتيجياً للحلف الأمريكي-الصهيوني. فكلما تقدم الموقف اليمني خطوة، ازدادت حالة التخبط في مراكز القرار في واشنطن وتل أبيب.
واليوم، لا تواجه “إسرائيل” صواريخ من غزة فقط، بل تواجه محوراً حقيقياً يمتد من صنعاء إلى بغداد، ومن الضاحية الجنوبية إلى طهران.
وقد عبّر محللون صهاينة عن هذا القلق صراحة حين أشاروا إلى أن من يحكم صنعاء هو من يحدد وجهة طهران، وأن اليمن باتت رقماً صعباً في معادلة الشرق الأوسط، بل أحد قادتها.
رسالة صنعاء الأخيرة: لا سقف للمواجهة إذا سقطت التهدئة
التحذير اليمني كان واضحاً: إذا قررت السعودية والإمارات إنهاء التهدئة، فإن الرد سيكون في مستوى يتجاوز كل ما مضى.. ما يعني أن اليمن لم تعد محكومة بمنطق الدفاع عن النفس، بل بمنطق استراتيجي يستند إلى نظرية “الضربة الأولى” متى ما استشعرت القيادة أن العدو يتحرك في الظل لتقويض الموقف.
لكن الأهم من التهديد، هو الإيمان اليمني بأن الانتصار ليس غاية مادية، بل تحقيق لوعد إلهي لا يتخلف، وإذا كانت أمريكا و”إسرائيل” تراهنان على تعب الأمة وإرهاق شعوبها، فإن صنعاء تراهن على وعي جديد يتشكل في وجدان الأمة، وعلى جيل قرآني لا يؤمن بالتطبيع، ولا يقبل العيش في الظل.
ومثلما فجّر اليمن معادلات البحر الأحمر، فإن ما هو آتٍ — كما تقول المؤشرات من ميادين القتال ومن خطاب القيادة — سيكون أكبر من الانتصاربإذن الله.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً: