في زمن تتغير فيه الحياة بوتيرة متسارعة، وتتراجع فيه القيم الأخلاقية لصالح المصالح الشخصية والمظاهر الزائفة، يصبح الذكاء الاجتماعي مهارة وجودية لا رفاهية، بل ضرورة. فهو القدرة على فهم الناس على اختلاف أطيافهم، والتعامل معهم بمرونة تحافظ على الكرامة دون الدخول في صراعات يومية مرهقة.

الذكاء الاجتماعي كما عرفه عالم النفس "إدوارد ثورندايك" هو القدرة على التفاهم مع الآخرين وفهمهم والتعامل معهم بذكاء.

وقد طوّره لاحقًا "دانييل جولمان" ضمن إطار الذكاء العاطفي الذي يربط بين المشاعر والفهم الاجتماعي والتصرف الراقي.

وفي الواقع المعاصر، نواجه أنماطًا متعددة من البشر؛ منهم من ينافق، ومنهم من يتلون حسب مصلحته، ومنهم من يتعامل بندية أو عدائية. الذكاء الاجتماعي لا يعني مجاراتهم، بل هو أن تتعامل بحكمة دون أن تفقد أصالتك.

وهنا نطرح السؤال لماذا نحتاج الذكاء الاجتماعي اليوم أكثر من أي وقت مضى؟
لأننا نعيش في مجتمعات تتسم بالتناقض؛ حيث تُرفع شعارات القيم وتُدهس في الواقع.

لأن العلاقات أصبحت أكثر هشاشة، والمصالح تطغى على المبادئ.

لأن هناك فجوة بين ما يُقال وما يُفعل… بين "الظاهر" و"الباطن".

وقد أوضحت النظريات على مر العصور كيفيه التعامل مع أنماط الشخصيات المختلفة، وأشارت نظرية الإدراك الاجتماعي لعالم النفس "ألبرت باندورا" أننا نتعلم من ملاحظة سلوك الآخرين. وعليه، فإن قدرتك على ملاحظة نمط الشخصية التي أمامك (هل هو انتهازي؟ متردد؟ صادق؟) تعينك على اختيار طريقة التعامل المناسبة دون انفعال أو اندفاع.

كذلك نظرية التكيف "جانبياجيه" أشارت إلى أن الإنسان الذكي اجتماعيًا هو من يعدّل استجاباته حسب السياق، دون أن يتخلى عن مبادئه. والمرونة هنا لا تعني التنازل بل الحكمة.

وفي محيط مليء بالمجاملات الكاذبة، يصبح رسم الحدود ضرورة. فيجب أن  لا تتورط في حوارات سامة، ولا ترد على كل كلمة. فالصمت الذكي والابتسامة الهادئة أدوات فعالة أحيانًا أكثر من المواجهة المباشرة. كن كما قال أحد الحكماء: "لينًا دون ضعف، حازمًا دون قسوة".

ولكن في نفس الوقت لا تقع في تلك الفخاخ (لا تخلط بين الذكاء الاجتماعي والتلاعب، لا تجامل على حساب قناعات، لا تجبر نفسك على التكيف مع أحد ) 
وفي الختام  في زمن النفاق وتغير الأخلاق الذكاء الاجتماعي لا يعني أن تُشبههم لتنجو، بل أن تتقن فن التعامل معهم دون أن تتلوث.

أن تفهم دوافعهم، دون أن تصاب بعدواهم.

أن تظل أخلاقيًا… بذكاء.

أن تكون محبوبًا… دون أن تكون مزيفًا.

أن تكون قويًا… دون أن تكون قاسيًا.

وأن تبقى وفياً لنفسك فهذا هو الدكاء الاجتماعي الحقيقي.

طباعة شارك الذكاء الاجتماعي القيم الأخلاقية المصالح الشخصية المظاهر الزائفة عالم النفس

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الذكاء الاجتماعي القيم الأخلاقية المصالح الشخصية عالم النفس الذکاء الاجتماعی أن تکون دون أن

إقرأ أيضاً:

الفنون تكتب مقاومة جديدة للعنف الإلكتروني ضد المرأة

في إطار حملة الـ16 يومًا من الأنشطة لمناهضة العنف ضد المرأة، نظّمت لجنة الفنون والثقافة بالمجلس القومي للمرأة ندوة بعنوان «العنف الإلكتروني ضد المرأة ومهارات النجاة – جروح بلا ندبات»، وذلك بحضور المستشارة أمل عمار رئيسة المجلس، والدكتورة إيناس عبد الدايم عضو المجلس ومقررة اللجنة ووزيرة الثقافة الأسبق، والدكتور رضا حجازي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني الأسبق، وعدد من عضوات وأعضاء اللجنة، إلى جانب طالبات وطلاب من جامعات عين شمس وحلوان والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، و أدارتها مها شهبة - عضو لجنة الثقافة والفنون بالمجلس.

3 ملايين ناخب في المنيا يدلون بأصواتهم ضمن إعادة انتخابات 5 دوائر

في كلمتها، أكدت المستشارة أمل عمار أن هذه الحملة العالمية ليست مجرد نشاط توعوي، وإنما هي تجديد سنوي للالتزام بحماية كل امرأة وفتاة تتعرض لأي شكل من أشكال العنف، وبخاصة العنف الإلكتروني الذي بات يمثل أحد أخطر التحديات المعاصرة.

وأشارت إلى أن العنف الإلكتروني لا يقتصر على الرسائل المسيئة أو التنمر أو انتهاك الخصوصية، حيث يمتد أثره ليصيب نفسية المرأة وأسرتها ومحيطها الاجتماعي، ويقوّض شعورها بالأمان في الفضاء الرقمي.

كما أكدت أن الدولة المصرية، بقيادة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أولت قضايا حماية وتمكين المرأة أولوية متقدمة، ومن ضمنها مواجهة العنف الإلكتروني. وشدّدت على أن الفنون والثقافة ليست ترفًا، بل قوة ناعمة قادرة على تشكيل الوعي المجتمعي ومواجهة خطاب الكراهية والتحرش والتنمر الرقمي، عبر تأثيرها الممتد في السينما والمسرح والموسيقى والأدب والفنون البصرية.

وأعربت المستشارة أمل عمار عن سعادتها بمشاركة قامات رفيعة من المبدعات والرموز الثقافية، مؤكدة أن وجودهن رسالة دعم قوية تُعزّز دور الثقافة والفن في حماية الفتيات وتعزيز وعي المجتمع بمخاطر الفضاء الإلكتروني.

كما شدّدت على أهمية بناء شراكات واسعة تشمل المؤسسات الثقافية والفنية، والجامعات، ووسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، والأسرة والمدرسة، لمواجهة هذا النوع من العنف.

واختتمت كلمتها بتقديم الشكر لكل فنانة ومثقفة ومبدعة جعلت من فنها صوتًا للمرأة، ومن ثقافتها جسرًا للدعم والحماية. وباسم المجلس القومي للمرأة، جدّدت الالتزام بمواصلة العمل على حماية نساء مصر وفتياتها، في الواقع وفي الفضاء الإلكتروني، حتى تنعم كل امرأة بالأمان والكرامة والاحترام.

شهدت الندوة جلسة حوارية تناولت دور الأدب والسينما والدراما في مكافحة العنف الإلكتروني، أدارتها الدكتورة جهاد محمود عواض أستاذ الأدب المقارن والنقد الأدبى الحديث المساعد بكلية الألسن جامعة عين شمس ، وعضوة اللجنة ، وتناولت الدكتورة جهاد محمود عواض فى كلمتها عرضا متمثلا فى مقارنة بين كاتبة مصرية وكاتبة صربية وتناولهما للعنف ضد المرأة مؤكدة أن ثقافة العنف لا تقتصر على ثقافة بعينها وإنما منتشرة فى كل الثقافات حتى الثقافة الصربية وفرقت بيت مصطلح " المجتمع " و" الدولة".

فيما أكدت الدكتورة ميرفت أبو عوف عضوة اللجنة وعميدة كلية الفنون البصرية و الإبداع بجامعة إسلسكا ضرورة إدماج الوعي الأكاديمي بمخاطر الذكاء الاصطناعي - والذي قذ يوظف في العنف الإليكتروني - في التعليم منذ المراحل المبكرة، مشيرة إلى أن التكنولوجيا الحديثة تنطوي على مخاطر حقيقية تستدعي استعدادًا أكاديميًا وإعلاميًا وأسريًا متكاملًا لمواكبة سرعة التطور التقني.

وتناولـت الفنانة وفاء الحكيم في كلمتها الدور المحوري للدراما باعتبارها فنًا مرئيًا يعكس الواقع ويؤثر فيه، مشيرة إلى أن المجتمع يشهد حالة من الازدواجية الثقافية رغم ما تحققه الدولة من تقدم وإنجازات، وأكدت على أن تعزيز ثقافة احترام الاختلاف ضرورة لحماية فئات ذوي الهمم من العنف والتنمر، داعية إلى إعادة المجتمع إلى قيم تقبّل التنوع والاختلاف.

واستعرضت الدكتورة ثناء هاشم الأستاذة بالمعهد العالي للسينما تأثير الفن عبر التاريخ، موضحة أن الفن يؤثر على المجتمع بالتراكم، وأن السينما المصرية شهدت ريادة نسائية منذ بداياتها. وأكدت أن التحديات الحالية تتطلب أعمالًا فنية تُصنع بحب وإيمان بدور الفن الوطني، خاصة في ظل قوة العادات والتقاليد.

وتناولت الروائية والكاتبة المصرية الأستاذة هالة البدرى دور الأدب فى توثيق ومقاومة العنف ضد المرأة .

تضمنت الندوة فقرة لتكريم رائدتين أسهمتا في تشكيل وتغيير وعي المجتمع بقضايا المرأة حيث قامت المستشارة أمل عمار بتكريم الكاتبة الصحفية الكبيرة سناء البيسي ، واسم الكاتبة الكبيرة الراحلة فتحية العسال، وتسلمت درع التكريم  الفنانة صفاء الطوخي، ابنة الكاتبة الراحلة.

كما شملت الندوة دائرة حكي بعنوان «كيف نفذن من الحائط الشفاف» ، حيث أكدت الكاتبة رشا عبد المنعم على أن العنف ضد المرأة قضية معقدة ذات أسباب متداخلة، تتطلب تكاتف المجتمع المدني والدولة، إلى جانب تعزيز الوعي وإحياء روح الفن والجمال للارتقاء بالإنسان والابتعاد عن مظاهر القسوة،كما تطرقت إلى تجربتها الشخصية داخل أسرتها، وسعيها لإقناع والدها بقدرتها على أن تصبح كاتبة مسرح، مؤكدة أن الحوار الهادئ وبناء الثقة كان لهما دور في تغيير الصورة الذهنية.

وتحدثت المخرجة عبير علي عن تجربتها الفنية، مشيرة إلى تأسيسها فرقة مستقلة تهتم بإعادة قراءة التاريخ غير المدوّن، وتغيير الصورة الذهنية للتاريخ الاجتماعي عبر الحكايات. وأوضحت أن التضييق في المساحات الثقافية والتعليمية يُضاعف من التحديات أمام المبدعات، لافتة إلى محدودية القيادات النسائية في المؤسسات الثقافية عالميًا، ومؤكدة أن «الحرية لا تُمنح بل تُنتزع بالجدارة والتميز»، وأن الاستثمار في تدريب الشباب بالمحافظات كان أحد أنجح مشروعاتها.

و عبّرت المخرجة والممثلة عبير لطفي، مؤسسة ورئيسة مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة، عن انزعاجها من استمرار مناقشة قضايا العنف ضد المرأة حتى عام 2026، موضحة أن شغفها بالإخراج وتدريب الشباب كان دافعًا رئيسيًا في رحلتها الفنية، ومؤكدة أن فكرة المهرجان انطلقت من ضرورة وجود منصة مسرحية تُبرز إسهامات المرأة. وأشارت إلى أن التحدي المالي كان الأبرز في بداية عمل المهرجان، بالإضافة إلى تحديات جائحة كورونا، معربة عن تقديرها لدعم أسرتها وزوجها لمسيرتها.

وحول إبداعات المرأة في المسرح، تحدّثت الفنانة سلوى محمد علي عن حضور المرأة الراسخ في المسرح المصري، مؤكدة أن هناك أعمالًا مسرحية عظيمة جسدت قضايا المرأة بعمق، وأن المرأة – مؤلفة ومخرجة وممثلة – أثبتت حضورًا قويًا، وأن طبيعة المرأة الثرية بالحساسية والجمال تجعلها أكثر قدرة على الإبداع، مشيرة إلى أن المسرح الأوروبي يرى أن المرأة المصرية على الخشبة أقوى من الرجل لاضطرارها إلى التعبير «بحيلة وذكاء» في مختلف أدوارها في الحياة، خصوصا كزوجة.

و قدمت الكاتبة  الصحفية أمل فوزي ورشة  عن «التعافي بالكتابة التعبيرية»، كتابةٌ تُرتِّب الداخل وتمنح الجُرح لغةً تمشي إلى الأمام، والتي أكدت أنها ليست رفاهية، بل ضرورة للتنفيس عن المشاعر وتعزيز التعافي النفسي، موضحة شروطها وأساليبها. وقدمت تدريبا عمليا للحاضرات من الفتيات والشباب على كيفية ممارستها للتعافي من الصدمات التي قد تنتج عن العنف

وفي مداخلة الدكتور اللواء  محمد رضا الفقي – رئيس قسم الطب النفسي والأعصاب بالأكاديمية الطبية العسكرية ووزير التربية والتعليم والتعليم الفني الأسبق – عبرعن سعادته بتواجده بالمجلس وتحدث عن التنمر والعنف الالكتروني ضد المرأة وتناول قضية التشافي بالكتابة بشكل منهجي وعلمي .

وفي الختام، وجّهت الفنانات المشاركات الشكر للدكتورة إيناس عبد الدايم لدعمها الثقافة المصرية ولدورها في «اختراق الحائط الشفاف» وتقديم نموذج لوزارة ثقافة منفتحة ومتحررة.

مقالات مشابهة

  • “قداسة البابا “: من الأسرة يخرج القديسون وهي التي تحفظ المجتمع بترسيخ القيم الإنسانية لدى أعضائها
  • د. إيمان شاهين تكتب: اتيكيت التعامل بين الأزواج في الإسلام
  • الفنون تكتب مقاومة جديدة للعنف الإلكتروني ضد المرأة
  • الذكاء الاصطناعي يكتب أكثر في 2026 لكن الصحافة البشرية لا تفقد قيمتها
  • شروط نتنياهو تكتب الفشل للمرحلة الثانية في غزة
  • برلماني: برنامج دولة التلاوة خطوة رائدة لتعزيز القيم الروحية والثقافية
  • د. منال إمام تكتب: الإنسان المصري.. حالة فريدة عبر الزمن
  • القصة الكاملة بعد حكم حبس أم سجدة عامين في اتهامها بالتعدي على القيم الأسرية
  • د. أمل منصور تكتب: بين الغياب كعقاب والغياب كحاجة نفسية
  • هل تكون «الترامبية» نهجًا سياسيًّا؟!