يلعب الدين دورا حيويا في تشكيل القيم والأخلاقيات التي تحدد هوية الفرد والمجتمع. ومع تزايد التأثيرات الثقافية العالمية، يصبح من الضروري فهم كيف يمكن للدين أن يعزز الهوية الثقافية؟ وكيف يمكن للأفراد والمجتمعات التكيف مع هذه التغيرات دون أن يفقدوا جوهرهم الثقافي؟

قال الشيخ منذر بن عبدالله السيفي: «إن العلاقة بين الدين والهوية الثقافية في مجتمعنا معقدة ومتشابكة، حيث يشكل الدين جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية، ويحدد الأخلاق والمبادئ والسلوكيات.

في المقابل، تتأثر الهوية الثقافية بالدين من خلال العادات والتقاليد وممارسة الشعائر، ومن المعروف أن الدين يواجه تحديات عدة في المجتمعات المعاصرة، حيث تتأثر الهوية بعوامل مثل العولمة والتغيرات الاجتماعية، الدين هو أكبر إيمان في حياة الإنسان، ويعبر عن الإيمان الذي يفسر سر الوجود، الإنسان، والكون، والحياة. لقد أدركت جميع الأمم أن قضية الهوية قضية محورية، وأن من لا ينتبه إليها سيذوب حتماً في ثقافة أخرى، مما يؤدي إلى فقدان ميزاته الخاصة، ويجب على مجتمعنا أن يحرص على هويته، وأن يكون واعيًا لأولئك الذين يحاولون تذويب هويتنا وطمس معالمها، بعيدًا عن الدين. فالمجتمع الذي يرغب في البقاء يجب أن يلتزم بهويته، ومن هنا تأتي أهمية أن تحرص كل دولة أو أمة على حماية هويتها ومواجهة غزو الثقافات الأخرى».

قيم ومعتقدات

وأضاف يلعب الدين دورًا محوريًا في تشكيل قيم الأفراد ومعتقداتهم الثقافية، من خلال تقديم إطار أخلاقي يحدد الهوية ويعزز التماسك الاجتماعي. يساهم الدين في توجيه السلوك وتشكيل القيم، بالإضافة إلى تحديد الأدوار والمسؤوليات في المجتمع. كما يوفر إطارًا لفهم العالم، ويمنح إحساسًا بالهدف والانتماء. لقد كان الدين جزءًا لا يتجزأ من الحضارة الإنسانية لقرون، حيث لعب دورًا مهمًا في تشكيل الثقافات والقيم الاجتماعية.

وأشار السيفي إلى أن الدين يؤثر أيضًا على العادات والتقاليد، حيث يشكل إطارًا أخلاقيًا وقيميًا يوجه سلوك الأفراد والجماعات، ويحدد ما هو مقبول وما هو مرفوض. يمتد تأثير الدين ليشمل مختلف جوانب الحياة، مثل التربية والزواج واللباس والممارسات الاقتصادية، وتعتبر الأعراف، كأفعال وأقوال متفق عليها من قبل المجتمع، مشابهة للتقاليد، حيث اعتاد الأفراد عليها بشكل تلقائي على مر الزمن. تعكس هذه الأعراف ثقافة المجتمع وإنجازاته الحضارية، وغالبًا ما تدخل كمصدر ومرجع في الكثير من القوانين. تختلف درجة تأثير الدين على الحياة العامة باختلاف الشعوب، وقد شهد هذا التأثير تقلبات عبر التاريخ. موضحا أن الدين يمكن أن يؤدي إلى تباين الهويات الثقافية بين الأفراد، حيث لا يقتصر الدين على كونه مجموعة من المعتقدات والممارسات الروحية، بل هو أيضًا نظام ثقافي يؤثر على القيم والأخلاق والسلوكيات.

وأشار الشيخ منذر إلى أن الدين يمكن أن يعزز التفاهم الثقافي بين المجتمعات المختلفة عبر تعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل والحوار البناء. كما يمكن أن يوفر الدين أرضية مشتركة للتعاون في القضايا الإنسانية، ويشجع على فهم وتقدير التنوع الثقافي. لا يمكن تصور وجود الهوية الثقافية دون وجود الإسلام، ولتحقيق التوازن، من الضروري تعزيز قيم التفاهم والاحترام بين الجميع وتعزيز الوعي بالثقافات المختلفة وتشجيع الحوار بين المجتمعات. علاوة على ذلك، ينبغي أن تكون القوانين والسياسات العامة شاملة، تعكس التنوع الثقافي للمجتمع، مثل ضمان حقوق الأقليات الثقافية وتشجيع مشاركتها في الحياة السياسية والاقتصادية، وتعزيز اللغات والثقافات المختلفة من خلال الإعلام والتعليم.

عصر العولمة

وأوضح أن الشباب يتعامل مع تأثير الدين على هويتهم الثقافية في عصر العولمة بطرق متعددة، حيث يواجهون تحديات وفرصًا متباينة. يسعى البعض للحفاظ على هويته الدينية والثقافية من خلال التمسك بالقيم والمبادئ الإسلامية، بينما يتأثر آخرون بالثقافات الأخرى ويتبنون مواقف أكثر انفتاحًا وتأقلمًا مع التغيرات العالمية. وتتسم ثقافة العولمة بخصائص معينة تجعلها قوية، حيث تُنقل عبر الوسائل الاتصالية الحديثة، وهي غالبًا ما تفرض من أعلى دون أن تعكس احتياجات محلية أو تلتزم بمضمون التراث الثقافي. تتضمن وسائل الغزو الثقافي الناعم تأثيرات الدعاية الثقافية، التي تسعى لنقل أفكار ومعلومات محددة.

تحديات

تواجه المجتمعات تحديات كبيرة في الحفاظ على هويتها الثقافية وهذه التحديات تشمل: تراجع دور الموروث الثقافي فقد يؤدي التمسك الشديد بالقيم الدينية إلى التجاهل أو التقليل من أهمية بعض جوانب التراث الثقافي غير الديني مما قد يؤدي إلى فقدان بعض الممارسات والتقاليد الثقافية، وصراع القيم فقد تنشأ صراعات بين القيم الدينية والقيم الثقافية التقليدية خاصة إذا كانت بعض الممارسات الثقافية تتعارض مع مبادئ أو تعاليم دينية معينة، والتفسيرات الدينية المتشددة التي قد تؤدي بعض التفسيرات الدينية المتشددة إلى فرض قيود على التعبير الثقافي أو الفني مما قد يؤثر على حريه الإبداع والابتكار، ويمكن لوسائل الإعلام الدينية أن تلعب دورا مهما في نشر القيم الدينية ولكنها قد تؤثر أيضا على الهوية الثقافية إذا لم يتم التوازن بين الجانبين، والجمود الثقافي الذي قد يؤدي إلى صعوبة التكيف مع التغيرات الاجتماعية مما يترتب عليه تراجع الاهتمام بالهوية الثقافية، ونقص الوعي بأهمية الحفاظ على الهوية الثقافية مما قد يؤدي إلى إهمال هذا الجانب، بالإضافة إلى محدودية الموارد فمجتمعاتنا تواجه تحديات في توفير الموارد اللازمة للحفاظ على التراث الثقافي مثل: ترميم المواقع التاريخية ودعم الكتاب والأدباء.

ويمكن استخدام الدين كوسيلة لتعزيز الهوية الثقافية دون انقسامات من خلال تعزيز الهوية الثقافية والتأكيد على القيم المشتركة والأخلاق الحميدة التي يتبناها الدين مع التركيز على الجوانب الإيجابية التي تجمع الناس بدلا من تلك التي تفرقهم وينبغي أن يكون هناك حوار مفتوح حول الدين وأهميته في تشكيل الهوية الثقافية مع التأكيد على احترام التنوع الديني حيث إن الدين له دور محوري في تشكيل الهوية الثقافية حيث يجمع بين العقيدة والقيم والتقاليد التي تشكل نسيجا متماسكا يعزز الوحدة بين الشعوب.

واختتم الشيخ منذر حديثه قائلا: «إن فهم العلاقة بين الدين والهوية الثقافية أمر بالغ الأهمية في بناء مجتمعات متماسكة ومتوازنة فالدين يلعب دورا محوريا في تشكيل الهوية الثقافية للأفراد والمجتمعات حيث يزودهم بقيم وأخلاقيات ومبادئ توجه سلوكهم وتفاعلاتهم الاجتماعية وأن هويتنا تكمن في الدين الإسلامي وأن فهم العلاقة بين الدين والثقافة لا يكتسب أهمية من الناحية النظرية والأكاديمية فقط بل له أهمية كبيرة من حيث التطبيقات الاجتماعية ووضع السياسات الثقافية».

وشدد السيفي على ضرورة أن يحافظ الشباب على الهوية الثقافية والقيم الإسلامية من خلال إحياء المناسبات الدينية التي تحمل في طياتها موروثات تاريخية وروحية عميقة، والحذر من الوقوع في الأفكار الهدامة المضللة التي تبثها الوسائل المعاصرة، كما حذر من التحديات الكبرى التي تواجههم مثل العولمة والتفكك الاجتماعي والتطرف الديني وتلقي الأفكار والعادات الدخيلة دون وعي أو تفكير.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الهویة الثقافیة ا فی تشکیل أن الدین یؤدی إلى من خلال قد یؤدی

إقرأ أيضاً:

مهرجان ظفار السياحي والفعاليات الثقافية المنتظرة

دأبت بلدية ظفار المشرفة على مهرجان ظفار السياحي على إقامة برامج ثقافية متنوعة حافلة بالمحاضرات والندوات والحوارات المفتوحة ضمن أنشطة المهرجان، بالإضافة إلى استضافة العديد من الكتَّاب والمثقفين والصحفيين من الوطن العربي لزيارة محافظة ظفار والتعرُّف على معالمها الأثرية وأنشطة المهرجان، أو إقامة محاضرات ثقافية متنوعة تلبي رغبة الجمهور المتعطش للمثاقفة والحوار المباشر مع الضيف الكاتب والمفكر.

لكن ذلك النشاط الثقافي توقف لأسباب غير معلومة وبالتأكيد ليس الجانب المالي هو العائق؛ بدليل أن إدارة المهرجان لا تزال ترعى العديد من الأنشطة التي تتطلب تكاليف مالية مثل النسخة الأولى من مهرجان ظفار المسرحي الدولي الذي أقيم العام الماضي في مدينة صلالة. وهنا لا يتّسع لنا المجال للحديث عن أهمية المهرجان ولا عن الجهة الرسمية التي يفترض بها حسب تخصصها الإداري الإشراف على المهرجان وإدارته، وإنما نتساءل عن غياب الفعاليات الثقافية ضمن أجندة المهرجان، كالندوات الفكرية والجلسات السردية والشعرية، مما يعني غيابها حرمان شريحة كبيرة من المجتمع من حضور الفعاليات الثقافية التي أثبتت أن الجمهور متشوق لها ويرغب في حضورها، وقد رأينا ذلك في مناسبات مماثلة سواء في معرض مسقط الدولي للكتاب، أو خلال الأيام الماضية التي تتوافد فيها أعداد غفيرة من الجنسين تجاوزت الألف ومائتي شخص لحضور ندوة فكرية في مجمع السلطان قابوس الشبابي للثقافة والترفيه بصلالة، ولم تتجاوز الكلفة المالية للمحاضرة ألف ريال عُماني.

تمثل الثقافة عنصر جذب سياحيا ولعلها من أهم الصناعات السياحية التي اتخذتها الخطط التنموية والرؤى الاستراتيجية ضمن أجنداتها لخلق سياحة ثقافية مستدامة كالمؤتمرات والندوات والمهرجانات الفنية والموسيقية والسينمائية، ولا يمكن استعراض الأمثلة ولا التذكير بالتجارب الناجحة والناجعة لقيام صناعات ثقافية ضمن مهرجانات سياحية دولية.

نأمل من إدارة مهرجان ظفار السياحي الاهتمام بالأنشطة الثقافية المستدامة، ويمكن لإدارة المهرجان إشراك الكيانات الثقافية في المحافظة المتمثلة في المبادرات الثقافية وفرع الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء ومكتبة دار الكتاب ومركز ظفار للثقافة والإبداع، في إدارة بعض الفعاليات ضمن الهوية الترويجية لمحافظة ظفار، مما يساهم في بناء عناصر بشرية وطنية تدير وتنشط الندوات والملتقيات، كإقامة معرض صلالة للكتاب بالتعاون مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب واتحاد الناشرين العرب ليكون مناسبة ثقافية دائمة، بالإضافة إلى إدراج فعاليات ثقافية كالأيام الثقافية الخليجية تتضمن فعاليات ثقافية خليجية، يتعرَّف الزائر خلالها على أبرز الأنشطة على الساحة الخليجية وأهم الإنتاجات الأدبية والفكرية والفنية، وهذا بحد ذاته عنصر جذب للجمهور من داخل سلطنة عُمان وخارجها.

إن المطلوب من المهرجانات السياحية أن تعمل مع المثقف والمؤسسة الثقافية جنبًا إلى جنب لتفعيل الخطط والاستراتيجيات الوطنية التنموية، وتحمّل المسؤولية لتحقيق أهداف الهوية الترويجية لكل محافظة، وبالتأكيد فإن النتائج المرجوة ستتحقق طالما تُنفذ الأعمال حسب الخطط الواضحة لخدمة الإنسان والوطن.

مقالات مشابهة

  • تحولات الهوية الثقافية الكردية في سوريا.. من القمع إلى التأصيل
  • وزير بحكومة جنوب أفريقيا يقترح مراجعة سياسات التمكين الإيجابي لإرضاء ترامب
  • وزير الشؤون الدينية بالجزائر: في عصر الذكاء الاصطناعي الأمة أمام تحديات كبيرة
  • الأجندة الثقافية في سوريا ليوم الثلاثاء ال12 من آب 2025
  • مهرجان ظفار السياحي والفعاليات الثقافية المنتظرة
  • عبد الله الثقافي البلنوري يمثّل الهند في مؤتمر الإفتاء
  • العلم يوضح كيفية هبوط القطط دائما على أقدامها
  • شرطة دبي توعي الجمهور بثقافة التشجيع الإيجابي
  • التعادل الإيجابي 1-1 يحسم مواجهة سموحة وطلائع الجيش بالدوري