خالد بن سالم الغساني

على مدى عقود استمر الاستيطان الصهيوني القمعي البغيض، للأراضي الفلسطينية، منذ وعد بلفور المشؤوم؛ الأرضية التي هيأت الطريق للاحتلال الاستيطاني الفعلي لفلسطين، ثم الانتداب البريطاني الذي منحته عصبة الأمم لبريطانيا بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، كمكافأة لها على دورها الاستعماري والتآمري ولإكمال حلقات المؤامرة؛ وما قامت به بريطانيا بعد ذلك من تسهيل ودفع بالهجرات اليهودية الى فلسطين ثم السماح بإنشاء مؤسسات صهيونية تمثلت في الوكالة اليهودية، التي عملت على بناء هياكل دولة موازية.

وقد انطلقت المقاومة الفلسطينية الأولى ضد الهجرات اليهودية المسنودة بالسياسات الاستعمارية البريطانية، وسنوات النكبة وإقامة دويلة الاحتلال، وما جاء بعد ذلك من مقاومة مسلحة من خلال تنظيم الشعب الفلسطيني لصفوفه وتشكيل فصائل النضال الفلسطيني المختلفة والمتعددة أساليب نضالها ومقاومتها للاحتلال، وما تلاها من انتفاضات شعبية، قبل وبعد اوسلو؛ فإن القضية الفلسطينية ظلت وستظل رمزاً للصمود والكفاح من أجل الحرية، تجسد نضال شعب مقاوم، سلبت منه أرضه وطرد شعبه، ونُكل به في الشتات وفي مخيمات اللجؤ، ومن تبقى منه أو عاد بعد أوسلو المشؤوم، وظن انه استقر، جاءت الأيادي الصهيونية الآثمة لتعيده إلى نقطة الصفر مرة أخرى وتدمر مساكنه على عروش ساكنيها، تقتل الأطفال، وفقاً لخطة معلومة؛ باعتبارهم مقاومي الغد، وتحاصر الجميع بعد أن تقطع كل وسائل الاتصال والتواصل والإمداد، معهم أو اليهم، إلا ما يريده ويقدره الكيان الاستيطاني وسماسرته، شعب لا يعرف الكلل أو الملل او الخوف والتراجع في سبيل استعادة حقوقه المشروعة في أرضه وهويته. 
ومنذ النكبة في العام 1948م التي شهدت تهجير مئات الآلاف وتدمير قرى بأكملها، أصبحت فلسطين المرآة الكبرى التي تعكس مدى التزام العالم بمباديء العدالة والحرية والكرامة. إنها معركة إنسانية تكشف عن مأساة مستمرة لشعب سُلبت منه أرضه، ونكل به وشرد من قبل قطعان الاستيطان الصهيوني، وتعددت اوجه ووسائل القتل والتشريد والتهجير ضده، وخذلان العالم لقضيتة ولشعبها، وتسليمه لقوى الشر الأمريكي والغربي وما تفعله وتأمر به في هذا الموضوع من اجل بقاء ودوام دويلة الاحتلال الاسرائيلي، ولتنفيذ سيطرتها على العالم وقيادته وتوجيهه وفقاً لحاجاتها ورغباتها.
لذلك فإن دعم فلسطين والوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية هو التزام أخلاقي بمبادئ المساواة والقيم الانسانية، وهو اختبار لصدق الشعارات الإنسانية التي ترفعها منظمة الأمم المتحدة وتتغنى بها.
فلسطين هوية وحضارة، واماكن طاهرة ومقدسة، تجسدت في القدس ومسجدها الأقصى، وفي بيت لحم مولد السيد المسيح وكنيسة المهد، في كل شجرة زيتون وحجر في حيفا ويافا والجليل وبيت المقدس، في كامل ترابها، إنها قضية ينبغي أن تجمع العالم وشعوبه على اختلاف أديانهم وثقافاتهم، لأنها تعبر عن جوهر الإنسانية، فالحق في العودة وتقرير المصير وإقامة دولة مستقلة ذات سيادة، هي حقوق غير قابلة للتصرف، هكذا كرستها القوانين والمواثيق الدولية، وقد سقط من اجلها الاف الشهداء وهُجّر وشُرّد ونُكّل بشعب كامل، لكنها ما زالت تنتظر التنفيذ. 
فلسطين؛ شمس تشرق كل يوم، لتذكّرنا بأن كرامة الإنسان وحريته هي أساس الحضارة، وأن التضامن مع المظلوم واجب ملزم التنفيذ، إنها رمز وايقونة للنضال ضد الاحتلال والاستعمار، وكم ألهمت قضية فلسطين ونضال شعبها من حركات تحررية عالمية، مؤكدة أن الصمود الفلسطيني هو فعل إنساني مشروع، يصحح ويرسخ معنى التضحيات من أجل الوطن ويصوغ تعريفه.
رغم كل تلك التضحيات والمآسي، وأهمية القضية، واعتراف العالم كله بمشروعيتها، إلا أنها لا زالت تواجه تحديات كبيرة، بفعل مؤامرات الصهيونية العالمية وعقليات الاستعمار الأمريكي والغربي، التي ما انفكت تضع في طريقها العراقيل الكبرى واحدة تلو الأخرى، بدءاً من التطبيع الذي يسعى لتغييب الحق الفلسطيني، مروراً بالتخاذل والتراخي العربي المستمر، إلى الصمت الدولي المريب والضالع في المؤامرة التي تعزز من قدرة القوى الاستعمارية والصهيونية على الإفلات من العقاب، وتمييع الأنظمة وابتداع الوسائل لذلك. 
إن هذه التحديات تزيد من مسؤولية الأفراد والشعوب الحرة وتحملهم مسؤولية القيام بواجبهم الإنساني تجاه دعم قضية فلسطين وكفاح شعبه الشرعي، وبشتى الوسائل، سواء من خلال دعم حركات المقاومة، أو نشر الوعي، أو المقاطعة للكيان الصهيوني وكل داعميه، أو المشاركة في الأنشطة التضامنية؛ فكل خطوة نخطوها في هذا الإطار تقرِّب العالم من تحقيق العدالة، ففلسطين لم تعد قضية الفلسطينيين وحدهم ولا العرب وحدهم، إنها القضية التي ينبغي أن توجه لها وإليها بوصلة العالم أجمع وضميره. 
إن الصور التي تظهر تدمير كل شيء وسحق أي شيء، واستهداف المدنيين بشكل مخطط وممنهج، من قبل آلة الكيان الاستيطاني، تقول لنا ولكل أحرار العالم إن الصمت تجاه هذه القضية، هو تواطؤ مع الظلم، وتدعونا وتستصرخنا لأن نُفعّل وننظم  حركات التضامن العالمية، وكل أشكال المقاطعة، وخروج المظاهرات المليونية في عواصم العالم المختلفة، تضامناً مع الشعب الفلسطيني في كل ما يواجهه ضد سلطات الإحتلال، لتعزز من صموده وتلهم حماسه لاستمرار المقاومة وتحدي أعتى أشكال القتل والدمار الذي تمارسه الصهيونية العالمية. ولتقول للقوى والعقليات الإستعمارية والاستيطانية، إن فلسطين رمز لكل شعب يناضل من أجل الحرية. 

قضية فلسطين اليوم هي شاخص بوصلة احرار وشرفاء العالم الأولى، لا بد أن تكون حاضرة باستمرار في ضمائرنا ومواقفنا، فكل صوت يرتفع من أجل فلسطين، وكل خطوة تُتخذ في سبيلها، هي خطوة نحو عالم أكثر عدلاً وإنسانية.
فلتظل قضية فلسطين، القلب النابض للعدالة، والنور الذي يهدي الضمائر حتى تتحقق أحلام شعبها في استعادة كامل حقوقه على تراب ارضه وحريته وكرامته. 

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: قضیة فلسطین من أجل

إقرأ أيضاً:

مدبولي عن جدل اتفاقية الغاز : تعود لـ 2019 ولن تؤثر على موقفنا من القضية الفلسطينية

قال الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء إن الحكومة تطور القاهرة الخديوية مع الحفاظ على المباني التراثية، لافتا إلى أن الحكومة تعمل على استغلال أصول الدولة غير المستغلة، خاصة أن هناك عددا من أصول الدولة تم تغير نشاطها ، ونعمل على إعادة أحياء قلب القاهرة التاريخية.

وأضاف مدبولي أن وزارة الكهرباء سجلت رقما قياسيا 39500 ميجاوات استهلاكا للكهرباء مؤكدا أن هذا أقصى حمل شهدته الدولة في تاريخها .

وأكمل أنه تم مد أجل اتفاقية مع شركة "نيو ميد إنرجي"، الشريك الرئيسي في حقل "ليفياثان" البحري الإسرائيلي للغاز الطبيعي، مؤكدا أن هذا الاتفاق منذ 2019.

وأشار إلى أن توقيع تعديل على اتفاقية تصدير الغاز إلى مصر، لزيادة كميات التوريد بشكل كبير، مؤكدا أن تمديد الاتفاقية لن يؤثر على موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية وأن مصر تدعم القضية الفلسطينية بكل جهد.

وشدد على أن موقف مصر ثابت ولا تؤثر على مواقفها السياسية التى لولاها ولولا مواقفها الثابتة، لا أحد يعرف كيف ستكون الأوضاع، مؤكدا: "موقف مصر ثابث ولم ولن يتأثر".

طباعة شارك مدبولي استغلال أصول الدولة الكهرباء

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية يبحث مع مفوضة الاتحاد الأوروبي للمتوسط تطورات القضية الفلسطينية
  • تونس: تصريحات نتنياهو عن إسرائيل الكبرى محاولة لتصفية القضية الفلسطينية
  • محمد عيد: إسرائيل الكبرى وهم استعماري .. والمصريون موحدون خلف القضية الفلسطينية
  • مستقبل وطن: الاستيطان الإسرائيلي جريمة مكتملة الأركان ومحاولة فاشلة لتصفية القضية الفلسطينية
  • فتح: الحكومة الإسرائيلية شرعت في تنفيذ مخطط تصفية القضية الفلسطينية
  • مصر القومي يدين مصطلح إسرائيل الكبرى ويؤكد: القاهرة ثابتة في رؤيتها لحل القضية الفلسطينية
  • مدبولي عن جدل اتفاقية الغاز : تعود لـ 2019 ولن تؤثر على موقفنا من القضية الفلسطينية
  • مدبولي: مصر والأردن شريكان في دعم القضية الفلسطينية
  • عضو المجلس الوطني الفلسطيني: مصر ثابتة في موقفها تجاه القضية