في مقال مطول نشرته مجلة (+972) الإسرائيلية الإلكترونية، رسم الكاتب الفلسطيني محمد شحادة صورة مأساوية تعكس حجم الدمار الذي طال كل مظاهر الحياة في قطاع غزة، جراء الحرب الشرسة التي تشنها قوات الاحتلال وما تزال تدور رحاها حتى اليوم، بعد مرور عامين على هجوم حركة حماس داخل إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

ووفق الكاتب فقد تحولت غزة إلى مكان أضحى فيه الموت حدثا يوميا وبات البقاء على قيد الحياة أمرا شبه مستحيل، وبدا الصمت فيه أبلغ من أي نداء للعدالة، مبرزا أن فلسطين غدت بعد مرور عامين على طوفان الأقصى مقبرة الإستراتيجيات الفاشلة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لوموند دبلوماتيك: هكذا تواطأت أوروبا مع إسرائيل في إبادة غزةlist 2 of 2مؤرخ إسرائيلي: تغييب الوعي جعل الإسرائيليين لا يفهمون سبب أحداث 7 أكتوبرend of list

وأكد أن ما منح إستراتيجية حماس في المقاومة المسلحة شرعيتها لدى الفلسطينيين لم يكن الإيمان بالعنف في حد ذاته، بل فشل كل البدائل الأخرى المتمثلة في المفاوضات والدبلوماسية والمناصرة في الهيئات والمحاكم الدولية، والإقناع الأخلاقي، ناهيك عن المقاومة السلمية.

وأشار شحادة -وهو من فلسطينيي غزة ويعمل محللا سياسيا وزميلا زائرا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية- إلى أنه كان في الأيام الأولى التي أعقبت هجوم حماس، يتحدث مع أحبائه في غزة عبر الهاتف كلما استطاع إلى ذلك سبيلا.

وقال "كنت أدرك أن كل مكالمة قد تكون الأخيرة التي أسمع فيها أصواتهم، كانت أحاديثنا تدور حول الألم واليأس والخوف من أن الموت يقترب. بعضهم أبلغني بوصاياه الأخيرة، وآخرون تمنوا الموت راحة من هذا العذاب الأبدي".

وأضاف أن أجساد أحبائه بدت -بعد مرور 24 شهرا- كالأشباح جراء القصف المستمر والتجويع والتهجير، وتحوَّلوا إلى باحثين عن لقمة عيش ومأوى، يطاردهم الجنود الإسرائيليون أينما فروا، وكل تفصيلة في حياتهم غدت صراعا مؤلما للبقاء.

من الصعب -برأيه- التنبؤ بتأثير الصدمة الجماعية الناتجة عن إبادة غزة في قناعات الفلسطينيين على المدى البعيد، لكن في الآونة الأخيرة برز اتجاهان رئيسيان، يبدوان للوهلة الأولى متناقضين.

إعلان

فمن جهة، هناك "سخط متزايد" تجاه حركة حماس بسبب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حتى داخل صفوفها وقيادتها العليا، حسب زعمه.

أجساد أحبائي بدت، بعد مرور 24 شهرا، كالأشباح جراء القصف المستمر والتجويع والتهجير، وتحوَّلوا إلى باحثين عن لقمة عيش ومأوى، يطاردهم الجنود الإسرائيليون أينما فروا، وكل تفصيلة في حياتهم غدت صراعا مؤلما للبقاء

وذكر شحادة أن مسؤولين عربا -دون أن يكشف عن هوياتهم- أخبروه أن الرئيس السابق للمكتب السياسي لحماس خالد مشعل وآخرين من الجناح المعتدل، وصفوا الهجوم في جلسات مغلقة بأنه "متهور" و"كارثة"، كما انتقدوا طريقة إدارة الحركة للحرب.

ومن جهة أخرى، كانت الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة وتهديدها بتهجير السكان من القطاع، سببا في تحول بعض ألد خصوم حماس إلى أبرز مؤيديها.

وبحسب المقال، فإن الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل منذ عامين لم تُخلِّف وراءها الدمار والجثث فقط، بل أفرغت أيضا مصطلحات مثل "حصار" و"مقاومة" و"إبادة" من معانيها بسبب كثرة التكرار وعجزها عن وصف حجم الكارثة اليومية في غزة.

الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة وتهديدها بتهجير السكان من القطاع كانا سببا في تحول بعض ألد خصوم حماس إلى أبرز مؤيديها

ولاحظ شحادة أن هناك خوفا واسع النطاق، حتى لدى منتقدي هجوم الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول قبل عامين، من أنه في حال سُحقت حماس، فإن إسرائيل ستحتل قطاع غزة إلى أجل غير مسمى دون أي اعتراض دولي يُذكر، "ووفقا لهذا الرأي، لا يمكن منع الاستيلاء الدائم والتطهير العرقي الكامل إلا باستمرار الكفاح المسلح الذي تنتهجه حركة حماس".

ويرى أن هذا التأييد للمقاومة المسلحة سيظل قائما، "بل وقد يزداد" ما دامت الإبادة مستمرة، أو إذا بقي الجيش الإسرائيلي داخل غزة بعد وقف إطلاق النار ليمنع إعادة إعمار القطاع.

لكنه يعتقد أنه إذا أُبرم اتفاق اليوم يتضمن انسحابا إسرائيليا كاملا ورفعا للحصار الخانق وما يترتب عليه من أفق سياسي واضح، فسيزول الدافع لتمسُّك الغزيين بالكفاح المسلح، بل إن كثيرين ممن يؤيدون هذا النهج سيكونون أول من يدين حماس بمجرد انتهاء الحرب، على حد تعبيره.

ولفت إلى أن كل تلك البدائل عن العنف قوبلت جميعها بصمت عالمي بينما ظلت إسرائيل تضاعف من قتل سكان غزة وطردهم من ديارهم.

وذكر أنه كلما يسأل قادة حماس عن سبب رفضهم الاعتراف بإسرائيل رسميا ونبذ العنف، كانت إجابتهم واحدة أن "رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن فعل كل ذلك وأكثر، وهو الآن يتعاون مع إسرائيل. هل يمكنك أن تذكر شيئا واحدًا جيدًا قدموه له مقابل ذلك؟".

ثم يشرحون كيف أن إسرائيل لا تكتفي بتجاهل تنازلات عباس، بل تُذل السلطة الفلسطينية وتُعاقبها وتُشيطنها.

معاناة الغزيين في الحصول على لقمة العيش وسط سياسة التجويع المستمرة (الجزيرة)

ويقول إن حماس تدرك ذلك جيدا، مضيفا أنها لهذا أبلغت الوسطاء خلال المفاوضات الجارية حاليا في مصر بشأن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب استعدادها لتسليم الأسلحة الهجومية مع الاحتفاظ بـأسلحة دفاعية خفيفة، مثل البنادق وصواريخ مضادة للدبابات.

ويخلص إلى أن حماس تخشى أن يؤدي نزع السلاح الكامل إلى فراغ أمني في غزة قد تملؤه جماعات سلفية أو جهادية أو عصابات إجرامية، مثل ميليشيا "أبو الشباب" المدعومة من إسرائيل، أو حتى من تعرضها لانتقام شعبي، على حد زعمه.

ويستبعد الكاتب أن تشن حماس هجوما جديدا في المستقبل المنظور على غرار ما فعلته في الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بعدما فقدت عنصر المفاجأة، وأصبحت إسرائيل أكثر استعدادا.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات ترجمات أکتوبر تشرین الأول إسرائیل فی بعد مرور فی غزة

إقرأ أيضاً:

باحث سياسي: نتنياهو يدرك ضعف موقفه الانتخابي ويسعى لإبقاء إسرائيل في حالة حرب

أكد جهاد حرب  مدير مركز ثبات للبحوث، أن الاتهامات التي يواجهها بنيامين نتنياهو قد تزيد من الضغوط الداخلية ضده، لكنها لا تتضمن اعترافًا بالذنب، كما يظهر في الطلب الذي قدمه، والذي يرافقه رفض صريح للاعتزال السياسي.

نتنياهو يماطل وواشنطن تصمت .. هل بدأت مرحلة تكريس حدود جديدة داخل غزة؟|خبير يجيبواشنطن تمنح نتنياهو مساحة للمماطلة.. ملامح المرحلة المقبلة في خطة ترامب للمنطقةخبير إسرائيلي يكشف: ترامب قادر على إجبار «نتنياهو» على التهدئة في الشرق الأوسط |فيديوضياء رشوان: حكومة نتنياهو ترى المرحلة الثانية من اتفاق غزة كلها خسائر

وأوضح، خلال مداخلة على قناة القاهرة الإخبارية، أن هذا الموقف يثير غضبًا واسعًا لدى سياسيين وشرائح داخل المجتمع لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي، في ظل نقاش قانوني تُجريه الرئاسة الإسرائيلية والدوائر الفنية حول طلب العفو.

وأشار حرب إلى أن الإجراءات القانونية الجارية، سواء المحاكمة أو الحديث عن العفو، لا يتوقع أن تؤثر على قرارات نتنياهو أو قدرته على إدارة الحكومة، نظرًا لامتلاكه ائتلافًا حكوميًا قويًا يضم 68 مقعدًا في الكنيست، موضحًا، أنّ هذا الائتلاف يمكّنه من تمرير ما يشاء من تشريعات واتخاذ قرارات على مستوى السياسات العامة.

وأوضح حرب أن نتنياهو يدرك ضعفه الانتخابي حال إجراء انتخابات جديدة، وفق ما تظهره استطلاعات الرأي التي لا تمنحه فرصة حصول على أغلبية مريحة داخل الكنيست، لذلك يسعى إلى تحقيق هدفين رئيسيين: الحفاظ على تماسك الائتلاف الحكومي رغم تناقضاته، والإبقاء على دولة الاحتلال الإسرائيلي في حالة حرب، سواء في غزة أو لبنان أو سوريا أو حتى مع إيران.

واختتم جهاد حرب أن نتنياهو يتبع سياسة الهروب إلى الأمام من أجل الحفاظ على بقائه في الحكم، رغم تراجع مكانته الشعبية، مؤكدًا أن أي انتخابات قادمة قد تشهد تضررًا أكبر في موقعه السياسي داخل دولة الاحتلال.

طباعة شارك غزة قطاع غزة نتنياهو الاحتلال فلسطين

مقالات مشابهة

  • إقرار إسرائيلي بالمسؤولية عن الفشل الاستخباراتي في هجوم 7 أكتوبر
  • خبير سياسي: مصر ترفض أي وجود أجنبي في غزة.. وتدعو لإدارتها من لجنة تكنوقراط
  • خبير سياسي: ترامب وضع مكابح واضحة لتحجيم تجاوزات نتنياهو
  • بعد عامين… تحرّك في الكونغرس لمساءلة إسرائيل عن استهداف صحافيين
  • خبير سياسي: مصر الوحيدة التي تواجه المشروع الدولي لتقسيم سوريا وتفكيك الدولة
  • حماس تستهجن تقرير "العفو الدولية" الذي يزعم ارتكاب جرائم يوم 7 أكتوبر
  • خبير سياسي: سوريا وإسرائيل.. توتر مستمر وضربات متفرقة دون إعلان حرب
  • سياسي فلسطيني: إسرائيل لا تزال متمسكة باستراتيجيتها العسكرية تجاه الجنوب اللبناني
  • كشف تفاصيل عملية سرّية إسرائيلية بغزة قبل يوم من هجوم 7 أكتوبر
  • باحث سياسي: نتنياهو يدرك ضعف موقفه الانتخابي ويسعى لإبقاء إسرائيل في حالة حرب