لجريدة عمان:
2025-12-14@09:06:31 GMT

لماذا سيستمر الاضطراب العالمي الحالي؟

تاريخ النشر: 14th, October 2025 GMT

ترجمة: بدر الظفري

تشير الأحداث الجارية في العالم إلى تصاعد الفوضى في النظام الدولي؛ فمجموعة القوانين التي وُضعت قبل عقود لضمان السلام والتعايش والتنمية، باتت اليوم تُنتهك باستمرار، وبصورة فاضحة في كثير من الأحيان.

تُذكّرنا الحروب في أوكرانيا وغزة وساحات أخرى بهذه الحقيقة القاتمة يومًا بعد يوم، وهي أن أسس القانون الدولي آخذة في التآكل، وربما تتدهور أكثر في المستقبل القريب.

في الأيام الأخيرة، قامت إسرائيل بمصادرة قوارب تابعة لعدة دول في المياه الدولية كانت متجهة إلى غزة لإيصال المساعدات الإنسانية، كما مدّت سيادتها الفعلية إلى المياه المقابلة لشواطئ غزة، في خرقٍ واضح للقانون الدولي.

من حيث المبدأ، يتفق الجميع على أن قيام نظام دولي عادل ومستقر يتطلب تطبيق معايير موحدة. ويجب أن تُحاسَب الدول على أفعالها غير القانونية، وعلى انتهاكها للسلامة الإقليمية والسياسية للدول الأخرى، سواء عبر التدخل العسكري أو الإكراه الاقتصادي، (استخدام الضغوط الاقتصادية لتحقيق أهداف سياسية.)

لكننا اليوم نشهد تجاوزًا حتى لأقدس مبادئ العلاقات الدولية، وهي حرمة البعثات الدبلوماسية والقنصلية، وحقّ الدول في ممارسة دبلوماسيتها بأمان ضمن حدود قوانين الدولة المضيفة.

ففي حرب كوسوفو عام 1999، قصفت طائرات حلف شمال الأطلسي السفارة الصينية في بلغراد. ولم تصدّق بكين التبرير الرسمي القائل إن القصف كان «حادثًا». وفي العقد الثاني من الألفية، تبيّن أن سفارة الولايات المتحدة في برلين كانت تضم على سطحها أجهزة تجسس ضخمة استُخدمت لمراقبة مؤسسات الحكومة الألمانية، حتى هاتف المستشارة أنغيلا ميركل الشخصي. وفي العام الماضي، قصفت إسرائيل المقرّ الدبلوماسي الإيراني في دمشق وقتلت عدة أشخاص، ثم أعلنت صراحة مسؤوليتها عن هذا العمل غير القانوني، زاعمةً أن المبنى «منشأة عسكرية» وليس سفارة. مأزق السفارة الصينية

وفي عالم الدبلوماسية المعقد، تمثل السفارات رموزًا قوية لحضور الدول وأولوياتها، وتجسّد شبكة العلاقات الثنائية بين الأمم. واليوم، ثمة خلاف حاد في بريطانيا حول الموقع الجديد المقترح للسفارة الصينية في لندن.

تسعى بكين منذ سنوات إلى نقل سفارتها من موقعها الحالي في شارع بورتلاند إلى مجمعٍ أوسع وأكثر حداثة في موقع «أولد رويال منت كورت» التاريخي. ظاهريًا يبدو الأمر مجرد تطوير دبلوماسي روتيني، لكن المشروع واجه اعتراضات محلية ومخاوف أمنية أدت إلى جمودٍ تام في الإجراءات.

وترى الصين أن هذا التعطيل انتهاك للأعراف الدبلوماسية، مؤكدة أن من حقها كدولة ذات سيادة تأمين بعثاتها الدبلوماسية، وهو مبدأ نصّت عليه اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية. وتعدّ بكين الرفض البريطاني قرارًا سياسيًا تغذيه الشكوك الغربية تجاه صعودها العالمي، ويمسّ بسيادتها وكرامتها.

ويبدو أن في ذلك ازدواجية معايير صارخة، وهي ظاهرة باتت الدول الغربية الديمقراطية تُتقنها مؤخرًا، إذ إن مبنى السفارة الأمريكية الضخم على ضفة نهر التايمز لم يواجه أي عقبات مماثلة.

من المرجّح أن واشنطن مارست ضغوطًا على لندن لمراجعة موقع السفارة الصينية، إلا أنه سيكون غريبًا أن تخضع حكومة كير ستارمر لذلك، وهي التي أبدت جرأة في الآونة الأخيرة حين خالفت الموقف الأمريكي باعترافها بدولة فلسطين.

ورغم خصوصية هذه القضية، فإنها تثير سؤالًا أوسع، وهي أنه في القرن الحادي والعشرين، يجب احترام مبدأ السيادة الوطنية بالتساوي بين جميع الدول، فلا يجوز أن يكون مفهومًا مرنًا يُطبّق وفق مصالح الديمقراطيات الغربية فقط.

تقويض النظام الدولي

لطالما قدّمت الولايات المتحدة نفسها دولة حامية للنظام العالمي القائم على القوانين العادلة، وهو نظام يستند إلى مبدأ السيادة الذي أقرّته معاهدة وستفاليا في القرن السابع عشر، إلا أن ممارساتها المتكررة أثبتت أنها من أكثر الدول انتهاكًا لذلك المبدأ.

فمن حرب كوسوفو عام 1999 إلى غزو العراق عام 2003 الذي بُرّر بادعاءات باطلة حول «أسلحة الدمار الشامل»، نرى سجلًا حافلًا من التجاوزات. وقد جرى الغزو دون تفويض واضح من مجلس الأمن، ما اعتُبر انتهاكًا صريحًا لسيادة العراق.

كما أن برامج الطائرات الأمريكية من دون طيار في باكستان واليمن والصومال وغيرها، والتي نفّذت «اغتيالات محددة» خارج أراضيها ومن دون إعلان حرب، تمثّل تحديًا صارخًا لمبدأ السيادة. فبينما تزعم واشنطن أن تلك العمليات دفاعٌ مشروع عن النفس ضد الإرهاب، ترى الدول المستهدفة أنها خرقٌ لسلامتها الإقليمية.

يضاف إلى ذلك القوانين الأمريكية العابرة للحدود، مثل العقوبات المفروضة على الشركات التي تتعامل مع إيران أو كوبا، إذ تُجبر الكيانات الأجنبية على الالتزام بالسياسة الأمريكية تحت طائلة الطرد من النظام المالي الأمريكي، وهو ما يعدّه كثيرون تغوّلًا سياسيًا واقتصاديًا أمريكيًا.

المفارقة إذن واضحة، فعندما تنتهك الولايات المتحدة سيادة الدول الأخرى، تُبرّر أفعالها باسم «الأمن العالمي» أو «حقوق الإنسان» أو «الحفاظ على النظام الدولي». أما عندما تسعى الصين إلى ممارسة حقوقها الدبلوماسية، فتُواجَه بمعايير مختلفة ولجان تخطيط ومخاوف «أمنية».

إن الخلاف حول السفارة الصينية في لندن يختزل خللًا أعمق في النظام الدولي المعاصر، حيث لم يعد مبدأ السيادة قانونًا ثابتًا، بل أداة دبلوماسية تُستخدم بمرونة تبعًا لقوة الدولة وموقعها الجيوسياسي.

لكن السيادة لا يمكن أن تكون طريقًا باتجاهٍ واحد. فإلى أن تتفق القوى الكبرى على تطبيق هذا المبدأ الأساسي بالتساوي على نفسها كما على خصومها، ستظل أسس القانون الدولي والاحترام المتبادل هشة، وسيسود الشك وعدم الاستقرار لسنوات قادمة. إن الفوضى العالمية الراهنة لن تتوقف، بل ربما تتفاقم.

ماركو كارنيلوس دبلوماسي إيطالي سابق

الترجمة عن ميدل إيست آي

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السفارة الصینیة النظام الدولی مبدأ السیادة

إقرأ أيضاً:

زاخاروفا: الدول الغربية لم تدعم القانون الدولي

أعلنت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن الدول الغربية لم تعد تدعم القانون الدولي، بل باتت تدعم ما تسميه النظام القائم على القواعد.

بوتين: التجارة بين روسيا وإيران تسجل نموا روسيا ترد على زيلينسكي بشأن أراضي دونباس

وقالت زاخاروفا، خلال كلمتها في منتدى "حوار حول الأخبار الزائفة 3.0"، المنظم من قبل الجمعية الدولية للتدقيق في الأخبار:"العديد من دول العالم بل الأغلبية تؤيد القانون الدولي، وترى فيه الأساس الحقيقي لاستعادة العلاقات أو ببساطة للمضي قدما. لكن بعض الدول، وهي أقلية، وتحديدا الدول الغربية وأعضاء الناتو والدول المتحالفة معه، لم تعد تدعم منظومة القانون الدولي. عوضا عن ذلك، تقدم ما يسمى بالنظام الجديد القائم على القواعد".

مقالات مشابهة

  • مجلس السيادة يعلن قصف قوات الدعم السريع مقرًا للأمم المتحدة ويوجه دعوة عاجلة للمجتمع الدولي
  • السودان بين العواصف الدبلوماسية وتضييق الخناق الدولي على المليشيات وتصاعد الأزمة الإنسانية
  • بوتين وأردوغان: محاولات الاستيلاء على الأصول الروسية ستقوض النظام المالي الدولي
  • زاخاروفا: الدول الغربية لم تدعم القانون الدولي
  • العراق يدعو لاستئناف الجهود الدبلوماسية بين إيران والمجتمع الدولي
  • أوهام الازدهار العالمي.. تفكيك أسباب الفقر في عالمٍ يزداد غنى .. كتاب جديد
  • لماذا لا نستقبل أشخاصًا من السويد؟.. ترامب يعيد استخدام وصف الدول القذرة ويصعّد خطابه ضد الهجرة
  • لماذا نستقبل أشخاصًا من السويد؟.. ترامب يعيد استخدام وصف الدول القذرة ويصعّد خطابه ضد الهجرة
  • عاصم سليمان: الرئيس السيسي أيقونة الدبلوماسية الدولية وبوصلة السلام العالمي
  • أكاديمية البحث العلمي: نسعي لتفعيل الدبلوماسية العلمية على الصعيد الدولي