لجريدة عمان:
2025-10-15@00:54:38 GMT

لماذا سيستمر الاضطراب العالمي الحالي؟

تاريخ النشر: 14th, October 2025 GMT

ترجمة: بدر الظفري

تشير الأحداث الجارية في العالم إلى تصاعد الفوضى في النظام الدولي؛ فمجموعة القوانين التي وُضعت قبل عقود لضمان السلام والتعايش والتنمية، باتت اليوم تُنتهك باستمرار، وبصورة فاضحة في كثير من الأحيان.

تُذكّرنا الحروب في أوكرانيا وغزة وساحات أخرى بهذه الحقيقة القاتمة يومًا بعد يوم، وهي أن أسس القانون الدولي آخذة في التآكل، وربما تتدهور أكثر في المستقبل القريب.

في الأيام الأخيرة، قامت إسرائيل بمصادرة قوارب تابعة لعدة دول في المياه الدولية كانت متجهة إلى غزة لإيصال المساعدات الإنسانية، كما مدّت سيادتها الفعلية إلى المياه المقابلة لشواطئ غزة، في خرقٍ واضح للقانون الدولي.

من حيث المبدأ، يتفق الجميع على أن قيام نظام دولي عادل ومستقر يتطلب تطبيق معايير موحدة. ويجب أن تُحاسَب الدول على أفعالها غير القانونية، وعلى انتهاكها للسلامة الإقليمية والسياسية للدول الأخرى، سواء عبر التدخل العسكري أو الإكراه الاقتصادي، (استخدام الضغوط الاقتصادية لتحقيق أهداف سياسية.)

لكننا اليوم نشهد تجاوزًا حتى لأقدس مبادئ العلاقات الدولية، وهي حرمة البعثات الدبلوماسية والقنصلية، وحقّ الدول في ممارسة دبلوماسيتها بأمان ضمن حدود قوانين الدولة المضيفة.

ففي حرب كوسوفو عام 1999، قصفت طائرات حلف شمال الأطلسي السفارة الصينية في بلغراد. ولم تصدّق بكين التبرير الرسمي القائل إن القصف كان «حادثًا». وفي العقد الثاني من الألفية، تبيّن أن سفارة الولايات المتحدة في برلين كانت تضم على سطحها أجهزة تجسس ضخمة استُخدمت لمراقبة مؤسسات الحكومة الألمانية، حتى هاتف المستشارة أنغيلا ميركل الشخصي. وفي العام الماضي، قصفت إسرائيل المقرّ الدبلوماسي الإيراني في دمشق وقتلت عدة أشخاص، ثم أعلنت صراحة مسؤوليتها عن هذا العمل غير القانوني، زاعمةً أن المبنى «منشأة عسكرية» وليس سفارة. مأزق السفارة الصينية

وفي عالم الدبلوماسية المعقد، تمثل السفارات رموزًا قوية لحضور الدول وأولوياتها، وتجسّد شبكة العلاقات الثنائية بين الأمم. واليوم، ثمة خلاف حاد في بريطانيا حول الموقع الجديد المقترح للسفارة الصينية في لندن.

تسعى بكين منذ سنوات إلى نقل سفارتها من موقعها الحالي في شارع بورتلاند إلى مجمعٍ أوسع وأكثر حداثة في موقع «أولد رويال منت كورت» التاريخي. ظاهريًا يبدو الأمر مجرد تطوير دبلوماسي روتيني، لكن المشروع واجه اعتراضات محلية ومخاوف أمنية أدت إلى جمودٍ تام في الإجراءات.

وترى الصين أن هذا التعطيل انتهاك للأعراف الدبلوماسية، مؤكدة أن من حقها كدولة ذات سيادة تأمين بعثاتها الدبلوماسية، وهو مبدأ نصّت عليه اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية. وتعدّ بكين الرفض البريطاني قرارًا سياسيًا تغذيه الشكوك الغربية تجاه صعودها العالمي، ويمسّ بسيادتها وكرامتها.

ويبدو أن في ذلك ازدواجية معايير صارخة، وهي ظاهرة باتت الدول الغربية الديمقراطية تُتقنها مؤخرًا، إذ إن مبنى السفارة الأمريكية الضخم على ضفة نهر التايمز لم يواجه أي عقبات مماثلة.

من المرجّح أن واشنطن مارست ضغوطًا على لندن لمراجعة موقع السفارة الصينية، إلا أنه سيكون غريبًا أن تخضع حكومة كير ستارمر لذلك، وهي التي أبدت جرأة في الآونة الأخيرة حين خالفت الموقف الأمريكي باعترافها بدولة فلسطين.

ورغم خصوصية هذه القضية، فإنها تثير سؤالًا أوسع، وهي أنه في القرن الحادي والعشرين، يجب احترام مبدأ السيادة الوطنية بالتساوي بين جميع الدول، فلا يجوز أن يكون مفهومًا مرنًا يُطبّق وفق مصالح الديمقراطيات الغربية فقط.

تقويض النظام الدولي

لطالما قدّمت الولايات المتحدة نفسها دولة حامية للنظام العالمي القائم على القوانين العادلة، وهو نظام يستند إلى مبدأ السيادة الذي أقرّته معاهدة وستفاليا في القرن السابع عشر، إلا أن ممارساتها المتكررة أثبتت أنها من أكثر الدول انتهاكًا لذلك المبدأ.

فمن حرب كوسوفو عام 1999 إلى غزو العراق عام 2003 الذي بُرّر بادعاءات باطلة حول «أسلحة الدمار الشامل»، نرى سجلًا حافلًا من التجاوزات. وقد جرى الغزو دون تفويض واضح من مجلس الأمن، ما اعتُبر انتهاكًا صريحًا لسيادة العراق.

كما أن برامج الطائرات الأمريكية من دون طيار في باكستان واليمن والصومال وغيرها، والتي نفّذت «اغتيالات محددة» خارج أراضيها ومن دون إعلان حرب، تمثّل تحديًا صارخًا لمبدأ السيادة. فبينما تزعم واشنطن أن تلك العمليات دفاعٌ مشروع عن النفس ضد الإرهاب، ترى الدول المستهدفة أنها خرقٌ لسلامتها الإقليمية.

يضاف إلى ذلك القوانين الأمريكية العابرة للحدود، مثل العقوبات المفروضة على الشركات التي تتعامل مع إيران أو كوبا، إذ تُجبر الكيانات الأجنبية على الالتزام بالسياسة الأمريكية تحت طائلة الطرد من النظام المالي الأمريكي، وهو ما يعدّه كثيرون تغوّلًا سياسيًا واقتصاديًا أمريكيًا.

المفارقة إذن واضحة، فعندما تنتهك الولايات المتحدة سيادة الدول الأخرى، تُبرّر أفعالها باسم «الأمن العالمي» أو «حقوق الإنسان» أو «الحفاظ على النظام الدولي». أما عندما تسعى الصين إلى ممارسة حقوقها الدبلوماسية، فتُواجَه بمعايير مختلفة ولجان تخطيط ومخاوف «أمنية».

إن الخلاف حول السفارة الصينية في لندن يختزل خللًا أعمق في النظام الدولي المعاصر، حيث لم يعد مبدأ السيادة قانونًا ثابتًا، بل أداة دبلوماسية تُستخدم بمرونة تبعًا لقوة الدولة وموقعها الجيوسياسي.

لكن السيادة لا يمكن أن تكون طريقًا باتجاهٍ واحد. فإلى أن تتفق القوى الكبرى على تطبيق هذا المبدأ الأساسي بالتساوي على نفسها كما على خصومها، ستظل أسس القانون الدولي والاحترام المتبادل هشة، وسيسود الشك وعدم الاستقرار لسنوات قادمة. إن الفوضى العالمية الراهنة لن تتوقف، بل ربما تتفاقم.

ماركو كارنيلوس دبلوماسي إيطالي سابق

الترجمة عن ميدل إيست آي

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السفارة الصینیة النظام الدولی مبدأ السیادة

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأوروبي يطبق نظاما جديدا على حدوده الخارجية ولمدة 6 شهور

بروكسل"وكالات": في أعقاب عدة تأجيلات، اطلق الاتحاد الأوروبي اليوم الأحد نظاما جديدا للدخول والخروج (إي إي إس)، طال انتظاره، وهو يمثل أداة رقمية لتسجيل الزوار القادمين لأوروبا.

ويحل النظام الجديد محل أختام جوازات السفر التقليدية، حيث يتم تسجيل بصمات الأصابع وصورالوجوه باستخدام مجموعة من الماسحات الضوئية في المطارات والموانئ ومحطات السكك الحديدية بأنحاء القارة.

ويهدف النظام الجديد إلى تسجيل جميع حالات دخول وخروج مواطني الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، الذين يسافرون في إقامة قصيرة (90 يوما خلال أي فترة تبلغ 180 يوما)، وهو ما يسمح للسلطات بتتبع حالات تجاوز مدة الإقامة أو رفض الدخول تلقائيا.

والهدف الأساسى من النظام الجديد هو تعزيز أمن الحدود وتقليص عمليات الاحتيال فيما يتعلق بالهوية، وضبط مدى التزام الزوار بالمدة المسموحة للإقامة.

وتقول النائبة الأوروبية، اليمينية أسيتا كانكو، التي أشرفت على المفاوضات باسم البرلمان الأوروبي: "سوف يساعد هذا النظام حرس الحدود في التحقق من أن حامل جواز السفر هو بالفعل صاحبه، وأن الجواز حقيقي وليس مزورا".

ماذا يحدث بداية من 12 أكتوبر؟ بداية من اليوم، سوف يتعين على المسافرين القادمين من الخارج إلى جميع دول الاتحاد الأوروبي - باستثناء قبرص وأيرلندا، غير المنضمتين لمنطقة شينجن - إبراز جوازات السفر الخاصة بهم، وسوف يتم أخذ بصماتهم وصورهم عند نقاط التفتيش الحدودية. وهذه المعلومات مطلوبة أيضا منهم لدى الوصول إلى الدول الأعضاء في شينجن، غير المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي، وهي: آيسلندا وليختنشتاين والنرويج وسويسرا، وسوف يتم الاحتفاظ بهذه البيانات لمدة ثلاث سنوات في معظم الحالات.

ويتم تجميع هذا البيانات في أول دخول بعد تطبيق النظام، وسوف تستخدم في الرحلات المستقبلية للتحقق من الهوية عبر قاعدة البيانات، وهي عملية تقول المفوضية الأوروبية إنها تستغرق وقتا أقل. ويسري النظام بشكل تدريجي على مدى ستة شهور، حتى 10 أبريل 2026.وتبدأ الدول الأوروبية الكبرى، مثل فرنسا وألمانيا، بإجراء عدد محدود من عمليات الفحص لتفادي الطوابير الطويلة في المطارات. أما الدول الأصغر، مثل إستونيا ولوكسمبورج، فتطبق النظام بالكامل منذ البداية.

وسوف يكون التطبيق تدريجيا في دول أخرى: ففي كرواتيا، على سبيل المثال، ستزداد عملية جمع البيانات البيومترية بمرور الوقت، من أربع ساعات يوميا في البداية، وحتى 12 ساعة يوميا، اعتبارا من شهر ديسمبر المقبل.

وسوف تقوم الشرطة في سلوفينيا بإدخال النظام تدريجيا في نقاط دخول شينجن، والتي تشمل ثلاثة مطارات دولية ونقطتي عبور بحريتين. كما ستؤثر هذه التغييرات على زوار الدول التي تتمتع بالسفر بدون تأشيرة إلى أوروبا، مثل بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة ومعظم دول أمريكا الجنوبية.

وفي الدول المجاورة للاتحاد الأوروبي، مثل تلك المرشحة للانضمام- ألبانيا ومقدونيا الشمالية- يتعين تحذير المواطنين من ضرورة التعرف على التغييرات لتجنب التأخيرات غير الضرورية.

هل ستكون هناك تأخيرات؟ ثمة مخاوف من أن جمع هذه البيانات الجديدة قد يؤدي إلى طوابير طويلة بالمطارات ومحطات القطار. وأوضحت النائبة الأوروبية، البلجيكية، كانكو:"كما هو الحال دائما لدى إدخال أنظمة تكنولوجيا معلومات جديدة مهمة، ربما تحدث بعض العقبات. ولكن، لهذا السبب، يبدأ النظام في موسم السفر المنخفض. كما تم الاتفاق على التطبيق التدريجي لتفادي المشكلات الكبيرة." وأضافت: "وحال حدوث مشاكل غير متوقعة أو فترات انتظار طويلة، يمكن لحرس الحدود المحليين تعليق استخدام النظام بشكل مؤقت لإدارة الوضع." وأعربت وزارة الداخلية الفرنسية عن تفاؤلها إزاء النظام الجديد، وقالت إنها تتوقع أن يكون الوضع "طبيعيا، بدون مشاكل ازدحام"، اليوم.

ومع ذلك، أشارت الوزارة إلى أن التنفيذ الكامل للنظام يشكل "تحديا كبيرا" لفرنسا، التي تعد واحدة من أبرز الوجهات السياحية في العالم، حيث استقبلت 100 مليون زائر أجنبي في عام.2024 ويتوقع أن يكون المسافرون من بريطانيا ضمن الأكثر تأثرا بالنظام الجديد، بالنظر لروابط النقل القوية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، ولكن الجهات المشغلة، مثل تلك المسؤولة عن النفق البحري بين فرنسا وإنجلترا، أعربت عن ثقتها في أن الأمور سوف تسير بسلاسة.

وقال يان ليريش، الرئيس التنفيذي لشركة "جيتلينك" التي تقوم بتشغيل نفق المانش، في سبتمبر لوكالة الأنباء الفرنسية: "كل شيء جاهز، وتم إعداده واختباره بالفعل مع مئات الزبائن." وقالت الشركة إنها أنفقت 80 مليون يورو 92.6مليون دولار) على أنظمتها الجديدة المثبتة في بريطانيا وفرنسا.

وطالبت السلطات البريطانية زوار أوروبا أمس، من دول مثل إسبانيا والبرتغال وإيطاليا، بالاستعداد للانتظار في طوابير لمدة قد تصل إلى أربع ساعات، مع دخول نظام الدخول والخروج الجديد حيز التنفيذ اليوم الاحد.

وقالت جوليا لو بوي-سعيد، الرئيسة التنفيذية لـ "ادفانتيدج ترافيل بارتنرشيب"، وهي شبكة تضم وكالات السفر المستقلة في بريطانيا: "بالنسبة لمعظم المسافرين من المملكة المتحدة، سيتم إجراء "نظام الدخول والخروج" في المطارات الأجنبية".

وحذرت من أنه "يتعين توقع تأخيرات" عند نقاط تفتيش الحدود عندما يصل العديد من الرحلات في نفس الوقت. وأضافت "نتوقع أحجاما هائلة من المسافرين خلال التطبيق الأولي(للنظام)".

ما هي فوائد النظام الجديد للأوروبيين؟ يأتي تطبيق النظام الجديد بعد قرابة عشر سنوات من اقتراحه من قبل المفوضية الأوروبية، لأول مرة.

وقالت المفوضية إنه سوف يساعد على "منع الهجرة غير النظامية والمساهمة في حماية أمن كل من يعيش في أوروبا، أو يسافر إليها." وتقول وزارة الداخلية الفرنسية إن النظام الجديد سوف يمكنها كذلك من تحديد إساءة استخدام التأشيرات - مثل تحويل تأشيرة سياحية لاحقا إلى بطاقة إقامة "للحياة الخاصة والعائلية" - وتحديد ما إذا كان شخص ما تم رفض لجوئه قد غادر منطقة شينجن.

وقالت كانكو: "سوف نتأكد من أن الأشخاص الذين يدخلون منطقة شينجن يحملون وثائق هوية سليمة"، مضيفة أن الزوار أصحاب النية الحسنة "يمكنهم الاستمرار في الحضور دون أي قلق".

والتنفيذ الكامل لنظام الدخول والخروج الجديد شرط أساسي لتطبيق نظام آخر خاص بدخول مواطني الدول الثالثة إلى الاتحاد الأوروبي، وهو نظام معلومات وتصاريح السفر الأوروبي (إتياس)، المتوقع إطلاقه العام المقبل. ويشبه نظام معلومات وتصاريح السفر الأوروبي، النظام الإلكتروني لتصاريح السفر (إيستا) في أمريكا، حيث سيتعين على مواطني الدول الثالثة ملء نموذج إلكتروني قبل السفر إلى الاتحاد الأوروبي، ودفع رسوم قدرها 20 يورو، وانتظار الموافقة.

وربما يتم منع المسافرين الذين لا يحملون تصريح نظام معلومات وتصاريح السفر الأوروبي، من الصعود إلى الطائرة، أو دخول منطقة شينجن.

اجهزة نظام الدخول والخروج الآلي للاتحاد الأوروبي (إي إي إس)، في مطار أدولفو سواريز في مدريد." رويترز"

مقالات مشابهة

  • خبير: صندوق النقد الدولي يتوقع نمو الاقتصاد المصري إلى 4.5% خلال العام المالي الحالي
  • ورشة عمل لاتحاد مجالس الدولة والمحاكم العليا الإدارية الإفريقية بعنوان «مبدأ الأمن القانوني في القضاء الإداري»
  • افتتاح ورشة عمل إفريقية بمجلس الدولة حول «مبدأ الأمن القانوني في القضاء الإداري»
  • الفيصل الزبير ينهي موسمه الحالي بالمركز الثاني في بطولة التحدي العالمي
  • ما الذي سيدمّر أميركا في صراع النظام العالمي الجديد؟
  • أوروبا تطبق نظام مراقبة الحدود آليًا.. إجراءات جديدة لغير الأوروبيين
  • الاتحاد الأوروبي يطبق نظاما جديدا على حدوده الخارجية ولمدة 6 شهور
  • (السيادة السوداني): نستنكر الصمت الدولي على جرائم (الدعم السريع)
  • السيادة السوداني يستنكر الصمت الدولي على جرائم الدعم السريع