ما زالت التقييمات الاسرائيلية تصدر متباينة بشأن اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس في غزة، وبعد أن كان متوقعا أن يُخرج الاحتلال من عزلته السياسية، فإنه أعاد قطر وتركيا إلى الواجهة، مما يجعله يحمل في طياته مخاطر أيضًا، وبينما تستفيد قطر من استعادة مكانتها كوسيط دولي، من المرجح أن تستغل تركيا مشاركتها للحفاظ على حماس، وتوسيع نفوذها الإقليمي، وهو تحدٍّ ستواجهه دولة الاحتلال.



وأكدت نوعا لازيمي، الكاتبة الزميلة في معهد مسغاف للأمن القومي، أن "الإشادات الإسرائيلية لا تتوقف بما يوصف الانقلاب الاستراتيجي الذي أحدثه الرئيس دونالد ترامب بتوصله إلى اتفاق وقف اطلاق النار في غزة، لأنه لا يُمكن تجاهل الإنجاز السياسي المتمثل باجتماع الدول العربية للتوصل إلى إجماع يُجبر حماس على الموافقة، وها هي أول مرة منذ الحرب، تُفتح الطريق أمام إسرائيل للخروج من العزلة".

وأضافت في مقال نشره موقع ويللا، وترجمته "عربي21" أن "الاتفاق في الوقت ذاته أوجد قيادة حماس في موقف حرج، لأن أكبر داعميها، قطر وتركيا، انضموا للاتفاق، الذي يسلبها أقوى ورقة تفاوض، ويُقصد به، نظريًا على الأقل، إنهاء حكمها في غزة، ومنعها من ترسيخ مكانتها في الحكومة البديلة التي ستُشكل لاحقاً"

واستدركت بالقول إنه "رغم ذلك، فإن الاتفاق يدعو لمشاركة أوسع من تركيا وقطر، ومقابل الضغط الذي مارستاه على حماس لقبول شروطه، فقد حصلتا على فوائد كبيرة، وبعض الأثمان التي دفعتها إسرائيل هنا واضحة، لكن البعض الآخر مخفي عن الأنظار، بسبب طبيعة الاتفاقات من هذا النوع، والتي تُنسج أحيانًا حول تفاهمات غير رسمية، وبسبب عدم القدرة على توقع عواقب الاتفاق على المدى الطويل، وهي قضية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمسألة القدرة على تنفيذ جميع بنوده، بما يتجاوز العودة المرحب بها للرهائن في المرحلة الأولى".

وأشارت أنه "في الحالة القطرية، يمكن رؤية بعض هذه التغييرات على الفور تقريبًا، فبجانب الاعتذار المشروط من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، من المتوقع أن تستفيد قطر من مظلة الحماية الأمريكية، التي ترسخت في صيغة أمر رئاسي، كام أعاد الاتفاق في غزة قطر إلى مركز الصدارة كوسيط رئيسي في المحادثات، واستعادت مكانتها الدولية كوسيط فائق، ونجحت في تقديم نفسها كعامل محايد نزيه يسعى لإنهاء الحرب لصالح جميع الأطراف، على أمل تحقيق السلام الذي طال انتظاره في الشرق الأوسط".

وأضافت أن "الوضع بشأن تركيا، فإنه قبل صياغة خطة النقاط العشرين للرئيس ترامب، لم تكن مشاركتها في المفاوضات موضع اعتبار أو عرقلة من قبل إسرائيل، لكن الرئيس رجب طيب أردوغان حظي بمكانة مرموقة في محادثات شرم الشيخ، ويتفاخر بموقفه مع الفلسطينيين، بما يتماشى مع رؤيته الأوسع للمنطقة، حيث يرى نفسه زعيمًا للعالم الإسلامي السني".

وأوضحت أن "تركيا تمتلك القدرة على تعزيز طموحاتها العثمانية الجديدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك من خلال القوة العسكرية، بطريقة تُعرّض المصالح الإسرائيلية للخطر، كما يُظهر المثال السوري، حيث تسعى تركيا جاهدةً لترسيخ وجودها العسكري، وإنشاء أجهزة أمنية نيابةً عنها، ويُعدّ إدراجها في الاتفاق مع حماس، في المقام الأول، اعترافًا بمكانتها كقوة نافذة، يستحيل بدونها إبرام اتفاقيات إقليمية واسعة النطاق، لاسيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي يستغلها أردوغان باستمرار لتحقيق مصالحه السياسية في الداخل والخارج".

وأكدت أن "أردوغان لن يكتفي بهذا الاعتراف وحده، وتماشيًا مع نهجه المؤيد لحماس، وتجلّى بقوة أكبر منذ هجومها في السابع من أكتوبر 2023، من خلال تصعيد لهجته تجاه إسرائيل، واتخاذه إجراءات اقتصادية وقانونية وغيرها، فلا يُتوقع منه أن يسمح للسهم الذي استثمر فيه لسنوات بالانخفاض بهذه السرعة، وقد يستغل موطئ القدم الواسع الذي اكتسبه الآن للحفاظ على آليات حماس المتبقية في القطاع".

وأشارت إلى أنه "في الحالة القطرية، يُعدّ الحفاظ على حماس أداةً أساسيةً للحفاظ على مكانتها الدولية، في ظل غياب قوة عسكرية مؤثرة، مما يعني أنّ رسم مستقبل غزة يندرج ضمن رؤية أوسع لترسيخ مكانة تركيا وقطر كقوتين إقليميتين رائدتين، وينطوي هذا المفهوم بالنسبة لهما على كبح جماح السيطرة الإسرائيلية على المناطق الحدودية، مع تعزيز النفوذ التركي هناك في الوقت نفسه".

وختمت بالقول إن "السعادة بعودة الرهائن، وهي تحقيق لأحد الأهداف الرئيسية للحرب، لا يجب أن تُنسينا إدراك التحدي الذي ينتظر إسرائيل في المراحل القادمة، ويتمحور حول دوافع تركيا لتفكيك حكم حماس كآلية حكم في غزة، أو على الأقل عدم تخريب الاتفاق، فهل سيكتفي أردوغان بالاعتراف والمكانة السياسية التي اكتسبها بفضل مشاركته في الاتفاق، أم سيتحمس لاتخاذ خطوات من شأنها تعريض المصالح الإسرائيلية للخطر باسم رؤية إسلامية إقليمية".

يمكن الخروج باستنتاجات عديدة من هذه القراءة الاسرائيلية أهمها أن إسرائيل ستدخل في حوار مكثف مع الأمريكيين في محاولة لتقليص الدور النشط لتركيا وقطر في غزة في مرحلة ما بعد إنهاء الحرب، بزعم أنهما الراعيتان الرئيسيتان لحماس، وفي ظل سعيهما غير الخفيّ بتعزيز نفوذهما في اليوم التالي.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية حماس غزة الاحتلال قطر تركيا تركيا حماس غزة قطر الاحتلال صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة

إقرأ أيضاً:

ما الذي تخشاه أوروبا من انهيار السودان؟

 

حظيت قضية تداعيات حرب السودان على أوروبا بنقاشات موسعة داخل البرلمان الأوروبي في بروكسل، في الجلسة التي جرى تخصيصها لبحث تطورات الصراع المستمر منذ أبريل 2023، وما بات يحمله من تداعيات تتجاوز الإطار الإنساني إلى تهديدات مباشرة تطال استقرار القارة الأوروبية، في مقدمتها الهجرة غير النظامية، وتصاعد نفوذ قوى متطرفة، وتدخلات إقليمية ودولية متشابكة.

التغيير _ وكالات
وجاء المؤتمر، الذي عُقد تحت عنوان “السودان في أزمة: من الاستجابة الإنسانية إلى السلام المستدام”، بمشاركة أعضاء في البرلمان الأوروبي وخبراء أمنيين وصحفيين وباحثين، ليعيد طرح سؤال ملح في بروكسل: لماذا لم تعد حرب السودان شأنا داخليا، بل مصدر قلق أوروبي متصاعد؟

ويرى محللون في حديثهم بحسب موقع “سكاي نيوز عربية”، أن استمرار الحرب في السودان يفتح جبهات تهديد غير تقليدية لأوروبا، تبدأ من تصاعد موجات النزوح والهجرة عبر شمال إفريقيا والبحر المتوسط، ولا تنتهي عند خطر تحول السودان إلى ساحة نفوذ لقوى معادية للمصالح الأوروبية.

تحذير أوروبي

أحد أبرز مصادر القلق الأوروبي، يتمثل في تداعيات الحرب على ملف الهجرة، إذ أكد رئيس قسم الاستخبارات الجيوسياسية في وكالة B&K، هيث سلون، أن استمرار النزاع يفاقم الانهيار الاقتصادي والأمني في السودان، ما يدفع بملايين المدنيين إلى النزوح، ويزيد من احتمالات توجه أعداد كبيرة منهم نحو السواحل الأوروبية عبر طرق الهجرة غير النظامية.

وأضاف أن الخطر لا يقتصر على الأعداد، بل يمتد إلى احتمالات تصدير الأيديولوجيات المتطرفة، في حال تحول السودان إلى ملاذ لشبكات متشددة مسلحة، وهو ما يضع أوروبا أمام تحديات أمنية مركبة.

سياسيًا، وصف خالد عمر يوسف، وزير شؤون مجلس الوزراء السوداني السابق، الصراع الدائر بأنه أسوأ كارثة إنسانية في العالم، مؤكدًا أن الحرب لا يمكن حسمها عسكريًا، داعيًا أوروبا إلى لعب دور أكثر فاعلية عبر دعم خريطة الطريق السياسية، وتكثيف المساعدات الإنسانية، وتعزيز آليات تقصي الحقائق الدولية.

أزمة تجاوزت الحدود

وبحسب آخر تقرير للمعهد الأوروبي لدراسات الأمن، والذي اطلع عليه موقع “سكاي نيوز عربية”، فإن حرب السودان باتت أزمة لها أبعاد إستراتيجية وإنسانية تمتد إلى أوروبا، مع تأثيرات واضحة على الأمن الإقليمي والنفوذ الدولي، وسياسات الهجرة واللجوء، والالتزامات الإنسانية الأوروبية، وهو ما يعكس قلقًا أوروبيًا متزايدًا من استمرار الحرب وعدم قدرة خطط الهدنة الحالية على وقفها أو تحقيق استقرار حقيقي.

وأشار التقرير إلى تهديدات إستراتيجية تمتد إلى أوروبا، فالنزاع لا يبقى محصورًا داخل السودان فحسب، بل يتقاطع مع مصالح أمنية أوسع لأوروبا، بسبب الموقع الجيوسياسي للسودان على أبواب البحر الأحمر والممرات الاستراتيجية بين إفريقيا والشرق الأوسط، تداخل مصالح قوى إقليمية ودولية في الصراع، ما قد يعيد تشكيل التوازنات الأمنية في المنطقة ويؤثر في الأمن الأوروبي.

وبالرغم من أن التقرير يركز أكثر على البعد الأمني والإنساني، إلا أنه يؤكد ضمنيًا أن تفكك الدولة السودانية وتفاقم الأزمة يدفعان بمزيد من السكان للنزوح أو التوجه غربًا نحو شمال إفريقيا وأوروبا، وهو أمر سبق أن حذر منه خبراء أوروبيون في سياق تداعيات الحرب على سياسات الهجرة والحدود، مشددا على ضرورة أن يعزز الاتحاد الأوروبي آليات المساءلة عن الجرائم المرتكبة في السودان، ودعم جهود السلام المرتكزة على تعاون دولي وإقليمي، بدل الاكتفاء بالتصريحات الدبلوماسية.

وأوقفت ألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، برنامج إعادة التوطين للاجئين منذ منتصف العام الجاري، في مؤشر على تصاعد المخاوف من ضغوط الهجرة غير النظامية التي يغذيها النزاع في السودان وأزمات مماثلة في مناطق أخرى.

الهجرة.. على رأس الأولويات

من برلين، قال خبير العلاقات الدولية ومنسق العلاقات الألمانية-العربية في البرلمان الألماني، عبد المسيح الشامي، إن الحرب الدائرة في السودان تحمل تداعيات على أوروبا بوجه عام، مشيرًا إلى أن “التأثير الأبرز يتمثل في موجات اللجوء المحتملة، في ظل النزوح الواسع الذي تشهده دول الجوار، إضافة إلى دول إفريقية أخرى، وصولًا إلى بلدان شمال إفريقيا مثل ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، التي أصبحت بالفعل محطات رئيسية للمهاجرين”.

وأوضح الشامي في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “ملف الهجرة بات قضية حيوية للاتحاد الأوروبي، لا سيما في السياق السياسي الداخلي، حيث تحول إلى عامل انتخابي وأداة دعاية مركزية لدى عدد من الأحزاب الأوروبية، في إطار السعي للحد من تدفقات اللجوء وتقليص انعكاسات الصراعات والحروب في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم على الداخل الأوروبي”.

وأضاف أن “التأثير الأوروبي لا يقتصر على البعد الأمني أو السياسي، بل يمتد إلى البعد الإنساني، فالعالم بات مترابطًا على نحو يجعل من المستحيل عزل أي أزمة عن محيطها الدولي، واستمرار الحروب وما يصاحبها من انتهاكات يسهم في تصاعد مستويات العنف عالميًا، ويغذي مشاعر عدائية وصورًا نمطية تنتشر سريعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما يترك ارتدادات سلبية داخل المجتمعات المختلفة، بما فيها الأوروبية”.

الوسومأوروبا البرلمان الأوروبي بروكسل تداعيات حرب السودان تصدير الأيديولوجيات المتطرفة نقاشات موسعة

مقالات مشابهة

  • ما الذي تخشاه أوروبا من انهيار السودان؟
  • لماذا الآن الاتفاق بين لبنان وقبرص؟ ولماذا تعترض تركيا؟
  • ما العائق الأبرز أمام بدء المرحلة الثانية من الاتفاق في غزة؟
  • اغتيال رائد سعد يضع إسرائيل بين ثلاثة خيارات صعبة
  • من هو رائد سعد القيادي في "حماس" الذي أعلنت إسرائيل اغتياله؟
  • من رجل القسام الثاني الذي اغتالته إسرائيل؟
  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذين ما زالوا في غزة
  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذي ما زالوا في غزة
  • نجا عدة مرات.. من هو رائد سعد الذي أعلنت “إسرائيل” اغتياله في غزة؟
  • إسرائيل تعلن اغتيال قيادي بالقسام في غزة وحماس تتهمها بتقويض الاتفاق