أدوﻳﺔ اﻟﺴﻮﺷﻴﺎل ﻣﻴﺪﻳﺎ.. ﺗﺠﺎرة ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب أرواح اﻟﻨﺎس
تاريخ النشر: 16th, October 2025 GMT
«فؤاد»: بيع الدواء أقل من السعر الرسمى هو غش تجارى.. وهناك 12 تطبيقًا إلكترونيًا مجهول المصدر
فى ظل أزمة نقص الأدوية وارتفاع أسعارها فى الأسواق والصيدليات، بدأت تتصاعد ظاهرة جديدة تثير الجدل والقلق بين المواطنين بشأن شراء الأدوية من صفحات السوشيال ميديا، وعلى الرغم من التحذيرات الرسمية المتكررة من خطورة هذه الممارسات، إلا أن الواقع يفرض نفسه، حيث يجد كثير من المرضى أنفسهم مضطرين للجوء إلى هذه الوسيلة بحثًا عن دواء مفقود أو علاج ضرورى لا يمكنهم الاستغناء عنه.
معاناة مواطن
فتحى عبدالحليم، موظف على المعاش يبلغ من العمر (57 عامًا)، يعيش يوميًا معاناة مرض القلب. يقول إنه كان يحصل على علاجه الشهرى من الصيدلية القريبة من منزله، لكن مؤخرًا بدأ يواجه صعوبة متكررة فى إيجاده. يروى «فتحى» تجربته قائلاً: «لفّيت على ٦ صيدليات فى يوم واحد للبحث على علاج القلب الذى أتناوله بانتظام، ولم أجده. الصيدلى قال لى لا يوجد وممكن تدخل فى أزمة لو منعته فجأة»، فى لحظة يأس، اقترح عليه أحد أصدقائه البحث فى مجموعات «فيسبوك»، وبالفعل تواصل مع صفحة تروّج لأدوية مستوردة، وتمكن من الحصول على العلاج المطلوب. لكنه لم يخفى قلقه: «أنا خوفت.. بس قلت يا نموت من الوجع يا نموت من الدواء المغشوش».
كلاهما مُر
أما سامى جاد، موظف فى شركة خاصة، فيجد نفسه بين خيارين كلاهما مُر، فبعد اختفاء علاج القولون الذى كان يستخدمه من الصيدليات، اضطر إلى البحث عبر الإنترنت، ليجده متوفرًا فى إحدى الصفحات المتخصصة فى بيع الأدوية المستوردة، إلا أن السعر كان مبالغًا فيه للغاية، مضيفا: «كنت باخده بـ١٢٠ جنيه، لقيته بـ١٥٠ ده غير الشحن. والمشكلة الأكبر إن لا توجد جهة تضمن لى أن الدواء أصلى ». يقول سامى: إن غياب الرقابة الفعالة فتح الباب أمام التجار الجشعين الذين استغلوا الأزمة لصالحهم «بقى فى ناس بتتاجر بصحة الناس والدولة سايبة الساحة لهم».
مخاوف مشروعة
القصة تتكرر بشكل أكثر ألمًا مع إيمان، أم لطفل مصاب بالصرع، تتابع علاجه باستمرار، وتعتمد على أحد الأدوية التى من المفترض أن تكون متوفرة فى المستشفيات الحكومية، لكن الواقع مختلف، وتستكمل قائلة: «رحت المستشفى كذا مرة، قالوا مش موجود. والصيدليات لا يوجد بها. فوجئت بأم أخرى على جروب فى فيسبوك تقول إنها تحصل على الدواء من الخارج»، تقول إيمان. أشترت الدواء ذات مرة، لكنها ترددت فى تكرار التجربة خوفًا من أن يكون مغشوشًا أو منتهى الصلاحية. وتستكمل: «الطبيب حذرنى من استخدام أى دواء غير معروف المصدر، بس أعمل إيه؟ حياتنا كلها بقت مخاطرة». رغم تكرار هذه الحالات، تظل الجهات الرسمية متمسكة بموقفها التحذيرى من الشراء عبر الإنترنت. فقد أصدرت هيئة الدواء المصرية فى وقت سابق بيانًا تؤكد فيه أن تداول الأدوية عبر صفحات الإنترنت يعد مخالفة صريحة للقانون، ويعرض حياة المواطنين للخطر، خاصة مع تزايد أعداد الصفحات التى تروج لأدوية غير مسجلة أو تركيبات علاجية غير مرخصة. إلا أن هذه التحذيرات لا تجد صدى قويًا لدى المواطنين الذين يعانون من غياب الدواء فى الصيدليات والمستشفيات، ويرون أن الخيار الوحيد المتاح أمامهم -رغم مخاطره- هو البحث فى الفضاء الإلكترونى.
من ناحية أخرى، يرى مراقبون أن هذه الأزمة لا تنفصل عن مشكلات أعمق تتعلق بسوء توزيع الأدوية، وتراجع الإنتاج المحلى، واعتماد السوق المصرى على الاستيراد فى أدوية حيوية. ومع ارتفاع أسعار العملة وصعوبة الاستيراد، زادت الأزمة تعقيدًا، ما أفسح المجال أمام السوق السوداء لتزدهر. المواطن العادى هو الخاسر الأكبر، بين عجز رسمى عن توفير الدواء، وغياب رقابة حقيقية على بدائله غير المشروعة.
عمليات نصب
بينما يلجأ البعض إلى الشراء من الإنترنت مضطرين تحت ضغط الحاجة إلى دواء مفقود أو علاج عاجل، يكتشف آخرون أنهم وقعوا فريسة لعمليات نصب منظمة. شهادات جديدة لضحايا حاولوا شراء أدوية من صفحات غير مرخّصة على مواقع التواصل، لكنهم انتهوا بخسائر مادية وصحية، دون أن يجدوا من ينصفهم. محمد عادل، شاب فى الثلاثين من عمره، يروى تجربته التى بدأت بمحاولة بسيطة لشراء دواء لحساسية صدر مزمنة تعانى منها والدته. بعد بحث طويل فى الصيدليات دون جدوى، صادف إعلانًا على «فيسبوك» لصفحة تبيع أدوية «أصلية ومستوردة». وقال: «تواصلت معاهم، وشرحولى إن الدوا ألمانى ومضمون، وطلبوا تحويل المبلغ كاملًا على فودافون كاش قبل الشحن»، يضيف محمد: بالفعل قام بالتحويل، لكنه فوجئ بعد أسبوع بطرد بريدى يحتوى على عبوة غير مطابقة للشكل الأصلى، ولا تحمل أى بيانات واضحة.
ويضيف بحسرة: «حاولت أتواصل معاهم، ولكن فوجئت ببلوك على الفور ولا فى فاتورة، ولا رقم ضريبى، ولا جهة أشتكيها. مش بس اتنصب عليا، ده ممكن يكون اللى خدناه مضروب!». اضطر محمد إلى لقاء الدواء فى القمامة بناءً على نصيحة طبيب، وتحمّل خسارة مالية ومعنوية، بينما والدته لا تزال تبحث عن العلاج الحقيقى.
إنستجرام الأدوية
قصة أخرى لا تقل مأساوية ترويها نرمين حسن، ربة منزل وأم لطفل مريض بالربو. وجدت إعلانًا على إنستجرام لدواء يُقال إنه مستورد وآمن للأطفال. تواصلت مع الصفحة، واشترت العبوة بسعر مضاعف، لكن ما إن استخدم الطفل الجرعة الأولى حتى ظهرت عليه أعراض غريبة. «وشه احمر، ونفسه اتقل جدًا، أخدناه على الطوارئ، والدكتور قال إن الدوا مش معروف وممكن يكون فيه مادة ضارة»، تقول نرمين، التى لم تجد وسيلة لاسترجاع المبلغ أو التواصل مع البائع، رغم محاولاتها المستمرة.
تيك توك طبى
منال شوقى، سيدة أربعينية تعانى من مرض مزمن فى الغدة الدرقية، وقعت أيضًا ضحية إعلان على تطبيق «تيك توك»، يروّج لدواء قالت الصفحة إنه «أمريكى الصنع ومتوفر فقط لديهم»، وتابعت: اشترت العبوة بعد أن شاهدت عشرات التعليقات الإيجابية التى اكتشفت لاحقًا أنها مزيفة. وأضافت: «الدوا وصلنى بدون علبة، فى كيس بلاستيك! ولما قرّبته للدكتور قالى ده مش علاج، دى أقراص مكملات مغشوشة»، توضح منال. وعندما حاولت استرجاع المبلغ، تجاهلها البائع تمامًا ثم أغلق الصفحة بالكامل. ما يجمع هذه الحالات الثلاث، وغيرها العشرات، هو غياب أى جهة رسمية يمكن اللجوء إليها لاسترداد الحقوق. فالأدوية المباعة عبر الإنترنت، خصوصًا على الصفحات غير المرخّصة، لا تخضع لأى رقابة صحية أو قانونية، مما يفتح الباب أمام استغلال المرضى، خاصة الفئات الضعيفة والمحتاجة.
الإنترنت الدوائى
يؤكد المتضررون أنهم لم يعودوا يثقون بأى إعلان دوائى على الإنترنت، حتى لو بدا موثوقًا. لكنهم يطالبون فى الوقت نفسه بتدخل حكومى حاسم لملاحقة هذه الصفحات وإغلاقها، وفرض رقابة صارمة على كل من يروّج للأدوية بدون ترخيص، وتوفير قنوات آمنة لاسترجاع الأموال أو الإبلاغ عن حالات النصب.
وقال محمود فؤاد، مدير المركز المصرى للحق فى الدواء، إن بيع الأدوية عبر الإنترنت تفاقم مع توسع استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى، مؤكدًا أن قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم ١٢٧ لسنة ١٩٥٩ قصر بيع الدواء على الصيادلة الحاصلين على بكاوريوس الصيدلة من إحدى الجامعات المصرية، ومسجل بوزارة الصحة، ولديه تصريح مزاولة المهنة من نقابة الصيادلة، مؤكدًا أن حتى الأطباء أنفسهم مجرم عليهم بيع الدواء. وأوضح أن نقص بعض الأدوية فى السوق الرسمى دفع المرضى للشراء من تطبيقات وصفحات مجهولة المصدر، رغم وجود ما لا يقل عن ١٢ تطبيقًا إلكترونيًا لا يُعرف مصدرها أو كيفية تخزينها، مؤكدًا أن الأدوية تحتاج إلى شروط حفظ دقيقة للحفاظ على فعاليتها.
وفيما يتعلق بالأسعار، شدد مدير المركز المصرى للحق فى الدواء على أن الدواء فى مصر مُسعّر جبريًا، وأى جهة تبيع الدواء بسعر أقل من السعر الرسمى تمارس الغش التجارى، لأن هذا الدواء يكون فى الغالب مزيفًا أو غير فعال، وغالبًا ما يتم تزوير العلامات التجارية الخاصة بالشركات الأصلية. وأضاف فؤاد أن مصر تجاوزت النسبة العالمية لغش الدواء التى تبلغ ٦٪، مشيرًا إلى أن البلاد وصلت إلى «مستوى خطير» بسبب ضعف التشريعات والعقوبات مشيرًا إلى أن هناك مشروع قانون لم يُناقش بعد فى البرلمان. وأكد أن هذا السوق غير الشرعى يمثل اقتصادًا موازيًا يحقق أرباحًا طائلة دون أن يدفع أى حقوق للدولة، فضلًا عن خطورة هذه الأدوية التى قد تخلو من المادة الفعالة.
وأشار إلى أن نقص الأدوية فى السوق الرسمى هو ما دفع المواطنين للشراء عبر الإنترنت، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية خلال السنوات الثلاث الماضية التى أثّرت على سعر الدولار، موضحًا أن ٩٥٪ من خامات صناعة الدواء فى مصر مستوردة، وبالتالى فإن الأسعار مرتبطة مباشرة بسعر العملة الأجنبية.
وأضاف فؤاد أن جمعية الحق فى الدواء تعمل على هذا الملف منذ عام ٢٠٠٩ مع ظهور أزمة أدوية علاج فيروس سى وبى، حين بدأ البعض يبيع أدوية مزيفة فى العيادات الخاصة. ومع تأسيس هيئة الدواء المصرية عام ٢٠١٩ بدأت الأمور تتحسن بفضل التفتيش والرقابة المنتظمة. واختتم فؤاد بالتأكيد على أن مصر من أوائل الدول فى صناعة الدواء منذ عام ١٩٣٩ وأصبحت رائدة فى الشرق الأوسط داعيًا إلى تشديد الرقابة والعقوبات على المتورطين، تنفيذًا لتوصيات منظمة الصحة العالمية التى تجرّم بيع الدواء عبر الإنترنت، مشددًا على أن الصيدليات هى الجهة الوحيدة المصرح لها ببيع الدواء.
دور القانون
وعلى الجانب القانونى قالت نهى الجندى، الخبيرة القانونية، إن تداول العقاقير الطبية والأدوية والمكملات الغذائية عبر السوشيال ميديا أمر مخالف للنصوص القانونية كما أن القانون رقم ٤٨ لسنة ١٩٤١ المعدل فى ١٩٩٤ شدد العقوبة على جلب أو تصنيع المنتجات الدوائية دون ترخيص لتصل إلى السجن لمدة سبع سنوات، مشيرًا إلى أن حالات الغش أو التدليس فى تركيب أو منشأ الأدوية تُعد من الجرائم الجسيمة التى قد تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد أو المشدد لمدة ١٥ عامًا إذا نتج عنها وفاة أو إصابة أشخاص.
وأضافت أن قانون العقوبات نص أيضًا على معاقبة المتاجرين فى الأدوية دون ترخيص بالحبس وغرامة تتراوح بين ٥٠ و١٠٠ ألف جنيه، وترتفع العقوبة إلى السجن من ثلاث سنوات وغرامة من ٢٠٠ إلى ٥٠٠ ألف جنيه إذا تسببت الأدوية فى أضرار مباشرة أو عاهة مستديمة للمستخدمين.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: أدوﻳﺔ اﻟﺴﻮﺷﻴﺎل ﻣﻴﺪﻳﺎ نقص الأدوية وارتفاع أسعارها التحذيرات الرسمية عبر الإنترنت بیع الدواء الدواء فى إلى أن
إقرأ أيضاً:
منها دواء للإنفلونزا .. قائمة الأدوية الممنوعة من السفر رسميا
الأدوية المحظورة .. كشفت وزارة الصحة والسكان عن قائمة الأدوية الممنوع السفر بها للخارج جداول المراقبة الدولية لـ منظمة الصحة العالمية، وذلك ضمن الارشادات الأساسية للسفر بالأدوية خارج مصر .
ويعد السفر بالأدوية أمراً حساساً يتطلب الالتزام بقوانين دولية ومحلية متباينة، خاصة مع الأدوية المقننة التي قد تؤدي إلى مشكلات قانونية خطيرة.
وأضاف المتحدث الرسمي لوزارة الصحة أن الأدوية المُقننة والمحظورة تشكل التحدي الأكبر دولياً، حيث تندرج تحت جداول المراقبة الدولية لمنظمة الصحة العالمية (WHO) والإنتربول، وهي :
١-الأدوية المتعلقة بالمخدرات (الأفيونات)
٢-المهدئات، المنشطات، والمؤثرات العقلية تشمل الأمثلة الشائعة: الترامادول، الكودايين (في أدوية البرد)، زاناكس (ألبرازولام)، فاليوم (ديازيبام)، وليريكا (بريغابالين)
٣- بالإضافة إلى أدوية الهرمونات لكمال الأجسام
٤- مشتقات الإيفيدرين (سودوإيفيدرين) وتستخدم في علاجات الإنفلونزا، التي تُقنن بشدة في دول مثل الولايات المتحدة واليابان وأوروبا بسبب استخدامها في تصنيع المخدرات .
توجه للسفارة أو القنصلية والتحقق من الدواءونصحت وزارة بالتحقق مباشرة من سفارة أو قنصلية دولة الوجهة، أو موقع وزارة الصحة أو الجمارك هناك، إذ تختلف التشريعات جذرياً ( ما هو مسموح في دبي قد يكون محظوراً في اليابان. كتحذير أولي، يشار إلى قوائم منظمة الصحة العالمية للمواد الخاضعة للرقابة الدولية، المتاحة على موقعها الرسمي لتجنب المفاجآت.
تركز الإرشادات على تجنب المخاطر من خلال التحقق المسبق والتوثيق الدقيق، لـ ضمان سلامة المسافرين، وخاصة أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة أو نفسية.