توقّفت الحرب ولم تنتهِ معاناتهم.. الشاب إياد يختصر قصة آلاف الجرحى في غزة
تاريخ النشر: 18th, October 2025 GMT
توقّفت الحرب ولم تنتهِ معاناتهم.. الشاب إياد يختصر قصة آلاف الجرحى في غزة.
المصدر: شفق نيوز
كلمات دلالية: العراق الانتخابات القمة العربية أحمد الشرع نيجيرفان بارزاني سجن الحلة محافظة البصرة الدفاع بابل بغداد دهوك اقليم كوردستان اربيل المياه السليمانية اربيل بغداد انخفاض اسعار الذهب اسعار النفط أمريكا إيران اليمن سوريا دمشق دوري نجوم العراق كرة القدم العراق أهلي جدة النصر الكورد الفيليون مندلي احمد الحمد كتاب محسن بني ويس العراق الحمى النزفية غبار طقس الموصل يوم الشهيد الفيلي خانقين الانتخابات العراقية الأخبار العاجلة
إقرأ أيضاً:
اغتيال أحالم «بلوجر» فى محل الحالقة
فى أحد أحياء القاهرة الشعبية، وتحديدًا فى منطقة المطرية، كانت الحياة تسير كعادتها بين أصوات الباعة وضجيج السيارات ورائحة القهوة المنبعثة من المقاهى الصغيرة.
لكن فى مساءٍ بدا عادياً للمارّة، تبدلت ملامح الشارع، وسقط شاب فى مقتبل العمر ضحية لرصاصة غدر أنهت أحلامه، وبدّلت أنين الموسيقى فى بثّه المباشر على «تيك توك» إلى صمتٍ ثقيل يسكن كل من عرفه.
الشاب هو «يوسف شلش»، الذى لم يكن مجرد اسم جديد فى عالم مواقع التواصل الاجتماعى، بل صار وجهاً مألوفًا للآلاف من متابعيه الذين أحبّوا عفويته وابتسامته الصادقة، وتلك التفاصيل البسيطة التى كان يصنع منها محتوى يلامس الناس، دون بهرجة أو تصنّع.
فى مساء اليوم المشئوم، دخل يوسف إلى محل حلاقة صغير فى عزبة حمادة بالمطرية، المكان الذى اعتاد أن يزوره بين الحين والآخر ليُقصّ شعره ويجلس فى حديث عابر مع الأصدقاء، لم يكن يدرى أنه الموعد الأخير، وأن تلك المقصات والمرايا ستشهد على واحدة من أبشع الحكايات التى تهزّ القلب قبل أن تهزّ المنطقة.
فجأة دوّى صوت طلقة نارية داخل حارة الضيقة، وتحوّلت لحظات الدفء إلى فوضى وصراخ، حاول الناس الركض نحو الصوت، وهناك، وسط ذهول الجميع، كان يوسف مسجى على الأرض والدماء تنزف من صدره، كانت الرصاصة قد اخترقت جسده لتسكت نبضه فى لحظة، وسط محاولات يائسة لإنقاذه، وتم نقله إلى المستشفى، لكنه فارق الحياة قبل أن تكتمل خطوات إسعافه.
خبر وفاته انتشر كالنار فى الهشيم، وامتلأت صفحات التواصل الاجتماعى بصوره ومقاطع الفيديو التى اعتاد نشرها على التيك توك، لم يصدق أصدقاؤه ولا متابعوه أن الشاب الذى كان يصنع الفرح للآخرين رحل بهذه الطريقة البشعة.
بدموع تسبق الأنفاس انهار والد الشاب الضحية غير مصدق ما آلم به غير ويتمتع بكلمات مليئة بالحزن والحسرة: ابنى وفلذة قلبى مات مش هشوفه حسبى الله ونعم الوكيل قتلوه غدرا وهناخد حقه بالقانون بإعدام القاتل حتى تبرد نار قلوبنا.
وتابع والد المجنى عليه: «ابنى ملهوش فى المشاكل وبيحب الناس والكل بيحبه، وعن تفاصيل المأساة أوضح والد الضحية أن نجله المجنى عليه ذهب إلى محل الحلاقة لقص شعره، واثناء ذلك فؤجئ بصوت عالى خارج المحل وهم ليفاجأ بالقاتل ويدعى عاصم هقتلك انا واخوك، واشهر القاتل سلاح خرطوش فى وجه ابنى ليسقط جثة وابت روحه لمحاولات الإسعافات ولكنها فاضت إلى بارئها تاركا وراءه حسرة وحزنا وجرحا وألمًا لن يلتئم.
وأضاف: المتهمون كان معاهم مشكلة مع واحد غير ابنى بسب رفضه بيعهم وتجارتهم للمخدرات بالقرب من منزله، ولكنهم انتقموا من ابنى لانه قريب الشخص واستغلوا وجوده عند الحلاق وخلصوا عليه..وظل يبكى بحرقة: ربنا ينتقم منهم مش هسيب حق ابنى وثقتنا فى القانون والعدالة للقصاص من القتلة.
وصرخ شقيق المجنى عليه: اخوى اتقتل غدر ملهوش اصلا فى المشكلة، الخلاف بدأ لما حاولت أمنع المتهمين من بيع المخدرات تحت بيتنا، حصلت مشادة بينى وبينهم، وخلص الموضوع لكن بعدها بيومين، يوسف كان عند الحلاق، والمتهم ذهب لصالون الحلاقة وسبه وتطور الموضوع لمشادة كلامية طلع المتهم سلاح خرطوش ضربه وهرب.
«كان بيحب الحياة، ما يعرفش يكره حد»، هكذا قال أحد أصدقائه فى حديثٍ له قبل أن يضيف: “يوسف كان فى المحل بيحلق شعره، دخلوا عليه وضربوه بالنار قدام الناس».
وذكر صديق يوسف أن الحكاية لم تبدأ فى ذلك اليوم، فقبل أيام من الجريمة، كان هناك خلاف قديم بين شقيق يوسف واثنين من شباب المنطقة، لم يكن الخلاف بسيطاً، بل مرتبطًا بمحاولاته منعهم من بيع المواد المخدرة فى الشارع، تصاعدت بينهما الأمور حتى وصلت إلى مشاجرة كبيرة بين الطرفين، فحقد الجناة على شقيقه وتربصوا له وقررا الانتقام منه.
وتابع أنه حينما لم يجدوه فى ذلك اليوم، قرروا أن يصبّوا غضبهم على يوسف، ظنًّا منهم أنهم بهذا يثأرون لأنفسهم، واقتحموا المحل حاملين سلاحًا ناريًا، أطلق أحدهم رصاصة من مسدس خرطوش باتجاه يوسف فأصابته إصابة قاتلة، بينما فرّوا هاربين وسط صرخات الناس وهلع المارة.
فى دقائق معدودة، تحوّل الشارع إلى ثكنة أمنية، وحضرت سيارات الشرطة والإسعاف وانتشرا فى المكان، والوجوه المذهولة تتابع ما يجرى كأنها لا تصدّق أن يوسف، صاحب الضحكة الطيبة، قد رحل بهذه الطريقة.
شكنا بنسمع عنه خير.. عمره ما أذى حد»، قال أحد الجيران وهو يصف المشهد المؤلم، «الناس هنا لسه مش مصدقة إن رصاصة ممكن تموت بنى آدم بسبب خلاف تافه هو مش طرف فيه».
تم نقل الجثمان إلى المشرحة، وقررت النيابة العامة انتداب الطب الشرعى لإجراء الكشف الطبى وتحديد سبب الوفاة بدقة، كما أمرت بحبس المتهمين والتصريح بدفن جثمان المجنى عليه عقب استيفاء كافة الإجراءات القانونية اللازمة، ليوارى الثرى جثمان الشاب الصغير الذى كان يحلم بحياة وردية ولكنها انتهت قبل أن تبدأ تاركا الحزن والحسرة فى قلوب أسرته ومحبيه، وتم إيداع الجناة السجن لينالوا جزاء ما اقترفته أيديهم.
لم يدم هروب القتلة طويلًا، فبعد ساعات من الجريمة، نجحت الأجهزة الأمنية فى تحديد هويتهما وضبطهما، بعد تتبع مكثف لتحركاتهما ومراجعة كاميرات المراقبة المحيطة بالمكان.
وبعد القبض عليهما، عُثر بحوزتهما على السلاح المستخدم، وهو مسدس خرطوش، وأشارت التحقيقات إلى أنهما اعترفا بتفاصيل الواقعة، وأقرا بأن خلافهما كان مع شقيق المجنى عليه وليس مع الضحية، لكنهما قررا “تصفية الحسابات» بالطريقة الدموية نفسها.
يوسف الذى كان يشارك متابعيه تفاصيل يومه، لم يكن أحد يتخيل أن الشاب الذى عاش حياته بين المقاطع الخفيفة والضحك سيُذكر يومًا ضمن قضايا القتل والثأر.
بينما أسرته تقف على أعتاب بيتٍ سكنه الصمت، تنتظر العدالة وتستعيد كل لحظة من حياته القصيرة، أسرته التى كانت تفرح بكل بثٍّ جديد له على "تيك توك"، جلسوا ينظرون إلى هاتفه الصامت، ويبكون حزنا عليه.
أما أصدقاؤه، فيتداولون مقاطعه على المنصات كأنهم يرفضون تصديق أنه رحل، كل كلمة نطق بها، وكل ضحكة بثّها، تحولت إلى ذكرى تُحفر فى ذاكرتهم.
يوسف شلش، لم يكن بطلاً فى فيلم، ولا شخصية فى رواية، بل شابًا بسيطا كانت حياته تسير بخطى بسيطة نحو المستقبل، إلى أن سرقها عنف لا يعرف معنى الرحمة، وترك وراءه سؤالاً واحدًا يتردد فى كل زاوية:
لماذا يُقتل من لا يحمل سوى حلمه؟