علي جمعة: الحيرةَ التي تعيشها أمةُ الإسلام جاءت بالتجرؤ على أولياء الله
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
كتب الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف منشورا جديدا عبر صفحته الرسمية على فيس بوك قال فيه:حديثُ سيدِنا رسولِ الله ﷺ هو نِبراسُ الهُدى ومِصباحُ الظَّلام.
وتابع: أخرج البخاري عن سيدِنا أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسولُ الله ﷺ: «إنَّ اللهَ قال: مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورِجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذَنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن، يكره الموتَ وأنا أكره مساءتَه».
هذا الحديثُ هو أعلى ما رُوي في شأن الوليّ عن النبي ﷺ.
ونوه ان ربُّنا يأمرنا أن نواليَ أولياءَ الله، وألَّا نُبارزهم بالإهانة أو الحرب؛ فمَن بارز أولياءَ الله بالعداوة أو الإيذاء فقد عادى الله، وكان في صفِّ أعدائه.
ولفت إلى أن اللهُ سبحانه وتعالى نهانا أن نُواليَ أعداءَه؛ فعلينا إذن أن نمتثلَ لحبِّ أهلِ الله، لأنَّ حبَّ أهلِ الله لا يكون إلا من حبِّ الله سبحانه وتعالى.
وأعلى الأولياء في هذه الأمة هو سيِّدُ الخلق ﷺ؛ فهو خيرُ وَلِيٍّ كما أنه خيرُ نبيٍّ.
وهو لنا بمنزلة الوالد للولد، وهو المقياسُ والمعيارُ الذي إذا أردنا لهذه الحياة الدنيا أن تسير على مراد الله اتبعناه، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.
وأولياءُ الله عبر التاريخ حاولوا أن يكونوا في ظاهرهم وباطنهم على مثالِ سيدنا رسول الله ﷺ؛ حتى إنهم كانوا يَلتمسون أخلاقَه، وأوامرَه، ونواهيه، ومشيته، وهيئتَه، وسمتَه في مأكلِه ومشربِه.
ويقول الإمامُ السيوطي رحمه الله: إنَّ من رحمةِ الله بالعباد أن أوجدَ فيهم أولياءَه وأصفياءَه؛ فإنهم يدعون الله فيستجيب، فيستقر الخلق، ويؤمنون بالله، ويعلمون أن وراء هذا العالم خالقًا قادرًا حكيمًا يستجيب الدعاء. وإنه فَرَضَ على الأمة أن يُخلِّص منها بعضَهم حتى يلتجئ إلى الله بالليل والنهار، لا يفتر لسانُه عن ذكر الله، ولا قلبُه عن التعلُّق به سبحانه وتعالى، يُخرِج الدنيا من قلبه لتكون في يده، حتى يلجأ إليه الناس، وحتى يفزع إلى الدعاء، فإذا سأل الله أعطاه، وإذا استعاذه أعاذه، وإذا دعاه أحبَّه وقرَّبه إليه.
ولكننا نرى في حياتنا وإعلامنا "حربًا على أولياء الله"، واستهتارًا بهم وإهانةً لهم؛ حتى إن كثيرًا منهم قد تركوا الحياة لأهلها والدنيا لعشاقها، وانعزلوا - مكرهين - عن الناس، فبركتهم لم تعم، وأحوالهم لم تنتشر، فأصبح الناس بلا رأسٍ وبلا رؤساءَ يذهبون إليهم، فانتشر الوَبَش والوابِش.
والناس إذا ذهبت رؤوسهم وذهبت رؤساؤهم صاروا فوضى لا ضابطَ لهم.
إنَّ هذه الحيرةَ التي تعيشها أمةُ الإسلام إنما جاءت بالتجرؤ على أولياء الله؛ ليس فقط أولئك الذين يعيشون بيننا، بل أيضًا الذين كانوا أولياء عبر التاريخ.
فإن الله سبحانه وتعالى يغار على أوليائه، ومن المناهج التي تركها لنا رسولُ الله ﷺ في سنته ودعائه إلى ربه ألا يجعلَ في قلوبنا حقدًا على الذين آمنوا، ولا غِلًّا للذين اتخذوا الله وليًّا واتخذهم الله أولياء.
وقد غبش هذا الأمرُ على كثيرٍ من المسلمين، فذهبت البركةُ من الطعام، وذهبت البركةُ من الأرزاق، وذهبت البركةُ من الأوقات والأعمال، ودعا كثيرٌ من الناس فلم تُستجب دعوتُهم، وكان هذا الشعورُ – الذي يفرُّ من أولياء الله، وهو في حقيقته فرارٌ إلى أعداء الله – حائلًا بين الإنسان وربِّه.
ونصح قائلا: عودوا إلى حبِّ أولياء الله من الأتقياء والأنقياء، ومن أهلِ بيتِ رسولِ الله ﷺ وعترته، رجالًا ونساءً، وعلماءَ وأولياءَ صالحين؛ فإن هذا هو الصراطُ المستقيم، وهو المنهجُ الذي نستطيع به أن نلُمَّ شعثَنا، وأن نلتجئ إلى ربنا، وأن يرضى عنَّا برضاه، وأن يرحمنا برحمته.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة أولياء الله الرسول البركة على أولیاء الله سبحانه وتعالى الله ﷺ
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: قيام الليل مفتاح السكينة والتقوى في زمن الفتن
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن قيام الليل؛ فهو مفتاحٌ بسيط، ولكن الله سبحانه وتعالى ذكَره في سياق بناء شخصيَّة عبادِ الرحمن. وأنت في قيام الليل كُن خائفًا من الله، خائفًا من عذابِه، مُلتجِئًا إليه سبحانه وتعالى؛ فإن هذا يجعلك تعيش في جوٍّ آخر غير الجوِّ الذي يريدون أن نعيش فيه، فتكون نفسُك لوَّامةً في بداية الأمر، ثم لا تزال ترتقي حتى تصيرَ راضيةً مرضيَّةً بعد ذلك، مطمئنَّةً في نهاية المطاف، كاملةً في سيرها إلى الله بعد ذلك.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية يموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أيها المؤمن.. هذه صفاتُ عباد الرحمن؛ تركوا المحرَّمات، وفعلوا الخيرات. هذه هي النفسُ البشريَّة التي أرادوا دَسَّها في أمَّارةٍ بالسوء، ولا يريدون لها تزكية، وهذه النفسُ البشريَّة التي رحم ربي فرضي عنها وأرضاها.
إذًا؛ نُقاوم ونصبر على ما قد جُبِلْنا عليه من توجّهٍ إلى الشر، ومن ميلٍ إلى الشهوات، وينبغي علينا أن نكون من المُزكِّين للنفس، وبدايةُ ذلك صلاةُ الليل؛ تُوقِع فيها الدعاء، فتلتجئ إلى الله.
ومن صلَّى الليل لا يفوتُه الفجر، ومن صلَّى الفجر كان في ذمَّة الله.
كلُّ هذه الأشياء تناساها كثيرٌ من الناس، واستيقظوا بعد فوات الأوان، وبعد شروق الشمس، ولا يدرون كيف أنَّ المسلم إذا استيقظ في تلك الساعة أصبحت نفسُه وَخِمَةً (أي ثقيلة)، والشيطان قد تَرَصَّد له. جَرِّبوا مع الله ما أمر الله به، وستَرَونَه بابًا قد فُتِح لكم؛ فيه الجمال، وفيه الراحة، وفيه الطمأنينة، وهو سهلٌ يشترك فيه كلُّ أحد، ليس صعبًا في فهمِه، ولا في تطبيقه، ولا مستحيلًا في ذاته.
أيها المسلمون.. هكذا علَّمنا ربُّنا في بناء النفس، ولم يعلِّمْنا أن نتبعَها ونتبعَ هواها؛ قال تعالى: ﴿وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: 60].
يا عباد الله.. في هذا العصر الذي تتوالى فيه الأحداثُ تترى، يحتاج المؤمنُ منَّا إلى نفسٍ راضيةٍ مرضيَّةٍ مطمئنة، يواجه بها هذا البحرَ، بل هذه البحار من الظُّلُمات؛ الكيدُ هنا وهناك، وقِلَّةُ العقل، وقِلَّةُ الحكمةِ التي قال فيها الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [البقرة: 269]،
وقد أصابت كثيرًا من الناس. وأنت في أشدِّ الحاجة في هذه الأوقات إلى تقوية علاقتِك مع ربِّك، وقيامُ الليل ليس بعيدًا عن الأحداث التي نحن فيها؛ فاستنجدوا بالدعاء في جوف الليل؛ فقد ورد: «والدعاءُ يَنفَعُ مِمَّا نَزَلَ ومِمَّا لَمْ يَنزِلْ، وإنَّ البَلاءَ لَيَنْزِلُ فيَلْقَاهُ الدُّعاءُ فَيَعْتَلِجَانِ (يتصارعان) إلى يومِ القيامة» (رواه الطبراني).
الدعاءَ، الدعاءَ؛ الفعَّالُ لما يريد هو الله، والذي يحمي عبدَه هو الله؛ نلجأ إليه كما لجأ إليه عبدُ المطَّلب فقال: هذه غنمي، وإنَّ للبيتِ ربًّا يحميه.
علينا أن نُحسِن العلاقة مع الله حتى نتقوَّى في السير في هذا العصر، وحتى نواجه هذا كلَّه؛ لأنه رُكامٌ (وهو جمعُ شيءٍ فوقَ آخر حتى يصيرَ رُكامًا) يُذهبه الله في لحظة. فنَدعو الله سبحانه وتعالى ألَّا يجعل مصيبتَنا في ديننا، وألَّا يجعل الدنيا أكبرَ همِّنا ولا مبلغَ علمِنا، وأن يُحبِّب إلينا يومَ لقائه، وأن يجعلنا شهداءَ في سبيله، وأن يُحبِّب إلينا هذا الأمرَ من الدين.