رماد الحرب يخنق غزة … ومرضى الربو على حافة الاختناق
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
الثورة نت /..
في غزة، لم يعد التنفس أمرًا فطريًا، فكل شهيق تحدٍ، وكل زفير معركة تُخاض على حافة الحياة.
الهواء الذي كان يومًا نعمة، صار خليطًا خانقًا من الغبار والرماد والدخان، كأن المدينة نفسها تحاول أن تتنفس وسط الركام.
وسط هذا الرماد، يعيش مرضى الربو حربًا أخرى، حربًا صامتة لا تُرى إلا في ارتجاف صدورهم ومحاولاتهم المستميتة لالتقاط أنفاسهم.
المستشفيات المنهكة لم تعد قادرة على استيعاب المزيد، والأدوية نادرة، وأجهزة التنفس حلم بعيد المنال.
تجلس نسمة يونس، أم لثلاثة أطفال، على أنقاض منزلها في دير البلح. تمسك صدرها بكلتا يديها وتحاول أن تنتظم أنفاسها قبل أن تقول بصوت متقطع لـ وكالة سند للأنباء: “أنا مصابة بالربو منذ الطفولة، لكن بعد الحرب أصبح كل شيء أصعب بكثير. الهواء هنا مليء بالغبار والدخان، كل خطوة بين الركام تثير الأزمة، والمشي لبضع دقائق يجعل صدري يضيق وكأن أحدهم يخنقني”.
تتنهد نسمة وتتابع: “الربو لم يعد المرض الوحيد، كل شيء حولي صار عدوًا… الغبار، الرماد، حرارة الشمس. حتى اللعب مع أطفالي أصبح رفاهية مؤلمة، أنتهي مستلقية أقاتل لأتنفس، بينما أنظر إليهم عاجزة”.
في بيتها الذي صار غبارًا، تتحول أبسط المهام إلى معارك صغيرة: غسل الملابس، تحضير الطعام، أو حتى ترتيب الخيمة.
تقول وهي تنظر إلى الأفق الرمادي: “الهواء نفسه صار خصمًا دائمًا.. كل يوم أشعر أنني أعيش معركة جديدة فقط لأتنفس”.
أما أبو يامن بكر، فقد عاش تجربة أقرب إلى الموت حين انهار منزله عليه في أحد القصفات.
يجلس اليوم على حافة ما تبقى من الجدران، يضع يده على صدره، يحاول أن يأخذ نفسًا عميقًا دون جدوى.
“شعرت أنني لن أستيقظ من هذا الكابوس أبدًا”، يقول أبو يامن بصوتٍ مبحوح، “كنت أعاني من أزمة ربو حادة عندما انهار المنزل. الغبار والدخان ملأ صدري، حاولت أن أصرخ لكني لم أستطع، كنت محاصرًا تحت الركام خمس ساعات كاملة، وكل دقيقة كانت كأنها دهر”.
يتذكر لحظة إنقاذه بدموع لم يجففها الزمن بعد: “حين رفعوني من تحت الحطام، شعرت أني وُلدت من جديد. لكن الربو جعلني ضعيفًا، كل نفس مؤلم، وكأن الحرب لم تنتهِ بعد في صدري”.
ثم يختم بصوتٍ متهدّج: “لم أعد أبحث عن رفاهية، كل ما أريده أن أتنفس بحرية، أن أعيش يومًا بلا خوف… هذا فقط ما تبقى لي”.
تقول الطبيبة إيمان عودة، المتخصصة في أمراض الجهاز التنفسي، إن الغبار والرماد المنتشرين في هواء غزة بعد الحرب سببا ارتفاعًا حادًا في نوبات الربو، خاصة بين الأطفال وكبار السن.
وتشير إلى أن نقص الأدوية الأساسية يجعل المرضى أكثر عرضة للاختناق والمضاعفات الخطيرة.
لم يعد التنفس أمرًا طبيعيًا، بل معركة تُخاض يوميًا وسط الغبار والرماد. ورغم أن الحرب سلبت المدينة هواءها، لم تستطع أن تسلبها إرادتها على الحياة.
يقاوم مرضى الربو بأجسادٍ منهكة وصدورٍ تتنفس الألم، لكنهم ما زالوا يتشبثون بتوالي الشهيق كأنه وعدٌ بالبقاء.
هنا، حتى الهواء المسموم لا يستطيع أن يهزم روحًا تعلّمت كيف تتنفس من بين الركام.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
بين مفاخرة ترامب بإنهاء 8 حروب ونتائج وساطاته الفعلية.. ماذا تقول الوقائع الميدانية؟
رغم تكرار الرئيس الأميركي تأكيده أنه أنهى ثماني حروب حول العالم، تُظهر مراجعة الأزمات التي تدخّل فيها أن معظم هذه النزاعات لم تتوقف فعليًا، أو أن اتفاقات وقف القتال المرتبطة بها لم تصمد على أرض الواقع.
يكرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أكثر من مناسبة أنه أنهى ثماني حروب في مناطق مختلفة حول العالم، ويقدم ذلك على أنه حصيلة وساطاته وتحركاته السياسية خلال الفترة الماضية. لكن عند التدقيق في النزاعات التي يشير إليها، يتبين أن بعض هذه الحروب لم يتوقف فعليا، وأن أربع نزاعات فقط شهدت هدنا أو خفوتا للقتال خلال الأشهر الأخيرة، بينما بقيت تسويات أخرى هشة أو مؤقتة أو عادت المواجهات فيها بعد فترة قصيرة. فهل تعكس هذه الصورة فعلا ما يصفه ترامب بأنه "إنهاء ثماني حروب"؟
غزة: الهدنة الأبرز والأكثر هشاشةيمثل وقف إطلاق النار في غزة أبرز الملفات التي ارتبطت بدور ترامب. فقد اندلعت الحرب عقب الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وبفعل ضغوط أميركية ووساطة قطرية ومصرية، دخلت الهدنة حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول/أكتوبر، ما سمح بانسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة وعمليات تبادل للرهائن الإسرائيليين والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
لكن أعمال العنف لم تتوقف بالكامل. فقد أدت الضربات الإسرائيلية اللاحقة إلى مقتل أكثر من 370 فلسطينيا، فيما قُتل ثلاثة جنود إسرائيليين أيضا. ومنذ الأربعاء، لم يبق في غزة سوى جثمان رهينة إسرائيلي واحد، بينما تطالب إسرائيل بإعادته لبدء المرحلة الثانية من خطة تثبيت وقف إطلاق النار.
لا يزال النزاع في أوكرانيا مستعرا رغم تأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل وصوله إلى البيت الأبيض أنه قادر على إنهائه "في يوم واحد".
وحتى الآن، لم تتمكن الجهود الأميركية من تحقيق أي تقدم تفاوضي واضح، فيما تتواصل العمليات العسكرية على مختلف الجبهات بلا تغيير يذكر. وقبل يومين، قال ترامب إنه "لا يريد إضاعة الوقت على أوكرانيا"، في وقت لم ينجح فيه حتى اليوم في وقف الحرب أو تغيير مسارها الميداني.
في 4 كانون الأول/ديسمبر، وُقّع في واشنطن اتفاق بين الكونغو الديموقراطية ورواندا قدّمه ترامب كإنجاز كبير. لكن الواقع الميداني بقي على حاله، إذ لم يُحدث الاتفاق أي تغيير في شرق الكونغو الديموقراطية، وهي المنطقة التي تشهد نزاعات مستمرة منذ أكثر من 30 عاما. ودخلت مجموعة "أم 23" المتمردة، المدعومة وفق خبراء أمميين من ستة إلى سبعة آلاف جندي رواندي، مدينة أُفيرا الاستراتيجية. واعتبرت بوروندي، التي تقع عاصمتها الاقتصادية بوجومبورا على بعد 20 كيلومترا فقط من أُفيرا، أن هذا التطور يشكل "صفعة" لواشنطن.
قدّم ترامب الاتفاق الحدودي بين كمبوديا وتايلاند الموقع في 26 تشرين الأول/أكتوبر بوصفه "اتفاقا تاريخيا" لإنهاء نزاع متجذر يعود إلى الفترة الاستعمارية الفرنسية. وسبق ذلك في تموز/يوليو وقف لإطلاق النار أسهمت فيه الولايات المتحدة والصين وماليزيا بعد خمسة أيام من القتال أودت بحياة 43 شخصا على الأقل وتسببت بإجلاء أكثر من 300 ألف مدني.
لكن الاتفاق انهار بعد أسبوعين فقط. ففي 10 تشرين الثاني/نوفمبر، علّقت تايلاند العمل به بعد انفجار لغم أرضي قرب الحدود. وفي ما بعد، اندلعت اشتباكات جديدة خلّفت ما لا يقل عن 19 قتيلا، بينهم 10 مدنيين كمبوديين وتسعة جنود تايلانديين، وفق حصيلة رسمية. وأُجبر أكثر من 500 ألف شخص على إخلاء مناطق القتال، في تصعيد وصفه سكان محليون بأنه أكثر عنفا من مواجهات تموز/يوليو.
نفذت إسرائيل في 13 حزيران/يونيو هجوما غير مسبوق على إيران، معلنة أن الهدف منه هو منع طهران من امتلاك السلاح النووي. وخلال ليلة 21–22 حزيران/يونيو، انضمت الولايات المتحدة إلى العملية عبر قصف ثلاثة مواقع نووية إيرانية.
وبعد 12 يوما من القتال، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوصل إلى "وقف تام لإطلاق النار". غير أن استمرار التوتر حول البرنامج النووي الإيراني، إلى جانب تأكيد المرشد الايراني خامنئي أن بلاده لن تتراجع في ملف تخصيب اليورانيوم، يجعل مستقبل هذه الهدنة غير مضمون.
الهند وباكستان: ما دور ترامب؟اندلعت في أيار/مايو مواجهة عنيفة بين الهند وباكستان استمرت أربعة أيام، وأسفرت عن أكثر من 70 قتيلا في الجانبين. أعلن ترامب بشكل مفاجئ عن وقف لإطلاق النار بين البلدين، وقد شكرت باكستان واشنطن على "تسهيل ذلك". لكن الهند أكدت أنها لم تتلق أي طلب من أي قائد أجنبي لإنهاء القتال، وأن التفاوض كان مباشرا بينها وبين إسلام آباد، وفق ما قاله رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
رغم أن البلدين لا يخوضان حربا، فإن التوتر بلغ مستويات عالية بسبب السد العملاق الذي بنته إثيوبيا على نهر النيل. وتعتبر مصر السد "تهديدا وجوديا" لأنها تعتمد على النهر لتوفير 97 بالمئة من مياهها. وتم تدشين السد في 9 أيلول/سبتمبر من دون أي دور مؤثر لترامب في تخفيف التوترات. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إن المفاوضات وصلت إلى "طريق مسدود تماما".
Related رغم دعوة مصر ومقترح ترامب لانضمامها إلى اتفاقات أبراهام.. إيران أبرز الغائبين عن قمة شرم الشيخإنفانتينو أمام شكوى لدى محققي أخلاقيات "الفيفا" بسبب جائزة السلام الممنوحة لترامبقمة شرم الشيخ.. قادة الولايات المتحدة وقطر ومصر وتركيا يوقعون وثيقة بشأن الاتفاق بين إسرائيل وحماس أرمينيا وأذربيجان: مشروع اتفاق لا يزال معلقافي البيت الأبيض، وُقّع في آب/أغسطس مشروع اتفاق سلام بين أرمينيا وأذربيجان لإنهاء عقود من النزاع حول إقليم ناغورني قره باغ، الذي استعادته باكو في عام 2023. لكن التوقيع النهائي للاتفاق لا يزال غير مضمون بسبب شروط تطرحها أذربيجان وتعتبرها يريفان محرجة.
في الولاية الأولى لدونالد ترامب عام 2020، جرى في البيت الأبيض توقيع اتفاق للتطبيع الاقتصادي بين صربيا وكوسوفو، في خطوة اعتُبرت آنذاك محاولة لتهدئة التوتر بين الطرفين. غير أن الاتفاق لم يكن بمثابة اتفاق سلام، ولم يغيّر من طبيعة الخلاف القائم منذ سنوات. فصربيا ما زالت ترفض الاعتراف باستقلال كوسوفو الذي أعلنته بريشتينا عام 2008، فيما تستمر التوترات السياسية والأمنية رغم وجود قوات دولية لحفظ السلام، ورغم جولات الحوار المتكررة التي أخفقت في معالجة إرث حرب 1998–1999.