المعادن الثمينة.. من أصول مالية إلى أدوات نفوذ دولي
تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT
لطالما شكّلت المعادن الثمينة، وعلى رأسها الذهب والفضة، عبر التاريخ، موردًا إستراتيجيًا رئيسيًا وأداة فاعلة في تعزيز سيادة الدول ونفوذها على الصعيدين السياسي والاقتصادي. فقد لعبت هذه المعادن دورًا أساسيًا في بناء الحضارات وتطوير النظم التجارية، فضلا عن استخدامها كمؤشرات للتحكم في ميزان القوى العالمية.
ولم تقتصر أهميّتها على الجانب الاقتصادي فحسب، بل كانت أيضًا ركيزة للسيطرة والهيمنة الإقليمية، وسببًا مباشرًا في اندلاع الحروب والصراعات، خصوصًا في المناطق الغنية بالثروات المعدنية.
وشكّلت الدول الأفريقية مثالا بارزا على ذلك، إذ استغلها الاستعمار عقودا طويلة، فنهب مواردها وسلب شعوبها، مما أثّر على مسارات تطوّرها إلى يومنا هذا.
رسم ملامح النفوذ الدوليفي ظل تصاعد التوترات الدولية في مناطق عدة من العالم، لم تعد المعادن الثمينة مجرد مخازن للقيمة أو خامات اقتصادية أو أدوات استثمارية فحسب، بل تحوّلت إلى ضمانات أمنية حيوية تعزّز من استقرار الدول المالي والسيادي، وتمنحها نفوذًا واسعًا في المشهد الجيوسياسي الراهن.
وتطرح هذه التحولات تساؤلات محورية: هل مهّدت المعادن الثمينة الطريق لظهور قوى عظمى جديدة؟ وكيف تعتمد الدول الكبرى على احتياطيات الذهب ومختلف المعادن في تأمين مصالحها الاقتصادية والسياسية في ظل تعدد الأزمات وتذبذب قيمة العملات؟
المعادن الثمينة أدوات نفوذأصدر موقع "قيراط تريد" قائمة بأبرز 5 دول تمتلك احتياطيات من الذهب في العالم، بلغ مجموعها نحو 20 ألف طن متري من الذهب.
كما نشر موقع الشركة السويسرية الهندية لصناعة سبائك الذهب بتاريخ 26 أغسطس/آب 2025 تقريرًا يشمل قائمة أبرز 10 دول تمتلك احتياطيات من الذهب حول العالم.
وجاء الترتيب كالتالي:
الولايات المتحدة باحتياطي يبلغ 8133 طنًا متريًا ألمانيا بـ3350 طنًا إيطاليا بـ2452 طنًا فرنسا بـ2437 طنًا روسيا بـ2333 طنًا متريًا الصين في المرتبة السادسة بـ2300 طن متري سويسرا بـ1040 طنًا. الهند بـ800 طن هولندا بـ620 طنًا. تركيا بـ550 طنًا متريًا.أما على الصعيد العربي فجاء الترتيب كالتالي:
السعودية باحتياطي بلغ 323.67 طنًا متريًا لبنان بـ286.83 طنًا الجزائر بـ173.56 طنًا العراق بـ162.64 طنًا ليبيا بـ146.65 طنًا مصر بـ128.54 طنًا قطر بـ116.12 طنًا الكويت 78.40 طنًا الإمارات 74.40 طنًا الأردن 72.83 طنًا متريًا. أبرز المعادن النادرة في العالممع التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة والصناعات الكهربائية، تتزايد أهمية المعادن النادرة مثل النيكل والكوبالت والليثيوم، المنتشرة في مناطق من أفريقيا وآسيا، باعتبارها عناصر أساسية لتأمين سلاسل الإمداد وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة.
ووفقًا لما نشره موقع "أور غولد رو" الروسي، تتصدر قائمة المعادن النادرة عالميًا 8 عناصر رئيسية:
إعلان الكاليفورنيوم: أغلى معدن في العالم، يُنتج حاليًا في روسيا بمنطقة أوليانوفو بعد توقف إنتاجه في الولايات المتحدة عقب حريق المختبر عام 2023. الأوزميوم-187: أكثر المعادن كثافة على الأرض، ويُستخرج بصعوبة بالغة تستغرق نحو 9 أشهر، وتُعد روسيا المورد الوحيد له عالميًا. الإريديوم: أحد معادن مجموعة البلاتين، أكثر ندرة من الذهب والبلاتين، يوجد أساسًا في النيازك ويذوب عند حرارة تبلغ 2465 درجة مئوية. الروديوم: تتوزع احتياطاته بين روسيا وجنوب أفريقيا وكندا وكولومبيا، ويُستخدم في صناعة شاشات الكريستال السائل والمرايا وأنظمة الليزر والمفاعلات النووية. الذهب: المعدن التقليدي للاستثمار الموثوق وصناعة المجوهرات. البلاديوم: أكبر مصدّريه روسيا، مع وجود مناجم أصغر في كندا والولايات المتحدة وكولومبيا وأستراليا وجنوب أفريقيا، ويُستخدم في صناعة الذهب الأبيض وسبائك الفضة. البلاتين: معدن ذو قيمة عالية، يُستعمل في مجالات صناعية وطبية إلى جانب المجوهرات. الأوزميوم: ينتمي إلى مجموعة البلاتين ويُستخدم في صناعة المجوهرات، وتوجد أهم مخزوناته في روسيا، خاصة في جبال الأورال وسيبيريا، إضافة إلى كازاخستان وألاسكا وكندا ودول أميركا الجنوبية وجنوب أفريقيا. المعادن الثمينة درع واقٍ واقتصاد بديلويرى خبراء الاقتصاد أن المعادن الثمينة أصبحت تمثّل ملاذًا إستراتيجيًا آمنًا للدول الساعية إلى تعزيز استقرارها المالي والسيادي، لا سيما في ظل تقلبات الأسواق العالمية وتراجع قيمة العملات. وتتجاوز أهمية هذه المعادن كونها مجرد أصول مالية لتصبح أعمدة لحماية الاحتياطيات الوطنية.
ويقول الخبير الاقتصادي الدولي فارس هبّاش لموقع "الجزيرة نت": "من المؤكد أن تُعامل الدول، وخاصة القوى الكبرى، المعادن الثمينة كأصول للأمن القومي على المدى القريب والبعيد، ولكن بأدوار مختلفة. فمنذ عام 2022 تتجه البنوك المركزية، وعلى رأسها الصين وبولندا وتركيا، إلى شراء الذهب الصافي بأحجام تاريخية، مدفوعة بأخطار تجميد الأصول الدولارية.
ويضيف "في ظل الحرب الأوكرانية الروسية ورغبة تنويع الاحتياطات بعيدًا عن الدولار، يبقى الذهب ملاذًا سياديًا يعدّل ميزان المخاطر ويعزز الثقة المحلية بالعملة".
ويتابع الخبير أن "المعادن الحرجة تُستخدم أيضًا كأداة قوة جيوسياسية. فالصين، على سبيل المثال، تفرض قيودًا على تصدير الغاليوم والجرمانيوم والغرافيت منذ عام 2023، وشدّدت في عام 2025 القيود على العناصر النادرة كورقة ضغط في التكنولوجيا والدفاع".
ويوضح أن "القوى الكبرى تعوّل على المعادن كضمانات أمنية مالية، إذ تخفف هذه السياسات من صدمة العقوبات والمصادرة. فالدول التي تحتفظ بالذهب داخل حدودها أقل عرضة لمخاطر التجميد الخارجي، ولهذا نشهد اليوم إعادة توطين احتياطيات الذهب. كما يقلل ذلك من خطر توقف الصناعات الحيوية مثل الأسلحة والطاقة النظيفة".
ويختم قائلا: "على المدى البعيد، سيؤدي التحول الطاقي إلى مضاعفة الطلب على معادن الطاقات النظيفة حتى عام 2030 وما بعدها، غير أن تطوير منجم جديد يستغرق في المتوسط نحو 15.5 سنة، وهي فجوة زمنية كبيرة تبرر سياسات التخزين والاستباق اليوم".
المعادن وفرض السيطرةلا يمكن إنكار أن الحرب الأوكرانية والعقوبات المفروضة على روسيا منذ أكثر من 3 سنوات، إلى جانب الحرب الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والصين، أسهمت في الارتفاع القياسي لأسعار الذهب والفضة والمعادن الثمينة الأخرى.
وفي أبريل/نيسان 2025، فرضت الصين قيودًا على تصدير 7 عناصر أرضية نادرة ومنتجاتها ذات الصلة، تتطلب الحصول على تراخيص مسبقة، في خطوة اعتبرها محللون سياسةإستراتيجية وورقة ضغط بيد بكين لتعزيز سيطرتها على سلاسل التوريد العالمية، مما أثّر في الصناعات المعتمدة على هذه المعادن في مجالات التقنية والدفاع والطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية.
إعلانوأكد البروفيسور هبّاش أن "المعادن الثمينة والحرجة تحولت خلال السنتين الأخيرتين من مجرد مدخلات صناعية إلى أدوات قوة جيواقتصادية تعيد توجيه سياسات الدول في مجالي السيطرة والأمن، عبر سياسات وإجراءات عملية واضحة".
ويقول: "الصين شددت قيودها على صادرات المعادن الإستراتيجية، ووسعت نطاقها لتشمل العناصر الأرضية النادرة ومعدات معالجتها، مما جعل الوصول إلى هذه المدخلات الحساسة مرتبطًا بحسابات الأمن القومي، وانعكس مباشرة على التدفقات التجارية والأسعار".
تحديات الدول في ظل التوترات الراهنةتواجه الدول اليوم تحديات متزايدة في إدارة مواردها الطبيعية ضمن إطار التنمية المستدامة، وسط تضارب المصالح بين تحقيق النمو الاقتصادي وحماية البيئة وحقوق الإنسان.
وفي ظل هذه التحولات الجيوسياسية، تتخذ الدول من احتياطيات المعادن الثمينة كالذهب والفضة والبلاتين خطوط دفاع إستراتيجية لضمان أمنها الاقتصادي واستقرارها النقدي.
ويشير الخبير الاقتصادي هباش إلى أن من أبرز التحديات في هذا المجال مخاطر الحجز والتجميد والوصاية القانونية على المعادن والممتلكات. فامتلاك الذهب في مراكز غربية قد يعرّضه لاحقًا للتجميد أو لاستخدام عوائده لأغراض سياسية، كما حدث في تجميد أصول روسيا البالغة نحو 300 مليار دولار، وهو ما يدفع نحو إعادة توطين الذهب محليًا لتقليل المخاطر القانونية.
ويضيف أن "هناك تحديات تتعلق بتدفقات الذهب غير المعلنة، وملفات التهريب، وضرورة التزام البنوك المركزية بمعايير التتبع الرقمية، إضافة إلى مشكلة الذهب المزوّر وسلامة الأصل نفسه، فضلا عن القيود التي قد تواجهها السيولة في أوقات الأزمات".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات المعادن الثمینة المعادن النادرة طن ا متری ا من الذهب
إقرأ أيضاً:
قلق إسرائيلي: نفوذ تركيا الإقليمي يتزايد.. الخطر في هذه المناطق
ما زالت الماكنة الدعائية الإسرائيلية تشنّ حملاتها المعادية لتركيا، بزعم أنها تستخدم نفوذها ووعيها لترسيخ مكانتها كجسر تجاري جديد بديلًا عن دولة الاحتلال.
كافير تشوفا، الباحث في شؤون الشرق الأوسط، والمحاضر بكلية رامات غان الأكاديمية، أكد أنه "بعد عامين من الحرب الإقليمية، ومع انحسار غبار المعارك، تكشف الخريطة الإقليمية عن صورة أكثر تعقيدًا، فقد ضعفت إيران، وتراجعت إسرائيل أما من يزداد قوةً فعليًا فهي تركيا، وبدعم من قطر، لكن السؤال البديهي هو ما إذا كان هذا مجرد استغلال لفرصة سانحة، أم جزء من خطوة استراتيجية أعمق".
وأضاف تشوفا في مقال نشرته مجلة يسرائيل ديفينس، وترجمته "عربي21" أنه "قبل هجوم حماس في السابع من أكتوبر، كانت إسرائيل على وشك تحقيق قفزة استراتيجية، فقد روّجت إدارة الرئيس السابق جو بايدن لممرّ تجاري يمتد من الهند عبر الخليج العربي، مرورًا بالسعودية والأردن وإسرائيل، وصولًا لموانئ البحر المتوسط، وكان من المفترض أن يكون هذا الممر طريقًا بديلًا لطريق الحرير الصيني، وأن يضع إسرائيل في موقع محوري بين الشرق والغرب، لكن هجوم حماس، والحرب في غزة بدّدا هذه الخطة".
وأشار الكاتب إلى أن "السعودية شددت من قبضتها على الموقف، وأغلق الحوثيون البحر الأحمر، وتجمّد مشروع الممرّ، وفي الوقت نفسه، سرّعت الحرب من وتيرة الأحداث في الخفاء، فقد انهار نظام الأسد الموالي لإيران في سوريا، وملأت الفراغَ قوى جهادية سنية، وتحالفات محلية، تحظى بدعم سياسي واستخباراتي، وأحيانًا عسكري، من تركيا، وكانت النتيجة أن فقدت إيران الصلة السورية في سلسلة الحدود البرية الممتدة من طهران إلى بيروت، وانسحب حزب الله من شريان إمداد رئيسي".
وأكد تشوفا أن "محور إيران انقطع، وتضاءل نفوذه على الحدود الشمالية، وهنا أتى دور تركيا، فبعد سنوات من رعاية المعارضة السنية في سوريا، باتت اليوم اللاعب الخارجي الأكثر نفوذاً في دمشق الجديدة وشمال سوريا، ومن هناك، تستطيع أن تقدم للعالم ممراً تجارياً جديداً: الهند، والخليج، والأردن، وسوريا، وتركيا، ومنها إلى أوروبا، لأن الطريق الذي كان يفترض أن يمرّ عبر إسرائيل قد تحرك شمالاً، وأصبح مرتبطاً بأنقرة".
وأوضح الكاتب أن "هذا التحول الاقتصادي البحت يتحول إلى خطوة استراتيجية تعزز مكانة تركيا كوجهة إقليمية لا غنى عنها، ولفهم عمق هذه الخطوة، يجب التذكير بأن تركيا وقطر هما المركز السياسي والإعلامي للحركة الإسلامية السنية، بقيادة جماعة الإخوان المسلمين، فيما تتخذ قيادة حماس منهما مقراً لها، وتمنحها قناة الجزيرة منصةً ووعياً، وقدمت حكومة أردوغان نفسها لسنوات كجبهة سياسية وأيديولوجية، بديلاً للعالم العربي العلماني والمعسكر المعتدل".
وأكد أن "حماس بالنسبة لهما ليست مجرد منظمة معادية مسلحة، بل امتداد أيديولوجي أيضاً، وقد دخل البعد المعرفي أيضاً في هذا السياق، ففي غضون ساعات من هجوم الطوفان، غصّت شبكة الإنترنت بالدعاية المؤيدة له، ووُضعت نماذج مُصممة خصيصاً لهذا الغرض، ومارستها التضليل الإعلامي، ونزع الشرعية عن إسرائيل، وتشير دراسات عديدة إلى انخراط دول وكيانات وكيلة، من بينها روسيا وإيران، بجانب وسائل إعلامية مثل قناة الجزيرة القطرية التي طالما ارتبطت بخطاب مؤيد لحماس".
وأوضح تشوفا أنه "يصعب تحديد الجهة التي خططت لكل موجة احتجاجات، أو لكل رسالة على الإنترنت، لكن من الواضح أن حماس وحدها لا تمتلك أدوات التأثير المستخدمة، أما دول مثل قطر وتركيا فتمتلك المنصات والمصلحة، وتستفيد اليوم من التحول في الوعي الذي طرأ على الغرب، وتشير نظرية الألعاب إلى أنه يمكن اعتبار تركيا طرفًا ثالثًا في لعبة متعددة اللاعبين، حيث يتصارع خصمان، ويستنزفان الموارد، ويخسران، بينما يقف الطرف الثالث على الهامش، منتظرًا، ويجني الثمار، وهذا ما حدث بالضبط".
تكشف هذه القراءة أن إسرائيل تدفع ثمنًا باهظًا من الشرعية والعلاقات مع بعض دول الغرب، فيما تخرج تركيا أقوى اقتصاديًا وجيوسياسيًا وأيديولوجيًا، مما يستدعي منها التوقف عن النظر إلى طهران وغزة فقط كجبهات معادية، لأن قواعد اللعبة الإقليمية تغيرت، وإذا لم تدرك أن تركيا وقطر تعملان على ترسيخ مكانتهما عبر الوكلاء، والتأثير على الوعي والتجارة، فستجد نفسها مجدداً مجرد بيدق على رقعة الشطرنج بدلاً من أن تكون صانعة اللعبة.