في استنساخ تجربة المنتدى الاقتصادي
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
لأغراض بحثية؛ عكفت خلال الفترة الماضية على تحليل أرشيفي لبعض البرامج التخصصية في الإعلام المحلي؛ بهدف فهم السياقات التي تنشأ فيها مثل هذه البرامج وتتطور، والكيفية التي تواكب من خلالها المستجدات في الأحداث والقضايا والموضوعات في الشأن المحلي، وربطها بالسياقات الخارجية. ومما لاشك فيه أن هناك برامج في الإعلام المحلي شكلت أيقونة في موضوعها واستدامتها ومساحات الطرح ونوعيته التي كانت تمارس فيها، لعلنا نشير هنا إلى برامج مثل «شؤون الساعة»، و«رؤية اقتصادية»، وبرنامج «شؤون عائلية» في حينه، وبرنامج «الدكة» في شؤون الرياضة وكرة القدم، وسواها.
تشكل هذه البرامج لمتابعيها كل في مجال تخصصه واهتمامه ذاكرة معرفية؛ حيث إنها توثق مراحل مختلفة من تطور الموضوع أو الحدث أو القضية التي تتوجه إلى مناقشتها وتحليلها. وفي كثير من الأحيان كانت مثل هذه البرامج تعكس أصواتًا متوازية بين الصوت الرسمي المتمثل في صوت المؤسسة الحكومية، أو الخاصة، أو المدنية المعنية بالحدث، وبين صوت الخبرة الذي يناقش الحدث من زاوية موضوعية أو علمية أو مستندة إلى التجربة. وفي كثير من هذه البرامج تشكل العودة إلى أرشيفها بمختلف الوسائط المتاحة اليوم خارطة لفهم الأحداث والتداعيات، وتشريح خارطة التغير في المواقف والآراء والاتجاهات إضافة إلى رصد التدابير والسياسات التي كانت تجري في إزاء التعامل مع قضية أو موضوع معين. ونعتقد أن هذا الدور أصيل لوسائل الإعلام في سياقها النظري والتطبيقي، وهو ما يتسق مع النظرية الشهيرة في دراسات الإعلام وهي نظرية الإطار الإعلامي (Framing Theory) التي صاغها إرفينغ غوفمان، وترى في مسلماتها أن «الإعلام لا يقدّم الحدث فقط، بل يضع له إطارًا تفسيريًا يوجّه طريقة تذكّره».
أحد هذه البرامج التي يمكن التركيز على تحليلها برنامج «المنتدى الاقتصادي» الذي استمر لسنوات طويلة محافظًا على توهجه في مناقشة القضايا الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية المختلفة، وفي فتح مساحة لتناول الأحداث المتباينة وتأثيرها على المشهد الاقتصادي وعلى عمليات التنمية المستدامة؛ حيث أسهم البرنامج في تمكين وتعميق الفهم لأبعاد متعددة في الشأن الاقتصادي. فالمتتبع القريب يتذكر حلقات بارزة في مسيرة البرنامج كتلك الحلقات التي ناقشت نتائج رؤية عُمان 2020، أو التي كانت تسلط الضوء على مستقبل الثروة النفطية والثروات الطبيعية في سلطنة عُمان، أو الحلقات التي خصصت لمناقشة أثر تطبيق عدم المركزية على الاقتصاد والتنمية، وبعضها تلك التي كانت تناقش تأثير التغيرات والتحولات في المالية العالمية على القطاع المصرفي العُماني، أو مجموعة واسعة من الحلقات التي كانت تناقش الاستراتيجيات القطاعية المختلفة، وخطط التنمية وانعكاساتها على الواقع الاقتصادي والتنموي. إن ما نريد استخلاصه من تجربة برنامج «المنتدى الاقتصادي» هو الإشارة الواضحة إلى أربعة عناصر أساسية نعتقد أنها تجعل من مثل هذه البرامج «نموذجية» في فكرتها واستدامتها - بعيدًا عن الاتفاق أو الاختلاف مع مستوى العمق في طرح كل برنامج -، وهذه العناصر هي:
وجود هوية واضحة لموضوع البرنامج (أيقونية)، وتتجسد في مناقشة كافة الموضوعات والقضايا والأحداث والتحولات وعلاقتها المباشرة وغير المباشرة بالمشهد الاقتصادي والتنموي.
وجود سردية واضحة لتناول الموضوعات، والقدرة على تغطية آراء وتوجهات الحد الأدنى من الأطراف ذات العلاقة أو الخبرات ذات الصلة؛ لتقديم فهم متكامل حول الموضوع الذي يناقش.
القدرة على الديمومة وخلق ذاكرة ممتدة، وربط الموضوعات التاريخية ببعضها؛ حيث يشكل البرنامج وقفات تحليلية لمراحل اقتصادية كبرى ومهمة، منها إطلاق الرؤى والخطط التنموية الوطنية، ومنها تناول الاستراتيجيات القطاعية طويلة المدى، أو تناول التوجهيات والقرارات والسياسات الحكومية ذات البعد الاقتصادي في صيغة فهم التداعيات أو استشراف المستقبل.
هناك بعض السمات التي تسم حلقات البرنامج من ناحية التركيب الإعلامي، ومنها أن لغة الطرح قائمة على نسق تحليلي متوازن (Balanced analytical narrative) وأن مقدم البرنامج يمارس دور تنسيق عصف الأفكار والتوجهات (Knowledge Broker) أكثر من دور المحاججة، وهو ما يتسق مع مثل هذا النوع من البرامج، كما أن السياق الزمني لمدد الحلقات يتسم مع طبيعة ما يحتمله من النقاشات ويحتاجه من مساحات لتناول موضوعاتها.
وما ذكرناه حول هذا البرنامج قد ينطبق على برامج أخرى، غير أن ما نعنيه هنا وجود عينة ننطلق منها إلى تحديد المراد من مثل هذه البرامج اليوم؛ حيث مما لاشك فيه أن هناك جهودًا كبيرة تبذل من قبل المؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصة لمواكبة سياقين مهمين: التطور في الإعلام من ناحية الأدوات والتقنية، وسبل التناول والجوانب الفنية، ومن ناحية مواكبة الأحداث والمتغيرة على اختلافها محليًا وإقليميًا ودوليًا. غير أننا نحتاج اليوم إلى ذلك النوع من البرامج التي تصنع الذاكرة الجمعية التي توثق الأحداث تحليلًا وفق سردية متوازنة تتيح لنا حين الرجوع إليها بعد أعوام وعقود فهم التطور التاريخي للمجتمع والدولة والموضوع أو القضية التي تتناولها. نموذج «المنتدى الاقتصادي» بقدرته على الاستمرارية بذات البناء الذي بدأ عليه نحتاج أمثاله اليوم في سياقات تحكي قضايا المجتمع والأسرة، وتطور التشريع والقانون، وبرامج تتناول المتغيرات الجيلية، والأحداث السياسية المختلفة؛ فأحد أوجه قوة الإعلام الحقيقية في تقديرنا هي في قدرته على أن يخبرنا كيف كنا نفكر وندبر في قضية ما، وكيف صرنا، وكيف سنغدو مستقبلًا.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع، والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المنتدى الاقتصادی التی کانت البرامج ا
إقرأ أيضاً:
رئيس جامعة حلوان: استقطبنا 36 جنسية وأكثر من 7 آلاف طالب وافد| خاص
قال الدكتور السيد قنديل، رئيس جامعة حلوان، إن الجامعة خلال الثلاث سنوات الماضية ضاعفنا عدد البرامج الدراسية بجميع الكليات لتواكب السوق العمل بالإضافة الي زيادة اعداد البرامج الدولية.
وأكد رئيس جامعة حلوان، في تصريحات خاصة لصدي البلد، أن الجامعة تقوم بتقديم تعليم عالي الجودة يواكب المعايير العالمية ويلبي احتياجات سوق العمل المتغيرة، إقليميا ودوليا.
وأضاف قنديل، أن الجامعة أصبحت بالفعل وجهة تعليمية مفضلة للعديد من الطلاب الوافدين، مشيرًا إلى الإقبال الملحوظ من الطلاب على الالتحاق بالكليات العلمية المرموقة بالجامعة مثل كليات الطب، والتمريض، والعلوم، والهندسة، والحاسبات والذكاء الاصطناعي وعلوم التغذية، مشيرا إلي أن عدد جنسيات الطلاب الوافدين وصلت إلى 36 جنسية.
وتابع رئيس جامعة حلوان، أن الجامعة تولي اهتماما خاصا بالتخصصات الحديثة والمستقبلية، مشيرا إلى أن "الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني" هي من بين التخصصات المميزة التي تقدمها الجامعة، والتي تشهد إقبالا كبيرا نظرا لأهميتها المتزايدة في العصر الرقمي.
وأوضح، أن الجامعة تنفرد بوجود كليات نوعية متخصصة لا مثيل لها في جامعات أخرى، خاصة في مجالات الفنون مما يجعلها وجهة فريدة للطلاب الباحثين عن تخصصات إبداعية وتطبيقية مبتكرة.