زيارة الرئيس لـــ«بروكسل».. أوروبا تعيد اكتشاف مصر
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
ما المختلف هذه المرة في نمط العلاقات المصرية الأوروبية؟
بهذا السؤال أود أن أقرأ زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة إلى بروكسل، لأن ما جرى هناك ليس مجرد اتفاق على تمويل أو منحة أوروبية جديدة، بل إعادة تعريف لموقع مصر في خريطة الاقتصاد الدولي، إنها ليست زيارة من أجل المال، بل من أجل تغيير طريقة تفكيرنا في الشراكة والتنمية والسيادة الاقتصادية.
                
      
				
على مدى سنوات، كانت علاقات مصر بالتمويل الدولي تُقرأ في إطار «المساعدات» أو «الإنقاذ الاقتصادي»، وكأننا في علاقة طرف قوي بطرف ضعيف، لكن في بروكسل، بدا المشهد مختلفًا: القاهرة لم تذهب لتطلب دعمًا، بل لتعرض شراكة متكاملة تربط الطاقة بالتنمية، والموقع الجغرافي بالإنتاج، والتمويل بالسيادة.
الاتحاد الأوروبي أعلن عن حزمة استثمارات وتمويل تتجاوز 7.4 مليارات يورو، تتركز في الطاقة النظيفة، والبنية التحتية، والصناعات الصغيرة، والربط اللوجستي.
لكن القيمة الحقيقية ليست في المبلغ، بل في الفلسفة التي تقف وراءه: أن يتحول التمويل إلى استثمار مشترك، والاعتماد إلى تكامل، والدعم إلى إنتاج.
في لحظة جيوسياسية مضطربة، تدرك أوروبا أن استقرار مصر هو شرط لاستقرار المتوسط بأكمله.
ومع تراجع الثقة في بعض أسواق الجنوب، ظهرت القاهرة كشريك يمكن الرهان عليه، يمتلك الاستقرار السياسي، والقدرة التنفيذية، والموقع الاستراتيجي الذي يربط أوروبا بإفريقيا وآسيا.
مصر بالنسبة لأوروبا ليست «جارًا من الجنوب»، بل جسرًا إلى مستقبل الطاقة والهيدروجين الأخضر والأسواق الإفريقية، وفي المقابل، ترى القاهرة أن أوروبا ليست مجرد مانح، بل سوق تكنولوجي واستثماري يمكن من خلاله نقل المعرفة وبناء قاعدة إنتاجية محلية.
لكن الفكرة الأهم، والتي يجب أن نتوقف عندها هي أن هذه الحزمة التمويلية ستكون اختبارًا لنمط التنمية في مصر:
هل سنحولها إلى مشروعات إنتاجية حقيقية تخلق فرص عمل وتراكم قيمة مضافة داخل الاقتصاد؟
أم سنكرر تجارب سابقة ذهبت فيها الأموال إلى استهلاك قصير المدى؟
الإجابة ستحدد إن كانت هذه الزيارة بداية مرحلة جديدة من الاستقلال الاقتصادي، أم مجرد محطة مؤقتة في مسار التمويل الخارجي، فالتمويل في ذاته ليس إنجازًا، الإنجاز الحقيقي هو ما يُبنى به.
ما يلفت النظر ايضاً أن القاهرة باتت تدير سياستها الاقتصادية بمنطق «التوازن الذكي»، فهي تبني شراكات مع أوروبا في التكنولوجيا والطاقة، ومع الصين في البنية التحتية، ومع روسيا في الغذاء والوقود، هذا التنوع في الشركاء يمنحها هامشًا واسعًا من الحركة، ويعزز مبدأ الاستقلال في القرار الاقتصادي الذي لطالما نادت به المدارس التنموية في الجنوب العالمي.
وحين ننظر إلى زيارة بروكسل من زاوية مختلفة، ندرك أنها ليست صفقة تمويلية بل خطوة فكرية، فهي تعني أن مصر بدأت تتحدث بلغة الاقتصاد المنتج لا المساعدات، وأنها تعيد بناء ثقتها بنفسها كقوة إقليمية قادرة على صياغة مصالحها بوعي واستقلال.
ربما ما لا نراه فورًا هو أن مثل هذه الزيارات تفتح الباب أمام تحول في العقل الاقتصادي نفسه:
من الاعتماد على الخارج إلى الشراكة معه، ومن الاستجابة للضغوط إلى صياغة المبادرات، ومن إدارة الأزمات إلى بناء الرؤية.
ويمكن القول بأن القوة الحقيقية لا تُقاس بما نملكه من موارد، بل بقدرتنا على تحويل الفرص إلى سياسات، والسياسات إلى تنمية، والتنمية إلى كرامة اقتصادية.
زيارة بروكسل، في جوهرها، كانت لحظة صدق بين مصر والعالم، لحظة تقول فيها القاهرة: لسنا نطلب دعمًا، بل نعرض شراكة، لسنا نبحث عن قروض، بل عن مستقبل نصنعه بأيدينا، ومع من يفهم أن في استقرار مصر مصلحة مشتركة.
اقرأ أيضاًالرئيس السيسى لشعوب أوروبا: يجمعنا كثير من الروابط التاريخية ونطمح لمستقبل قائم على العدل والسلام
نص كلمة الرئيس السيسى بعشاء العمل مع قادة أوروبا تكريمًا له
الرئيس السيسي: مصر يمكنها أن تكون الحليف الصناعي والتكنولوجي الأهم لأوروبا
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: أوروبا بروكسل الاقتصاد الدولي العلاقات المصرية الأوروبية
إقرأ أيضاً:
من التعاون إلى الشراكة الاستراتيجية| مصر تكتب فصلاً جديدًا في العلاقات مع أوروبا.. حصاد زيارة الرئيس التاريخية لبروكسل
في قاعة بروكسل الفاخرة، حيث الأضواء البيضاء تعكس برودة البروتوكول الأوروبي، وحيث الكلمات تُقاس بالحروف لا بالعواطف، دخلت مصر إلى المشهد الدبلوماسي الأوروبي هذه المرة بثقة مختلفة. لم تكن القاهرة تجلس إلى الطاولة طلبًا للمساعدات أو التفاهمات، بل لتكتب مع القارة العجوز فصلًا جديدًا من العلاقات الدولية عنوانه: "شراكة بثقة.. لا مساعدات بشروط".
كانت تلك اللحظة أكثر من مجرد قمة سياسية؛ كانت تعبيرًا عن تحوّل عميق في موقع مصر على الخريطة الدولية، وتحولٍ في نظرة أوروبا إليها من دولة تحتاج إلى الدعم إلى دولة لا يمكن الاستغناء عنها في معادلة الاستقرار الإقليمي.
من التعاون إلى الشراكة الاستراتيجيةأبرز ما خرجت به القمة هو الإعلان عن تحول العلاقة بين مصر والاتحاد الأوروبي من "تعاون" إلى "شراكة استراتيجية". هذا المصطلح، رغم بساطته الظاهرية، يحمل في جوهره تحولًا نوعيًا في مكانة مصر السياسية والاقتصادية.
فالقاهرة لم تعد مجرد شريك اقتصادي محدود في ملفات الطاقة أو التجارة، بل أصبحت ركيزة أساسية للاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ووسيطًا موثوقًا في ملفات معقدة تتعلق بالأمن والهجرة ومكافحة الإرهاب.
وقد عبّر عن هذا التحول رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، حين أكد أن "مصر تلعب دورًا محوريًا في تحقيق الاستقرار ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية"، وهي شهادة تُترجم تقدير أوروبا لجهود القاهرة خلال السنوات الماضية في إدارة ملفات إقليمية حساسة، أبرزها الوساطة في حرب غزة، وتأمين الحدود الجنوبية، والتصدي للتنظيمات المتطرفة في سيناء والساحل الإفريقي.
4 مليارات يورو.. بين الدعم والاستثمارمن أبرز نتائج القمة أيضًا، الإعلان عن حزمة مالية ضخمة تبلغ 4 مليارات يورو موجهة لدعم الاقتصاد المصري وتعزيز الاستقرار المالي.
لكن هذه الحزمة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية: هل هي مجرد دعم مالي تقدمه أوروبا لمصر؟ أم أنها استثمار استراتيجي في شريك تراه أوروبا ضروريًا لاستقرار المتوسط؟
البيان المصري كان واضحًا: التمويلات لن تكون منحًا بلا مقابل، بل تُوجَّه إلى مشروعات تنموية محددة مثل الطاقة النظيفة، والهيدروجين الأخضر، والبنية التحتية، وهي قطاعات تخدم الطرفين على حد سواء.
فالطاقة النظيفة تمثل مستقبل القارة الأوروبية، بينما تحتاج مصر إلى استثمارات ضخمة في هذا المجال لتحقيق رؤيتها الاقتصادية حتى عام 2030.
ولعلّ أهم ما يميز هذه الحزمة أنها ثمرة مفاوضات فنية هادئة امتدت لأكثر من عام، استطاعت خلالها الحكومة المصرية أن تضمن عدم ربط التمويل بأي شروط سياسية أو اقتصادية تمس السيادة الوطنية، وهو ما يعكس صلابة الموقف المصري واستقلال قراره.
الإعلام بين زاويتين.. رؤية أوروبية ومقاربة مصريةالإعلام الأوروبي تناول القمة من منظور مختلف تمامًا عن الإعلام المصري.
ففي حين ركزت الصحف الأوروبية مثل The Brussels Times وThe National على الجانب الاقتصادي ووصفت الحزمة المالية بأنها "صفقة تعاون استراتيجية"، حاولت أخرى كـHeinrich Böll Stiftung تقديم صورة أكثر توازنًا حين قالت إن الهدف هو "تشجيع الإصلاحات ومواجهة الهجرة غير الشرعية".
أما الإعلام المصري فقد ركز على المعنى السياسي للقمة أكثر من الأرقام والمبالغ، مسلطًا الضوء على الاعتراف الأوروبي المتزايد بمكانة مصر الإقليمية والدولية، ونجاحها في فرض حضورها كصوت عقلاني في منطقة مضطربة.
ومع ذلك، يبقى التحدي أمام الإعلام المحلي هو الانتقال من نقل الخبر إلى تحليل الحدث، فالقمة ليست مجرد اجتماع بروتوكولي بل مؤشر على مرحلة جديدة من العلاقات الدولية، تُظهر كيف أصبحت أوروبا بحاجة إلى مصر بقدر حاجة مصر إلى أوروبا، وربما أكثر.
مصر في معادلة الأمن الإقليميلم تكن القمة اقتصادية فقط؛ فقد تطرق الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته إلى مفهوم الأمن الإقليمي، مؤكدًا أن "مصر ستظل تعمل من أجل أمن واستقرار المنطقة، انطلاقًا من مسؤوليتها التاريخية تجاه محيطها العربي والإفريقي".
هذه الجملة تختصر فلسفة السياسة المصرية الحديثة:
أن تكون فاعلًا لا مفعولًا به.
فمصر اليوم شريك في صناعة القرار الإقليمي، وليست مجرد طرف متأثر بالأحداث.
وتُدرك أوروبا أن دور القاهرة في ملفات مثل الوساطة بين الفصائل الفلسطينية، وإدارة ملف الهجرة من إفريقيا إلى المتوسط، وتأمين خطوط الغاز والطاقة في شرق المتوسط، يجعل من مصر حجر زاوية في أمن القارة الأوروبية ذاتها.
ومن هنا جاء مفهوم “الشراكة الاستراتيجية” كإطار دائم، وليس اتفاقًا مرحليًا.
اللافت في خطاب القادة الأوروبيين خلال القمة كان غياب نغمة الإملاءات التي اعتادت أوروبا استخدامها في الماضي عند الحديث عن ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان.
هذه المرة تحدث الأوروبيون بلغة أكثر احترامًا وتفاهمًا، وهو ما يُعد نتيجة مباشرة للخطوات الاستباقية التي اتخذتها الدولة المصرية.
فحين أطلق الرئيس السيسي الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عام 2021، ووجّه الحكومة لدمجها في جميع السياسات الوطنية، كان ذلك جزءًا من رؤية شاملة تُظهر للعالم أن الإصلاح الداخلي مكون أصيل في مشروع الدولة، لا استجابة لضغوط خارجية.
اليوم، تتحدث أوروبا عن “ثقة متبادلة” و“احترام متبادل للمصالح”، وهي عبارات لم تكن تُستخدم في القاموس الدبلوماسي مع القاهرة من قبل.
إنها ثمرة دبلوماسية هادئة لكنها حازمة، نجحت في تحويل لغة الحوار من “وصاية” إلى “تفاهم”، ومن “شروط” إلى “مصالح مشتركة”.
في ضوء التحول نحو الطاقة النظيفة، تمثل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر محورًا رئيسيًا في الاتفاق الجديد بين مصر وأوروبا.
فمصر، بفضل موقعها الجغرافي واتساع أراضيها المشمسة، تملك مقومات أن تكون مركزًا إقليميًا لإنتاج وتصدير الطاقة النظيفة إلى أوروبا التي تبحث عن بدائل لمصادرها التقليدية بعد الحرب الأوكرانية.
ولذلك، تضمّنت الشراكة تمويل مشروعات كبرى للطاقة المستدامة في منطقة قناة السويس والساحل الشمالي، إضافة إلى دعم مشروعات المياه والبنية التحتية التي تخدم النمو الصناعي المستدام.
هذه المشروعات لا تعني فقط استثمارات أجنبية جديدة، بل تحوّل نوعي في الاقتصاد المصري من اقتصاد يعتمد على الموارد التقليدية إلى اقتصاد يعتمد على التكنولوجيا والطاقة المتجددة.
بين الجنوب والشمال.. توازن جديد في العلاقاتقمة بروكسل عكست إدراكًا أوروبيًا متأخرًا بأن الجنوب لم يعد بحاجة إلى المساعدات بقدر ما يحتاج إلى الشراكات، وأن استقرار الشمال بات مرهونًا باستقرار الجنوب.
من هنا جاء الحضور المصري واثقًا ومتماسكًا، يعرض رؤيته من موقع الندّية لا التبعية.
وقد أكد الرئيس السيسي أن العلاقات بين مصر وأوروبا يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، مشيرًا إلى أن مصر ليست مجرد بوابة للأسواق الإفريقية والعربية، بل شريك حقيقي لأوروبا في ملفات الأمن والطاقة والتنمية.
شراكة بثمن العزّةقمة بروكسل لم تكن حدثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل إعلان ميلاد مرحلة جديدة في العلاقات بين القاهرة وبروكسل. مرحلة تعي فيها أوروبا أن مصر ليست متلقية للدعم، بل صانعة للاستقرار، وأن الحديث معها لم يعد بلغة “المعونات” بل بلغة “المصالح”.
ومع كل ما تحمله الاتفاقيات من تفاصيل مالية وسياسية، يبقى جوهر ما حدث هو تأكيد مبدأ الندية والاستقلال الوطني.
فمصر، بتاريخها وثقلها وموقعها، لم ولن تكون ورقة في يد أحد. إنها دولة تصنع الأحداث وتحدد اتجاهاتها بنفسها، دولة تسير بثقة في طريقها نحو المستقبل، حاملة شعارها الثابت:
"الشراكة بالعزّة.. لا المساعدات بالشروط."
 طظˆظ„ ط§ظ„ظ…ظˆظ‚ط¹
طظˆظ„ ط§ظ„ظ…ظˆظ‚ط¹