عربي21:
2025-07-29@02:20:53 GMT

موسم الانقلابات في إفريقيا

تاريخ النشر: 3rd, September 2023 GMT

على طريقة الكثير من الأنظمة التي سلكت المسار الديمقراطي في البداية ثم "خلّلت" في الحكم، استولت مجموعة من الضباط العسكريين، الأربعاء الماضي، على السلطة في الغابون، بعد دقائق عدة على إعلان فوز الرئيس المخلوع علي بونغو بفترة رئاسية ثالثة.

هذا الانقلاب سبقه آخر قبل شهرين في دولة النيجر التي أطاح عسكريوها بالرئيس محمد بازوم، وخرجوا إلى شاشات التلفزيون لشرعنة انقلابهم بالقول: إنه جاء نتيجة فساد ورشاوى وتدهور الوضع الأمني وسوء الأداء الحكومي.



خارطة الانقلابات في القارة الإفريقية كثيرة وتتجاوز المائة منذ خمسينيات القرن الماضي، والسبب يتعلق بعوامل كثيرة، أبرزها التركيبة السياسية والعسكرية للبلاد، وضعف وغياب الديمقراطية، وتداخل السلطتين التشريعية والتنفيذية، والتعدي على المال العام.

العامل الأهم يتصل بتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وغياب الأمن والأمان، وتحول الكثير من الدول الإفريقية إلى حواضن لتنامي الحركات المتمردة، يتبع ذلك عدم قدرة الحكومات على تأمين الحد المعقول من الاحتياجات المطلوبة لمواطنيها.

ومع كثرة هذه الانقلابات، بدا أنها مختومة باسم القارة الإفريقية، وبدا أن شعوب هذه القارة
متصالحة مع مسألة الانقلابات والتمردات العسكرية، خصوصاً أنها تلمس الضعف في الحكومات القائمة، ومرحبة لفكرة التغيير من أي باب يأتي.

وعلى الرغم من توقيع الدول الإفريقية على بروتوكول العام 2002، يُمكّن الاتحاد الإفريقي من التدخل للجم الحركات الانقلابية، إلا أنه لم يكن فعّالاً بالشكل الكبير، وحتى هذه اللحظة لم يتمكن الاتحاد الإفريقي من فعل أي شيء في النيجر سوى تعليق عضويته ورفض أي تدخل دولي خارجي.

في هذا الإطار ثمة مقاييس قد تبدو غير منطقية بالنسبة للغرب، لكنها كافية ومقنعة بالنسبة للكثير من الشعوب الإفريقية. الدول الأوروبية مثلاً ترى أن السبيل الوحيد لتعزيز الديمقراطية عبر التداول السلمي والفصل بين السلطات. وتجد في التطاول على الديمقراطية غياباً لكل مظاهر الأمن والذهاب نحو الدولة الفاشلة ولا تسامح مع العابثين والمتمردين مهما حصل. في الجهة الأخرى تتفق الشعوب الإفريقية مع الغرب على أن الديمقراطية هي الخيار الأمثل لتحقيق الأمن والرخاء السياسي والاقتصادي.

لكن برأي الشعوب الإفريقية أن التمسك بالسلطة إلى أجل غير معلوم، وتزوير إرادة الشعب بنتائج انتخابات مزيفة، والأهم ذهاب الكثير من المواطنين إلى قاع الفقر السحيق، كل ذلك يجعل التمرد على السلطة الحاكمة أمراً مقبولاً لدى تلك الشعوب وحتى من جانب الكثير من النخب السياسية الإفريقية.
هذا لا يعني أن الغابون وقبلها النيجر وبوركينا فاسو وغينيا التي حصلت فيها انقلابات عسكرية خلال العامين الماضيين ستحقق الأمن والأمان، وستعيد البلاد فوراً إلى المسار الديمقراطي، إلا أنها حققت الشرط الرئيس لدى الشعوب الإفريقية بمسألة تغيير الأنظمة السياسية المُجرّبة.

بالتأكيد إصبع الاتهام دائماً موجه إلى الدول الاستعمارية، وتحديداً فرنسا التي استنزفت وتستنزف إلى هذا اليوم كل خيرات الدول الإفريقية التي استعمرتها من قبل، وقادة الانقلاب في النيجر وبوركينافاسو تحدثوا من قبل عن الدور الفرنسي حتى هذه اللحظة في سرقة ثروات دولهم.

كذلك لا تعفى روسيا من دورها الخفي في دعم الحركات الانقلابية وسط وغرب إفريقيا، ويلحظ أنها تحاول تعظيم دورها في القارة السمراء على حساب النفوذ الفرنسي، وهذا مرتبط بالصراع الجاري بين روسيا وأوكرانيا والتدخل الأوروبي في المسألة الأوكرانية.

الغابون ليست الدولة الأخيرة التي يستولي فيها العسكر على مقاليد الحكم، إذ من غير المستبعد أن تشهد القارة الإفريقية تمردات جديدة على السلطة، في إطار موجة استفادة الحركات الانقلابية من السخط الشعبي على الأنظمة الحاكمة.

أساساً أحد أهم مظاهر نجاح الحركات الانقلابية يتصل بممارسة الأدوات الإكراهية أو ركوب موجة الغضب الشعبي من الأنظمة السلطوية الحاكمة، وما تشهده دول القارة السمراء هو ترحيب المواطنين بأي نتائج تزيح قادة الحكم عن بيوتهم العاجية.

وبصرف النظر عن ممارسة هذه الأدوات، واعتبارها غير شرعية ودستورية، ينبغي التأكيد على أن أي نظام حكم مولود من رحم الديمقراطية لا يعترف بأحقية المواطن الإفريقي في التنعم بثروات بلاده وتحقيق الشفافية والعدالة الاقتصادية، ولا يحترم الآخر ويقبل بالتداول السلمي للسلطة، هو نظام فاشل، ومصيره مرتبط بما يجري الآن على الساحة الإفريقية.

موسم الانقلابات في إفريقيا لن ينتهي في ظل غياب القانون والفوارق الطبقية، ومصادرة ثروات الشعوب على حساب فئات ضيقة، وهو لن ينتهي مع عدم الاهتمام الدولي بالتنمية الشاملة في القارة السمراء ومساعدتها على تجاوز العثرات الاقتصادية تحديداً.

كذلك لن ينتهي مع روسيا الدولة الطامحة لتوسيع نفوذها في القارة الإفريقية، والتي تستفيد من السمعة السيئة للحقبة الاستعمارية الأوروبية على القارة السمراء، وستفعل موسكو المستحيل لشيطنة الدول الغربية وإضافة أصدقاء أفارقة إلى خارطة نفوذها الدولي.
(الأيام الفلسطينية)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الغابون النيجر النيجر أفريقيا الغابون مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القارة الإفریقیة الشعوب الإفریقیة القارة السمراء الکثیر من فی القارة

إقرأ أيضاً:

غضب مكبوت.. قنابل في داخل الشعوب

د. عبدالله باحجاج

تعتمد الحكومات في المنطقة على مبدأ كسب الشعوب كشرعية وجودية لها ومن ثم ديمومتها في السلطة، مما يجعل هذا المبدأ سياسيًا يقابل مبدأ التمثيل السياسي في حكومات أخرى حول العالم.

 والفرق بين الشرعيتين كبير -شكلًا وجوهرًا- وهو يعكس طبيعة الأشكال السياسية للدول، وهي ليست موضوع حديثنا هنا.. الأهم أن هناك شرعية قد بُنيت عليها أساس العلاقة الجوهرية-الوجودية- بين الأنظمة وشعوبها في المنطقة، استطاعت من خلالها الأنظمة الإقليمية تحقيق الاستقرار والسلم الأهلي.

وهنا نتساءل: لو تغيّر هذا المبدأ (كسب الشعوب)، فما هي نتائجه أو تداعياته؟

تساؤل ستكون الإجابة عليه متعددة وعميقة، ولن نتناول منها سوى مفهوم واحد مفترض بفرضية الوجوب الزمني الراهن، وهو: أن تظل الحكومات ممثلًا لشعوبها ومعبّرًا ومدافعًا عن هويتها، وإلا ستظهر مؤسسات وقوى أفقية تنافسها بقوة على الشرعية، ولديها مداخلها المفتوحة القديمة/الجديدة، مما قد يؤدي إلى ممارسات يتم من خلالها تجاوز الحدود من تحت الحكومات، وقد تتحول إلى وقود عنف.

وهذا الطرح عام، ويمكن إسقاطه على كل مجالات التدبير والتسيير العمومي في أي بلد لرؤية تطبيقاته. لكننا هنا سنركّز على مدى تماهي مواقف الحكومات الإسلامية والعربية مع مواقف شعوبها تجاه ما يجري لإخوة الإسلام في غزة من إبادة وحشية، تستخدم فيها قوات الكيان الصهيوني ترسانة عسكرية مدمّرة ومدعومة من الأمريكان والغرب عامة، على بقعة لا تتجاوز مساحتها 365 كيلومترًا مربعًا، مستهدفة ما يزيد على مليونين من الفلسطينيين المحاصرين فيها، في صمت أنظمة وتواطؤ أخرى، لقرابة سنتين متواصلتين.

وكل يوم يمرّ تحترق فيه شعوب المنطقة من الداخل، وقد وصل الحريق الآن إلى مستويات لا يمكن التنبؤ بانفجارها. وقد اعتبر أبو عبيدة، المتحدث الرسمي باسم الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية، قادة ونخب الأمة الإسلامية والعربية خصومًا أمام الله عز وجل، في ظل مشاهد استشهاد كبار السن والأطفال من الجنسين بسبب التجويع، مما حرّك علماء الأمة، وتعالت صرخات ودعوات الشعوب، بين من يطالب بفتح الحدود أو بمواقف سياسية بحجم الإبادة، أو فتح باب التبرعات... وحتى هذا الأخير -وهو أضعف الإيمان- تُحرم منه أغلب الشعوب، وبالتالي يزداد غضبها المكبوت داخل الصدور، رغم ما يظهر على السطح... ولا نظن أنه سيظل طويلًا هناك.

لن يستمر ذلك إلى ما لا نهاية، لأنه ليس هناك أفق لنهاية التجويع كوسيلة للإبادة الجماعية. ولأن المحتلين الصهاينة يتفنّنون في الإبادات، وآخرها -ولن تكون الأخيرة- مصائد المساعدات التي أُعدم فيها العشرات إن لم يكن المئات رميًا بالرصاص أمام عدسات الكاميرات. وعند الاستشهاديين، لا فرق: فالموت واحد، جوعًا أو رصاصًا. ومن فنونهم أيضًا رشّ رذاذ الفلفل في العيون، وتشاركهم في ذلك قوات أمريكية، كشف عن ذلك أحد جنودها بعد أن فرّ تائبًا أمام فظاعة المشهد الإنساني، وقد اعترف بذلك على الهواء.

تأتي حروب التجويع بعد أن انتشرت القبور في كل مكان بغزة، وتحولت المباني إلى أكوام من الركام فوق الجثث المتحللة.. ويأتي قرار ما يسمى بـ "الكنيست الصهيوني" سحب السيادة الفلسطينية من الضفة الغربية، ليُسقط كل الأقنعة المزيفة عن مسرحيات التطبيع ووقف إطلاق النار، ويضع العرب المطبعين -والسائرين نحوه- أمام انكشافات الشعوب.

لن نصدق المناشدات الأوروبية، وخاصة الفرنسية والبريطانية، بوقف هذه الإبادات أو بالتعبير عن الاستعداد للاعتراف بالدولة الفلسطينية كما فعل ماكرون، فهذه مجرد فصل من فصول مسرحية التهجير.

لن نصدق الإرهابي الصهيوني نتنياهو في نواياه بوقف إطلاق النار، فهو يتبادل الأدوار مع جناح الإرهاب المتشدد بن غفير وسموتريتش، الذين يرفضون مطلقًا أي انسحاب من أي منطقة في غزة... لن يتنازل الإرهابي نتنياهو عن ترك السلطة بسهولة، ولا عن طموحه في العودة لها خلال الانتخابات المقبلة.

واشنطن تكذب، وأوروبا تكذب، وللأسف بيننا من يتماهى معهم في الكذب.. كلهم يمهّدون لتهجير غزة من سكانها.

وما سياسة التجويع، التي تمس الوجود البشري في غزة، إلا نوع من حروب تفريغ الديموغرافيا من جغرافيتها، وهذا قد أصبح معلومًا، ولم يعد محل شك... والرئيس ترامب نفسه سبق أن اقترح التهجير. إذًا، التهجير هو الهدف الواضح الآن، وهو ما يسحب من الأنظمة الإسلامية والعربية كل حجج التطبيع واستمراريته.

ورغم ذلك، هناك كثير من الأدلة العقلية الأخرى التي نعتمدها في كشف المزاعم الكاذبة لمسرحيات وقف إطلاق النار والتطبيع، الهادفة إلى كسب الوقت حتى يتم دفع أهالي غزة إلى طلب التهجير طوعًا، هربًا من مشانق التجويع أو الموت رميًا بالرصاص.

وفي وقت حروب التهجير، يجري الموساد الصهيوني محادثات مع عدة دول عربية وإفريقية، حددتها مواقع صهيونية وأمريكية مثل وكالة "أسوشيتد برس" وموقع "أكسيوس"، وكشفت عن موافقات مبدئية من بعض تلك الدول.

من هنا، يستوجب التحذير من الغضب المكبوت داخل الشعوب، ولا يمكن التقليل من شأنه، فكيف إذا ما التقى مع الإحباطات الداخلية وما أكثرها؟ المطلوب الآن، على الأقل، الحد الأدنى من الوعي السياسي، قبل أن تتحول بوصلة الغضب من مساراتها الطبيعية إلى مسارات داخلية وخارجية، قد تتقاطع مع أجندات متربصة.

وهناك دول -للأسف- تمنع شعوبها حتى من التبرع بالمساعدات المالية لإخوانهم في الدين.

ولله الحمد والمنة، فإن حكومتنا تستوعب معاني وغايات هذه الأخوة الوجودية، وتفتح باب التبرعات عن طريق الهيئة العُمانية للأعمال الخيرية، وشهادة المسن الفلسطيني من أهل غزة لدور أهل عُمان -حكومة وشعبًا- التي تناقلتها وسائل الإعلام والتواصل، شهادة تجعلنا نشعر -على الأقل- بالحد الأدنى من التضامن مع الأشقاء، رغم أننا نتطلع إلى أكثر من ذلك.

وندعو مؤسسات مجتمعنا المدني إلى إصدار بيان عاجل مشترك للوقوف مع الأشقاء في محنتهم الوجودية، تعزيزًا لمستوى الحد الأدنى، في ظل الواقع وإمكاناته.

لا فقدان للأمل، ولا يأس، بعدما انكشف حجم الخطط وما وراء الإبادة الوجودية لأهلنا في غزة.

إنهم يخططون لما يسمى بـ "شرق أوسط جديد"....

ونحن نؤمن أن شيئًا لن يتحرك، ولن يسكن، إلا بإذن الله تعالى ومشيئته. فكل ما يحدث في غزة بمشيئة الله وإرادته الكونية، وذلك حتى تنكشف دول الظلم وتسارع في السقوط.

ومن يقرأ تاريخ انهيار الأفراد والأنظمة والدول والإمبراطوريات الظالمة، سيتساءل الآن: متى يسقط الكيان الصهيوني ودولة الظلم الكبرى "أمريكا" وكل من يتواطأ معها؟.. إنها مسألة وقت فقط... ترقّبوها.

فمظاهر الانهيار الحتمي تظهر على السطح. فبحجم الظلم الوجودي الهائل على غزة -وهو متعدد المصادر- ستسقط السُّلط والدول التي تقف وراءه، يقينًا.

فإيماننا بالله، واطلاعنا على سننه من خلال أحداث التاريخ، يقودنا إلى القول باستحالة أن تعيش دول الظلم طويلًا بعد جرائمها الكبرى في غزة.. هذه سنة كونية تجري على الجميع، سواء أكانت دولًا، أو جماعات، مسلمة أو كافرة.

دورنا الآن الإخلاص في الدعاء باستعجال السقوط.

وقد ينبثق دورٌ ما ضمن صيرورة هذا السقوط، فهي -أي الصيرورة- لا تستأذن ولا تستشير، وإنما تحمل كل أداة: من حجر، وشجر، وبشر، لتحقيق نتائجها.. هي آتية... آتية... لا محالة، بحجم إبادة غزة، والتواطؤ فيها.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • خلال 2024.. إفريقيا وقطاع غزة الأكثر معاناة من الجوع عالميًا
  • لأول مرة.. هولندا تدرج الاحتلال الاسرئيلي ضمن الدول التي تشكل تهديداً
  • لأول مرة… هولندا تدرج إسرائيل ضمن الدول التي تشكل تهديداً
  • غضب مكبوت.. قنابل في داخل الشعوب
  • عاجل | الوكالة الوطنية للأمن في هولندا: إدراج إسرائيل لأول مرة على قائمة الدول التي تشكل تهديدا للبلاد
  • هولندا تدرج إسرائيل لأول مرة على قائمة الدول التي تشكل تهديدا للبلاد
  • جنوب أفريقيا تشيد بالجهود المصرية في تعزيز التنمية بالقارة ودفع التعاون
  • أبرز الأضرار والعادات التي تسبب ضرر على السيارات في موسم الصيف.. فيديو
  • افتتاح أول مقر إقليمي للفيفا في إفريقيا داخل مركب محمد السادس
  • لماذا تختار الحركات المسلحة أن تلقي سلاحها؟