الهدوء الاستراتيجي القاتل والزوال قَدَرٌ محتوم
تاريخ النشر: 11th, December 2025 GMT
في خضمِّ هذا المشهدِ الإقليمي الذي يرتدي ثوبَ السكينة المتعمَّدة، وتلك الهُدنة الزائفة التي تَلِفُّ جبهات “محور المقاومة المقدس”، يكمن سِرٌّ استراتيجي جليل.. هذا الهُدوء، الذي يراه العابر بساطةً وسُباتًا، ليس في حقيقته إلا صمتُ العمالقة الذي يسبق الزلزال، وانكماش البحر الذي يُدشّـن الطوفان المرتقَب.
إنه هدوءٌ استراتيجيٌّ خادع، تتراقَصُ على حواشيه إرهاصاتُ العاصفة الجبَّارة التي لا قِبَلَ لكَيان العدوّ وداعميه وأدواته بها، عاصفةٌ مُقَدَّرٌ لها أن تعيد صياغة الجغرافيا السياسية، وتُجَلِّي الحقيقة الأزلية للأبصار المُغَشَّاة.
لقد تحول هذا المحور اليوم، من مُجَـرّد تحالف إقليمي، إلى عقدٍ فولاذي من الصمود وجدار صلب من العقيدة المنصهرة، يمتد اليوم كقوس نصر وجودي، يبدأ من جرح غزة الأبية، قبلة التحدي وصندوق الذاكرة المتقد، مُرورًا بلبنان الباسل، المترس الحصين والشامخ القامة، وُصُـولًا إلى الجمهورية الإسلامية في إيران، سَنام الإسلام وعمود الخيمة الرسالي، ويتأجج باليمن السعيد، الذي أعلنها نفيرًا وجوديًّا قدسيًّا لا فكاك منه.
لقد أدركت القوى العظمى المتغطرسة، وعلى رأسها الإمبراطورية الأمريكية المتهاوية وَكيان الاحتلال الغاصب، أن كافةَ مساعيها المُدانَة ومحاولاتها المنكسرة لاجتثاث أَو سحق هذا الائتلاف القيم، ما هي إلا أضغاث أحلام وسرابٌ قاحل.
فكل قطرة دمٍ زكية أريقت في هذا الدرب النبيل، هي في جوهرها توقيعٌ بالدماء على صَكِّ القصاص المدمدم والرد الماحق، الذي سيعيد هندسة قواعد الاشتباك الإقليمية بصرامة لاهبة وبأس شديد.
وفي هذه اللحظة الفارقة، حَيثُ الصمت يَشِي بالجاهزية، وكلمات العدوّ الصهيوني تتحول إلى وثائق إدانة ذاتية مُذِلَّة، يحلق محور الجهاد والمقاومة اليوم بجناحي الفداء، وقد تجاوز مرحلة الترميم إلى مرحلة القضاء المبرم، مُكَدِّسًا قدرته الفائقة ومُؤَصِّلًا لقوته الرادعة، ليضع الكيان الغاصب ومن سانده في حالةٍ من الرعب المستطير والقلق الأبدي، منتظرًا ساعة الصفر للانتقام المتوَّج بالنصر.
إن مسرح الأحداث يترقَّبُ حَبْكَ المصير، والمحور يُعلِن، بغير لسانٍ، أن الزوالَ الأبدي للكَيانِ المُدان صار قدَرًا محتومًا لا مَفَرَّ منه.
وقد شاهد العالَمُ بأسره تعافيَ المحور واستعداده الأقصى لحسم الصراع الوجودي، والذي تجسد في المناورة العسكرية الأخيرة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، حَيثُ كشف النقاب عن أجيال جديدة من الصواريخ الباليستية والفوق صوتية المُتشَظِّيَة وصواريخ كروز المُجَنَّحة عابرة المدى والطائرات المسيَّرة بكل أنواعها، وأدرك أن هذه المناورة ما هي إلا اللمساتُ النهائية والترتيبات الحاسمة للمعركة التي يتوقُ إليها القدر.
وفي قلبِ المشهَد القتالي، يدركُ الشيطانُ الأكبرُ أمريكا والكَيانَ الغاصب التسارُعَ الإعجازيَّ للقدرات العسكرية اليمنية، وقد شهدوا بأنفسِهم في معركة الإسناد التاريخية كيف استطاعت القوات المسلحة اليمنية أن تُحَيِّد، بعبقرية حربية، أفخر منظومة دفاعية في هذا العصر، وهي المنظومة الكهرومغناطيسية المتغطرسة، في غضون عشرة أَيَّـام قاصمة لا غير، وصارت تُطلِقُ صواريخَ اليمن المُتَأَهِّبة كشُهُبٍ مُحْرِقَة على رؤوس قطعان المُغْتَصِبين، تدفعُهم إلى الملاجئ المظلمة بالملايين كُـلّ يوم في صورة ذُلٍّ مُهِينَة.
كذلك، فَــإنَّ مسارَ التعافي والترميم والبناء القوي للمقاومة الإسلامية في لبنان، تُشِيرُ إليه اعترافاتِ قادة كَيان العدوّ وكافة المعطيات الميدانية الدامغة، بأن حزبَ الله أصبح اليوم خطرًا استراتيجيًّا مُتفاقمًا على الاحتلال، يفوق بكثيرٍ ما كان عليه قبل يوم السابع من أُكتوبر الفجر المبارك لطوفان الأقصى.
وفي خضم هذا المشهد المصيري، تسعى أدوات كيان العدوّ وداعموه، في محاولات يائسة ومُعَادَاة، إلى إعادة فتح جبهة العدوان على اليمن؛ بهَدفِ تقويض قدراته وإضعاف شوكته، حتى لا يكون سلطان المحيطات وحارس البحار حاضرًا بقوته في المعركة الحاسمة، وكذا الاستباحة المُستمرّة والخروقات اليومية في لبنان، كما يسعون لإثارة نار الفتنة بين المكونات اللبنانية وإحياء قضية نزع سلاح المقاومة لإرباك الجبهة الداخلية.
يكمن المُبتَغَى الاستراتيجي للكيان وداعميه من هذه التحَرّكات الخبيثة والاستباحة والخروقات المتكرّرة في إحباط وإرهاق المحور عن فكرة النهوض الشامل وإكمال الترميم العميق لقدراته؛ فالعدوّ يسعى، بدهاء ممنهج، إلى تجفيف الروح المعنوية واستنزاف الطاقات قبل أن يتمكّن المحور من ترسيخ قوته المادية بشكل لا يُقْهَر.
إن صمتَ المحور العظيم اليوم ليس مُجَـرّد هدوء عارض، بل هو سكون الذئب قبل وثبتِه الكبرى؛ إنه الهدوء الذي يسبق تفعيل الحكم الإلهي المُبْرَم في مسرح المنطقة.
لقد تجاوزت هذه المعركة حدود الاشتباك التكتيكي لتغدو صراعًا وجوديًّا تُكتَب فيه بأحرف من نار وشوق شهادة وفاة العصر الأمريكي الصهيوني الغابر.
إن كُـلّ محاولة لكسر هذا العقد الفولاذي، أَو لإثارة الفتن الخبيثة في شرايينه، لن تكون إلا عزفًا مُنَفِّرًا على وترٍ مقطوع، فالمحور بات اليوم هيكلًا صلبًا من العقيدة والقدرة المتراكمة، يمتلك مفاتيح التوقيت والتوجيه، وقد ولى زمن الرهانات البائسة، وحانت لحظة إدراك أن القوة الرادعة للمحور قد بلغت عتبة الفيضان الذي لا مَرَدَّ له.
لتشهد جبهات العالم أن ساعة الصفر ليست موعدًا قابلًا للتأجيل، بل هي مشيئة مُحقّقة، وأن التعافي والتمكين الذي شهده المحور ليس مُجَـرّد ترميم، بل هو الترتيب الكوني الحاسم الذي سيعيد تشكيل الجغرافيا والضمير.
فلينتظر الغاصبون وداعموهم وأدواتهم، وليترقبوا الأيّام والليالي والميدان، ففي الأفق لا تلوح سوى سحب الطوفان المُدْلَهِمَّة التي ستمحو الغشاوة وتناثر الأبراج الزجاجية وتقطع الضرع الحلوب وتسحق الخونة والمرتزِقة وتُزيل الكيان المؤقت، ليصدح الحق مدويًا: إنه عصر الانتصار الأكبر، وآن أوان القصاص الذي لا يُبْقي ولا يذر، ليترسخ سلطان الأُمَّــة ويزول زبد الباطل إلى الأبد، والعاقبة للمتقين.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
قوات الدعم السريع تسيطر على حقل هجليج الاستراتيجي.. ما دلالات الخطوة على الحرب في السودان؟
تنتج منطقة هجليج، في الظروف الطبيعية، نحو 600 ألف برميل نفط يومياً، وتشكل مصدراً رئيسياً لإيرادات الخرطوم.
أعلنت قوات الدعم السريع، الإثنين، سيطرتها الكاملة على منطقة هجليج النفطية في ولاية جنوب كردفان السودانية، في خطوة وصفتها بأنها "نقطة محورية" في مسار المواجهات مع الجيش السوداني.
وجاء في بيان صادر عن القوات أن مقاتليها "تمكنوا صباح اليوم من استلام منطقة هجليج الاستراتيجية"، مشيرة إلى الأهمية الاقتصادية الحاسمة للمنطقة التي "ظلت تشكل مورداً مهماً لتمويل الحرب وتوسيع نطاقها وإطالة أمدها".
وأكدت قوات الدعم السريع التزامها بـ"تأمين وحماية المنشآت النفطية الحيوية" في هجليج، مشددة على حرصها على "ضمان مصالح دولة جنوب السودان التي تعتمد بشكل كبير على موارد النفط الذي يتدفق عبر الأراضي السودانية إلى الأسواق العالمية". كما تعهّدت بتوفير "الحماية اللازمة لجميع الفرق الهندسية والفنية والعاملين في المنشآت النفطية، بما يوفر بيئة عمل آمنة لهم".
هَجْلِيج: مصدر دخل استراتيجي للسودان وجنوب السودانتنتج منطقة هجليج، في الظروف الطبيعية، نحو 600 ألف برميل نفط يومياً، وتشكل مصدراً رئيسياً لإيرادات الخرطوم. كما تعد محوراً لوجستياً حيوياً لتصدير النفط الجنوب سوداني، إذ يعتمد جنوب السودان بنسبة كبيرة على خط أنابيب يمر عبر الأراضي السودانية.
وتقع هجليج قرب الحدود مع جنوب السودان، وتشكل معبراً حدودياً مهماً يربط السودان بعدد من جيرانه، بينهم تشاد وليبيا.
وبعد إكمال قوات الدعم السريع سيطرتها على إقليم دارفور في 26 أكتوبر الماضي، تركزت المعارك في كردفان، الذي يشكل مع دارفور نحو نصف مساحة السودان ويضم نحو 30% من سكانه و35% من موارده الاقتصادية.
ويشكّل كردفان، المقسم إلى ثلاث ولايات، حلقة وصل استراتيجية بين مناطق سيطرة الجيش في الشمال والشرق والوسط، ومنطقة دارفور حيث تتمركز قوات الدعم السريع.
Related السودان.. المنسّقة الأممية تدق ناقوس الخطر: عشرات الآلاف محاصرون في الفاشر والغذاء لا يكفيالبرهان يرفض ورقة مسعد بولس ويهاجم الإمارات.. كيف يبدو المشهد الميداني في السودان؟الإمارات تتهم قائد الجيش بعرقلة مقترح وقف إطلاق النار في السودانويصعب التحقق بشكل مستقل من التطورات الميدانية في كردفان بسبب انقطاع الاتصالات وصعوبة وصول وسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية. ومع ذلك، تشير تقارير من مسؤولين محليين وعاملين في المجال الإنساني، إضافة إلى الأمم المتحدة، إلى تكثيف القصف والضربات بالطائرات المُسيرة، وحدوث نزوح واسع للسكان ومخاوف من وقوع فظائع.
وإلى جانب حقوله النفطية، يضم كردفان مناجم ذهب ومنشآت زراعية هامة، إذ يُعد من أكبر منتجي الصمغ العربي في السودان، ويُسهم في إنتاج السمسم والذرة الرفيعة والحبوب الأخرى، إضافة إلى كونه معقلاً رئيسياً للثروة الحيوانية.
وتقع منطقة غرب كردفان عند التقاء خط سكك حديدية رئيسي يربط كوستي في ولاية النيل الأبيض بنيالا، مقراً لحكومة تحالف "تأسيس" التي تم تشكيلها مؤخراً، إضافة إلى مدينة واو في جنوب السودان.
القتال يتركز على مدن رئيسية في كردفانوتتركز المعارك حالياً حول مدن الأبيض وكادوقلي والدلنج وبابنوسة، وهي مناطق يتمركز فيها الجيش بكثافة. وتحاصر قوات الدعم السريع مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، منذ أشهر، وهي تقع على طريق استراتيجي يربط دارفور بالعاصمة الخرطوم، وتحوي مطاراً استُخدم لوجستياً لأغراض عسكرية. فيما أعاد الجيش مؤخراً السيطرة على مدينة بارا، الواقعة على بعد 60 كيلومتراً شمال الأبيض.
أعلنت قوات الدعم السريع الأسبوع الماضي أنها "حررت" مدينة بابنوسة في غرب كردفان، لكن الجيش السوداني نفى ذلك، ما يعكس حالة التناقض المستمرة في الروايات الميدانية بين الطرفين.
ويواجه آلاف المدنيين في مدن كادوقلي والدلنج بجنوب كردفان أوضاعاً إنسانية متردية جراء الحصار المطوّل، الذي يحرمهم من الغذاء والدواء.
وفي جنوب الإقليم، يتعرض معقل الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال في كاودا إلى ضغط متزايد من الجيش، الذي يسعى إلى إضعاف هذا الفصيل المتحالف مع قوات الدعم السريع.
وفي سياق متصل، جددت قوات الدعم السريع "التزامها بالهدنة الإنسانية التي أعلنتها من جانب واحد"، مشددة على "احتفاظها بحق الدفاع عن النفس".
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة