في الرئاسة والخارجية والدفاع.. مسلمون يتصدرون عالم المال والسياسة بأوكرانيا
تاريخ النشر: 7th, September 2023 GMT
كييف- شخصيات تترية مسلمة عدة تبوأت مراكز متقدمة في عالم المال والأعمال، ومناصب بارزة في دوائر صنع القرار بأوكرانيا، خاصة خلال الحرب الروسية على البلاد منذ فبراير/شباط 2022.
ومن أهم تلك الشخصيات، رينات أخميتوف (أحمدوف)، المتربع على رأس قائمة أغنى أغنياء أوكرانيا، وأمينة جباروف، نائبة وزير الخارجية، ورستم أميروف، وزير الدفاع المعين حديثا في هذا المنصب.
البداية مع أخميتوف (56 عاما) وهو رجل أعمال من أصول تترية مسلمة (تتار الفولغا في إقليم دونباس جنوب شرق أوكرانيا)، وصاحب مجموعة SCM المالية، ويتمتع بنفوذ كبير وشركات بارزة في سوق المعادن والتعدين والوقود والطاقة والتمويل والاتصالات وقطاع النفط والغاز والإعلام، كما أنه مالك ملعب ونادي "شاختار دونيتسك" لكرة القدم.
ويحتفظ أخميتوف بلقب أغنى أغنياء أوكرانيا رغم التغيرات والتقلبات الكبيرة التي طرأت على البلاد، كما كان أغنى رجل في أوروبا قبل 2008.
وأدخلته سلطته المالية بقوة عالم السياسة، فكان من أبرز مؤسسي "حزب الأقاليم" الموالي لروسيا، قبل أن ينحل الحزب في 2014، ويبتعد أخميتوف تماما عن المشهد السياسي.
وتقدر حجم ثروته بنحو 8 مليارات دولار، وتعرضت مملكته المالية في الشرق الأوكراني في 2014 لزلزال كبير بعد اشتعال الحرب في مناطق إقليم دونباس، حيث كان يوصف بأنه "ملك عليه"، ولكنه سرعان ما هيمن على سوق الطاقة.
ويؤكد محللون أن أخميتوف يسيطر عمليا على 30% من الناتج المحلي الأوكراني، بينما خسر -في خضم الحرب الجارية- مصنع "آزوف ستال" الذي كان يملكه في مدينة ماريوبول، الذي دمرته عمليات القصف.
أمينة جباروف
أما أمينة آياروفنا جباروف (40 عاما) فهي ناشطة وصحفية قرمية تترية مسلمة، تشغل حاليا منصب النائب الأول لوزير الخارجية الأوكراني، تخرجت في معهد العلاقات الدولية في جامعة كييف الوطنية "تاراس شيفتشينكو" (2000-2006).
حصلت أمينة على دبلوم في العلوم السياسية الدولية، وفي ترجمة اللغة الإنجليزية. وعملت (2002-2003) مساعدة للنائب الأول لرئيس وزراء أوكرانيا فيما يخص القضايا الإنسانية، ثم عملت من 2008-2010، سكرتيرة ثالثة لإدارة القضايا الاجتماعية والإنسانية، التابعة لدائرة التعاون الثقافي والإنساني في وزارة خارجية أوكرانيا، ودرست الصحافة في 2011 وعملت في هذا المجال.
ومنذ أواسط مايو/أيار 2020، تشغل أمينة منصب النائب الأول لوزير الخارجية الأوكراني، وتترأس اللجنة الأوكرانية الوطنية لليونسكو حيث برزت متحدثة باسم الخارجية في مختلف المحافل الدولية.
ولد رستم إنفيروفيتش أميروف (41 عاما) في سمرقند بأوزبكستان، وهو سياسي ورجل أعمال أوكراني من أصول قرمية تترية مسلمة، عاد مع أسرته إلى أوكرانيا بعد استقلالها في 1991، وبرز فيها -بداية- رجل أعمال، حيث كان مسؤولا في شركة "لايف سيل" (LifeCell) التركية للاتصالات داخل أوكرانيا، منذ 2003 حتى 2010.
كما شغل منصب رئيس قسم المشتريات واللوجستيات وإدارة العقود في مديرية المالية بين 2007 و2010، وكان عضوا إداريا في شركات استثمارية عدة عاملة في البلاد (ICG Investments – iCapital)، ومؤسسا ورئيسا لشركة الاستثمار الدولية ASTEM.
ثم برز بعدها ناشطا سياسيا اجتماعيا، حيث أسهم أميروف منذ 2010 وحتى 2013 في تأسيس العديد من المنظمات الدولية والمؤسسات غير الحكومية خدمة لشعب التتار.
بعد احتلال روسيا للقرم في 2014 والانتقال إلى كييف، شارك أميروف في 2016 في تأسيس مؤسسة التراث الثقافي القرمي، وانتُخب نائبا برلمانيا عن حزب "الصوت" (هولوس) المعارض في 2019، وشغل مناصب عدة في البرلمان.
وفي 2020، انضم إلى مجموعة عمل شكلها مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكرانية، لإعداد "إستراتيجية إنهاء احتلال شبه جزيرة القرم".
وبرز اسم أميروف للعالم بعد بداية حرب روسيا على أوكرانيا، حيث كان جزءا من الوفد الأوكراني في المفاوضات مع موسكو في تركيا، وفي مفاوضات لاحقة مع روسيا لتبادل الأسرى.
ويرى مراقبون أن أصول أميروف القرمية التترية المسلمة أسهمت إيجابا في تمثيل بلاده في تلك المفاوضات، لا سيما وأن تركيا تعدّ التتار "امتدادا عرقيا وتاريخيا" لها في أوكرانيا.
عُين أميروف في سبتمبر/أيلول 2022 رئيسا لصندوق ممتلكات الدولة في أوكرانيا، بهدف محاربة الفساد داخل الصندوق وفي ممتلكات الدولة التي يضمها، كونه "شخصية أوكرانية بعيدة عن تهم وشبهات الفساد".
ورُشّح مؤخرا لمنصب وزير الدفاع خلفا لسلفه أوليكسي ريزنيكوف، بتأييد معظم نواب البرلمان.
تاميلا تاشيفاأما تاميلا رافيليفنا تاشيفا فهي قرمية تترية مسلمة، تشغل منصب الممثل الدائم للرئيس الأوكراني في جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي.
ولدت في 1985 في سمرقند بأوزبكستان، وبعد العودة في 1991 استقرت مع أسرتها في منزل غير نظامي قرب مدينة سيمفيروبل بالقرم.
درست تاميلا في كلية اللغات الشرقية بجامعة تافريدا فيرنادسكي، وانضمت حينها إلى "مركز شباب تتار القرم" وبرزت في تنظيم فعاليات ثقافية قرمية تترية.
لعبت دورا نشطا خلال الثورة البرتقالية التي شهدتها أوكرانيا، فنظمت مسيرات مؤيدة لها في شبه جزيرة القرم، كما شاركت في "ثورة الحرية والكرامة" بكييف، وتطوعت في "مستشفى الميدان الأوروبي" الميداني، الذي نصب وسط العاصمة.
في شتاء 2014، أنشأت تاميلا منظمة رئيسة حركة "أنقذوا القرم" (CrimeaSOS)، لتوثيق "السياسة القمعية الروسية وانتهاكات حقوق الإنسان في شبه جزيرة القرم.
وفي أبريل/نيسان 2022، وبأمر من رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، عُينت ممثلا دائما للرئيس في جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي.
ومن بين الشخصيات التترية البارزة في أوكرانيا -أيضا-، مصطفى جميلوف (80 عاما) الذي يوصف بأنه "زعيم" التتار، الذي شغل منصب رئيس مجلس شعب تتار القرم، وكان نائبا برلمانيا لدورات عدة، ومفوضا باسم رئيس أوكرانيا لشؤون شعب تتار القرم من 2014 حتى 2019.
ويبرز -كذلك- رفعت تشوباروف، النائب البرلماني، ورئيس مجلس شعب تتار القرم، والشيخ سعيد إسماعيلوف، المفتي السابق لمسلمي أوكرانيا، الذي خلع العمامة وارتدى الزي العسكري محاربا لصالح بلاده ضد "عدوان روسيا".
الكفاءة هي المعيارويرى الكاتب والمحلل السياسي أوليكساندر بالي، مؤلف كتاب "الموجز في تاريخ أوكرانيا"، أنه "لا معنى لأحاديث سابقة حول تقريب السلطات التتار منها بمنحهم مناصب".
ويقول للجزيرة نت، إن أسماء يهودية ومسلمة كثيرة يضمها برلمان أوكرانيا، والمحاكم اليوم تنظر في تهم موجهة لرموز دينية كبيرة، كانت جزءا من تكوين السلطة.
ويرى أوليكساندر أن العرق والدين ربما يلعبان دورا ما في العلاقات الخارجية، لكن الاستقطاب بالمناصب كان آلية لكسب الولاء سابقا ولم يعُد كذلك اليوم، بل أصبحت الكفاءة معيارا رئيسا، بدليل أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أقال عددا من كبار رموز التتار في 2019 عن مناصبهم "الرمزية"، وعيّن آخرين من تتار وغيرهم.
ويؤكد المحلل ذاته أن نظرة المجتمع إلى التتار صحّحت بعد موقفهم الرافض لاحتلال القرم في 2014، بعد أن سوّقتهم السلطات السوفييتية خونة منذ سنوات الحرب العالمية الثانية، ولم تُعِرهم السلطات الأوكرانية السابقة اهتماما كافيا، كونهم جزءا أصيلا من مكوّن المجتمع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: وزیر الخارجیة تتار القرم
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: الأخلاق والسياسة في زمن الكوليرا
حين كنا ندرس الفلسفة السياسية وفلسفة الأخلاق في الجامعة، الأفكار كانت أشبه بمرآة نرى فيها أنفسنا، وتطلعاتنا وأحلامنا التي لا يحدّها سقف. سقراط وابن خلدون وآدم سميث والغزالي وروسو وغيرهم من مفكري التاريخ، كانوا بمثابة منارات تشعل فينا الإيمان بأن السياسة يمكن أن تكون عملاً أخلاقياً، لا مجرد لعبة مصالح.
تعلمنا أن العدالة جوهر الدولة، وأن السياسة لا تستقيم إلا إذا وُضعت على سكة القيم. في تلك الأيام، كنا نحمل عنفوان الشباب، ونؤمن أننا الجيل القادر على إعادة تعريف الممارسة السياسية وفق أسس أخلاقية، وطنية نظيفة ومتحررة من الانتماء الضيق والتبعية العمياء.
لكننا سرعان ما اصطدمنا بواقع مختلف تماماً. إذ ما إن انتقلنا من فضاء النظرية إلى ساحة الفعل السياسي، حتى وجدنا أنفسنا أمام مشهد يحكمه منطق الغلبة، وتديره نوازع الانتهازية والتكسب. الأحزاب التي يفترض أن تكون أدوات للتغيير ومراكِز للرؤية الوطنية الجامعة، أصبحت عاجزة عن تجاوز الحسابات الضيقة، متورطة في خطاب صفري لا يرى المواطن إلا وسيلة ضغط، ولا يرى المأساة إلا منصةً لتسجيل النقاط. كانت الصدمة كبيرة، لأن السياسة التي حلمنا بها ليست هي التي واجهتنا؛ ظلت صراعًا مفتوحًا بلا مرجعية، بلا كوابح، بلا التزامات.
وحين جاءت الكوليرا هذه الأيام ، لم تكن مجرد وباء متعجل ، بل مرآة عاكسة لفشل في الأخلاق السياسية. ففي لحظة كان يُفترض أن تتقدّم فيها أولويات الإنسان على كل اعتبار، تحولت الكارثة الصحية إلى مناسبة جديدة للتجاذب السياسي. ولإثارة حفيظة الناس وتخويفهم ، ما بين نداء أطلقه د. عبد الله حمدوك الذي بات لايري في السودان إلا الفرصة التي اضاعها حين خضع لابتزاز الداخل وطموح الخارج في السيطرة علي البلاد.
أطل الرجل عبر تحالف “صمود”، محذراً من انهيار صحي وشيك كأنه لا يعلم الحرب التي كانت إحدى خطط حلفاؤه المطورة ، ذلك النداء كشف النقاب عن مشهد سياسي لا يرى في الألم البشري إلا ورقة يمكن المساومة عليها أو تسويقها. لم يكن النداء بحسب مراقبين دعوة إلى النجدة، بل كان تكتيك للضغط و الابتزاز ، واستثمار سياسي في لحظة مأساوية.
على الجانب الآخر، حاولت بعض الجهات الرسمية التقليل من شأن الكارثة، نافية الأرقام، مؤكدة السيطرة، متحدثة بلغة بيروقراطية تخلو من الحسّ الإنساني. لم يكن النقاش حول المرض، بل حول صدقيّة الخطاب، حول مَن يملك الرواية الأجدر بالتصديق. وهكذا وُضع المواطن بين خطابين متناقضين: أحدهما يُنذر بالخطر، والآخر يطمئن بلا أدوات واضحة. وفي هذه الفجوة، ضاعت الحقيقة، وضاع معها حق الإنسان في الحماية.
لايمكن الحديث عن السياسة بوصفها عملاً مسؤولاً في ظل هذا الانفصال الصارخ عن الأخلاق؟ حين تحيطنا الأوبئة والأمراض، وتزيد المعاناة، وتُنكَر الحقائق إرضاءً لصورةٍ رسمية، فإننا لا نكون فقط في مواجهة أزمة صحية، بل أمام انهيار شامل في العقد الأخلاقي والسياسي. لقد تحوّلت الكوليرا من مرض عضوي إلى سقوط أخلاقي. لم تعرِّ النظام الصحي المتأثر بحرب المليشيا وداعميها المحلين والإقليميين انتباها، بل فضحت هشاشة النظام القيمي والأخلاقي لدى الجميع.
لقد كانت الكوليرا لحظة كاشفة بامتياز، لأنها وضعتنا أمام سؤال مركّب هل بقي في السياسة متسعٌ للأخلاق؟ وهل ما زال للإنسان وزنٌ في معادلاتها؟ لم يكن مطلوباً من السياسيين أن يكونوا ملائكة، بل أن يتعاملوا مع الكارثة بوصفها مسؤولية وطنية، لا أداة نزاع . لكن بدلاً من توحيد الخطاب، رأينا تباعداً في الرؤى، وافتقاداً للحد الأدنى من الإجماع، حتى في ما يتعلّق بحق المواطن في الحياة والكرامة.
في هذا المشهد، يبدو أن ما خسرناه ليس فقط أرواحاً مهددة، بل فقدنا البوصلة التي تربط بين النظرية والممارسة، بين ما تعلّمناه في قاعات الفلسفة، وما نراه في فضاءات الواقع السياسي. الأخلاق التي نشأنا عليها، لا تجد اليوم مكاناً في ساحة تُدير فيها النخبة صراعاتها فوق أشلاء الناس، وتجعل من الوباء فرصة للمزايدة.
وإذا كان هذا هو حال السياسة في لحظة الكارثة، فكيف يمكن الوثوق بها في لحظات البناء؟ إن السياسة التي لا تحتكم إلى الأخلاق لا تُنتج إلا مزيداً من الإنهاك والخراب، مهما تجمّلت بالشعارات أو تحصّنت بالمؤسسات. وكلما تأخرنا في إعادة الاعتبار للقيم كقاعدة للفعل السياسي، كلما وجدنا أنفسنا ندور في حلقة مفرغة، حيث يتحوّل كل مرض إلى منبر، وكل مأساة إلى وسيلة، وكل موت إلى خطاب.
لذلك، فإن ما نواجه اليوم لا يقتصر على أزمة صحية عابرة، بل هو امتحان أخلاقي لمجمل الممارسة السياسية. والأخطر من المرض، هو قبول استغلاله. والخطر الأكبر من غياب الخدمات، هو غياب الضمير. فالسياسة التي لا تعلي من شأن الإنسان، لا تستحق أن تُمارس. وهذا هو #وجه_ الحقيقة.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الأربعاء 28 مايو 2025م Shglawi55@gmail.com