“تريندز” يناقش “إدارة الثروات البشرية في عالم مأزوم” في المنتدى الدولي للاتصال الحكومي 2023
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
أبوظبي – الوطن:
ناقش مركز تريندز للبحوث والاستشارات، أمس الأربعاء، نتائج دراسة اقتصادية بعنوان: «إدارة الثروات البشرية في عالم مأزوم: كيفية المحافظة على الثروات وتنميتها في ظل التحديات الاقتصادية العالمية»، وذلك على منصة «حديث الاتصال الحكومي»، ضمن فعاليات النسخة الـ 12 من «المنتدى الدولي للاتصال الحكومي 2023»، التي ينظمها المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، في مركز إكسبو الشارقة.
وأوصت الدراسة بضرورة المحافظة على الثروات البشرية في ظل التحديات الاقتصادية العالمية المحتملة، من خلال تعزيز كفاءة الإنفاق العام والخاص في الاقتصاد فيما يوجه للاستثمار في البشر، إلى جانب المراجعة المستمرة لفاعلية الإنفاق العام على التعليم والصحة في الاقتصاد الإماراتي، مؤكدة أن قطاع البنوك وقطاع الصناديق الاجتماعية يلعبان دوراً في تقديم سبل الدعم الطارئة خلال فترات الأزمات.
تعزيز مؤشرات الاستدامة
وخلصت نتائج الدراسة إلى ضرورة ربط سبل الدعم السريع كافة، المالي والتنظيمي والمؤسسي، بمؤشرات يلتزم بها متلقي الدعم لتعزيز مؤشرات الاستدامة لرأس المال البشري، فضلاً عن أهمية تطوير الإنفاق على رأس المال البشري والتعليم والتدريب والتكيف المهاري، بما يراعي السرعة الفائقة لتطور التكنولوجيا وتدخلاتها في الأنشطة الإنتاجية، مشددة على ضرورة التوسع في سياسات وبرامج توطين التكنولوجيا، لتطوير السياسات التمكينية للثروات البشرية في مواجهة التقلبات الاقتصادية والأزمات الدولية واسعة الانتشار.
تكريم «تريندز»
وعلى هامش أعمال المنتدى، كرمسعادة طارق سعيد علاي، مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، مركز تريندز للبحوث والاستشارات، باعتباره راعياً رسمياً وشريكاً استراتيجياً، وداعماً لرؤية وأهداف المنتدى، الذي يأتي هذا العام تحت شعار: «موارد اليوم.. ثروات الغد»، وتسلم التكريم الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي للمركز، الذي ثمن مساعي المنتدى لاستكشاف سبل استغلال وإدارة الموارد والثروات التي تمتلكها الدول والمجتمعات، وكيفية تحويلها إلى عوامل نجاح وتنمية مستدامة.
أزمات اقتصادية عالمية
بدورها، استعرضت موزة المرزوقي رئيسة قسم الدراسات الاقتصادية في «تريندز»، نتائج الدراسة الاقتصادية، التي أعدها قسم الدراسات الاقتصادية في المركز، والتي تمحورت حول مدى تأثر الثروات البشرية بالأزمات الاقتصادية العالمية، والتجارب الدولية المتميزة في إدارة الثروات البشرية، وحالة الاقتصاد الإماراتي وثرواته البشرية، كما تضمنت الدراسة توصيات معززة لآليات المحافظة على الثروات البشرية في ظل التحديات الاقتصادية العالمية المحتملة.
وقالت المرزوقي إن تنوع وتعدد التداعيات التي يعانيها رأس المال البشري أصبحت ذات أهمية خاصة ومتزايدة مع تطور وتعمق وتشابك الأزمات الاقتصادية الدولية، خصوصاً في أعقاب تداعيات أزمة كورونا في العام 2020، وما لحقها من أزمات عالمية في العام 2022 مع اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، وشيوع التضخم والركود والبطالة عالمياً.
الثروات البشرية في الإمارات
وأكدت رئيسة قسم الدراسات الاقتصادية في «تريندز»، أن الانتقال من إدارة الثروات البشرية إلى تنميتها قد اكتسب أهمية متزايدة، في ظل تزايد وتشابك الأزمات الاقتصادية الدولية، مبينة أن الاقتصاد الإماراتي أثبت أنه في ظل هذه الأزمات كان على قدر المسؤولية، واستطاع أن يواجه تحدياتها بكفاءة وفاعلية، وكان أيضاً يضع نصب عينيه دائماً قضايا الاستدامة، وما يؤكد ذلك أن العام التالي لانتهاء أزمة كورونا سمي في دولة الإمارات بـ «عام الاستدامة»، فالثروات البشرية في رؤية دولة الإمارات هي وسيلة لهذه الاستدامة وفي الوقت نفسه غايتها النهائية.
مراكز الإنذار المبكر
وأشارت المرزوقي إلى أن آليات إدارة الثروات الاقتصادية والمحافظة عليها تتطلب التخطيط المالي ومحاسبة النمو، والاستثمار خالي المخاطر، وضمان انتقال الثروة بين الأجيال، وتعظيم دور الموازنة العامة في إدارة الثروات البشرية، منتقلة إلى سبل الوقاية من تأثير أزمات الاقتصاد العالمي على الثروات البشرية، والتي تشمل تعزيز الدور الحكومي قبل وخلال وبعد الأزمات، وضرورة وجود مراكز الإنذار المبكر للأزمات، والدور المحوري للمنظمات الدولية في الوقاية من الأزمات.
تجارب دولية فريدة
وحول التجارب الدولية المتميزة والفريدة في دعم الثروات البشرية، أوضحت موزة المرزوقي أن تجارب الصين وسنغافورة والبرازيل هي الأبرز في هذا المجال، واستخلصت الدراسة منها دروساً عدة، أهمها أن الانفاق على التعليم والتدريب يعد الحصانة الأبرز للثروات البشرية من مخاطر الأزمات الاقتصادية، كما أن زيادة نسبة السكان في سن العمل تزيد من قدرة الاقتصاد على مقاومة الضغوط التي تخلقها الأزمات الدولية، مبينة أن الإنفاق الجاري والاستثماري على الصحة السكانية من قبل الحكومات يعد وسيلة لغاية أشمل، وهي المحافظة على الثروات البشرية عندما تشتد الأزمات العابرة للحدود، كما أن القطاع الخاص الوطني له دور وأهمية قصوى في الوصول إلى مستويات مرتفعة في مؤشرات رأس المال البشري.
تأثر قصير الأجل
أما بالنسبة لحالة الاقتصاد الإماراتي وثرواته البشرية، فقالت رئيسة قسم الدراسات الاقتصادية في «تريندز»، إن الدراسة توصلت إلى أن تطوير كفاءة الإنفاق العام على التعليم والصحة في الإمارات كان سبباً في المحافظة على رتبة دولة الإمارات في مؤشرات التنمية البشرية الدولية وساهمت في ترقيتها في عدة تقارير متعاقبة، كما أن تأثر الثروات البشرية في الاقتصاد الإماراتي بالأزمات الاقتصادية الدولية كان قصير الأجل، بينما تنحصر التأثيرات طويلة الأجل للأزمات الاقتصادية على الثروات البشرية في تغير درجة المرونة والاستجابة لهذه الأزمات مع الوقت.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
عمر سيد أحمد
العقوبات من واشنطن إلى الخرطوم… ما بين الحساب والعقابفي 24 أبريل 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عزمها فرض عقوبات صارمة على السودان بموجب “قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991”، وذلك بعد تأكيد استخدام الحكومة السودانية لأسلحة كيميائية في عام 2024، في خرق صريح لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي تُعد السودان طرفًا فيها.
القرار، الذي سُلِّم إلى الكونغرس الأميركي مرفقًا بتقرير يؤكد “عدم امتثال السودان”، يُمهّد لتطبيق حزمة من التدابير العقابية، تشمل حظر الوصول إلى خطوط الائتمان الأميركية، وتقييد الصادرات، وتجميد الأصول. ومن المتوقع أن تدخل هذه العقوبات حيّز التنفيذ في أو حوالي 6 يونيو 2025، عقب نشرها في السجل الفيدرالي الأميركي.
ورغم أن هذه العقوبات تأتي ردًا على خروقات خطيرة للقانون الدولي، فإن توقيتها في ظل حرب أهلية طاحنة، وانهيار اقتصادي شامل، وتوسع المجاعة والنزوح، يطرح تساؤلات أخلاقية واستراتيجية حول فاعليتها وجدواها، ومدى تأثيرها الفعلي على النخبة الحاكمة مقارنة بما تلحقه من أضرار مباشرة بحياة المواطنين واقتصاد الدولة.
تجربة السودان السابقة مع العقوبات (1997–2020)بين عامي 1997 و2020، خضع السودان لعقوبات أميركية شاملة فرضت عليه عزلة اقتصادية ومصرفية خانقة، بتهم دعم الإرهاب واحتضان تنظيمات متطرفة. طالت العقوبات المؤسسات الحكومية والمالية، وحرمت السودان من:
استخدام النظام المصرفي العالمي المرتبط بالدولار. استقبال الاستثمار الأجنبي المباشر أو التمويلات الإنمائية. التحديث التكنولوجي والاتصال بأسواق المال.أدت هذه العقوبات إلى تدهور البنية الاقتصادية، وزيادة الاعتماد على التهريب والاقتصاد الموازي، وهروب الكفاءات ورؤوس الأموال. ورغم الرفع التدريجي للعقوبات في 2017، إلا أن استمرار وضع السودان على قائمة الإرهاب حتى أواخر 2020 أعاق أي تعافٍ جاد، خصوصًا مع تعاقب الأزمات السياسية والانقلابات والحرب الأخيرة.
العقوبات الجديدة – البنود والتوقيتالعقوبات الأميركية الجديدة، التي ستدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، جاءت كرد مباشر على ما وصفته واشنطن بـ”استخدام موثّق للأسلحة الكيميائية من قبل حكومة السودان”. وتشمل:
حظر التعاملات بالدولار الأميركي. تجميد أصول الحكومة والشخصيات المتورطة. منع الشركات الأميركية من تصدير تقنيات أو منتجات للسودان. حرمان السودان من الوصول إلى التمويل الأميركي أو الدولي المدعوم أميركيًا، خصوصًا عبر خطوط الائتمان أو التسهيلات المالية.ما يضاعف من أثر هذه العقوبات هو هشاشة الوضع الداخلي، حيث يخوض السودان واحدة من أسوأ حروبه الأهلية، وسط انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة المدنية.
ثالثًا: التأثيرات الاقتصادية المباشرة خروج فعلي من النظام المالي العالميالسودان اليوم شبه معزول عن النظام المالي العالمي، ومع تنفيذ هذه العقوبات، ستفقد البنوك السودانية القدرة على:
فتح الاعتمادات المستندية لشراء السلع. تنفيذ التحويلات البنكية الرسمية. التعامل مع المؤسسات الوسيطة في التجارة الخارجية.هذا يعني عمليًا إغلاق باب التجارة القانونية، وتوجيه كل النشاطات نحو السوق السوداء أو التهريب.
تهديد الأمن الغذائي والدوائيمع صعوبة الاستيراد الرسمي، تتراجع واردات القمح، الدواء، الوقود، والأدوية المنقذة للحياة. ويؤدي ذلك إلى:
نقص حاد في الإمدادات الأساسية. تضاعف الأسعار نتيجة ارتفاع تكلفة التأمين والنقل. توسّع الفجوة في الخدمات الصحية. ضياع موارد الدولة من الذهبفي ظل غياب الرقابة وازدهار اقتصاد الظل، يُقدّر حجم الذهب السوداني المُهرّب بأنه يفوق 50 إلى 80% من الإنتاج السنوي. وقدرت الخسائر من التهريب خلال العقد الماضي بما بين 23 و36 مليار دولار. العقوبات الحالية تدفع بهذا المورد نحو مزيد من التهريب، وتُفقد الدولة فرصة استثمار أكبر كنز نقدي تملكه.
تعميق أزمة سعر الصرفكل هذه التطورات تؤدي إلى:
تسارع تدهور الجنيه السوداني أمام الدولار. تزايد التضخم المفرط. انهيار القدرة الشرائية للمواطنين. رابعًا: من يدفع الثمن؟رغم أن العقوبات تستهدف النظام السياسي والعسكري، إلا أن من يدفع الثمن فعليًا هو المواطن العادي:
العامل الذي فقد وظيفته بسبب توقف المصنع عن الاستيراد. المزارع الذي لا يجد سمادًا ولا وقودًا. المريض الذي لا يحصل على دواء. التاجر الذي يُجبر على التعامل عبر السوق السوداء. خامسًا: العقوبات كأداة سياسية – فعالة أم عقوبة جماعية؟تاريخيًا، نادرًا ما أسقطت العقوبات الأنظمة القمعية. بل كثيرًا ما زادت من تماسكها عبر:
خطاب “الحصار الخارجي”. عسكرة الاقتصاد. قمع المعارضة بحجة الطوارئ.وفي السودان، حيث الاقتصاد منهار أصلًا، ستدفع العقوبات الناس نحو مزيد من الفقر واليأس، دون ضمان أن تؤدي إلى تغيير حقيقي في سلوك النظام.
سادسًا: أهمية وقف الحرب فورًاالعقوبات في حد ذاتها خطيرة، لكن الحرب تجعلها كارثية. فكل يوم يستمر فيه القتال:
يُفقد السودان مزيدًا من موارده. ينهار الأمن الغذائي. يتوسع النزوح والدمار.وقف الحرب هو الخطوة الأولى والأكثر إلحاحًا للخروج من هذه الدوامة. فبدون وقف إطلاق النار، لا يمكن التفاوض، ولا يمكن الإصلاح، ولا يمكن للعالم أن يستجيب لدعوات تخفيف العقوبات.
الآثار المتوقعة على إعادة الإعمار بعد الحربمن أبرز التداعيات الخطيرة للعقوبات الأميركية المرتقبة أنها ستُقوّض بشدة فرص إعادة الإعمار بعد الحرب، حتى إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار أو تسوية سياسية. إذ أن إعادة بناء البنية التحتية المدمرة – من طرق ومرافق وخدمات عامة – تتطلب تمويلات ضخمة، لا يمكن تغطيتها من الموارد المحلية وحدها، خصوصًا في ظل الانهيار الكامل للإيرادات العامة وغياب مؤسسات الدولة الفاعلة. وبما أن العقوبات تشمل حظر الوصول إلى التمويل الأميركي وخطوط الائتمان، فإنها تحرم السودان من أي فرص واقعية للحصول على قروض ميسّرة، أو دعم من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، أو حتى من شركات مقاولات عالمية. كما أن استمرار العقوبات يُعزّز مناخ عدم الثقة في السودان كبيئة استثمارية، ما يدفع المستثمرين للابتعاد عنه، ويطيل أمد العزلة الاقتصادية، وبالتالي يُجمّد أي مسار حقيقي نحو التعافي والتنمية بعد الحرب.
خاتمة: بين المحاسبة والإنقاذالعقوبات الأميركية على السودان تُعبّر عن موقف دولي حازم ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، لكنها في سياق حرب داخلية وانهيار اقتصادي، تتحول إلى عقوبة جماعية تهدد بقاء الدولة ذاتها. المطلوب اليوم ليس فقط التعامل مع العقوبات، بل تغيير المسار السياسي والاقتصادي كاملاً.
وذلك يتطلب:
وقف الحرب فورًا. تشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية. إصلاح شامل للقطاع المالي والمؤسسي. الشروع في مفاوضات مع المجتمع الدولي لرفع العقوبات تدريجيًا مقابل التزامات واضحة بالسلام والشفافية.فالعالم لن يستثمر في بلد يحكمه الرصاص والتهريب، ولن يخفف عقوبات ما لم يرَ إرادة حقيقية للتغيير. والسودان، برغم الجراح، لا يزال يملك فرصة – لكنها تضيق كل يوم.
* خبير مصرفي ومالي وتمويل
مايو 2025
الوسومالإنقاذ الحرب الخرطوم السودان العقوبات الأمريكية على السودان القطاع المالي والمؤسسي النظام المالي العالمي سعر الصرف عمر سيد أحمد واشنطن