من ليبيا لفرنسا والأرجنتين.. قصر سحري ألهم الطيار كاتب الأمير الصغير
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
في أقصى شمال شرق الأرجنتين، وسط حديقة واسعة تحيط بقصر مهدّم، يقع تمثال لـ"الأمير الصغير"، إذ يُعتقد أن الطيار الفرنسي الشهير أنطوان دو سانت إكزوبيري استلهم قصته التي حصدت نجاحا عالميا من هذا المنزل "السحري" الذي أقام فيه لبعض الوقت قبل قرن تقريبا.
يعتقد كثير من الأرجنتينيين أن الطيار الفرنسي استوحى من قصر/ قلعة سان كارلوس قصته الفلسفية التي نُشرت عام 1943 في نيويورك، وبعد 3 أعوام في فرنسا، والتي تُرجمت إلى أكثر من 300 لغة، غير أن الطيار لم يشهد نجاح قصته المدوي لأنه رحل إثر سقوط طائرته في أثناء رحلة فوق البحر الأبيض المتوسط يوليو/تموز 1944.
وأقام أنطوان دو سانت إكزوبيري عام 1929 في قصر سان كارلوس الذي بناه مصرفي فرنسي غنيّ نهاية القرن الـ19 على مرتفعات مدينة كونكورديا على بعد 400 كيلومتر شمال بوينس آيرس.
وجاء ذلك بعدما تعطّلت طائرته، وهبط بها اضطراريا في موقع ليس ببعيد من القصر.
"أرض الرجال"وروى الطيار الفرنسي تلك الحادثة في كتاب "أرض الرجال" (1939) الذي خصص فيه فصلا لمغامرته في كونكورديا، قائلا "هبطتّ في أحد الحقول ولم أكن أعلم أنني سأعيش قصة خيالية".
استقبلته حينها الأسرة التي كانت تسكن في القصر، ووقع تحت "سحر" الفتاتين الصغيرتين سوزان وإيدا فوتشس بالون اللتين وصفهما بأنهما "جنّيتان صامتتان"، وأسرتاه بشكل خاص بتعاملهما السهل مع الحيوانات.
ووصفهما بأنهما "كانتا ملكتين على كل حيوانات الخليقة".
وكتب أيضا أن "شيئا ما أحدث صوت صفير طفيف على الأرض ثم حفيف تحت الطاولة ثم صمت" خلال مأدبة عشاء، فقالت الأخت الصغرى "إنها الأفاعي"، ثمّ قالت الكبرى "وضعت عشّها في حفرة تحت الطاولة".
أصبحت حديقة سان كارلوس محمية طبيعية تستقبل زوارا اليوم، وفيها متحف صغير في القصر حول فترة إقامة الكاتب الفرنسي فيه.
وتحدّث مدير الحديقة باولو تيسوكو عن ثعلب روّضته الفتاتان اللتان كانتا تعتنيان بسحالي الإغوانا وقرد ونحل وكلاب وطيور.
في كتاب "أرض الرجال" (1939) الشهير، الذي تدور أحداثه حول لقاء بين طيار تعطلت طيارته في الصحراء الكبرى وطفل ظهر أمامه فجأة، يصوّر أنطوان دو سانت إكزوبيري ثعلبًا وثعبانًا.
وأضاف تيسوكو، مشيرا إلى صورة للطيار الفرنسي مع الفتاتَين، "انظروا إلى وضعية إيدا كم أنها قريبة من وضعية الأمير الصغير".
وأشار أيضا إلى أشجار الباوباب المنتشرة في الحديقة التي تظهر في القصة الشهيرة للكاتب الفرنسي.
ووصف الموقع الممتد على مساحة 70 هكتارا، الذي يضمّ أنقاض المنزل الذي بقي مهجورا لعقود بعد حريق عام 1938، بأنه "مكان سحري".
واستولت بلدية مدينة كونكورديا عام 2014 على ما تبقّى من "القصر الأسطوري" كما كان يسمّيه أنطوان دو سانت إكزوبيري.
ومنذ عام 1997، يزيّن الحديقة المطلّة على نهر الأوروغواي تمثال "الأمير الصغير" الذي نحتته الفنانة الأرجنتينية أماندا مايور.
عام 2019، كتب الأرجنتيني نيكولاس هرتسوغ والكولومبية لينا فارغاس كتابا بعنوان "الأميرتان الصغيرتان" يروي كيف استوحى أنطوان دو سانت إكزوبيري من إقامته في قصر سان كارلوس كتابة قصته التي لاقت أصداء عالمية.
ودخل سان إكزوبيري الجامعة طالبا في الفنون الجميلة تخصص الهندسة، قبل أن يلتحق عام 1921 بالخدمة العسكرية ويتدرب ليصبح طيارا، ويحصل في العام الموالي على رخصة الطيران.
وعُرض على سان إكزوبيري الانتقال إلى سلاح الجو، لكنه أمام ضغط عائلة خطيبته اختار عملا مكتبيا لم يستمر طويلا، فبعد سنوات قليلة يقرر الكاتب استئناف التحليق مع شركة لنقل البريد.
ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، تجنّد سان إكزوبيري طيار استطلاع مع "قوات فرنسا الحرة"، لكنه مع توقيع معاهدة الصلح مع النازيين، انتقل إلى الولايات المتحدة حيث بقي نحو عامين، ليعود خلال ربيع 1944 مجددا إلى ساحة المعركة طيار استطلاع كذلك.
آخر رحلةوكانت آخر رحلة له تلك التي أقلعت به من قاعدة في كورسيكا يوم 31 يوليو/تموز 1944، لتهوي طائرته في اليوم نفسه في المتوسط، ولم يعثر عليها إلا بعد 59 عاما قرب مرسيليا.
ولم يُعرف تفسيرٌ أكيد لسبب سقوطها، لكن طيارا سابقا في القوات النازية قال في مارس/آذار 2008 إنه أسقط يوم 31 يوليو/تموز 1944 طائرة بنفس مواصفات طائرة سان إكزوبيري في المكان الذي عثر فيه على طائرة الكاتب الفرنسي، لكنها رواية لم تثبت صحتها حتى الآن.
وكتب سان إكزوبيري عددا من مؤلفاته الشهيرة من وحي رحلاته طيارا ينقل البريد، وهي مهنة بدأ يمارسها عام 1926، وكانت أولى رحلاتها بين باريس ودكار، فمن ضمن ما كتب "بريد الجنوب" و"رحلة ليل" و"أرض الرجال".
وفي عام 1932، بعد أزمة في شركته، تفرغ سان إكزوبيري للكتابة والصحافة فكانت له تحقيقات كبرى عن فيتنام وروسيا وعن إسبانيا الحرب الأهلية.
الأمير الصغيروتنوعت كتابات سان إكزوبيري بين تحقيقات وشعر وروايات للكبار والصغار الذين خصهم برائعته "الأمير الصغير" التي زينها برسومه أيضا، وترجمت إلى عشرات اللغات وما زالت تلقى النجاح حتى الآن.
وكتب سان إكزوبيري "الأمير الصغير" في نيويورك خلال الحرب العالمية الثانية، واستلهم فكرتها من حادث تعرضت له طائرته في صحراء ليبيا عام 1935 وهو في طريقه إلى سايغون، وسخر فيها من عبثية الحرب ومن السلوك الإنساني، على لسان طفل هارب من دلال زهرته في "الكوكب 612" في رحلة بين كواكب عدة قادته أخيرا إلى الأرض.
خلال أقل من 20 عاما، كرّس سان إكزوبيري نفسه ليكون أحد أعظم أدباء فرنسا في القرن العشرين، وهو الذي فشل في اختبار دخول المدرسة البحرية في باريس عام 1919 لأن قدراته في المواد العلمية تفضلُ قدراته الأدبية حسبما حكمت اللجنة التي بتت في ملفه.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
كاتب إسرائيلي: في الرياض صنعوا السلام وفي غزة ذُبحوا
شدد الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي، على أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ارتكب مجزرة جماعية في قطاع غزة، بعد قصف مراكز طبية، واصفا ما حدث بأنه مقدمة لعملية إبادة، وذلك بالتزامن مع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية.
وقال ليفي في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية، الخميس، "قُتل أمس في غزة قرابة 100 شخص، جميعهم أبرياء، باستثناء كونهم فلسطينيين من سكان غزة، وقد قُتلوا على يد الجنود الإسرائيليين"، مضيفا أن "هذه مجرد مقبلات للعملية التي يطمح إليها جيشهم، ونحن نصمت".
وهاجم ليفي في مقاله الذي حمل عنوان "عربات الإبادة الجماعية تسخن المحركات"، الصمت حيال المجازر التي تُرتكب في غزة، قائلا "لا أحد خرج ضد ذلك أمس… في الرياض صنعوا السلام، وفي غزة ذُبحوا"، موضحا أن مشاهد جثامين الأطفال في جباليا تتناقض بشدة مع مشاهد المصافحات السياسية في العاصمة السعودية الرياض.
وفي وقت سابق الخميس، أعلن جهاز الدفاع المدني بقطاع غزة، استشهاد 13 فلسطينيا وإصابة آخرين، بقصف إسرائيلي استهدف عيادة ومصلى "التوبة" في مخيم جباليا شمالي القطاع، بينما ذكرت مصادر طبية لقناة "الجزيرة" أن عدد الشهداء وصل إلى 102.
وأشار الكاتب الإسرائيلي إلى أن الفلسطينيين "قُتلوا في قصف المستشفى، باستخدام تسع قنابل خارقة، فقط في محاولة لتصفية محمد السنوار، وكل ذلك من أجل عنوان رئيسي في صحيفة ’يديعوت أحرونوت‘"، واصفا ذلك بأنه "واحدة من أخطر جرائم الحرب".
ولفت إلى أن "كل شيء أصبح طبيعيا ومبررا ومشروعا، حتى استهداف وحدة العلاج المكثف في مستشفى خانيونس الأوروبي"، مؤكدا أن "لا شيء يبرر قصفا عديم التمييز لمستشفى، حتى لو اختبأت تحته القيادة الجوية لحماس، أو السنوار نفسه".
وانتقد ليفي بشدة تجاهل الطبقة السياسية في دولة الاحتلال لما يجري في قطاع غزة من مجازر، مشددا على أن "أي زعيم إسرائيلي لم ينبس ببنت شفة، ولا حتى ’أمل اليسار‘ يئير غولان، الذي يدعو فقط إلى إنهاء الحرب من أجل استعادة المخطوفين".
وأضاف الكاتب الإسرائيلي، أن "ما حدث أول أمس في غزة هو المقدمة لما سيحدث في الأشهر القادمة إذا لم يقم أحد بوقف إسرائيل"، مشيرا إلى أن "الحملة التي يقودها دونالد ترامب في الخليج تمضي قدما، بينما المسدس الذي يوقف إسرائيل لم يُعثر عليه بعد".
وختم ليفي مقاله بالقول إن "المشاهد من هناك مرة أخرى أحرقت الروح، مرة أخرى عربات الجثث، وأكياس الأطفال البيضاء، مرة أخرى بكاء الآباء الممزق على بناتهم وأبنائهم"، مؤكدا أن "كل ما يحدث في غزة لم يعد له أي تبرير، لأن إسرائيل ليس لديها هدف ولا خطة".
وفجر 18 آذار/ مارس الماضي، استأنف جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الوحشي على قطاع غزة، عبر شن سلسلة من الغارات الجوية العنيفة على مناطق متفرقة من القطاع الفلسطيني، في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي.
وأثار استئناف العدوان الذي أسفر عن سقوط آلاف الشهداء والمصابين في صفوف المدنيين الفلسطينيين، موجة من الاحتجاجات المناصرة للشعب الفلسطيني، والمطالبة بوقف فوري لعدوان الاحتلال الإسرائيلي في العديد من المدن حول العالم.
وتقول منظمات إغاثة، إن الوضع الإنساني في غزة يزداد سوءا في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي، وقد وصفت منظمة "أطباء بلا حدود" القطاع بأنه مقبرة جماعية للفلسطينيين، في حين شددت منظمة العفو الدولية أن الحصار الإسرائيلي الشامل يعد جريمة ضد الإنسانية وانتهاكا للقانون الإنساني الدولي.