كيف ينظم الإسلام العلاقة بين ثلاثية الحياة الروح والجسم والعقل؟ قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
الكتاب: هكذا فهمت الإسلام.
الكاتب: د إبراهيم صقر الزعيم
الناشر: دار كلمة للنشر عام 2023م، غزة، فلسطين.
بدأ الكاتب مقدمته بتساؤل عبر عن مضمون دراسته هل الإسلام دين عنف أم رحمة؟ وهل يسمو بالحرية أم يقيدها؟ وكيف ينظم العلاقة بين ثلاثية الحياة الروح والجسم والعقل؟ هذا التساؤل المركب من الكاتب، حاول من خلال دراسته استعراض إجابته بالأدلة المسندة من بالقرآن الكريم والسنة النبوية، والتحليل، ليعبر عن دينامية الإسلام بكل مكوناته بعيداً عن الجمود.
أدرك الكاتب وجود فهم مغلوط لدى بعض المسلمين حول تلك القضايا التي طرحها، حتى أنهم ظنوا بأن الإسلام ينتابه القصور، ويحتاج لمنهج حياة يتواكب مع التطور الحاصل في الحياة الإنسانية؛ ليختار أولئك مناهج حياة مختلفة لهم، إذ أن البعض منهم وقع في مكائد المتربصين الذين أثاروا الشكوك حول الإسلام على مر السنيين، ومن خلال فهم الزعيم للإسلام قدم ثلاثة فصول في دراسته تمحورت حول "لا عنف ولا ذلة"، "قيود أم حرية"، "ثلاثية الحياة".
لا عنف ولا ذلة
إن اتهام الإسلام بالعنف كان ومازال شبهة، فالإسلام لا يدعو إلى العنف أو الذلة، فالحاقدين ممن أردوا تشويه الإسلام استندوا إلى قوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" يقول الزعيم هنا: " كأنهم وجدوا كنزاً، فكتاب المسلمين هو الذي يدعو إلى العنف، وعليه فإن كل مسلم منضبط بالكتاب والسنة هو ارهابي ينبغي اقصاؤه"!!.
من ثم يؤكد الزعيم "أن هذه آية من كتابنا، نتعبد الله بتلاوتها، فسفكهم لن يجعلنا نخجل من ذكر ما يدعو إليه ديننا، غير أن الفهم الذي أردتم الذهاب إليه، غير الفهم الحقيقي، لكنكم تبدلون الكلم عن مواضعه"، ويضيف إن هذه الآية تدعونا إلى إرهاب من يناصبنا العداء، ويسعى بكل طاقة لصدنا عن ديننا، وهي الآية الأولى التي ورد فيها كلمة من مادة "رهب" والكلمة المعنية هي" ترهبون"، ويقصد بها تخويف العدو، مع العلم بأن التخويف في أحيان كثيرة يكون مطلوبا لتحقيق توزان الرعب؛ لئلا يدخل الطرفان في حرب (ص10)
قيم الإسلام النظرية وتطبيقها:
هناك ثلاث درجات من الإحسان، طرحها الكاتب، فالأولى: أن تكف يدك ولسانك عن غيرك، والثانية: ألا تجبر خصومك على اعتناق دينك، والثالثة هي البر والقسط، وبين النظرية والتطبيق تسمو قيم الإسلام ودرجاته.
الدرجة الأولى النهي عن الاعتداء:
القتال في الإسلام إما لرد الاعتداء، دفاعاً عن الدين والأرض والأعراض والأموال، فأول آية نزلت في القتال بالمدينة المنورة إذ قال تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"، ومضمونها يقول في النصف الأول مقاتلة الذين يقاتلوننا، والثاني فليس من المسموح الاعتداء والاعتداء المنهي عنه، هو قتال النساء والصبيان والرهبان، وما يؤيد هذا المعنى من السنة النبوية قول ابن عمر: "وجدت امرأة مقتولة في بعض تلك المغازي، فنهى رسول الله صل الله وعليه عن قتل النساء والصبيان" (ص17).
يعلم المسلم وغير المسلم أن أول آيات أنزلت على الرسول صل الله وعليه هي الآيات الخمس الأولى من سورة العلق، قال تعالى" ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾، هذا يعني أن بناء الحضارة المبنية على احترام العلم والإفادة منه، هي حضارة للبشرية كلها ليست مقصورة على ملة دون أخرى، فخلق الله تعالى الإنسان، وهو الذي يفيض من بركات علمه على الناس، فيأخذون منه بقدر فهمهم له، وسعيهم لبذل العلم النافع للناس، وعليه لم يشهد عصر الفتوحات الاسلامية أي اجبار على تغيير الدين، بل أنهم لم يحيدوا عن المنهج النبوي في نشر الدعوة، وليس أدل على ذلك من شروط عمرو بن العاص رضي الله عنه التي أرسلها للمقوقس:" ليس بيني وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال، إما أن دخلتم في الاسلام، فكنتم إخواننا وكان لكم ما لنا، وإن أبيتم فأعطيتم الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإما جاهدناكم بالصبر والقتال حتى يحكم الله بينا وهو خير الحاكمين"(ص19)
الدرجة الثانية البر والقسط:
حث الإسلام على الإحسان لمن هو مخالف في الدين بقوله تعالى:" لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"، فلم تخصص الآية دينا أو ملة، كما أنها ليست منسوخة؛ لأن بر المؤمن بغير المسلمين سواء كان بينه وبينهم قرابة أم لا، ليس محرماً إذ لم يكن في ذلك كشف لعورة المسلمين، أو تقوية لأهل الحرب بأي صورة كانت (ص23).
الحضارة المبنية على احترام العلم والإفادة منه، هي حضارة للبشرية كلها وليست مقصورة على ملة دون أخرى..صحيح أن الإسلام نهى عن الاعتداء إلا أنه لم يقبل الذلة للمعتدين، فمن صفات المؤمن ألا يكون أحدهم ذليلاً على أخيه المؤمن، عزيزاً على عدوه الكافر قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾.
إن قذف الإسلام بالعنف؛ يهدف إلى إشغال المسلمين بنفي هذه التهمة الباطلة، ليصبح المسلم ذليلاً يقبل المهانة دون أن يدافع عن نفسه، بيده ولا بلسانه، وهذا جهل بالمؤمنين".. هذه المعادلة وهي الجمع بين البر لغير المسلم، والقسط له، وعدم الخنوع، والذلة للمعتدي، يجيدها كل مؤمن، استقى العلم من مصادره، أي من الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح.. إنها حالة وسط، كما أننا أمة الوسط، فلا عدوان ولا ذلة.
يقول ابن القيم رحمة الله: "إن الخلق المحمود يكون دائماً بين خلقين مذومين، وطرفاه خلقان ذميمان، كالجود، فهو بين البخل والتبذير، والتواضع وهو بين الذل والكبر، وإذا زاغت النفس عن التوسط، انحرفت إلى أحد الخلقين الذميمين"، ومن هنا يؤكد الكاتب بأن مفهوم العزة يقع بين خلقين أحدهما الكبر، والأخر الذل والهوان، والنفس إذا انحرفت عن خلق العزة التي وهبها الله للمسلمين انحرفت إما إلى الكبر أو الذل (ص27).
من أين يستمد المسلم مصدر العزة؟
يجيب الزعيم من الله تعالى، فكلما زاد تذلل المؤمن لمولاه، زاده الله عزاً فرأى الطاغية ذبابة، بل ربما احتاط لها، فهش بيده ليصرفها عنه، أما ذاك فلا يأبه به، ولا يلق له بالاً، فالعزة لله جميعاً، يمنح منها لعبده المؤمن بقدر تذلله له، واقبله عليه، وانشغاله بمرضاته، وهذا المعنى المؤكد في الكتاب الكريم ، ومنها قوله تعالى: "ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَٰفِرِينَ أولياء مِن دُونِ المؤمنين ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العزة فَإِنَّ العزة لِلَّهِ جَمِيعًا"
قيود أم حرية؟
يتيح الدين الإسلامي للإنسان حرية الاختيار، فلا يجبر أحداً على اعتناقه، ولكن الناس من مبدأ الحرية فهمه ثلاثة أصناف:
الأول ـ تحرر فكري وسياسي وديني، تحرر كامل من القيم والمبادئ والمقصود هنا تحرر من النظام الاسلامي، واختيار أنظمة فكرية وسياسية ودينية، غربية عن مجتمعاتا الشرقية.
كفل الإسلام حريات متعددة ما بين حرية العبادة والاعتقاد، إلى حرية الفكر التي هي واحدة من الأسس التي رسخها الإسلام؛ لضمان وصول الإنسان إلى الحقائق دون إجبار من أحد " أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ".الثاني ـ تحرر فكري وسياسي، ولكنه تحرر جزئي، فيمكن أن يكون مصلياً أو محجبة لكنه يفضل نظماً سياسياً أو اقتصادياً على النظام الإسلامي، فربما وجدت المرأة القيود التي تفرضها الشرعية تخلفاً ورجعية، ورأت أن المدينة الحديثة أنصفت المرأة وساوتها بالرجل.
الثالث ـ تحرر من كل سلطان غير سلطان الإسلام، فأهل هذه الفهم يرونه موافقاً للفطرة الإنسانية لا يكبتها ولا يصادمها، يحرر النفس من الضالات، والشهوات، والشبهات ثم يرتقي بها نحو المعالي (ص40).
كفل الإسلام حريات متعددة ما بين حرية العبادة والاعتقاد، إلى حرية الفكر التي هي واحدة من الأسس التي رسخها الإسلام؛ لضمان وصول الإنسان إلى الحقائق دون إجبار من أحد " أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ".
إن الاسلام لا يمنح الإنسان حرية الفكر، ثم يأمره بتعظيم منهج أو بشر كتعظيم الخالق أو يزيد، أو تقديم أصناف الطعام والشراب لحجر لا يضر ولا ينفع، ولذلك أنكر على المشركين التقليد الأعمى لآبائهم، ولا يقبل الإساءة إلى خلق الله، أيا كانت مرجعياتهم الدينية، وخلفياتهم العرقية والثقافية.
ثلاثية الحياة:
بدأها الكاتب بسبيل النجاة التي تتمثل في الروح، والجسم، والعقل، وهي السبيل لنجاح المرء ونهضة البلد والأمة ولكن شرط صحة تفاعلها مع بعضها البعض وخلوها من كل علة يقول الزعيم:" فطن أعداء الإسلام عرباً وعجماً لتلك الحقيقة، فأعملوا فكرهم وأدواتهم يحاربون هذه الثلاث ابتغاء قتلها أو اتلافها، فرأيت احتلال الأقطار الإسلامية وما نتج عنه من ازهاق الأرواح، واعطاب الأجساد، واعلال العقول" (ص64).
اعتلت بعض العقول بما زينوا لها الأهواء، فزاغت عن الحق إلى الضلال، وتصور الكاتب طرق النجاة في:
1 ـ نجاة الروح تكمن ألا تتعلق بغير الله تعالى، وتتصل بالكتاب والسنة، كونها نجاة لها من ضلالات الشرك.
2 ـ نجاة الجسم أن يذل لسيده الذي خلقه في أحسن صورة، ذلة يعرف معها حق الخالق.
3 ـ نجاة العقل بألا يؤمن بأي منهج أرضي بدعوى الحرية.
يقول الزعيم هنا "الروح أخروية، والجسم دنيوي والعقل يوازن العلاقة بين الأخروي والدنيوي فيطلب الأخرة بالدنيا "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ "، ولا ينسى نصيب الدينا " وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ"، فانتصار الروح على الجسم، يكمن بقدر ما حملت من إيمان، وانتكاستها أمام إلحاحه، دليل ضعف إيمانها، ولن تتم درجة قوة الجسم حتى يتم اجادة الخوف" وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ".
إن تكريم الإسلام للعقل، لا يخفي على صاحب بصيرة، على أن عليه أن يعي جيداً أنه مهما بلغ من العلم فإن لن يطيق إدراك حكمة الله في الخلق وعليه فلا يجدر به الخوض في أحكام الله، إنما واجبه التسليم بحكم الله سبحانه وتعالى.
أما طريق التقوى فهي فلسفة الإسلام في تقويم حياة العباد، تتأتي عبر تزكية الروح وخضوع الجسم وفقه العقل، فلا سبيل إلى الاستقامة بغير احدها، وبها يبلغ المرء مرتبة التقوى وهي المنزلة السامية التي يريدها الإسلام للناس جميعاً " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ".
وضح الكاتب دور العقل في مسيرة رحلة النجاح عبر محددات:
أولاً ـ اختيار مسار التميز بعناية وذلك من خلال التوفيق بين العلم والمهارات واحتياج البلد والأمة.
ثانياً ـ تحفيز الروح المستمر؛ لئلا تهزمها العوائق، فيؤكد لها جاهزيته لخوض الطريق معها
ثالثاً ـ التفكير في حلول لكل مشكلة، واختيار أنسبها.
رابعاً ـ تمحيص الأقوال والأفعال فيهمل المحبطة منها ويتزود مما يرفع الهمة.
ختم الكاتب هذه الدراسة السلسة المبسطة في مفاهيمها بأن: الإسلام يقوم على أصلين عظيمين للإسلام هما حق الانسان؛ إذ يضبط علاقة الانسان بنفسه، وعلاقته ببني البشر وحق الله فيدعو إلى اخلاص العبادة له وحده، وأن يستمد التشريع من كتاب الله وسنة رسوله صل الله وعليه وسلم.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب نشر فلسطين غزة كتاب نشر كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار تغطيات سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
ما هي سورة الاستجابة؟.. تصعد بدعواتك إلى السماء بسرعة البرق
لاشك أن ما يزيد البحث عن ما هي سورة الاستجابة ؟ أنه يعد أحد أهم أسرار القرآن الكريم ، وهو كلام الله عز وجل الذي يشملنا بخيراته وبركاته في الدنيا والآخرة ، إلا أن السؤال عن ما هي سورة الاستجابة ؟ يهم الكثيرين لأنه يتعلق باستجابة الدعاء ، والذي يحمل حلولاً لكل مشكلة ونجاة من كل مصيبة وردًا لكل بلاء ، ومن هنا ينبغي معرفة ما هي سورة الاستجابة ؟ فلا يمكن لعاقل التغافل عنها وإهمالها ، لأنه السبيل لتحقيق الأحلام والنجاة من كل شر بهذه الحياة الدنيا .
قال الشيخ محمد أبو بكر، الداعية الإسلامي، إن هناك سورة فى القرآن الكريم تسمى سورة “الاستجابة”،وهي سورة الأنبياء ، منوهًا بأنها سميت كذلك لأن بها يستجاب الدعاء كأنه البرق .
وأوضح “ أبو بكر” في إجابته عن سؤال “ ما هي سورة الاستجابة ؟”، أن سورة الأنبياء هي السورة التى يلجأ إليها الإنسان حين تغلق الأبواب، لأنها السورة الوحيدة التى ورد فيها "فاستجبنا له" أكثر من مرة، وهذا اللفظ لم يرد في موضع آخر من القرآن مثلما ورد فى هذه السورة.
ونبه إلى أن سورة الأنبياء بها أربعة مفاتيح لكل المشاكل التي تنغص على الإنسان حياته، وهي:
1- الأول يسمى مفتاح نوح للكرب “وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ”.
2- مفتاح الأيوب للمرض الشديد “وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ”.
3- مفتاح سيدنا يونس للغم والهم والحزن “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ”.
4- مفتاح سيدنا زكريا للذرية والأمل والرجاء والطلب والأمنية “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ”.
وأفاد بأن هذا الكلام ينطبق على كل من قرأ هذه السورة وليس للأنبياء فقط، والدليل على ذلك أن الجواب جاء فيها فى موضعين اثنين؛ الأول “رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ”، والثاني “إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ”، فينبغي على كل من يعرف أن يقرأ القرآن قراءة سورة الأنبياء.
لماذا سميت سورة الاستجابةورد في مسألة لماذا سميت سورة الاستجابة ؟، أن سورة الأنبياء سُميت سورة الاستجابة لسرعتها وكأنها البرق ، فهذه السورة يمكن أن نلجأ لها عندما تقفل الأبواب في وجوهنا، في الوقت الذي نحتاج فيه بابا واحدا من السماء يفتح لنا.
وورد أنها سميت كذلك سورة الاستجابة لأنها السورة القرآنية الوحيدة التي ورد فيها لفظ " فاستجبنا له" أكثر من مرة وهذا اللفظ لم يرد في أي موضع قرآني آخر .
فضل سورة الأنبياء في استجابة الدعاءورد من فضل سورة الأنبياء في استجابة الدعاء ، أن سورة الأنبياء فيها المفاتيح لما أُغلق ، تجمع مفاتيح إستجابة ربنا للدعاء، وأول مفتاح مفتاح سيدنا نوح كان للكرب ، لما ورد في بقوله تعالى : "وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ".
وجاء أن ثاني مفتاح مفتاح سيدنا أيوب كان للمرض الشديد والصبر ، لما بقول الله عز وجل : "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أهلهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ"، كما أن ثالث مفتاح مفتاح سيدنا يونس كان للغم ، لما بقوله جل وعلا: "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ"، أما رابع مفتاح مفتاح سيدنا زكريا للذرية ، فقال تعالى: "فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ".
هل سورة الاستجابة للأنبياء فقطجاء الجواب في نفس السورة في موضعين : الموضع الأول “ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ " كل العابدين ورحمة من عنده ورحمته وسِعت كل شيء، والموضع الثاني" إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ"، الذاكرين ، المتصدقين ، المسبحين ، الصائمين ، المصلين " فـَاستجبنا له ".
فضل سورة الأنبياءلم يرد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أثر صحيح ثابت يخص سورة الأنبياء بفضل، وما ورد يعد أحاديث ضعيفة ولا صحة لها، ووجب التنويه عليها، وقد أوردها الإمام الفيروز آبادي في كتابه بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، وهي كما يأتي: "مَن قرأَ سورة اقترب للنَّاس حسابهم حاسبه الله حساباً يسيراً، وصافحه، وسلَّم عليه كلُّ نبي ذكر اسمُه في القرآن". "وفي حديث علي: يا علي مَنْ قرأَ هذه السّورة فكأَنَّما عبد الله على رضاه".
تعريف سورة الأنبياءأجمع العلماء على أنّ سورة الأنبياء سورة مكيّة، نزلت قبل هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وقيل في سنة نزولها؛ أنّها نزلت في السنة الثانية عشر من البعثة.
محاور سورة الأنبياءاشتملت آيات سورة الأنبياء على محاور عدة، ومنها:
التحذير من اقتراب يوم القيامة وذلك بهدف حث الناس على التقرب من الله والإكثار من الصالحات، قال -تعالى-: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ).التحذير من الكفر بضرب المثل بمصائر الأقوام السابقة قال -تعالى-: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ).تناول وحدة الخالق وربطه بوحدة الحق، ووحدة الوحي، ووحدة مصدر الرسالات، قال -تعالى-: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ).الحديث عن موقف المشركين من دعوة رسول الله وسخريتهم به -صلى الله عليه وسلم-، والتهكم بطلب الاستعجال بالعذاب، قال -تعالى-: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَن ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ).تناولت السورة مسيرة الأنبياء والرسل وما قاموا به من دعوة أقوامهم إلى الحق، وما قوبلوا به من قِبل أقوامهم، والتأكيد على أن مصدر رسالات الأنبياء واحد، وهدفها واحد، قال -تعالى-: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).العرض لمشاهد يوم القيامة ومنها: فتح سد يأجوج ومأجوج، وانتقال الناس لمصيرهم في يوم القيامة؛ فالمصلحون إلى الجنة، والمفسدون إلى عذابٍ مقيمٍ، قال -تعالى-: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ).الدروس المستفادة من سورة الأنبياءيدرك المسلم أنّ العاقبة في نهاية الأمر للصالحين، قال -تعالى-: (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ).يدرك المسلم فضل الملائكة، الذين يفعلون كل ما يأمرهم به -سبحانه وتعالى-، قال -تعالى-: (لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ).يدرك المسلم بأنه لا يخفى على الله خافية، وسيحاسب الإنسان على كل ما يصدر منه، قال -تعالى-: (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ).شكر النعمة، حيث يدرك المسلم بأن شكر النعمة سبب من أسباب دوامها على المسلم، قال -تعالى-: (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ).