أحمد بهاء الدين يكتب: مصر تنهى غربتها
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
شاء لى الحظ أن تقع الحرب فى بلادى مرتين وأنا بعيد عنها:
سنة 1967: فى باريس
سنة 1973: فى بيروت
غربة قاسية فى الحالتين، ووحشة لا يعرفها إلا من يكابدها، وإن كان شتان بين الغربتين، فالغربة الثانية انتهت بها الغربة كلها.
سنة 1967 كانت الغربة ليست بمعناها الجغرافى فقط، ولكن بمعناها الروحى والمعنوى، غربة طالت وطالت، فلم أعد -ولم نعد جميعاً منها- إلا ظهر السبت 6 أكتوبر 1973، ساعتها زالت غربتى، وأنا ما أزال بعيداً فى بيروت، تفصلنى عن بلدى بحار وأخطار، وزالت غربة 35 مليون مصرى، بل ومائة مليون عربى، كما تنقشع السماء كلها فى لحظة واحدة.
سنة 1967، فى باريس، كانت غربتين.
غربة المكان البعيد، والعداء الذى تلمسه من الناس، والشماتة التى تملأ رائحتها الجو، وتحس مذاقها حتى فى لقمة الخبز: غربة أن أرى باريس تحتفل حتى الفجر بسقوط القدس، وتمر المواكب فى شوارعها خلال النهار هاتفة لاحتلال سيناء، ولا توجد جريدة أو إذاعة أو شاشة تليفزيون إلا وتطل منها صورة لعدو منتصر، أو مصرى قتيل أو أسير.. كنت أخفض رأسى متحاشياً أن تلتقى عينى بعينى السيدة التى تصعد إلى غرفتى صباحاً بفنجان القهوة.. فإلى جوار فنجان القهوة صحف الصباح بعناوينها المذلة المهينة الشامتة..
كان ابنى الطفل قد طلب منى أن أشترى له لعبة مدفعاً رشاشاً، فوصلت إلى باب المحل ثم عُدت على أعقابى: كم ستسخر منى البائعة فى محل لعب الأطفال؟ كم ألف قصة صغيرة، مريرة، يمكن أن أحكيها وأرويها؟
على أن غربة المكان كانت الغربة الصغيرة، فهى تنتهى بالعودة إلى الوطن، ولكن الغربة الكبرى كانت قد بدأت، سبع سنوات والفرد فيها غريب، والوطن فيها غريب، ليس هذا أنا.. ليست هذه مصر، ليست هذه هى الأمة العربية، العالم كله كأنه غير حقيقى، إننى أعرف ما ينقص بلادى تماماً.. وأعرف أننا من البلاد التى تحاول أن تزيح تركة تخلف طويل، ولكننى أعرف أيضاً، وبكل موضوعية غير عاطفية، أن مصر تستحق شيئاً آخر غير هذه الغربة القاتلة عن نفسها وعن عصرها.
المتعلمون فى مصر وحدها أكثر من عدد إسرائيل جميعاً.. التنوير والتطور والاتصال بالعالم عندنا عمره يقرب من قرنين.. بلادنا حافلة بالفنيين والخبراء والمثقفين والعقول من أرقى طراز، وقد أثبتوا جدارتهم فى مواقع شتى من العالم، وحافلة فوق ذلك بالشجعان، وفى أرضها بئر لا قرار لها من حب الوطن وتركة الكفاح ورفض الذل والعناد، وضباطنا وجنودنا ليسوا أقل كفاءة ولا بسالة من كفاءات هذا الوطن.
كانت هذه هى الغربة الكبرى.. وما هى الغربة؟ أليست هى ألا تتعرف على نفسك، ولا على من حولك، أو ما حولك، ولا على وطنك وأمتك؟ أن تكون عواطفك فى عقلك وقلبك صورة وملامح حفرها التاريخ وعمقتها العاطفة والمعرفة معاً، ثم تنظر باحثاً عن هذه الملامح فلا تتعرف عليها.
6 أكتوبر 1973: فى بيروت وبينى وبين بلدى الذى يحارب -بإرادته هذه المرة- بحار وصحراوات.. ولكن الغربة زالت، لقد تم التعرّف من جديد على النفس، فالمسافة الجغرافية لا تهم، والمعركة ليست بعيدة عن بيروت، ومن النوافذ ترى المعارك الجوية والطائرات تسقط فى البحر، ولكن الفرد منا يمشى رافعاً رأسه، فأخبار مقاتلينا تطل -منتصرة هذه المرة- من كل صحيفة وإذاعة وشاشة تليفزيون، بل ومن فم كل بائع سجائر أو سائق تاكسى بيروتى وأنفاس القتال البطولى فى سوريا الملاصقة تحس بحرارتها وتكاد تلمسها وأنت تسمع أخبارها من شهود العيان.
وتكون الرحلة إلى القاهرة تحصيل حاصل.. فهى إنهاء شكلى للغربة التى زالت من الناس ومن الضمير.. ساعات الطائرة إلى بنغازى: ثم أربع وعشرون ساعة متواصلة بالسيارة عبر الصحراء إلى القاهرة تدفعها لهفة واحدة: أن أرى وجه قاهرة أكتوبر 1973، حتى تزول من خاطرى صورتها يوم عُدت من باريس فى يونيو 67 ذات أمسية حزينة.
لقد أنهى الرئيس السادات غربتنا الكبيرة بقرار أكتوبر 1973.. قرار ربما كان كلمة واحدة ولكنه خلاصة لكل الآلام العظيمة والآمال الكبيرة المختزنة منذ سبع سنوات.. وقد أنهت قواتنا المسلحة غربتنا بالطريقة الفذة التى نفّذت بها القرار.. إنهم هناك تحت اللهب والنار وكأنهم حملوا الغبار الثقيل إلى العدو: السماء تنقشع كلها فى لحظة واحدة عن وجه مصر الحقيقى.
«الأهرام» - 15 أكتوبر 1973
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: حرب أكتوبر حرب الاستنزاف ملحمة العبور خط بارليف الجيش الذي لا يقهر أکتوبر 1973
إقرأ أيضاً:
رئيس شركة مياه البحر الأحمر يتفقد غرف تصريف الأمطار
قام اللواء مهندس بهاء عبد المنعم سيد الأهل، رئيس مجلس إدارة شركة مياه البحر الأحمر، بجولة ميدانية لعدد من غرف تصريف مياه الأمطار بمدينة الغردقة، وذلك في إطار استعدادات الشركة للتعامل مع موجات الأمطار المحتملة وتجمعات المياه خلال فصل الشتاء.
وخلال الجولة، وجّه رئيس الشركة فرق التشغيل والصيانة بتكثيف أعمال تطهير غرف التصريف ورفع كفاءة شبكاتها، إلى جانب متابعة تنفيذ عدد من الغرف الجديدة بطريق الحجاز، تنفيذًا لتوجيهات اللواء عمرو حنفي محافظ البحر الأحمر، ضمن خطة تطوير الطريق ورفع جاهزيته للتعامل مع الظروف الجوية.
وأكد اللواء بهاء أن الشركة مستمرة في حالة الطوارئ المعلنة، مع جاهزية جميع المعدات، ووجود فرق ميدانية من قطاعات التشغيل والصيانة وإدارة المياه والحملة الميكانيكية وإدارة الأزمات؛ وذلك للتدخل الفوري في حال سقوط الأمطار أو حدوث أي تجمعات مائية داخل المدينة.
وأشار رئيس الشركة إلى أن مركز خدمة العملاء والخط الساخن يعملان على مدار الساعة لتلقي بلاغات واستفسارات المواطنين، حيث يتم التنسيق الفوري مع مركز السيطرة والشركة القابضة وكافة الجهات المعنية لضمان سرعة الاستجابة.
كما عقد اللواء بهاء اجتماعًا موسعًا مع مسؤولي فروع الشركة ورؤساء القطاعات، وشدد خلاله على تشكيل فرق نوبتجيات تعمل 24 ساعة وضرورة تكاتف الجهود بجميع القطاعات للتعامل السريع والفعال مع أي طوارئ.
رئيس شركة مياه البحر الأحمر يتابع المقابلات الشخصية للمسار القيادي…
كما تابع اللواء مهندس بهاء عبد المنعم سيد الأهل رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحى بالبحر الأحمر المقابلات الشخصية الخاصة بالمسار القيادي وإعداد الكوادر والتي يتم إجرائها بالمقر الرئيسي للشركة في الفترة من 7 ديسمبر الي 11 ديسمبر بمعرفة قطاع الموارد البشرية بالشركة بالتعاون مع مركز إعداد القادة واتخاذ القرار بالشركة القابضة بهدف تحقيق الأهداف الإستراتيجية للشركة القابضة وإعداد القادة والكوادر للنهوض بمستوي الكفاءات البشرية والقيادية لتحقيق أعلي معدلات للاداء، ويتم إجراء المقابلات بحضور دكتورة غادة ويليام أستاذ الإدارة بأكاديمية السادات تخصص الموارد البشرية وكريم طه إدارة التدريب بالشركة القابضة.
وأشار اللواء بهاء عبد المنعم أن تطوير مهارات العاملين وتطوير أداء الوظائف القيادية يساهم في تطوير الأداء المؤسسي والذي يؤدي بدوره الي تحسين مستوي الخدمات المقدمه لعملاء الشركة في قطاع مياه الشرب والصرف الصحي.