ماذا قال رسول الله عن أبي هريرة، وما منزلته وفضائله رضي الله عنه في الإسلام؟ أسئلة أجاب عنها الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف والمفتي الأسبق. 

ماذا قال رسول الله عن أبي هريرة؟ 

ورد في كتب السنة -التي تلقتها الأمة بالقبول على مدى تاريخها الحافل، وبنى عليها العلماء فهمَهم لدين الإسلام- أبوابٌ عَقَدَها أهل العلم في فضائل الصحابة عامة وفي فضائل بعض الصحابة خاصة، منها ما ورد في "سنن الترمذي" عن فضائل أبي هريرة رضي الله عنه: أَتَيتُ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم بتَمَراتٍ، فقُلتُ: يا رسولَ اللهِ، ادعُ اللهَ فيهِنَّ بالبَرَكةِ.

فضَمَّهنَّ ثُم دَعا لِي فيهنَّ بالبَرَكةِ فقال لي: «خُذهنَّ، واجعَلهنَّ في مِزوَدِكَ هذا -أو في هذا المِزوَدِ-؛ كلما أَرَدتَ أَن تَأخُذَ مِنه شيئًا فأَدخِل فيه يَدَكَ فخُذهُ، ولا تَنثُرهُ نَثرًا»، فقد حَمَلتُ مِن ذلكَ التَّمرِ كذا وكذا مِن وَسقٍ في سَبِيلِ اللهِ، فكُنَّا نَأكُلُ مِنه ونُطعِمُ، وكان لا يُفارِقُ حقوي، حتى كان يَومُ قَتلِ عُثمانَ رضي الله عنه فإنَّه انقَطَعَ. قال الإمام الترمذي: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وفيه أيضا: جاء رَجُلٌ إلى طَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللهِ رضي الله عنه فقال: يا أبا محمدٍ، أَرَأَيتَ هذا اليَمانِيَ -يَعنِي أبا هُرَيرةَ رضي الله عنه-، هو أَعلَم بحَدِيثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِنكم، نَسمَعُ مِنه ما لا نَسمَعُ مِنكم -أو: يَقُولُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يَقُل-؟ قال: أَمَّا أَن يَكُونَ سَمِعَ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ما لم نَسمَع، فلا أَشُكُّ إلا أَنَّه سَمِعَ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ما لم نَسمَع؛ وذاكَ أَنَّه كان مِسكِينًا لا شَيءَ له، ضَيفًا لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، يَدُه مع يَدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، وكُنَّا نحن أَهلَ بُيُوتاتٍ وغِنًى، وكُنَّا نأتِي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم طَرَفَيِ النَّهارِ، فلا نَشُكُّ إلا أَنَّه سَمِعَ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ما لم نَسمَع، ولا نَجِدُ أَحَدًا فيه خَيرٌ يَقُولُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يَقُل. قال الإمام الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

فضل محبة الرسول وقصص الصحابة مع النبي.. تعرف عليها المفتى: لو عشنا فى عهد النبي لكنا مثل الصحابة مع الرسول

وفيه أيضا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لأبي هريرة رضي الله عنه: يا أبا هريرة، أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحفظنا لحديثه.. قال الإمام الترمذي: هذا حديث حسن.

وفيه كذلك عن أبي هريرة رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله، أسمع منك أشياء فلا أحفظها. قال: «ابْسُطْ رِدَاءَكَ»، فبسطتُ، فحدث حديثًا كثيرًا فما نسيت شيئًا حدثني به. قال الإمام الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وفي "تحفة الأحوذي" (1/ 28-29، ط. دار الكتب العلمية): [قال صاحب "السعاية في شرح الوقاية" -وهو من علماء الحنفية- ما لفظه: كون أبي هريرة رضي الله عنه غير فقيه غير صحيح، بل الصحيح أنه من الفقهاء الذين كانوا يفتون في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما صرح به العلامة ابن الهمام في "تحرير الأصول"، والإمام ابن حجر في "الإصابة في تمييز الصحابة" انتهى. وفي بعض حواشي "نور الأنوار": أن أبا هريرة رضي الله عنه كان فقيهًا؛ صرح به العلامة ابن الهمام في "التحرير"، كيف وهو لا يعمل بفتوى غيره، وكان يفتي بزمن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وكان يعارض أجِلَّةَ الصحابة رضي الله عنهم كابن عباس رضي الله عنهما؛ فإنه قال: إن عدة الحامل المتوفَّى عنها زوجها أبعد الأجلين، فرده أبو هريرة رضي الله عنه وأفتى بأن عدتها وضع الحمل، كذا قيل. انتهى. 

ماذا قال رسول الله عن أبي هريرة؟ 

كان أبو هريرة رضي الله عنه من فقهاء الصحابة رضي الله عنهم ومن كبار أئمة الفتوى، قال الحافظ الذهبي في "تذكرة الحفاظ": أبو هريرة الدوسي اليماني رضي الله عنه الحافظ الفقيه صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان من أوعية العلم ومن كبار أئمة الفتوى مع الجلالة والعبادة والتواضع. انتهى. وقال الشيخ ابن القيم في "إعلام الموقعين": ثم قام بالفتوى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بَرْكُ الإسلام وعِصابة الإيمان وعسكر القرآن وجند الرحمن، أولئك أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا بين مكثر منها ومقلٍّ ومتوسط، وكان المكثرون منهم سبعةً: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، والمتوسطون منهم فيما روي عنهم من الفتيا: أبو بكر الصديق، وأم سلمة، وأنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة رضي الله عنهم ..إلخ. فلا شك في أن أبا هريرة رضي الله عنه كان فقيهًا من فقهاء الصحابة ومن كبار أئمة الفتوى] اهـ.

وقال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب "الصحيح": [وإنما يَتَكلَّم في أبي هريرة رضي الله عنه لدفع أخباره مَن قد أعمى الله قلوبهم فلا يفهمون معاني الأخبار؛ إما معطِّل جهمي يسمع أخباره التي يرونها خلاف مذهبهم الذي هو كفر، فيشتمون أبا هريرة رضي الله عنه، ويرمونه بما الله تعالى قد نزهه عنه تمويهًا على الرِّعاءِ والسَّفِلِ أن أخباره لا تثبت بها الحجة، وإما خارجي يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يرى طاعة خليفة ولا إمام، إذا سمع أخبار أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلاف مذهبهم الذي هو ضلال، لم يجد حيلة في دفع أخباره بحجة وبرهان، كان مفزعه الوقيعة في أبي هريرة رضي الله عنه، أو قدري اعتزل الإسلام وأهله، وكفَّر أهل الإسلام الذين يتبعون الأقدار الماضية التي قدرها الله تعالى وقضاها قبل كسب العباد لها، إذا نظر إلى أخبار أبي هريرة التي قد رواها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إثبات القدر لم يجد بحجة يريد صحة مقالته التي هي كفر وشرك، كانت حجته عند نفسه أن أخبار أبي هريرة رضي الله عنه لا يجوز الاحتجاج بها، أو جاهل يتعاطى الفقه ويطلبه من غير مظانه إذا سمع أخبار أبي هريرة رضي الله عنه فيما يخالف مذهب مَن قد اجتبى مذهبه وأخباره تقليدًا بلا حجة ولا برهان تكلم في أبي هريرة رضي الله عنه ودفع أخباره التي تخالف مذهبه، ويحتج بأخباره على مخالفته إذا كانت أخباره موافقة لمذهبه، وقد أنكر بعض هذه الفرق على أبي هريرة رضي الله عنه أخبارًا لم يفهموا معناها] اهـ. نقله عنه الحاكم في "المستدرك" (3/ 586، دار الكتب العلمية).

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: أبي هريرة أبو هريرة الدكتور علي جمعة صلى الله علیه وآله وسلم م

إقرأ أيضاً:

أيهما أفضل القيام بعمرة التطوع أو الإنفاق على الفقراء؟

قالت دار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية، أن الإنفاق على الفقراء والمحتاجين والتصدق عليهم وشراء ما يلزمهم من غذاء وملابس، أفضل من أداء عمرة التطوع، مؤكدة أن الله سبحانه وتعالى أمر عباده على فعل الخير.

الإفتاء: الانفاق على الفقراء افضل من عمرة التطوع

وأضافت دار الإفتاء: الانفاق على الفقراء افضل من عمرة التطوع، وقواعد الشريعة وحكمة الله تعالى واضحة في توجيه العباد إلى فعل الخير على أساس تقديم الأهم والأصلح، وذلك يقتضي بأن يُقَدِّمَ السائلُ مصالحَ وحاجاتِ إخوانه من الفقراء والمحتاجين الذين هم في مسيس الحاجة إلى ما يؤويهم، وما يستعينون به على قضاء حوائجهم الضرورية.

وتابعت: كما أن العمرة من أفضل العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى؛ لِمَا فيها من تكفيرِ الذنوب وإجابة الدعوات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَينهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّة» متفق عليه.

قال الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم" (9/ 117- 118، ط. إحياء التراث العربي): [هذا ظاهرٌ في فضيلة العمرة، وأنها مكفرةٌ للخطايا الواقعة بين العمرتين] اهـ.

وأوضحت: والعمرة سُنَّةٌ مؤكدةٌ في العمرِ مرة واحدة، وما زاد عن ذلك فهو مندوب، وهو ما ذهب إليه الحنفية -في الصحيح من مذهبهم- والمالكية، والشافعية في قولٍ، والحنابلة في روايةٍ، وهو المختار للفتوى. يُنظر: "البناية" للإمام بدر الدين العَيْني الحنفي (4/ 461، ط. دار الكتب العلمية).

وعن الأفضلية بين عمرة التطوع والانفاق على الفقراء، قالت: أحب النفقة إلى الله تعالى ما كانت أنفعَ للناس وأجدى في إصلاح أحوالهم؛ فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أفضل الأعمال إلى الله تعالى، فقال: «مَنْ أَدْخَلَ عَلَى مُؤْمِنٍ سُرُورًا؛ إِمَّا أَنْ أَطْعَمَهُ مِنْ جُوعٍ، وَإِمَّا قَضَى عَنْهُ دَيْنًا، وَإِمَّا يُنَفِّسُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرَبَ الْآخِرَةِ، وَمَنْ أَنْظَرَ مُوسِرًا أَوْ تَجَاوَزَ عَنْ مُعْسِرٍ؛ ظَلَّهُ اللهُ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي نَاحِيَةِ الْقَرْيَةِ لِتَثَبُّتِ حَاجَتِهِ ثَبَّتَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامُ، وَلَأَنْ يَمْشِيَ أَحَدُكُمْ مَعَ أَخِيهِ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِي هَذَا شَهْرَيْنِ وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ»أخرجه الحاكم في "المستدرك".

وعن السيدة فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ في المالِ لَحَقًّا سِوى الزَّكاةِ»، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ [البقرة: 177]. أخرجه الترمذي في "السنن".

مقالات مشابهة

  • حكم قراءة القرآن الكريم بصورة جماعية
  • مِنْ خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في جَسَدِه الشريف
  • دعاء وذكر النبي في الحر الشديد وارتفاع درجات الحرارة هذه الأيام
  • أفضل الأعمال الصلاة على وقتها.. «الإفتاء» توضح تفسير الحديث
  • أثر سماع الفحش من القول على أجر الصوم.. مفتي الديار يجيب
  • حكم التحايل بالزواج العرفي من أجل الحصول على المعاش
  • هل تكرار أداء العمرة عن أكثر من شخص جائز شرعًا.. الإفتاء تجيب
  • الإفتاء توضح كيفية تحديد ساعة الإجابة في يوم الجمعة
  • أيهما أفضل القيام بعمرة التطوع أو الإنفاق على الفقراء؟
  • هل الموت يوم الجمعة وليلتها من علامات حسن الخاتمة؟