أمام الحلو وأفكار بين النقد والواقع
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
يعتبر أمام الحلو رئيس لجنة السياسات في حزب الأمة القومي؛ واحدا من قلة في الحزب بعد الإمام الصادق المهدي، و هو سياسي يميل لاستخدام الفكر في نظرته لحل الأزمات التي تواجه الحزب و الوطن، و دائما تجده يميل للحوار العقلاني المؤسس على المعرفة و المنطق، باعتبار أن التغيير و مطلوباته تنجز على الفكر الناضج و ليس العاطفة، و الولاءات المغلقة، و عصبية الأيديولوجيات.
كتب الحلو مقالا بعنوان " الرداءة السياسية أخطر من الفساد" و المقال يطرح قضيتين مهمتين أشار إليهما الحلو بأنها جاءت في كتابات الصحفي التونسي مالك التريكي عن الحالة السياسية في تونس بالقول ( أن الفساد ليس شر الأخطار بل عدم الكفاءة – الثانية أن العميل الفرنسي المزدوج " بين فرنسا و أمريكا" قال ردا على سؤال الرئيس الفرنسي ديجول " بماذا كلفك الإمريكان" قال العميل: كلفوني أن لا يعين الشخص المناسب في المكان المناسب" و يقول الكاتب الصحفي التونسي "أن السياسة مهنة مشاعة يمكن أن يظفر بها أستاذ جامعي مثل باراك أوباما و ودرو ويلسون، و يمكن أن يظفر بها ممثل من الدرجة الثانية مثل ريغان و جورج بوش الأبن، أو مراهق طاعن في الجهالة مثل دونالد ترامب). هذا التوصيف للصحفي التونسي؛ يعتبره أمام الحلو مدخلا لتناول القضية السياسية السودانية، لإنه شبيه ما يجري في الساحة السودانية بعد ثورة يسمبر. حيث يقول الحلو (أما في السودان؛ فإن الأخطار المتراكمة منذ الفترة الانتقالية في أغسطس 2019م ، قد تجاوزتها في التعقيد و الاستعصاء أخطاء النخب في الساحات السياسية و المدنية و العسكرية منذ اندلاع حرب إبريل اللعينة، و العجز العام الذي اجتاح هذه الساحات، أنما هو بسبب الرداءة و الأداء و التقدير و التخطيط الناتجة من عدم كفاءة من يتولون قيادة هذه الساحات الثلاث) هذه الإشارة كنت قد أشرت إليها في أغلبية مقالاتي، أن التغيير دائما يقع عبئه على العناصر التي تشتغل بالعقل، أي التي تنتج أفكارا، لآن الأفكار تطرح تساؤلات عديدة ينتج عنها حوارا مسؤولا في المجتمع، و بالتالي تنتج وعيا مغايرا للذي كان سائد و قد أنتج الفشل، و عدم بروز هذه الكفاءات المطلوب في الأحزاب استبدلت الأفكار بالشعارات التي لا يستطيع الذين أطلقوها إنزالها للأرض.
يواصل الحلو في نقده للمكونات الثلاث " السياسيين و المدنيين و العسكر" بالقول ( أن عدم توفر الإرادة على وقف الحرب بسبب الرداءة السياسية – عدم الكفاءة بسبب عدم اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب.. و الأنكى في حالتنا السودانية أن أغلب الأشخاص غير المناسبين.. لم يختارهم أحد ، أنما فرضوا أنفسهم بأنفسهم في المكان غير المناسب، و لعل أغلب الأحزاب السياسية غير براء من هذه الرداءة السياسية) أضيف لحديث الحلو أن طول مدة الإنقاذ في السلطة قد أضعفت معايير كثيرة كانت مطلوبة، و هي الكفاءة و النزاهة و الشفافية، و الصراحة و الوضوح، و أيضا غياب الحرية قد أدى لفتح الباب أمام العديد من الانتهازيين و الوصوليين أن يصعدوا إلي قمة العمل السياسي، الذي أضعف ما كان موجودا من بواقي الثقافة الديمقراطية، و بدلا من التصويت في الاقتراع الحر المباشر للاختيار أصبح مصطلح " الموافقة السكوتية". يرجع أمام الحلو إلي قول الإمام الصادق المهدي في الأختيار بقوله ( القيادة توكل لصاحب/ة الأهلية و الشعبية، أي التحصيل المعرفي و القدرة و الكفاءة معايير لازمة للتأهيل قبل تفعيل إجراءات الخيار الانتخابي لنوال الشعبية) هذه المرجعية تحدد معايير التصعيد في السياسة و حتى في العمل، و هي المفقودة الآن، و لا يميل لها الذين يرفعون شعارات الديمقراطية خوفا على انفسهم، أن لا تكون منطبقة عليهم. على رؤية الإمام الصادق يقول الحلو ( لقد كان الإمام المهدي حصيفا تماما و واعيا لمخاطر عدم الكفاءة عندما وضع هذه المعايير لبناء الدولة، و التي لم يضمنها معيار الأمانة منعا للفساد. و كذلك عندما طورها الحبيب الأمام الحقاني لم يضيف لمعايير التأهيل معيار الأمانة و غيرها.. إن الفساد السياسي بكافة أشكاله لم يبلغ ضرره مبلغ ضرر الرداءة السياسية في مفاصل الدولة و الأحزاب السياسية و القوى المدنية) أن معييار الكفاءة مسألة مهمة و مطلوبة في اختيار القيادات، و الفساد ينتج عن غياب الحرية للصحافة و الإعلام التي كان عليها أن تكون أهم مراقب للعمل و الأداء. و الثاني القوانين الرادعة للفساد و تطبيقها. أما رداءة الكفاءة لا يمكن معالجتها لأنها هي التي تدير العملية السياسية، و مؤسسات الدولة، و يقع عليها عبء التخطيط و الانجاز و المتابعة. و عدم أنجاز شعارات ثورة ديسمبر سببها عدم الكفاءة المطلوبة. و رغم ذلك لا نجد الأحزاب خضعت الفترة لحوار مسؤول لتنقل الناس لمربع جديد.
يحاول الحلو أن يبين الفرق بين الكفاءة و عدمها و خطورتها على انجاز المهام الوطنية بالقول (أن عدم الكفاءة السياسية يسعى صاحبها جاهدا بكل السبل للوصول إلي موقع و بأي ثمن ليسد به هذا النقص لكنه ينتهي بالرداءة في الأداء، و القيادي الكفؤ.. غالبا يكون غير متكالبا و لا يسعى لسلطة إلا بحقها.. و غالبا ما يحقق إنجاز رفيعا في الأداء. هذه المعضلة .. تتمظهر في سمات الرداءة السياسية من فهلوة و وصولية و انتهازية.. و تحجب فرص توظيف القدرات صاحبة الكفاءة التي تستطيع أن تحدث الفرق) و الحلو يرجع بهذه المسألة لفترة الإنقاذ و يختم بها المقال الذي لم ينتهي لأنه قال سوف يتبع. أن القضية التي تطرق لها الحلو في غاية الأهمية و هي التي أدت إلي الحرب الدائرة الآن. لكن كان المتوقع أن الأحزاب السياسية تكون قد درست فترة الإنقاذ بكل إيجابياتها و سلبياتها و سوءاتها، و أنها وضعت المشاريع البديلة التي تتجاوز بها مرحلة الإنقاذ، لكن جاءت الأحزاب بعد الثورة لا تحمل أي مشاريع سياسية بديلة غير شعارات لا يسندها الفعل في الواقع. بل كانت الثقافة الشمولية التي خلفتها الإنقاذ هي المرجعية التي اعتمدت عليها، كان لابد أن تعطي نتيجة مغايرة عن ما هو مرفوع من شعارات. أول ردة فعل كانت أن أبعدت الشارع عن القيادات السياسية الأمر الذي أدى إلي اختلال في توازن القوى لصالح المكون العسكري قبل الأختلاف الذي وقع داخله. أن الحوارات الفكرية أهميتها أنها تطرح الأسئلة عن المسكوت عنه، و الأسئلة الجريئة التي يجب الإجابة عليها. مع التقدير لإمام الحلو. و نواصل عندما يواصل الرجل الكتابة. و نسأل الله لنا و له و للجميع حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الفريق الاشتراكي: الحكومة في حالة إنكار جماعي والواقع التعليمي مقلق وهناك تراجع الثقة في المدرسة العمومية
قال النائب البرلماني محمد عبا، عن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، إن مكونات الحكومة تعيش حالة “إنكار جماعي” للواقع الصعب الذي تعرفه منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، رغم توالي الإصلاحات والبرامج التي لم تُحقق الأثر الفعلي والدائم.
وأضاف عبا، في تعقيبه باسم الفريق الاشتراكي على عرض رئيس الحكومة عزيز أخنوش، خلال جلسة الأسئلة الشهرية اليوم الاثنين، أن “الصورة الوردية التي تقدمها الحكومة اليوم، وتُزينها بأرقام معزولة عن سياقها، تُعبر في الواقع عن عجز واضح في تنزيل مضامين القانون الإطار 51.17، والرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم، إلى جانب عدد من التقارير الوطنية التي تُنبه إلى الوضع المقلق للمنظومة”.
وأشار البرلماني ذاته إلى أن المنظومة التعليمية تُعاني من ضعف النجاعة، وغياب تكافؤ الفرص بين المتعلمين، وتراجع الثقة في المدرسة العمومية، فضلاً عن ضعف اندماج التعليم في محيطه الاقتصادي.
وفي ما يخص التعليم الأولي، أكد عبا أنه “يشكل ركيزة أساسية لضمان تكافؤ الفرص وتحقيق شروط النجاح الدراسي”، منتقداً طريقة تدبير هذا الورش، ومشيراً إلى أن “90 في المائة من التعليم الأولي تشرف عليه ثلاث جمعيات فقط، بينما تتقاسم 240 جمعية أخرى الـ10 في المائة المتبقية”.
كما نبه إلى “وضعية الهشاشة النفسية والاجتماعية التي تعيشها حوالي 20 ألف مربية في العالم القروي، نتيجة عقود الإذعان وغياب الحد الأدنى من شروط العمل اللائق”، متسائلاً: “عن أي تأهيل للمنظومة نتحدث إن كانت مربيات التعليم الأولي يعشن أوضاعاً مزرية؟ ».
وفي ما يتعلق بمؤسسات الريادة، قال المتحدث إن “وتيرة تعميمها الحالية بطيئة، وستتطلب سنوات طويلة لتشمل كافة التلاميذ، علماً أن هذه التجربة تُمثل عبئاً مالياً كبيراً، إذ تُخصص حصة هامة من الميزانية للبنيات التحتية والمعدات”.
كما عبّر النائب عن قلقه إزاء تعثر تنفيذ البرنامج الوطني لتقوية شبكة المؤسسات التعليمية الدامجة لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، مؤكداً أن هذا الملف لا يزال يعرف تأخراً كبيراً رغم طابعه الإنساني والاجتماعي.