لماذا تنتظر إسرائيل حربا قاسية حال توغلت في غزة؟.. إيكونوميست تجيب
تاريخ النشر: 14th, October 2023 GMT
حرب "قاسية" تنتظر محاولة التوغل الإسرائيلي البري الجديدة، التي باتت "وشيكة"، ردا على عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حركة "حماس" قبل أسبوع، وسط تقديرات بأن القضاء على حركة المقاومة قد لا يكون ممكنا من دون احتلال مباشر للأرض.
هكذا يتناول تقرير لمجلة "إيكونوميست" البريطانية، وترجمه "الخليج الجديد"، والذي يرجخ أن تكون محاولة الغزو البري هذه المرة "أكبر وأطول وأشد عنفا" من المحاولتين السابقتين.
وخلال السنوات الـ18 التي تلت الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، غزت إسرائيل تلك المنطقة بقوتها وجبروتها مرتين، الأولى خلال عملية "الرصاص المصبوب" التي امتدت 15 يوماً من الاجتياح البري في يناير/كانون الثاني عام 2009.
أما الثانية، فكانت في عملية "الجرف الصامد" عام 2014، والتي أمضى فيها الجيش الإسرائيلي 19 يوماً في حرب برية.
وتتعرض غزة الآن لغارات جوية وقذائف المدفعية التي تشتمل على صواريخ يتم إطلاقها من البر والبحر، لكن القصف بات ينفذ على نطاق واسع وبقدر أقل من التروي أو التحذير المسبق مقارنة بما كان عليه الوضع خلال الحملات السابقة.
ويقول مسؤولون إسرائيليون، إن الجيش لم يعد يطبق أسلوب "القذائف التحذيرية" والتي يحذر من خلالها سلاح الجو من غارات جوية عبر البدء بإطلاق ضربات لا تضر أحداً تستهدف بناء معيناً، ولكن حتى الآن، قتل ما لا يقل عن ألفي فلسطيني، معظمهم مدنيون، حسب ما أعلنته وزارة الصحة الفلسطينية في غزة.
اقرأ أيضاً
إسرائيل تعلن بدء عملية توغل بري في قطاع غزة
خيارات
وحالياً، يدرس القادة السياسيون في إسرائيل مجال الهجمة البرية الثالثة، وأول خيار أمامهم هو تنفيذ اجتياح سطحي كذلك الذي تم في عام 2014، عندما استولى الجيش الإسرائيلي على الأراضي المتاخمة للحدود بهدف إغلاق الأنفاق التي تستخدم لتهريب الأغذية والمقاتلين والسلاح، إذ بقي الاجتياح عندئذ على تخوم المدن الرئيسية بهدف تجنب حرب المدن.
أما الخيار الثاني فهو خيار الاجتياح الأعمق بهدف احتلال مساحات أوسع من قطاع غزة، غير أن هذه المنطقة تتمتع بكثافة سكانية عالية، ويقطنها أكثر من مليوني نسمة.
كما قد يشتمل هذا الاجتياح اقتحام المدن، كما حدث في عام 2009، إلا أن هذين الخيارين غير كافيين بنظر الإسرائيليين، وذلك بسبب الكره الكبير الذي خلفته هجمات "حماس" في نفوس شريحة كبيرة من الإسرائيليين.
في مؤتمر صحفي، عقد صبيحة الثلاثاء الماضي، ذكر الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي ريتشارد هيكت، أن "مجال هذه العملية سيكون أكبر مما سبق وأشد ضراوة، أي إن العملية لن تكون نظيفة... لأننا سنعامل حماس بعدوانية شديدة للغاية".
كما تعهد القادة الإسرائيليون بضرورة تغيير هذا الأسلوب، بهدف تدمير "حماس" بدلاً من مجرد إضعافها كما حدث في السابق، إذ أعلن جلعاد إيردان، وهو المبعوث الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة أن "حقبة المنطق والتفكير مع هذه الاعتداءات الوحشية قد انتهت، وحان الوقت الآن لمسح البنية التحتية الإرهابية لحماس من الخريطة ولإبادتها كلياً، لئلا ترتكب فظائع كهذه مرة أخرى".
وبعد أن تناقلت قنوات الأخبار وقوع مجزرة مروعة في مستوطنة كفار عزة الواقعة جنوبي البلاد، ازداد المزاج العام حدة وعدوانية وتصلباً على موقفه تجاه ما يجري، كما ألمح بعض القادة لأسلوب العقاب الجماعي، إذ قال جنرال إسرائيلي: "لقد تحولت حماس لداعش وأضحى المدنيون في غزة يحتفلون بدلاً من أن يشعروا بالرعب... وسيجري التعامل مع الوحوش البشرية وفقاً لذلك".
اقرأ أيضاً
بدلا من الاجتياح البري.. إسرائيل تدرس نهج لينينغراد لتجويع حماس في غزة
جذور حماس
من جانبه، يقول دانيال بايمان من جامعة جورج تاون، إن حماس متجذرة بعمق في غزة، إذ أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الجمعيات الخيرية والمدارس والمساجد.
ويضيف: "من المستحيل فصل حماس عن غزة"، كما أن احتلال غزة من جديد أمر غير منطقي، فقد خرجت منها إسرائيل في عام 2005 بسبب الثمن الكبير الذي يترتب عليها دفعه في حال بقائها هناك.
أما في الضفة الغربية، فيرى بايمان أن إسرائيل تستغل السلطة الفلسطينية بما أنها منافسة لحماس لتصبح قوة مساعدة لها.
غير أن هذا الخيار ليس مطروحاً في غزة، كما أن الاستعانة بالجنود الإسرائيليين تعني نشر قسم كبير من الجيش هناك، وهذا سيؤدي إلى ظهور نقص في عدد الجنود الموجودين في الضفة الغربية التي تعاني من اضطرابات هي أيضاً.
ولهذا يعلق بايمان بالقول: "آخر شيء يريده السياسيون الإسرائيليون هو سقوط مستمر وتدريجي للضحايا الإسرائيليين في غزة، إذ سيحمل كل أسبوع في جعبته مزيداً من القتلى بين صفوف الجنود الإسرائيليين".
أما الخيار البديل، حسب "إيكونوميست"، فهو النسخة الموسعة من عملية "الرصاص المصبوب"، بيد أن الجيش الإسرائيلي لم يستعد لذلك بعد، إذ حشد عبر التعبئة العامة 360 ألف جندي احتياطي، أي العدد نفسه تقريباً الذي حشدته إسرائيل في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
اقرأ أيضاً
صحيفة عبرية: على نتنياهو تنفيذ صفقة تبادل أسرى فورية مع حماس والجهاد
نموذج الضفة
لكن غالبية هؤلاء الجنود ليسوا مدربين على القتال، بل سيعملون على دعم وحدات الاستخبارات وأسراب سلاح الجو والوحدات اللوجستية، ومن المرجح أن ينشر الجيش الإسرائيلي فرقتين مدرعتين وفرقة جوية أخف منهما، وكل منها ستكون مؤلفة من خمسة ألوية.
وبعض هذه القطعات تنتظر وصول دباباتها وغيرها من العربات المصفحة إلى مسرح العمليات المحيط بغزة، في حين تكبدت قطعات أخرى خسائر خلال الأيام الماضية، في أثناء قتالها مع "حماس".
وفي حال أصدر قادة إسرائيل أوامرهم بشن غزو واسع، فمن المرجح للواء أو اثنين من الألوية المدرعة المزودة بالدبابات أن تتقدم 6 كيلومترات غرباً لتصل إلى الساحل في شمالي أو جنوبي مدينة دير البلح، وذلك حتى تقسم غزة إلى قسمين.
كما قد يقوم لواءان أو 3 ألوية لا يتجاوز عدد رجالها بضعة ألوف، بالتركيز على القسم الشمالي الذي يشمل محيط مدينة غزة، في حين سيقوم لواء أو اثنان آخران بالتركيز على خانيونس أو رفح في الجنوب.
والهدف من كل ذلك، حسب "إيكونوميست"، هو استهداف "حماس" وحركة "الجهاد الإسلامي"، وهي جماعة مقاتلة أخرى مقربة من إيران، مع التركيز على القيادات والبنية التحتية التي يمكن أن تقصف من الجو، أو في المناطق التي يترتب على قصفها سقوط عدد كبير من المدنيين.
بيد أن لـ"حماس" أنفاقا في غزة تمتد مئات الكيلومترات، ولهذا ستصبح عملية تحديد مداخل تلك الأنفاق وقصفها أولوية بالنسبة للجيش الإسرائيلي.
اقرأ أيضاً
إعلام عبري: تحذيرات من إعدام جرحى فلسطينيين بمستشفيات إسرائيل
أما التحدي الأكبر فهو حرب المدن، لما يشوبها من فوضى واضطرابات.
ويشير التقرير إلى أنه في عام 2014، استعانت "حماس" بفرق هجوم صغيرة لكنها مدججة بالسلاح ومزودة برشاشات آلية، وصواريخ موجهة مضادة للدبابات وقنابل يدوية، كما ارتدى بعض رجالها زي جنود الجيش الإسرائيلي في بعض الأحيان، وذلك لإيقاع قتلى حتى بين أفضل التشكيلات الإسرائيلية والمدرعة.
وينقل عن دراسة أجرتها مؤسسة "راند"، القول: "كانت المقاومة بارعة ضد القوات البرية الإسرائيلية، إذ تكيفت مع الظروف وعملت بشكل منظم، فكان الجنود على استعداد للدخول في قتال قريب مع القوات الإسرائيلية ولتنفيذ عمليات تسلل وكمائن بعزم وتصميم كبيرين".
وأمام ذلك، يلفت التقرير إلى أنه "لا بد أن تعتمد كثير من الأمور على ما تعلمته إسرائيل أو حماس من جولة القتال السابقة".
ويضيف: "الجيش الإسرائيلي سيتجرأ على الاجتياح بفضل خبرته السابقة في الضفة الغربية، إذ في يويو/تموز الماضي، اقتحمت كتيبتان صغيرتان مؤلفتان من ألف رجل مزودين بدبابات ومركبات قتالية مخصصة للمشاة، مدينة جنين لمدة 48 ساعة، فدمرتا العشرات من الأبنية التي يستخدمها المقاتلون، وقتلتا 12 فلسطينياً، أغلبهم مقاتلون، في حين خسر الجيش الإسرائيلي جنديين اثنين".
ويتابع: "إلا أن ما سيسهل مهمته في غزة، خسارة حماس لزهاء 1500 رجل خلال الاقتحام الذي نفذته، معظمهم من مقاتليها الأشاوس".
اقرأ أيضاً
الاجتياح البري بات محتوماً.. إسرائيل تتجهز للرد على طوفان الأقصى
وووفق التقرير، فإن الفضل في النجاح الذي حققته إسرائيل في جنين، يعود إلى التخطيط الدؤوب، وجودة الاستخبارات، والتحرك السريع، والتغطية المتواصلة للمسيرات.
قبل أن يضيف: "إلا أن ما حدث لا يمكن أن يتكرر في غزة، لأن التغطية هناك ستحتاج إلى عدد كبير من المسيرات، ولهذا قد يلجأ الجيش الإسرائيلي للعمل على مراحل، مع التركيز على بضعة أحياء في كل مرة".
ويتابع: "لا بد أن تلعب المسيرات دوراً مهماً في هذه الحملة بسبب تدمير حماس لعدد كبير من الكاميرات وأجهزة الاستشعار المرتبطة بقواعد برية حول غزة خلال الغارة التي نفذتها، وهنا لا بد أن نتحدث عن مقتل الكولونيل روي ليفي 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو قائد الفرقة النخبوية التي تعرف باسم الشبح في الجيش الإسرائيلي، وهي فرقة استطلاع سرية ومتخصصة في العثور على الأهداف المخفية".
ويزيد التقرير: "لكن الاجتياح الكبير لابد أن تواجهه عقبات جمة، بصرف النظر عن التأخر في رص صفوف القوات، وذلك لأن الخسائر الإسرائيلية ستكون كبيرة، وهذا ما سيدفع الجيش الإسرائيلي للاستعانة بمزيد من القوة النارية".
وهنا يقول بايمان: "أعتقد أن الجيش الإسرائيلي مستعد لإيقاع عدد كبير من الضحايا، وذلك ليستعيد حالة الردع، وليحمي قواته أيضاً".
ويتعين على الجيش الإسرائيلي، أيضا، وفقا لبايمان، حراسة حدوده الشمالية خشية انضمام حزب الله إلى القتال، ولهذا أخليت المدن الواقعة في الشمال من سكانها.
وفي ساعة متأخرة من 10 أكتوبر/تشرين الأول، ردت إسرائيل بنيران مدفعيتها على غارات أطلقت من سوريا.
اقرأ أيضاً
فخ استراتيجي وجيش غير مؤهل.. تحذيرات لإسرائيل من اجتياح غزة بريا
ملف الرهائن
ووفق التقرير، تبقى عقبة أخرى تتمثل بوجود نحو 100 رهينة إسرائيلية وأجنبية في غزة.
وسبق أن هددت حماس بإعدام رهينة مقابل أي غارة إسرائيلية تستهدف بيوت المدنيين، ولهذا دعا بتسلئيل سموتريش وهو وزير المالية الإسرائيلي من اليمين المتطرف، الجيش الإسرائيلي لعدم أخذ قضية الأسرى بعين الاعتبار كثيراً.
ثم إن الجيش الإسرائيلي سيستعين بالقوات الخاصة ليعثر على الرهائن، ولينقذهم إن أمكن، ولكن من المرجح أن تعمل "حماس" على توزيعهم ضمن منطقة واسعة، حتى تحت الأرض.
وسبق أن عرض الرئيس الأمريكي جو بايدن، على إسرائيل مساعدة ودعماً كبيرين، وتعهد بتقديم الدعم العسكري، وقد أرسل بعضاً منه بالفعل، ومنها ذخائر موجهة بدقة وأجهزة اعتراض لدعم منظومة الدفاع الصاروخي في قبتها الحديدية، والتي لا بد أن تحتاج إلى الكثير في حال امتداد الحرب لفترة طويلة.
في نهاية الأمر، فقد ألقى قادة إسرائيل أنفسهم بين خطاب متشدد عالي النبرة يهدف إلى القضاء على حماس، وبين عدم منطقية فكرة احتلال غزة من جديد، إذ من المرجح لقيادات حماس ونسبة كبيرة من مقاتليها أن يخرجوا من مخابئهم ليستعيدوا السيطرة على القطاع بمجرد أن تجتاحه إسرائيل.
ويختتم القترير بالقول: "حتى لو نجحت إسرائيل في تدمير هذه الجماعة، من غير الواضح لمن ستلتفت إسرائيل لتعهد إليه بإدارة هذه المنطقة".
اقرأ أيضاً
أدرعي: إسرائيل تطبق حصارا محكما على غزة وخيار العملية البرية وارد بقوة
المصدر | إيكونوميست - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: طوفان الأقصى فلسطين غزة إسرائيل توغل بري الجیش الإسرائیلی عدد کبیر من إسرائیل فی من المرجح اقرأ أیضا لا بد أن فی عام فی غزة
إقرأ أيضاً:
لماذا تظهر الآن بوادر صفقة بين إسرائيل وحماس؟
في اليوم 634 للحرب، خرجت لأول مرة منذ شهور طويلة تصريحات متزامنة من واشنطن وتل أبيب تشير إلى تحول إستراتيجي، أو على الأقل تكتيكي، في الموقف الإسرائيلي من الحرب على غزة.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن أن إسرائيل وافقت على صيغة هدنة تمتد لـ60 يومًا، منسقة مع قطر ومصر، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي يُنهي العمليات العدائية ويعيد تحريك ملف الرهائن.
بالتزامن، تأكدت التحضيرات لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، في لقاء وُصف بأنه قد يحمل مفاتيح حسم ثلاثة ملفات دفعة واحدة: الحرب، والرهائن، ومستقبل الحكم.
في إسرائيل، لا نهايات سعيدة بلا أثمان باهظة. فهل قرر نتنياهو طيّ صفحة المعركة؟ أم يناور باسم الصفقة لترتيب أوراق حكمه؟ وهل تمنحه إدارة ترامب الجديدة مخرجًا من عبء التحالف اليميني المتشدد، أم تُعيده إلى حضنها وتغرقه أعمق في الحرب؟
أولًا: لماذا الآن؟بعد أكثر من 600 يوم من حرب مفتوحة، تآكلت ركائز الرهان الإسرائيلي. النصر المطلق بات أقرب للوهم، والمجتمع الإسرائيلي- رغم الضخ الإعلامي- بات يستشعر عمق المأزق السياسي والعسكري.
التحول الأخير يرتكز على أربعة عوامل محورية:
عودة ترامب إلى الواجهة منحت نتنياهو غطاءً إستراتيجيًا مزدوجًا: خارجيًا باعتباره لا يرضخ بل يتحالف، وداخليًا باعتبار أن التهدئة ثمرة تنسيق مع أقرب حليف وليس نتيجة ضغوط دولية. دعم داخلي مؤقت من غانتس ولبيد، عبر عرض "شبكة أمان" تتيح لنتنياهو هامش تحرك يتجاوز ابتزاز بن غفير وسموتريتش دون انهيار الائتلاف. رأي عام مرهق بدأ يجاهر بتعبه، مع تزايد احتجاجات عائلات الرهائن، وتصاعد الأصوات الإعلامية التي تتساءل: إلى أين تقود هذه الحرب؟ ضغط المؤسسة العسكرية نفسها: صحيفة هآرتس كشفت في 28 يونيو/ حزيران أن ضباطًا كبارًا في هيئة الأركان عبّروا عن خشيتهم من (تعب المعركة)، محذرين من الانهيار المعنوي في الجبهة الداخلية، والدعوة إلى مخرج سياسي يُنهي الاستنزاف. إعلان ثانيًا: الصفقة على الطاولة.. دون إعلان استسلامبحسب تسريبات إسرائيلية، وافقت حكومة نتنياهو فعليًا على مسوّدة اتفاق أميركية، تتضمن وقفًا لإطلاق النار مدته 60 يومًا، وآلية تدريجية لتبادل الأسرى، مع ضمانات بعدم استئناف العمليات خلال فترة التفاوض. لكن نتنياهو، في خطاب متلفز أعلن عكس ذلك تمامًا حين قال: "سنُجهز على حماس حتى الأساس".
هذا التناقض ليس جديدًا في تكتيك نتنياهو. بل هو النمط الثابت: التقدم نحو التهدئة بيد، والتشبث بخطاب الحرب باليد الأخرى.
في غزة، تُثير فكرة الهدنة تساؤلات أكثر مما تقدم إجابات. تقرير للأمم المتحدة في يونيو/ حزيران 2025 حذر من أن استمرار الحصار، حتى مع هدنة مؤقتة، قد يفاقم الأزمة الإنسانية، حيث يعاني 80% من السكان من انعدام الأمن الغذائي.
حماس، من جانبها، قد ترى في الصفقة فرصة لإعادة تموضع سياسي، لكنها تواجه ضغطًا شعبيًا لضمان إغاثة فورية. هل يمكن للهدنة أن تكون جسرًا لتخفيف المعاناة في غزة، أم ستتحول إلى أداة ضغط سياسي جديدة؟
يُدرك نتنياهو أن تمرير الصفقة داخل الليكود، فضلًا عن ائتلافه الديني-القومي، مهمة شبه مستحيلة دون خطاب تعبوي يربط الصفقة بـ"المعركة المستمرة". لذلك يمنح كل جمهور ما يريد سماعه، ويراهن على الوقت لتمرير مرحلة انتقالية دون خسائر سياسية فورية.
ثالثًا: زيارة واشنطن.. ممر نحو "صفقة أكبر"؟زيارة نتنياهو المرتقبة إلى واشنطن تتجاوز بعدها الدبلوماسي، وتمثل محاولة لإعادة تشكيل شبكة الحماية السياسية من الخارج. ترامب، على عكس بايدن، لا يضغط علنًا، بل يمنح نتنياهو فرصة "بيع الصفقة" كإنجاز مشترك، لا كتنازل سياسي.
لكن بالمقابل، ترامب بحاجة إلى:
وقف العمليات لاحتواء الأصوات الناقدة لدعم إسرائيل المفتوح. إنجاز سياسي سريع آخر قابل للتسويق في الإعلام الأميركي، يتمثل في عودة بعض الرهائن وتهدئة الجبهات.من جهة أخرى، يسعى نتنياهو من هذه الزيارة إلى:
تحصين الاتفاق داخليًا بغطاء أميركي يمنحه شرعية وسط جمهوره. غلق ملف محاكمته مؤقتًا، عبر تعزيز صورته كرجل دولة، لا متهم جنائي. طرح رؤيته لـ"غزة ما بعد الحرب"، بما يشمل خطة منزوعة السلاح، برعاية إقليمية غير معلنة.زيارة تعيد إلى الأذهان زيارته الشهيرة في 2015 حين خاطب الكونغرس ضد الاتفاق النووي مع إيران، لا لمصلحة أميركية بقدر ما كانت للتهرب من أزماته الداخلية. اليوم، يعود لنمطه المعتاد: الهروب من الداخل إلى الخارج، والعودة بورقة توت أميركية.
رابعًا: بن غفير وسموتريتش.. انحسار أم كمين؟الشخصيتان الأشد تطرفًا في الحكومة باتتا في الهامش الإعلامي والسياسي. لا تهديدات، لا تصريحات نارية، ولا وجودَ فعليًا في محادثات الصفقة.
وسائل إعلام عبرية مثل يديعوت أحرونوت تحدثت عن "تفكك الائتلاف فعليًا، حتى لو لم يُعلن ذلك رسميًا"، مضيفة أن نتنياهو يتحرك الآن وكأن بن غفير وسموتريتش ليسا في المشهد.
رغم تراجع بن غفير وسموتريتش إعلاميًا، فإن تهديدهما بسحب الدعم من الائتلاف يبقى ورقة ضغط. تقرير في "يديعوت أحرونوت" (30 يونيو/ حزيران 2025) كشف عن تحركات للقاءات بينهما لتنسيق موقف موحد ضد الصفقة. هل يمكن لنتنياهو تفكيك هذا التحالف دون إسقاط حكومته؟
إعلانلكن من يعرف نتنياهو يعلم أنه لا يقفز دون مظلة. المرجح أنه سيستخدم الغطاء الأميركي ومعارضة غانتس ولبيد كـ"بطانة شرعية" لتجاوز الحليفين المتطرفين، دون كسر كامل معهما، بانتظار اتضاح مصير الصفقة.
خامسًا: مسرح الانتصارات المصطنعةمنذ بداية الحرب، بدا واضحًا أن نتنياهو لا يبحث عن نصر تقليدي، بل عن لحظة قابلة للتسويق داخليًا كـ"نصر سياسي". هذه اللحظة قد تكون صفقة رهائن جزئية، أو هدنة مؤقتة، أو حتى خطاب "استعدنا السيطرة على غزة"، دون تحديد ما هي هذه السيطرة أو ما الذي استُعيد فعلًا، حرب إيران كمثال.
في خطابه الأخير، أعاد نتنياهو استخدام عبارات مثل: "ضربنا قدرات حماس"، و"الردع تحقق"، و"الجيش يسيطر على الأرض"، رغم أن تقارير استخباراتية إسرائيلية- مثل تلك التي نشرتها قناة "كان 11"- أشارت إلى أن حماس ما زالت تحتفظ ببنية قتالية في وسط وجنوب القطاع، وميدانيًا تنفذ كمائن وعمليات تفجيرية بصورة متكررة.
في هذا السياق، يبدو أن نتنياهو يحاول إنتاج "مسرح انتصارات مصطنعة" يوازن بين فشل معنى الحرب الحقيقي، وضرورة الحفاظ على صورة الحكومة أمام جمهورها القومي والديني.
المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعرف ذلك. رئيس الشاباك السابق، نداف أرغمان، تحدث في لقاء مغلق (بحسب ما كشفته صحيفة "هآرتس") عن "خطر بيع الوهم للجمهور بدل التعامل مع الحقيقة الميدانية".
وهنا يكمن المأزق الحقيقي: إذا كانت الصفقة هي مجرد مرحلة في مسرح سياسي أكبر، فمن الذي يضمن ألا يُستأنف القتال بمجرد انتهاء مدة الـ60 يومًا؟
وهل تتحوّل الرهائن – مرة أخرى – إلى أدوات تسويق تكتيكية، لا إلى غاية إنسانية فعلية؟
وهل باتت إسرائيل- دون أن تعترف – عالقة في حرب لا تقدر على كسبها، ولا تجرؤ على إنهائها؟
نهاية حرب أم استراحة محارب؟الهدنة المقترحة لـ60 يومًا ليست مجرد وقف لإطلاق النار، بل هي اختبار لإمكانية صياغة نهاية سياسية لحرب طالت أكثر مما تحتملها إسرائيل.
ما هو واضح أن نتنياهو لم يعد رهينة كاملة لائتلافه. استعاد- ولو مؤقتًا- هامش مناورة يتيح له اللعب على حبال الداخل والخارج.
السؤال لم يعد: هل ستُبرم الصفقة؟ بل: كم من الوقت يمكنه مواصلة المناورة قبل أن يُجبر على كشف أوراقه؟ وما إذا كانت هذه "الاستراحة" هي بداية النهاية.. أم مجرد فاصل درامي في مسلسل لا ينتهي، وملف رهائن قد يقرر مصير آلاف العائلات.. وربما مستقبل النظام السياسي الإسرائيلي بأكمله؟
أما في غزة، فلا هدنة في المعنى الإنساني. بل وقتٌ معلّقٌ بين موت مؤجل، وأمل غامض.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline