حزب الله وطوفان الأقصى.. هل ينخرط في الحرب أم يناور سياسيا؟
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
بات السؤال الأكثر تداولا في الأروقة السياسية والدبلوماسية في لبنان والمنطقة هو: "هل يدخل لبنان وحزب الله تحديدا على خط معركة "طوفان الأقصى"؟ لا إجابة واضحة عنه حتى اللحظة. لكن الأكيد أن المسارات العسكرية في غزة وما قد ينتج عنها هو الذي سيحدد وجهة الحزب.
ومنذ انطلاق حرب طوفان الأقصى والتقدم الذي أحرزته حركة حماس، كان حزب الله في حالة استنفار سياسية وإعلامية وعسكرية، أصدر بداية بيانه الذي تأخر لمنتصف نهار السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وشدد فيه على متابعة ومواكبة ما يجري، وأنه على اتصال دائم مع حماس والجهاد الإسلامي.
صباح يوم الأحد الماضي، أوصل حزب الله رسالة مباشرة من خلال القذائف الصاروخية التي أطلقت باتجاه مواقع إسرائيلية محاذية للبنان. الرسالة كانت مدروسة: استهداف مواقع عسكرية في منطقة "مفتوحة"، وفق معايير الحزب، أي في مزارع شبعا المحتلة التي يطالب بها لبنان.
ومبادرة إسرائيل إلى قصف مواقع معروفة بأنها لـ"حزب الله" في الشريط الحدودي، تعكس من جهة حالة التوتر التي تعيشها القيادة العسكرية في الشمال، لكنها تشكل رسالة واضحة أرادت إسرائيل من خلالها تحميل حزب الله مباشرة أي عمل يُشن عليها انطلاقا من الأراضي اللبنانية. وهي تحاول عبر عمليات القصف وإيقاع قتلى في صفوف حزب الله القول للحزب إنه مسؤول مباشرة عن أي عمل ينطلق من لبنان بعد تسلل عناصر الجهاد الإسلامي إلى مستعمرة شتولا، وإنه مسؤول عن أي نشاط يقوم به الفلسطينيون في لبنان سواء بعلمك أو من دونه.
هذه المعادلة هي بالضبط ما يعمل حزب الله على منع تكريسها، ولذلك فإن القصف الذي تعرضت له ثكنات إسرائيلية بعد قصف مواقعه، شكل ردا أوليا، وهذا يشير إلى أن الحزب، كما هو معروف عنه، يدرس الأمر من زاوية "القصف مقابل القصف" التي يعمل بها منذ فترة طويلة، والتي تقتضي منه القيام بعمل عسكري يؤدي إلى قتل ثلاثة جنود إسرائيليين على الأقل، وما سينتج عن ذلك من رد فعل لدى حكومة نتنياهو المأزومة، مما قد يقود إلى تدحرج الأمور نحو مواجهة واسعة.
ولهذه المواجهة قواعدها وسياقاتها بالنسبة إلى حزب الله، فهو لا يراها موضعية وتخصه لبنانيا، بقدر ما يراها ويريدها في سياق المواجهة التي تؤدي إلى خلق شبكة حماية للفصائل في غزة، وإفشال الالتفاف الإسرائيلي الهادف إلى محاولة إزالة التأثيرات التي تركتها عملية العبور في طوفان الأقصى.
وعليه أصبح لبنان بشكل أو بآخر في قلب التصعيد الذي تشهده المنطقة انطلاقا من عملية طوفان الأقصى، وإن لم تكن بالحرب العسكرية المباشرة والمفتوحة، وفتح الجبهات وإشعالها من لبنان وسوريا، إلا أنه بالمعنى السياسي والإستراتيجي هي معركة في سياق تكامل مسار وحدة الجبهات التي تحدث عنها بشكل مستفيض مسؤولو حزب الله وقيادات إيرانية.
وهذا الصراع سيأخذ مداه الأبعد في الإعلان الأميركي والغربي الواضح والمباشر بالوقوف خلف إسرائيل، والدفاع عنها وعن وجودها التاريخي، وصولاً إلى إرسال أسلحة لها وتوجيه حاملة الطائرات نحو شرق البحر الأبيض المتوسط، والدعوة إلى تحالف دولي لمواجهة التدحرج الحاصل في المنطقة.
بالمقابل، لا يخفي حزب الله وأوساطه أن إرسال واشنطن حاملة الطائرات للمنطقة تحمل مجموعة أهداف، وهي إبعاد إيران عن هذا الصراع. وهو ما يندرج في كلام وزير الخارجية أنتوني بلينكن بعدم وجود دليل على مشاركة طهران في عبور حماس.
وكذلك فإن الرسالة الأساسية هي لحزب الله خصوصا بأن تدخله قد يدفع الأميركيين إلى التدخل المباشر، وضرب قواعده المتعددة في لبنان وسوريا. وهذا الأمر حرصت وسائل إعلام إسرائيلية على تسريبه حول ما طلبه نتنياهو من الرئيس الأميركي جو بايدن بضرورة التدخل العسكري الأميركي المباشر إذا قرر حزب الله الدخول في المعركة، وفتح جبهات من لبنان وسوريا في إطار التخفيف عن غزة.
فرصة ذهبيةوفي الصورة الأوسع قد يجد حزب الله فيما يجري فرصة ذهبية، لا يمكن السماح بتضييعها في إطار واضح وهو إثبات جدية وقوة مشروع "وحدة الساحات"، وحتى لو كان الثمن الداخلي في لبنان كبيرا وغير متوقع، على اعتبار ما يجري لحظة تاريخية، عدم التفاعل معها سيؤدي إلى خسارات متعددة. كذلك فإن المشاركة الفاعلة في هذه الحرب ستؤدي إلى فرض شروط وتنازلات من إسرائيل لم يكن أحد من قبل قادرا على تحصيلها، خصوصا أنه من وجهة نظر حزب الله، فإن إسرائيل في أسوأ مرحلة في تاريخها منذ 1948، أي أن إسرائيل مضطرة للتنازل في نهاية المطاف.
وهنا لا بد من انتظار مسار المعركة، وما ستقرره الحكومة الإسرائيلية بشأن التعامل مع غزة، لأن الدخول في حرب برية واسعة حتما سيبقي الجبهة اللبنانية مفتوحة على احتمالات كثيرة، وسيرسل الكثير من الرسائل العسكرية والصاروخية، للإشارة إلى جاهزية الحزب الكاملة للدخول في الحرب، لا سيما أن العملية التي أطلقتها حماس لا يمكن فصلها عن سياق التنسيق مع قوى المنطقة.
وما كشفته "وول ستريت جورنال" من تنسيق في غرفة العمليات المشتركة للعملية في بيروت منذ مدة، يؤكد أن مثل هذا القرار لا بد أن يكون متخذا على مستوى محور المقاومة ككل، كما أن العملية مشابهة للكثير من العمليات التي قام بها الحزب سابقا، وآخرها عملية "مجدو"، باستخدام مجموعات بشرية مقاتلة تنخرط في المعارك. وقد استخدم ذلك في المعركة التي يطلق عليها الحزب اسم "بدر الكبرى" مثلاً، وإيران استخدمت مثل هذه الأساليب العسكرية في حربها مع العراق في عهد صدام حسين.
وثمة أمر رئيسي لا يمكن القفز فوقه، وهو أن حزب الله، الذي يقوم بتحشيد عسكري في لبنان رغم كل التباينات السياسية الحاصلة حول سلاحه ودوره الإقليمي، يقوم بتوسيع الحضور العسكري في مناطق جنوب سوريا وتحديدا في القنيطرة ومحيطها، وهو لا يغفل حساسية الجبهة السورية الصامتة عسكريا منذ عقود طويلة، مما يعني وجود خطة مبيتة لإرهاق إسرائيل من الجبهات الثلاث، وهذا ما استدعى اتصالات أميركية وإماراتية وفرنسية مع لبنان وسوريا للضغط باتجاه منع الانخراط في المعركة.
وهناك من يعتقد أن الاندفاعة من حزب الله بالاستثمار في العملية قد تتراجع إذا تم توسيع المواجهة نحو حرب تتخطى "الجبهة الغزية"، وقد يحول ذلك دون كسب إيران لما تريده. فالاستثمار في القضية الرئيسية والمحورية التي هي القضية الفلسطينية، يعطي الحزب وإيران أوراقا تفاوضية، في حين أن فتح الجبهة من لبنان قد يساهم في تشتيت قوة إسرائيل، لكنه في الوقت نفسه يضرب الهدف السياسي للحزب باعتبار أن الدخول في معركة وسط هذا الصراع السياسي حول سلاح الحزب سيزيد الخلافات اللبنانية حول دور الحزب في ظل خصومته مع فريق واسع من اللبنانيين.
والحزب الذي كان يعول على استخراج النفط والغاز من البلوك الـ9 قبالة الشاطئ الجنوبي الذي قطعت شركة توتال إنيرجي شوطا في الاستكشاف والحفر فيه، قد يتوقف، والأمين العام للحزب قال في خطابه الأخير في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول إن المعطيات الأوّلية تفيد بوجود كميات من الغاز فيه، وهذا مؤشر مهم على اهتمام الحزب بملف الطاقة كشريك طبيعي في مكاسب هذا القطاع، ويفتح آفاق الاستثمار في لبنان، والذهاب لتخفيف الضغوط الأميركية على لبنان والحزب عبر رفع العقوبات. لذا إدخال لبنان في الحرب الدائرة قد يحول دون استكمال هذا المسار.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: طوفان الأقصى لبنان وسوریا فی لبنان حزب الله من لبنان
إقرأ أيضاً:
العدو الذي يتحدث لغتك.. خطة إسرائيل الجديدة لاختراق المجتمعات
في محاولة للتمدد داخل المجتمعات العربية، يعمل الاحتلال الإسرائيلي على صناعة جيل من عناصر الاستخبارات والجنود المتحدثين بالعربية بلهجاتها المتنوعة، كأداة اختراق تتجاوز البندقية والدبابة إلى محاولة السيطرة على العقول.
"إسرائيلي يتحدث لهجتك، يغني أغانيك، ويردد أمثالك الشعبية" مشهد بات يتكرر في مقاطع فيديو ينشرها إعلام الاحتلال، ضمن خطة مدروسة للتأثير على الرأي العام العربي وتحويل مجرم الحرب إلى وجه مقبول.
ومهمة الجيل الجديد هي كسر الحواجز النفسية مع الشعوب العربية، وتهيئة الأرضية لاختراقات ثقافية وأمنية أشد خطورة من الحرب التقليدية، وفق ما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية.
بعد فشل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في التنبؤ بعملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شرعت إسرائيل في إعادة تقييم أدواتها الاستخبارية وأساليبها في جمع المعلومات.
وفي هذا السياق، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية -في تقرير نشرته في الثامن من يوليو/تموز الجاري- عن تكثيف إسرائيل جهودها في تدريب كوادر بشرية متخصصة في اللغات واللهجات المحلية بهدف تعزيز قدراتها الاستخبارية بعد إخفاقات أكتوبر/تشرين الأول.
وقد أقرت الأجهزة الأمنية ضرورة العودة إلى الأدوات التقليدية، كاللغة وتفعيل الجواسيس على الأرض، إلى جانب استخدام التكنولوجيا المتطورة لمراقبة الاتصالات وشبكات التواصل الاجتماعي بشكل أكثر فاعلية.
وبناءً على ذلك، أطلقت شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" برامج تدريبية مكثفة تستهدف شبابًا أنهوا دراستهم الثانوية حديثًا، حيث يتم اختيارهم لتعلم لغات ولهجات محددة، حسب الاحتياجات الأمنية. وتستغرق هذه الدورات حوالي 6 أشهر.
إعلانوهو ما أكد عليه ضابط إسرائيلي برتبة مقدم، رمزت له الصحيفة بالحرف (ح) والذي قال إن الحرب الدائرة في غزة أظهرت أنه "لا يمكن الاستغناء عن الأذن التي تلتقط النبرة، والعين التي تفسر التعبيرات والسلوكيات" مضيفًا أن هذا التوجه سيمتد للسنوات القادمة من خلال تعزيز وتوسيع منظومة كوادر اللغة داخل المؤسسة الأمنية.
وتعود مدارس اللغات التي تديرها "أمان" إلى بدايات تأسيس الشعبة، لكنها تشهد توسعًا كبيرًا حاليًا لتلبية متطلبات "الجبهات المشتعلة" حيث يتعلم مئات المجندين سنويًا لغات ولهجات متنوعة تشمل السورية واللبنانية والفلسطينية والعراقية والبدوية، وقبل 18 شهرا أضيفت اليمنية إلى القائمة، مما يعكس اهتمامًا غير مسبوق بتنوع اللهجات العربية.
ويتجاوز التدريب الجانب اللغوي ليشمل مواد نصية وصوتية مستمدة من الواقع العملياتي مثل محادثات حديثة أو تقارير إخبارية، وذلك للحفاظ على التأهب العملي لدى المتدربين، كما يتعرض المتدربون لتعبيرات يومية وأغانٍ ومقاطع فيديو من شبكات التواصل لإتقان النبرة واللهجة بشكل طبيعي، وفقا للصحيفة.
اختراق ثقافيلا يتوقف التدريب عند اللغة وحدها، بل يدمج بين الجانب اللغوي والتحليل الثقافي والسياسي، إذ يتعلم عناصر الاستخبارات المستقبليون قراءة ما بين السطور، وفهم أنماط التفكير والعادات المحلية، بحسب يديعوت أحرونوت.
ورغم أهمية اللغة، يوضح الضابط (ح) أن الهدف ليس فقط بناء "مترجمين" بل عناصر استخبارات تجمع بين القدرة اللغوية وفهم الثقافة والمجتمع والسياسة المحلية، مشددًا على أنه "لكي تكون رجل استخبارات جيدًا يجب أن تدرس النظريات، والثقافة (..) والقيم التي تشكل أساس رؤيتهم للعالم".
وقال الضابط المقدّم المسؤول عن مدرسة اللغات في شعبة الاستخبارات العسكرية -في حديثه عن دروس السابع من أكتوبر/تشرين الأول- أن أحد الاستنتاجات الأساسية من الهجوم المفاجئ هو الحاجة الماسة إلى زيادة عدد المتخصّصين في اللغات ضمن المنظومة الأمنية.
يُشار إلى أن تقارير إسرائيلية أكدت أنه كانت يُفتقر لمعلومات استخباراتية في اليمن بالتحديد، كونها لم تتوقع دخول جماعة أنصار الله (الحوثيين) في معارك ضدها كما حدث في جبهة الإسناد الحالية. وهو ما استدعى تجنيد إسرائيليين من أصول يمنية، من اليهود الذين وصلوا حديثا لإسرائيل ويجيدون العربية واللهجة اليمنية، للمساعدة في جمع معلومات استخباراتية عن الحوثيين، وفق صحيفة معاريف الإسرائيلية.
وفي إطار الإصلاحات التي تبنتها قيادة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بعد "طوفان الأقصى" أصدرت تعليمات بعمل دورات في الثقافة الإسلامية واللغة العربية بدءًا من مرحلة ما قبل التجنيد وصولًا إلى تدريب الضباط. وتهدف هذه المبادرة إلى تزويد الأفراد العسكريين والجنود والقادة المستقبليين بالكفاءة اللازمة لفهم المجتمعات العربية بشكل أعمق، بحسب إذاعة جيش الاحتلال.
ووفقًا لتقرير نشره موقع "ذا ديفنت بوست" في 16 يوليو/تموز الجاري، فإن جميع أعضاء شعبة الاستخبارات العسكرية سيخضعون لتدريب في الدراسات الإسلامية، وسيتلقى نصفهم تدريبًا في العربية بحلول العام المقبل.
إعلان سلاح خفيفي السنوات الأخيرة، اتضح أن إسرائيل باتت تستخدم إستراتيجيات ناعمة ترتكز على الجانب النفسي والثقافي، الهدف منها كسر الحواجز النفسية واختراق الوعي الجمعي، مما يسهل عليها نقل رسائلها وتأثيرها بالمجتمع العربي دون إثارة مقاومة واضحة.
ويتفق الخبير النفسي عبد الرحمن مزهر مع ذلك، ويقول إنها خطوات نحو محاكاة أنماط السلوك والتعبيرات العربية اليومية، مما يجعلها تظهر كجزء من النسيج الاجتماعي المستهدف.
ويوضح مزهر أن هذا الانخراط اللغوي والثقافي يقلل الفجوة النفسية بين الطرفين، إذ إن اللهجة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل تعبر عن الهوية والشخصية. وعندما يتحدث شخص غريب باللهجة نفسها، يشعر المستمع بحالة من الألفة والقبول اللاواعي، مما يسهل قبول رسائل العدو دون وعي.
ويشير الخبير -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن هذه العمليات النفسية تؤسس لتطبيع عاطفي مع الطرف الآخر، يجعل من السهل تمرير أفكار سياسية وثقافية عبر قنوات تبدو طبيعية ومألوفة، مثل ارتداء بعض الإسرائيليين لباسا عربيا تقليديا، والترويج لأطعمة عربية على أنها جزء من المطبخ الإسرائيلي، كممارسات تهدف إلى تشويش الهوية وإعادة تشكيل الصور الذهنية.
ويعتبر مزهر أن هذا "السلاح الناعم" أكثر خطورة من السلاح التقليدي، لأن الأخير معروف وتتم مواجهته برفض ومقاومة، أما السلاح الناعم فيتسلل بسلاسة ليعيد تشكيل المفاهيم والقيم داخل المجتمع، دون أن يشعر المتلقي بخطورته أو يدرك طبيعة تأثيره الحقيقي.
من أجل تعزيز التواصل مع الجمهور العربي، أنشأت الخارجية الإسرائيلية صفحات رسمية لكبار المسؤولين بالعربية على منصات التواصل، وصفحات بعض السفارات في دول عربية مثل مصر والأردن.
وتعتمد إسرائيل على وسائل إعلام ناطقة بالعربية منذ تأسيس إذاعة "صوت إسرائيل" التي بدأت العمل بموجب قانون سلطة البث لعام 1965، والذي نص على أن تعمل الإذاعات بالعربية لخدمة المواطنين العرب (الفلسطينيين) داخل إسرائيل، وتعزيز التفاهم والسلام مع الشعوب العربية المجاورة.
ومع ظهور ثورات الربيع العربي، تغيرت الصورة التقليدية لهذه الوسائل الإعلامية، إذ أدركت إسرائيل -كما الأنظمة العربية- أهمية وتأثير مواقع التواصل على الشباب العربي، لذا اتجهت نحو استخدام صفحات التواصل والمتحدثين العرب بهدف كسر الحواجز النفسية والثقافية مع الجمهور العربي الشاب.
ومن أبرز الشخصيات التي تتفاعل بالعربية بشكل مستمر مع الجمهور العربي أفيخاي أدرعي (المتحدث الرسمي باسم جيش الاحتلال) والذي يحرص على التفاعل المباشر مع المتابعين على فيسبوك وتويتر، من خلال تهنئة المسلمين بالأعياد، ودعاء قبول الصلاة في منشورات مثل "جمعة مباركة".
كما ينشر صورا له من أماكن مختلفة بالأراضي المحتلة، رغم أن هذه المنشورات غالبا ما تتلقى تعليقات ساخرة من الجمهور العربي.
ويرى المنسق العام لتنسيقية مقاومة الصهيونية والتطبيع أنس إبراهيم أن مشروع الاحتلال الإسرائيلي لإنتاج جيل من المتحدثين الرسميين بالعربية بلهجاتها المتنوعة -من الخليج إلى الشام فالمغرب- ليس مسألة لغوية أو تواصلية بريئة، بل هو جزء من خطة عميقة تستهدف بنية الوعي العربي، وتهيئة الأجيال القادمة لتقبّل الكيان الصهيوني كجزء طبيعي من نسيج المنطقة.
ويقول إبراهيم في حديثه للجزيرة نت إن "الرسالة الأساسية التي يسعى الاحتلال لبثّها هي أنه ليس كيانًا غريبًا أو طارئًا، بل هو كيان مألوف يفهم العرب أكثر مما يفهمون أنفسهم. وعندما يتحدثون مثلنا فإنهم يخفون حقيقتهم الاستعمارية خلف قناع التفاعل الإنساني، في محاولة لكسر الصورة النمطية للعدو".
إعلانويرى أن أخطر ما في هذه السياسات أنها تُنتج استعمارًا ناعمًا يفتك بالعقول والقلوب قبل الأرض، فالاحتلال لم يعد يعتمد فقط على القوة المسلحة، ولهذا فإن مقاومة هذا المشروع تبدأ من الوعي، وحماية الهوية، وتمتين المناعة النفسية والثقافية، لأن ما لا نرفضه اليوم بوضوح سنعتاده غدا بصمت، على حد تعبيره.