في قوله تعالى: «هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» لماذا في هذه الآية الكريمة ذكر الله تعالى «ما في السماوات والأرض» ولم يقل ما في السماوات وما في الأرض؟

هذه الملاحظة في محلها، ففي أغلب المواضع في كتاب الله عز وجل تكررت (ما)، وكأن الأصل أنها تكرر، لكن في هذا الموضع في سورة الحشر لم تكرر، إنما قال ربنا تبارك وتعالى: «يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» وقد رأيت الكرماني وتابعه أيضا الفيروز أبادي في «بصائر ذوي التمييز» نقل نص كلامه بأن المقصود هو الخلق، فكأن المعنى يسبح الله خلق السماوات والأرض، فلذلك كأن الإضافة هنا أي «ما في السماوات والأرض» الإضافة إلى المتعاطفين، وهذا المعنى مقبول حسن، كذلك رأيت أن بعض من استقرأ مواضع تكرار ما في مثل هذه المواضع في سياق التسبيح، ذكر ملاحظة وهي صحيحة، أن المواضع التي تكرر فيها ما تأتي متبوعة بالحديث عن ما يحصل في الأرض من شأن حياة الناس، وأما المواضع التي لا تكرر فيها ما بعد العطف فإنه لا حديث عن شأن أرضي، وحاولت فحص هذا الأمر فوجدت أن أغلب المواضع إن لم يكن كل المواضع هي على هذا النحو، فهذا يمكن أن يؤخذ منه أن ما تقدم بيانه من أن المقصود خلق السماوات والأرض أي كل الخلق في السماوات والأرض وليس المقصود هو المخاطبين فقط من المكلفين الذين يتجه إليهم الخطاب فنجد ذلك صحيحا في خواتيم الحشر أيضا، وإن لم يأت بعدها حديث عن أي شأن أرضي وإنما هي في ختام الآيات التي تتحدث عن الأسماء الحسنى والصفات العليا لله تبارك وتعالى، هذا والله أعلم.

ما المعنى البلاغي لعدم ذكر النبي صالح عليه السلام في الجزء الثاني من الآية «مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ» ولم تكن «ما شهدنا مهلكه ومهلك أهله» كما في قوله تعالى: «قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ»؟

أولا: لا بد من بيان بعض المفردات، لنبيتنه وأهله، المقصود بالتبييت هنا هو الإغارة ليلا، والإغارة صباحا تسمى إصباحا أو تصبيحا، فالمقصود أن هؤلاء أقسموا أيمانا مغلظة أنهم سيغيرون على صالح عليه السلام وأهله ليلا، ثم سيقسمون لوليه، والولي هم الأقرب إلى صالح عليه السلام ممن يكن أن يطالب بدمه أو يطالب بالثأر ممن قضى عليه، أنهم سيقولون ما شهدنا مهلك أهله و«مهلك» هي قراءة حفص وهناك قراءات في هذه الآية ولكن على هذه القراءة المقصود المكان والزمان والفعل، الإهلاك ومكان الإهلاك وزمان الإهلاك، فهم في سياق لا حاجة إلى ذكر التصريح بالاسم الظاهر أو بالضمير لصالح عليه السلام في هذا الجزء من الآية الكريمة لأن مقصودهم إخفاء الجريمة والتواطؤ على الحلف أنه لا علم لهم بما حصل لأهل صالح حتى يمعنوا في الكذب والافتراء أنهم ما كانوا يريدون صالحا أصلا بسوء لذلك عمموا وعموا في ما تواطؤوا عليه وتمالئوا على يمين الزور هذه في ما كانوا يكيدون به فناسب ذلك ألا يذكروا صالحا حتى يبعدوا الشبهة عن أنفسهم في أنهم كانوا قاصدين لصالح عليه السلام فأتوا بما يدل على أنهم في ظنهم وزعمهم أنهم ما شهدوا مهلك أهل صالح عليه السلام وصالح فيهم ولكن حتى يكون ذلك أبعد في نفي التهمة عنهم في أنهم قصدوا صالح عليه السلام بسوء هذا هو المعنى والله تعالى أعلم.

يتوفر الآن رقم خاص للإبلاغ عن متسول، هل تعد هذه مسؤولية علي تجاه مجتمعي، وماذا إذا كان المتسول محتاجا فعليا للمال، هل أكون مذنبا في هذه الحالة إذا قمت بالتبليغ؟

ينبغي التريث أولا في التعرف على حال هذا السائل فإن كان يسأل عن حاجة وفاقة، فلا ينبغي أن ينهر، إما أن يعطى وإما أن يرد بكلمة طيبة، لأن الله تبارك وتعالى يقول: « وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ» لحث رسول الله صلى الله عليه وسلم للإحسان إلى السائلين، أما إذا كثرت الشبهات، ودلت قرائن الأحوال على أن التسول ما هو إلا حرفة لبعض ضعاف النفوس الذين يتكاسلون عن العمل، ويمتهنون سؤال الناس ويلجؤونهم إلى أضيق الظروف ويضيقون عليهم ويلحون في السؤال، ويتأثلون الأموال ويستسهلون هذا المركب، ففي هذه الحالة الأولى له وللمجتمع أن يبلغ عنهم الجهة المعنية، والظن أن هذه الجهة سوف تقوم بالتثبت وتبين أحوال هؤلاء، ودراسة حالاتهم، فليس الإبلاغ عنهم أيضا يعني أن يساء إلى هؤلاء المتسولين وإنما هي ظاهرة تستدعي في حقيقة الأمر أن يتعاون عليها أفراد المجتمع لأجل حصرها في أضيق نطاق.

فإن السائلين هؤلاء أصبح كثير من الناس يشتكي من إلحافهم ومن دخولهم البيوت والأملاك الخاصة دون إذن، فكثير من الناس تواصل معي يشتكي أن هؤلاء السائلين يدخلون إلى قعر داره دون استئذان ودون مراعاة لحرمة البيوت، وتجد الكثير منهم يضايق الناس في الأماكن العامة وفي المساجد، ولا يكفيهم القليل، ولا يحمدون الله تبارك وتعالى على من يؤدي إليهم من ابتغى الإحسان والمعروف، وإنما يلحون في السؤال ويطلبون ويتزيدون، ولا ريب أن هذا ليس مما ينبغي لمسلم، والحقيقة أن هذه القضية ينبغي أن تبحث ففي كثير من الأحيان يتجه الوعظ والإرشاد والحث والنصح إلى الميسورين وإلى الأغنياء وإلى عموم الناس لأجل الإحسان إلى المستحقين، والإحسان إلى السائلين، ولكن ينبغي أيضا أن يكون هنالك تفقيه للسائلين، وتعريف لهم بآداب السؤال إن ألجأتهم الحاجة إلى السؤال فمتى يحل لهم السؤال وكيف يمكن لهم أن يسألوا وما هي الآداب التي يجب أن يتحلوا بها وما هي الحرمات التي يجب عليهم أن يقفوا عندها، وأرى أن هذا الأمر أصبح من الضرورة بمكان أن يفقه السائلون الذين يأتون الناس ويطرقون البيوت ويطلبون منهم العون والمساعدة، فهؤلاء بحاجة إلى تفقيه، لعل البعض منهم في حل ولا يعرفون أبسط القواعد وأبسط الأخلاق والآداب التي عليه أن يتحلى بها من نحو الشكر لله تعالى والشكر لمن أحسن إليه، فإن الشكر مدعاة إلى مزيد من الإحسان، والقناعة لما يؤتى إياه، هذا إن ثبت أنه مستحق فعلا، والسؤال مشروع في حقه، كيف ونحن كما تقدم الكثير من الناس يشتكون من الإلحاف والإلحاح والتضييق عليهم، وقد بلغ ببعض المحسنين أنه يتواصل معي ويقول: ندمت أني فتحت هذا الباب، لكثرة ما يلاقيه من العنت والمشقة، وما ألجأه إليه كثير من السائلين، حتى لا نخرج أيضا عما وجهنا إليه ديننا من حسن المعاملة ومن الإحسان إلى السائلين أو أن نظلم بذلك من هو مستحق، فلا بد من استعمال الحكمة ومن النظر في القرائن والأحوال، ثم بعد ذلك يكون الموقف، والله تعالى المستعان.

شخص قام بعلاقة محرمة مع امرأة، وأراد أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، فهل من شروط التوبة أن يقوم بالفحص الطبي؟

لا ليس من شروط التوبة أن يقوم بفحص طبي، فالتوبة تكون بينه وبين الله تبارك وتعالى إن كان إتيانه لفاحشة الزنا والعياذ بالله عن رضا الطرفين، فإنه يتوب فيما بينه وبين ربه جل وعلا بأن يندم على ما وقع فيه، وأن يستغفر الله عز وجل من ذلك الذنب الذي أتاه وأن يعزم العقد على ألا يعود لمثل هذا الفعل أبدا، وأن يستر نفسه فإن باب التوبة مفتوح، وليس من شروط التوبة من هذا الفعل أن يكشف ما ستره الله تعالى عليه، إذ إن بعض الناس يظن إن كان متزوجا أن عليه أن يكشف صفحته لامرأته، أو إن كانت المرأة هي التي وقعت في الفاحشة والعياذ بالله فإنها تظن أن توبتها لا تكون إلا بأن تكشف صفحتها لزوجها، وهذا كله خطأ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى شيئا من هذه القاذورات فليستتر بستر الله فإن من أبدى لنا صفحته نقم عليه «أي نقم عليه الحد» فالنبي أرشد التائب من وقع في مثل هذه الكبيرة أن يستر نفسه بستر الله عز وجل وأن يتوب فيما بينه وبين ربه تبارك وتعالى.

وإن كانت هنالك ريبة في أن شيئا من الأمراض يمكن أن يكون قد أصيب بها لما أتى فاحشة الزنا، وهو فعل مستقذر شرعا وطبعا وخلقا، فإذا وجدت شبهة في انتقال عدوى إليه، ففي هذه الحالة ينبغي له أن يتجه إلى الفحص ليطمئن وليتأكد ثم بعد ذلك يتعامل مع الحال بحسب ما يظهر من نتائج هذا الفحص، على أنه ليس شرطا أن تكون الإصابة بعدوى نقص المناعة على سبيل المثال، أن تكون ناشئة عن الوقوع في الفاحشة، قد تكون أسباب ذلك نقل دم على سبيل المثال، ولا ينبغي أيضا أن تجعل الإصابة بهذا المرض سببا في الخوض في أعراض الناس، ولا سببا في تيئيسهم من رحمة الله تبارك وتعالى. والله تعالى أعلم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السماوات والأرض فی السماوات الله تعالى إن کان فی هذه

إقرأ أيضاً:

كيف أبر زوجتى بعد موتها؟

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: هل يشرع للزوج التصدق عن زوجته أو بِرُّها بعد وفاتها بأيِّ عملٍ من أعمال الخير؟.

وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلا: يُشرع للزوج بِرُّ زوجته بعد وفاتها بأنواع البر المختلفة، والتي منها أن يبرَّها بالثناء والذكر الحسن، وبالدعاء والاستغفار لها، وبالتصدق عنها، أو بأيِّ عمل آخر من أعمال الخير التي يصل ثوابها للمتوفى.

جعل اللهُ الرباطَ الأوثقَ بين الزوجين هو المودة والرحمة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: 21]، وقد حرص الإسلام على استدامة هذه المودة، حتى لو طرأ على الحياة الزوجية أسوأ ما يمكن أن تتعرض له، وهو انتهاؤها؛ وهو ظاهر قول الله تعالى بعد بيان الحقوق عند الطلاق قبل الدخول: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237].

والفضل والمودة بين الزوجين اللذين عاشا معًا -أوثق وأعمق ممَن تفرقَا قبل الدخول، وأنه أشد عمقًا بين من فرقهما موتُ أحدهما؛ إذ لا يوجد في الغالب ما يُضْعِفُ هذه المودة أو يؤثر على سلامتها، كما في الطلاق، فيكون خطاب الشارع الطالب لاستدامة المودة متوجهًا بالقياس الأولوي للزوجين عند انتهاء الزوجية بموت أحدهما.

وليس في الشرع الشريف ما يمنع من إحسان الزوج لزوجته وبرِّها بعد موتها، بل إن نصوص السُّنَّة النبوية المطهرة، ووقائعها أصَّلَت للبر بالزوجة المتوفاة بصور متعددة، تجعل الناظرَ في هذه النصوص مُدركًا بإيقانٍ معالم الإنسانية في أسمى معانيها.

فمن صور بِرِّ الزوج بزوجته بعد وفاتها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يُكثر من ذكر زوجته أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها بعد موتها، وكان يُكْرِمُ أقرباءها؛ إكرامًا لها وبرًّا بها، فعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: «مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِيَّاهَا»، قَالَتْ: «وَتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَمَرَهُ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ» رواه الشيخان، واللفظ للبخاري.

وعنها رضي الله عنها أيضًا أنها قالت: “اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاحَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ» فَغِرْتُ” متفقٌ عليه، واللفظ لمسلم، فدلَّ على امتداد المودة والوفاء بحقِّ الزوجة بعد موتها.

قال الإمام النووي في “شرح صحيح مسلم” (15/ 202، ط. دار إحياء التراث العربي): [قولها: “فارتاح لذلك” أي: هش لمجيئها، وسُرَّ بها؛ لتذكره بها خديجة وأيامها، وفي هذا كله دليل لحسن العهد، وحفظ الْوُدِّ، ورعاية حرمة الصاحب والعشير في حياته ووفاته، وإكرام أهل ذلك الصاحب] اهـ.

ومن هذه الصور: أنه عليه الصلاة والسلام كان يُكرم أصدقاءها، ويتعهدهم بالهبات والعطايا، فعن أنسٍ رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أُتِيَ بالشيء يقول: «اذْهَبُوا بِهِ إِلَى فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ صَدِيقَةَ خَدِيجَةَ. اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَيْتِ فُلَانَةَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تُحِبُّ خَدِيجَةَ» رواه البخاري في “الأدب المفرد”، والحاكم في “المستدرك”.

وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: “جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: «مَنْ أَنْتِ؟» قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: «بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟» قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: «إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ»” رواه الحاكم في “المستدرك”، والبيهقي في “شعب الإيمان”، وغيرهم.

ومن هذه الصور: دعاؤه صلى الله عليه وآله وسلم لأم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، واستغفاره لها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ لَمْ يَكُنْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا وَالِاسْتِغْفَارِ لَهَا” رواه الطبراني في “المعجم الكبير”.

فيتبين لنا من هذه الصور الإنسانية، وتلك المظاهر النبوية أن البر بالزوجة أمر مطلق عن الحصر، فيصح بكل ما يصلح برًّا.

أما عن التصدق عنها بخصوصه، فمع كونه مشروعًا باعتباره أحد أنواع البر الذي يسن فعله -كما قررنا-، إلا أنه من جملة الأعمال التي لا يقطعها عن الإنسان قاطع حتى الموت، بل تكون متصلة به من حيث انتفاعُه بها بعد موته؛ لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» رواه مسلم، ووجه الدلالة من الحديث ظاهرة بأن الصدقة على الميت جائزة من أيِّ أحد من جهة، ويصل ثوابها إليه وينتفع بها من جهة أخرى، وقد نُقل الإجماع على ذلك.

قال الإمام الزيلعي الحنفي في “تبيين الحقائق” (2/ 83، ط. الأميرية): [الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السُّنَّة والجماعة، صلاة كان أو صومًا أو حجًّا أو صدقة أو قراءة قرآن أو الأذكار، إلى غير ذلك من جميع أنواع البر، ويصل ذلك إلى الميت وينفعه] اهـ.

وقال الإمام ابن عبد البر المالكي في “التمهيد” (20/ 27، ط. أوقاف المغرب): [أمَّا الصدقة عن الميت فمجتمع على جوازها لا خلاف بين العلماء فيها] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في “المجموع” (5/ 323، ط. دار الفكر): [أجمع المسلمون على أنَّ الصدقة عن الميِّت تنفعه وتَصِله] اهـ.

وقال العلامة البهوتي الحنبلي في “شرح منتهى الإرادات” (1/ 385، ط. عالم الكتب): [(وكلُّ قربةٍ فعلها مُسْلِمٌ وجعل) المسلم (ثوابها لمسلم حي أو ميت حصل) ثوابها (له ولو جهله) أي الثواب (الجاعل)؛ لأن الله يعلمه كالدعاء والاستغفار وواجب تدخله النيابة وصدقة التطوع إجماعًا… قال أحمد: الميت يصل إليه كلُّ شيء من الخير من صدقة أو صلاة أو غيره؛ للأخبار] اهـ.

فيظهر مما ذُكر أن الإحسان للزوجة وبرِّها بعد وفاتها بصفة عامة أمرٌ مشروع، وأنه من السنن التي سنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن صنوف البر والخير أمرها واسعٌ، فيجوز برها وصِلتها بكلِّ شيءٍ يتحصل به البر، كالثناء عليها بالخير وذكرها به، أو الدعاء والاستغفار لها، أو بالتصدق عنها، أو بفعل أيِّ عبادة ثم وَهْب ثوابها لها.
وأوضحت بناءً على ذلك: أنه يُشرع للزوج بِرُّ زوجته بعد وفاتها بأنواع البر المختلفة، والتي منها أن يبرَّها بالثناء والذكر الحسن، وبالدعاء والاستغفار لها، وبالتصدق عنها، أو بأيِّ عمل آخر من أعمال الخير التي يصل ثوابها للمتوفى.

صدى البلد

إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/14 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة كسلا تخرج في مسيرة هادرة تأييداً للقوات المسلحة2025/12/13 شاهد بالفيديو.. آخر ظهور لفنان “الدعامة” إبراهيم إدريس يظهر وهو يحتفل وسط جنود المليشيا قبل أيام قليلة من إغتياله2025/12/13 الإعلامية والشاعرة داليا الياس ترد على إتهام الجمهور لها بالتسبب في فصل المذيع الراحل محمد محمود حسكا من قناة النيل الأزرق2025/12/12 شاهد بالفيديو.. الجمهور الجزائري يحتفل بالرقص على أنغام الأغنية السودانية: (السوداني حُر)2025/12/12 شاهد بالفيديو.. الجمهور السعودي يهتف باسم السودان أثناء توجهه لمساندة منتخب بلادها: (حيوا السوداني..سوداني ما شاء الله)2025/12/12 إيلون ماسك يجيب عن سؤال: هل تؤمن بوجود الله؟2025/12/12شاهد أيضاً إغلاق مدارات شاهد بالفيديو.. اعترف بالشماتة.. “بقال” يكشف شعور “الدعامة” بعد مقتل مطربهم الأول إبراهيم إدريس: (أقاموا له أكثر من 100 صيوان عزاء) 2025/12/12

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • كيف أبر زوجتى بعد موتها؟
  • مساعد المفتي العام يُكرِّم الفائزين في مسابقة القرآن الكريم بنخل
  • هل المبلغ المدخر في البنك عليه زكاة إذا تم سحب جزء منه ؟ .. أمين الفتوى يجيب
  • ما حكم من نسى الاغتسال قبل دخول مكة المكرمة؟.. علي جمعة يجيب
  • فتاوى وأحكام | أصلي سنة الفجر بالبيت أم المسجد؟.. هل كل إنسان له قرين؟.. هل تحدث علامات الساعة كلها في يوم واحد؟
  • إيلون ماسك يجيب عن سؤال: هل تؤمن بوجود الله؟
  • تلاعب بالدين وكذب على الله.. استنكار ورفض لعودة فتاوى الإخوان ضد الجنوب
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • فتاوى | حكم إسناد سبب نزول المطر إلى كثرة البحار والأنواء .. الإفتاء تجيب .. لو عاوز تحلم بحد مات تعمل إيه؟ داعية إسلامى يوضح الطريقة .. كيف نطفئ نيران ذنوبنا؟ اتبع هذا العلاج النبوي
  • علي جمعة يوضح الفرق بين القلب والفؤاد..فتعرف عليه