غزة قلبت خطط بايدن رأسا على عقب.. صحيفة امريكية ترصد المجازفة الكبرى في الشرق الاوسط
تاريخ النشر: 21st, October 2023 GMT
شفق نيوز/ رصدت صحيفة "الفايننشال تايمز" الامريكية كيف تحولت منطقة الشرق الاوسط من الثقة والهدوء عندما زارها الرئيس الأمريكي جو بايدن في العام الماضي، الى منطقة تعاني من الصدمة والغضب والقلق عندما زارها الان، وهي مرشحة لأن تشهد اقصى حالاتها القابلة للاشتعال، في حين أن الحرب الجارية حاليا، تسببت في انقلاب خطط بايدن للمنطقة رأسا على عقب.
وذكّر التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ بأن بايدن عندما زار المنطقة للمرة الأولى كرئيس أمريكي في العام 2022، أشاد بحقيقة أنها المرة الاولى منذ هجمات 11 ايلول/سبتمبر 2001 التي يزور فيها رئيس امريكي المنطقة من دون أن تكون قوات أمريكية منخرطة في مهمات قتالية، مشيرا الى ان بايدن يسعى الى اعادة ضبط علاقات واشنطن مع الشركاء التقليديين، متعهدا للزعماء العرب في قمة استضافتها السعودية بان ادارته ستعيد بناء الثقة و"تحقيق نتائج حقيقية"، وأن واشنطن ستعمل في هذه المنطقة التي أصبحت أكثر اتحادا مما كانت عليه منذ سنوات.
والآن، يقول التقرير إن بادين قام بزيارته الثانية الى المنطقة المتغيرة، حيث ان اسرائيل التي جاء إليها، تعاني من الصدمة وتعيش في حالة حرب، بينما أن جيرانها العرب تتملكهم مشاعر الغضب والقلق والخوف، والمنطقة في اقصى حالاتها القابلة للاشتعال منذ سنوات.
واعتبر التقرير أنه تم جر الرئيس الامريكي بدون قصد الى احدى اكثر مشكلات العالم تعقيدا، وهو الصراع العربي-الإسرائيلي الذي هو بمثابة مستنقع دبلوماسي حاول تجنبه، ولكنه أصبح حتميا بعد هجوم حركة حماس في 7 اكتوبر/تشرين الاول على اسرائيل، ثم الهجوم الانتقامي العنيف الذي شنته إسرائيل على غزة، مضيفا أن هجوم المستشفى يوم الثلاثاء الماضي، قبيل وصول بايدن، عقد مهمة الرئيس الأمريكي المتمثلة في إخماد نيران الغضب ومنع نشوب صراع اقليمي اوسع نطاقا.
وفي هذا الإطار، لفت التقرير إلى أنه حتى الدول العربية التي تعادي أيديولوجية حماس، نددت بإسرائيل لهجومها على المستشفى، وهي دول يفترض أن يكون دورها حاسما لجهود بايدن الدبلوماسية، بينما الغى الاردن، احد اكثر حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين موثوقية واعتمادا، قمة كان من المقرر أن يلتقي فيها بايدن بزعيمي الأردن ومصر والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ورأى التقرير؛ أن ذلك يعكس التحديات العديدة التي يواجهها بايدن في سعيه لتحقيق التوازن فيما بين اظهار تضامنه مع إسرائيل بين إدارة العلاقات مع الشركاء العرب وبين احتواء الحرب في غزة لمنع اندلاع حريق إقليمي.
وتابع التقرير ان الاحتمال الأسوأ هو أن يجتذب يجذب التصعيد ايران وحزب الله اللبناني، والميليشيات الاخرى المدعومة من إيران، وهو ما قد يقود في نهاية الأمر الى جر القوات الأمريكية مرة اخرى إلى القيام بمهمات قتالية.
ونقل التقرير عن مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن إميل حكيم قوله إن "هذا ربما يكون التحدي الدبلوماسي الأكبر الذي تواجهه الولايات المتحدة منذ العام 1990 عندما اضطرت الولايات المتحدة الى تشكيل تحالف ضد صدام حسين". وتابع قائلا انه "في ذلك الوقت، كان ذلك تحديا جيدا، لأنه كان بمثابة فجر قوة الولايات المتحدة (في المنطقة). وفي المقابل، يبدو هذا مثل غروب شمسها".
لكن التقرير اشار الى ان الحرب أيضا تعزز الدور الحاسم الذي تقوم به الولايات المتحدة، التي تبقى برغم غزوات الصين وروسيا في الشرق الاوسط، القوة الوحيدة التي لها الثقل الدبلوماسي والعسكري لمحاولة احتواء مثل هذه الأزمة.
ونقل التقرير عن الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جون ألترمان قوله "يمكنك القول ان الولايات المتحدة لم تعد كما كانت من الناحية النسبية، قبل 10 او 15 او 20 عاما"، مضيفا أنه بالمقارنة "لا توجد دولة أو مجموعة من الدول تقترب مما يمكنها (اي واشنطن) القيام به عسكريا او دبلوماسيا أو حتى فيما يتعلق بجمع المعلومات الاستخبارية".
ورأى التقرير؛ أن ديناميكيات المنطقة والتصورات حول دور الولايات المتحدة تغيرت بشكل جذري خلال العقود الثلاثة التي تلت حرب الخليج الأولى، خصوصا منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العراق العام 2003، والذي خلق سنوات من الصراع في هذه الدولة، وغرس بذور دولة فاشلة وصعود الجماعة الجهادية داعش، وسقوطها.
وبعدما لفت التقرير الى الفوضى التي استغلتها إيران بنجاح لمصلحتها في العراق، أشار الى أن اندلاع الربيع العربي في العالم العربي الذي سيساهم في إعادة صياغة المنطقة، فيما كان الرئيس جو بايدن لسحب آخر القوات المقاتلة من العراق، في حين أن حلفاء واشنطن العرب كانوا يشعرون بالاستياء من الموقف الأمريكي من اضطرابات الربيع العربي، حيث أظهرت عدم التزامها وجهلها بمصالحهم، وهي مشاعر تفاقمت بعد قرار اوباما ابرام الاتفاق النووي لعام 2015 مع طهران.
وفي الوقت نفسه، قال التقرير ان ايران، صاحبة الوزن الثقيل الشيعي في المنطقة، كان بمقدورها الاستفادة بشكل انتهازي واستراتيجي من الفوضى، حيث نقلت قوات وميليشيات الى سوريا لدعم نظام الرئيس بشار الأسد في حربه الاهلية، في حين تطور المسلحون الشيعة المدعومين من إيران، ليصبحوا القوى السياسية والعسكرية المهيمنة في العراق، وهو ما يرجع جزئيا الى دورهم في محاربة داعش. وبالاضافة الى ذلك، فان ايران دعمت المتمردين الحوثيين في اليمن، وتدعم حركة حماس كجزء من "محور المقاومة".
واضاف التقرير ان الدول العربية تخشى أن تمتد الحرب عبر حدودها إذا تصاعدت الحرب بين إسرائيل وحماس. ونقل التقرير عن دبلوماسي عربي قوله "لقد تغيرت المنطقة بأكملها.. التحول نحو الشرق لا يتماشى بالضرورة مع التصورات أو المصالح الامريكية.. لكن برغم ذلك، فان هذه الأزمة تظهر أنه إذا كانت الولايات المتحدة في مقعد السائق فعندها سنكون قادرين على إنجاز شيء ما. إذا كانت الولايات المتحدة في المقعد الخلفي، فلن نحقق ذلك".
وبعد الإشارة الى قول بايدن انه يميل الى تبني الرواية الاسرائيلية حول الانفجار الذي استهدف المستشفى الفلسطيني والذي أثار استياء العرب، قال التقرير ان البعض يتساءل عما اذا كانت اسرائيل ستستجيب لنداءات الولايات المتحدة لضبط النفس، في حين نقل التقرير عن مسؤول غربي قوله "لكي اكون صادقا، لا اعرف ما اذا كانت اي من الدبلوماسية ستغير المسار"، مضيفا انه في الحروب السابقة، "كانت اسرائيل ستفعل ما كانت ستفعله، ولم تتدخل الدبلوماسية إلا لانهاء الامور".
وفي حين ذكر التقرير بأن اسرائيل توعدت بسحق حماس ملوحة بحرب طويلة، تحدث التقرير عن مخاوف من اندلاع حريق أوسع نطاقا يمتد الى الضفة الغربية، وعن مخاطر تدخل حزب الله اللبناني وإيران وما يسمى "محور المقاومة" بشن ضربات وقائية ضد اسرائيل، في حين أحبط الجيش الأمريكي هجمات بطائرات مسيرة على قواته في العراق وسوريا، بينما أسقطت سفينة حربية امريكية الخميس ثلاثة صواريخ كروز هجومية برية وعدة طائرات مسيرة أطلقها الحوثيون ربما باتجاه اسرائيل.
وبرغم ذلك، يقول التقرير إن المسؤولين الغربيين يأملون ان يتم احتواء الحرب بين اسرائيل وحماس، ويعتبر بعضهم ان حزب الله او ايران لا يرغبان في الانجرار الى صراع مباشر مع إسرائيل من شأنه أن يخاطر بحدوث تدخل من جانب الولايات المتحدة.
ونقل التقرير عن المسؤول الاميركي السابق آرون ميلر الذي يعمل الآن لمؤسسة كارنيجي للسلام، قوله إن حزب الله نجح في توليد الضغط على الجبهة الشمالية لإسرائيل، وهو "ما خلق بعض الالتزام فيما يتعلق بما يسمى بمحور المقاومة"، مضيفا بتساؤل "لماذا يريد حزب الله أن يهدر مكاسبه، لكي يدخل في صراع كبير مع اسرائيل، في حين أن حماس تقوم بعملها؟".
كما نقل التقرير عن القائم بالأعمال في سفارة ايران في لندن مهدي حسيني متين قوله، ان اولويات ايران هي الضغط من اجل التوصل الى وقف لاطلاق النار في غزة وإيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، إلا أنه وصف الوضع بأنه "متقلب للغاية وخطير للغاية". وتابع قائلا ان في حالة وقوع غزو بري لغزة، فإنه "لن يستطيع أحد التنبؤ بما سيحدث بعد ذلك"، مضيفا انه "ما من أحد بمقدوره مواجهة قوى المقاومة الاسلامية والقول لهم ما يجب عليهم فعله أو عدم القيام به".
أما ميلر فيقول انه من الصعب تصور أن الولايات المتحدة ستظل بعيدة في حال تصاعد الوضع إلى حرب واسعة النطاق، بما سيجذب حزب الله وإيران، الا انه اضاف "لكننا بعيدون عن ذلك".
وذكر التقرير أنه "حتى في حال جرى احتواء الصراع، فإن خطط بايدن للمنطقة قد انقلبت رأسا على عقب"، موضحا ان "سياسته الرئيسية في الشرق الاوسط عند دخوله البيت الأبيض كانت تتمثل في إحياء الاتفاق النووي مع إيران لاحتواء تلك الازمة وتخفيف التوترات مع الجمهورية الاسلامية". كما لفت إلى ان واشنطن أفرجت مؤخرا عن 6 مليارات دولار من الاموال الايرانية المجمدة كجزء من
صفقة لتبادل السجناء. إلا أن التقرير قال إن "اي امل في البناء على ذلك يبدو الآن بعيد المنال على نحو متزايد".
وبالإضافة إلى ذلك، ذكر التقرير بأن بايدن يدفع باتجاه التوصل الى اتفاق بين السعودية واسرائيل بهدف التطبيع بينهما، وهو احتمال قال التقرير انه "في احسن الاحوال، أصبحت هذه المسألة معلقة الآن".
كما لفت التقرير إلى أنه بالنسبة للعديد من العرب، فان الصراع الحالي هو بمثابة تذكير بأن اتفاقيات التطبيع الاخيرة بين الدول العربية واسرائيل، والتي دفعها الرئيس دونالد ترامب اولا ثم بايدن، لن تحقق السلام الإقليمي طالما تم تجاهل القضية الفلسطينية. ونقل التقرير عن وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر "لقد تم تحطيم كل هذه الأوهام، وتجد الولايات المتحدة نفسها في موقف لا تتمتع فيه بالنفوذ الذي كانت تتمتع به من قبل".
ونقل التقرير عن مسؤول عربي لم يحدده، قوله إن على بايدن أن يتخذ "خطا متوازنا يمنح الاسرائيليين ما يريدون"، مضيفا ان على الرئيس الامريكي ايضا ان يدرك ان هذه هي القضية الوحيدة التي "سيقاومها القادة العرب بقوة" عندما يكون الرأي العام مشتعلا الى هذا الحد، موضحا أنها "القضية الوحيدة التي ستخرج الناس الى الشارع من أجلها". وحذر بالقول من أنه "الى ان يتم حل الصراع الفلسطيني بطريقة عادلة، سيكون هناك دائما صراع وعدم استقرار في الشرق الاوسط".
ترجمة: وكالة شفق نيوز
المصدر: شفق نيوز
كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي اسرائيل غزة جو بايدن عملية طوفان الاقصى الولایات المتحدة فی الشرق الاوسط التقریر ان فی العراق حزب الله فی حین
إقرأ أيضاً:
مخاطر إهمال القضايا الكبرى في عالم غارق بالصراعات
من الطبيعي أن تنشغل الحكومات، والدوائر الفكرية، ووسائل الإعلام، بل وجميع الأفراد بدرجات متفاوتة، بالمشهد الدولي الحافل بالتحولات، ومن أبرزها الحروب التجارية الراهنة، وساحات التنافس والصراع المفتوحة في أوكرانيا وقطاع غزة ودول أخرى في الشرق الأوسط، فضلاً عن التوترات التي كادت أن تتصاعد إلى مواجهة هائلة بين الهند وباكستان. بيد أن المشكلة الكبرى تكمن في أن هذا الانشغال، على الرغم من كونه مفهوماً؛ يؤدي إلى تجاهل العديد من الملفات والتحديات التي تمس مستقبل البشرية، بل وتهدد بقاء العالم واستقراره بدرجات متفاوتة.
ويمكن القول إن هناك أربعة مجالات كبرى تستدعي تفكيراً عميقاً واستعداداً مدروساً للتعامل معها؛ اثنان منها واضحان وهما التغير المناخي، وتدهور مستويات التنمية وارتفاع معدلات الفقر، وآخران ذوا طبيعة مختلفة ويتمثلان في تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي، والارتباك العالمي وأزمة النموذج الغربي السائد. وإذا كان المجال الخاص بمنصات التواصل الاجتماعي يُشكل قوة هائلة ومضافة للتطور البشرى، فإنه أيضاً يحمل في طياته تحديات وتساؤلات تستدعي فهماً عميقاً وتنظيماً دقيقاً لاستكمال منافعه الضخمة التي ستعود على العالم.
التغير المناخي:
ربما يكون هذا المجال، إلى جانب ارتفاع مستويات الفقر، الأكثر تعبيراً عن انعكاسات انشغال النظام الدولي بتحولاته وصراعاته الممتدة، والتي يعود معظمها إلى العقد الماضي على الأقل. وبحسب تقرير حالة المناخ العالمي، الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في مارس 2025؛ فإن 2024 هو أول عام تتجاوز فيه حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية مقارنةً بمتوسط درجات الحرارة في فترة ما قبل الثورة الصناعية؛ مما يجعله العام الأكثر دفئاً على الإطلاق، ليتوج عقداً من الحرارة غير المسبوقة التي تغذيها الأنشطة البشرية. كذلك، بلغ ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي أعلى مستوياته خلال الـ800 ألف سنة الماضية، كما تسجل السنوات العشر الأخيرة ارتفاعاً مستمراً في درجة حرارة المحيطات.
وحسب نفس التقرير، فإنه بالإضافة إلى ظاهرة الاحتباس الحراري، أسهمت عوامل أخرى في هذه القفزات غير المتوقعة في درجات الحرارة، بما في ذلك التغيرات في الدورة الشمسية، وثوران بركاني هائل. كما يستمر ذوبان الأجزاء المتجمدة من سطح الأرض، المعروفة باسم الغلاف الجليدي. وأشار التقرير كذلك إلى أن نصف دول العالم فقط تمتلك أنظمة إنذار مبكر لرصد التغيرات المناخية؛ وهو ما يعكس فجوة خطرة في الاستعداد لمواجهة هذه الظاهرة.
وكان الإنجاز الكبير الذي حققه العالم في اتفاقية باريس لعام 2015 بانضمام الولايات المتحدة إليها، قد بدا هشاً بعدما انسحبت منها واشنطن مرتين خلال ولايتي الرئيس دونالد ترامب الأولى والثانية. كما جاء قرار إلغاء وكالة المساعدات الأمريكية، ليضيف نتائج بالغة السلبية على تمويل العديد من مشروعات المناخ والاقتصاد الأخضر، التي كانت الولايات المتحدة الداعم الرئيسي لها في دول الجنوب، بالرغم من تذبذب موقفها تاريخياً من هذه القضية. وألقى الموقف الأمريكي بالكثير من الظلال على مواقف الدول المتقدمة، ولا سيّما تلك المترددة بشأن قضية تغير المناخ، كما هدد التقدم الذي أحرزته مؤتمرات الأمم المتحدة للتغير المناخي سواء في مصر (كوب27)، أم دولة الإمارات (كوب28)، أم أذربيجان (كوب29).
وفي المجمل، ثمة حالة من الضبابية الواضحة بشأن مستقبل قضية تغير المناخ؛ نظراً لتراجع الالتزام الأمريكي، وكذلك الارتباك الدولي الواسع بسبب اندلاع الحروب سواء العسكرية أم التجارية في مناطق عدة حول العالم.
ارتفاع معدلات الفقر:
تشير التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة وكذلك البنك الدولي، إلى أن ثمة تباطؤاً ملحوظاً في الحد من الفقر؛ حيث لا يوجد أي تحسن في هذا الصدد، مع وجود نحو 700 مليون شخص في العالم يعيشون على أقل من 65 دولاراً شهرياً. كما أن أكثر من مليار شخص في العالم يعانون الفقر الحاد، وتُرجع هذه التقارير الدولية أسباب ارتفاع الفقر إلى عدة أسباب، تتراوح ما بين التغير المناخي، واندلاع الحروب والنزاعات، وفشل خطط التنمية الاقتصادية.
وفي الواقع، يُضاف كل يوم مشهد جديد إلى سلسلة الصراعات الممتدة في عدد من دول الجنوب، وهي صراعات ناجمة بدرجة كبيرة عن الصراع الدولي والتنافس على النفوذ السياسي والاقتصادي. وتُؤدي هذه النزاعات إلى تفاقم ظاهرة ارتفاع معدلات الفقر، وتجعل من معالجتها أمراً أكثر صعوبة. وتكفي نظرة على حجم الدمار في كل من غزة، واليمن، وسوريا، وغيرها، لتقدم أدلة واضحة على التحديات الإنسانية المتراكمة، خاصةً على مستويات الصحة، والغذاء، والبنية التحتية الأساسية. وإذا أضفنا إلى ذلك حالة الارتباك ونقص التمويل التي تعاني منها العديد من المنظمات الدولية، ولا سيّما بعد تراجع حجم المساعدات الأمريكية، يتضح أن أزمة الفقر وتدهور مستويات المعيشة والصحة والتعليم تتفاقم، وتحتاج إلى تكاليف أكبر وجهود دولية مكثفة لمعالجتها بشكل فعّال.
وسائل التواصل الاجتماعي:
عندما قامت منصتا “تويتر” (إكس حالياً)، وجوجل، بفرض عقوبات على الرئيس ترامب عقب أحداث اقتحام الكابيتول في 6 يناير 2021، والتي أسس بسببها ترامب منصته الخاصة “تروث سوشيال” (Truth Social)، ثم تحالفه لاحقاً مع رموز مواقع التواصل الاجتماعي وانضمامهم إليه في حملته الانتخابية العام الماضي؛ فقد أدى ذلك إلى تعميق أزمة وسائل التواصل الاجتماعي. وتتضح ملامح هذه الأزمة في عدة مظاهر، ومنها الموقف من القضية الفلسطينية، والإشكاليات المرتبطة بسيطرة هذه المنصات على تدفق المعلومات ومضامينها، حيث تمارس أدواراً معتمدة على رقابتها الذاتية، وعلاقة غامضة بسلطات وجهات أمريكية لا يفصح عن تفاصيلها؛ ومن ثم فهي تُمثل تحدياً ضخماً ربما قد لا يلفت الانتباه في وسط حالة السيولة والفوضى العالمية.
وما هو ظاهر للعيان أن هناك لجاناً تصفها منصات التواصل الاجتماعي بأنها محايدة لمراجعة سياسات النشر، وتتخذ قرارات بما في ذلك حظر رئيس سابق للولايات المتحدة، أو منع النشر في قضايا مثل تلك التي تعتبرها “معاداة السامية”. وبطبيعة الحال، فإننا أمام سلطة ضخمة تسيطر على فضاء معلوماتي هائل؛ لكنها ليست قضائية، فضلاً عن كونها متركزة في الولايات المتحدة، وهو ما يثير التساؤل عن مدى حياديتها. وفي الوقت الذي يلهث فيه العالم خلف أزماته المتعددة، فإنه لا يجد وقتاً لالتقاط الأنفاس، أو حتى لطرح فكرة تنظيم هذا المرفق الدولي المهم، وإخضاعه لقواعد رقابية دولية محايدة، خاصةً في ضوء ضخامته، حيث أصبحت قيمته المادية تفوق اقتصاديات الكثير من دول العالم. وحتى لو تدخل القضاء لضبط توجهات وسائل التواصل الاجتماعي مثلما حدث في دول مثل فرنسا، فإن هذا لا يغير من حقيقة أن العديد من هذه المنصات خاضعة جزئياً لسيطرة دولة واحدة هي الولايات المتحدة، فيما تخضع منصات أخرى لدول منافسة مثل الصين.
نحن إذن أمام ظاهرة بالغة الأهمية وتستحق وقفة من البشرية، حيث يتجاوز تأثيرها حدود الحياة اليومية للناس، إلى التأثير في ساحات الصراع حول العالم. ومع ذلك، لا تزال هذه القضية خارج أولويات المجتمع الدولي، في ظل حالة الانشغال والارتباك التي يشهدها العالم.
أزمة النموذج الغربي:
يمكن القول إن الظواهر الاجتماعية والسياسية العديدة التي يعرفها العالم ارتباطاً بالتحولات الراهنة في النظام الدولي، واتساع الصراعات ومشاهد القتل والدمار حول العالم التي أصبحت يومية، وصعود اليمين المتطرف في العالم الغربي، وتراجع العولمة، وتخبط منظومة الأمم المتحدة وعجزها عن التصدي الفعال لهذه الأزمات؛ كل هذا أدى إلى حالة من عدم اليقين في العالم، زادتها الأدوار المعقدة التي تقوم بها وسائل التواصل الاجتماعي؛ مما نتج عنه الكثير من التساؤلات حول مدى فعالية النموذج الغربي الراهن.
وربما لم يشهد العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، تساؤلات مماثلة لما هو مطروح الآن حول شكل النظم السياسية ومستقبل الديمقراطية، وخاصةً أن العالم الغربي لم يعد يملك القدرة على الترويج لنموذجه في ظل صعود اليمين الشعبوي والعنصرية، وإخفاق مؤسسات الحوكمة الدولية وعلى رأسها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، لتضع مستقبل هذه المؤسسات في حالة ترقب وغموض.
كما أنه لا يغيب عن أي مراقب أن حالة الانشغال بالصراعات السياسية والعسكرية والاقتصادية في العالم، لا تترك الكثير من الوقت للتفكير في مناقشة هذه الأسئلة الصعبة، بالرغم من أنها وثيقة الصلة بقدرة العالم على مواجهة التحديات المختلفة.
وفي النهاية هذه بعض القضايا الكبرى التي كان يجب أن تتركز فيها طاقات البشرية لإيجاد حلول ومعالجات لها، ولكن العالم يبدو غارقاً في جبهات صراع متعددة، وتهديدات بحروب عسكرية وتجارية مستمرة، لا تعطي فرصة للتوقف والتحسب لاهتمامات مستقبلية ضرورية.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”