لا يختلف اثنان على أن القوة الناعمة تعد من أبرز أسلحة حروب الجيل الرابع، والصراعات الدولية الممتدة لسنوات ومن أهدافها إعادة صياغة العقائد الروحية والحقائق الفكرية للمجتمعات، ودغدغة المشاعر للانتصار على العدو بسياسة النفس الطويل.
وتتميز القوة الناعمة الثقافية والفنية المتمثلة فى الفنون بمختلف أنواعها بانها أكثر خبثا ودهاء، كونها غير مرئية، ولأنها تشبه الستار الفولاذى ولا تعترف بأى قيود وتخاطب العقول والقلوب معا؛ تستطيع تحقيق ما تعجز عنه الأسلحة العسكرية التقليدية فى التعبئة النفسية والمعنوية للقادة والزعماء والشعوب.
ويسجل التاريخ العالمى والعربى تجارب مختلفة لهذه القوة، التى تنامى استخدامها عالميًا خلال سنوات الحرب الباردة بين دول المعسكرين، الغربى والشرقى، ولا يزال تأثيرها مستمرا، وكثيرا ما لجأت بعض الدول الكبرى فى توظيف قوتها الناعمة لتنفيذ أهداف سياستها الخارجية، وإذابة خلافات كبيرة لم يكن يتخيل أحد أنها ستنتهى بفعل سحر وتأثير أغنية أو فيلم أو مسرحية أو حتى عرض للأزياء والموضة والمكياج وغيرها من أنشطة تحمل أهدافًا وغايات سياسية.
ولن أتحدث عما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية من استثمار قوتها الناعمة لضرب الاتحاد السوفيتى وتفكيكه، ولكننى سأتوقف عند نجاح القوة الناعمة المصرية فى تدمير معنويات وطاقات الجنود الإسرائيليين بالأغنية الوطنية، والحفلات الفنية الداخلية والخارجية وعائداتها الموجهة لصالح المجهود الحربى فى أواخر الستينات وبداية السبعينيات من القرن الماضى، ولنا فى حفلات أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وشادية وغيرهم من العمالقة أقوى دليل.
وكذلك نجحت الأفلام السينمائية فى اقتلاع بذور الياس من صدور الشعب العربى ومهدت الطريق لانتصار أكتوبر وكشف الصورة الحقيقية لعدو متغطرس تحميه وتدعمه أمريكا وحلفاؤها، سقط سريعا أمام العقيدة العسكرية والإيمانية لجندى مصرى سكنت الأغنية الوطنية دمه؛ فألهبت حماسه، وزادت من شجاعته وانتمائه وولائه وحبه لتراب ورمال وطنه.
وما أشبه الليلة بالبارحة، فما يحدث للشعب العربى الجريح فى غزة يتطلب من المؤسسات الفنية والثقافية العربية تحركًا جماعيًا يتجاوز الحدود الجغرافية والصراعات المذهبية والخلافات القطرية، ويتوحد فى وجه الاحتلال الإسرائيلى بأعمال وأفعال تتجاوز المؤتمرات والندوات والهتافات والشعارات.
وهنا أسأل المسئولين عن النقابات والاتحادات الفنية والثقافية المصرية والعربية.. أين أنتم من الدعم المادى لأهل غزة؟ لا نطلب منكم تبرعًا شخصيًا للأطفال الجرحى واليتامى والمشردين، والأمهات الثكالى، والفتيات الملتحفات بالسماء فى ليالى الشتاء الباردة، والآباء العجزة والمرضى، فقط نريد حفلات فنية يوجه دخلها لدعم هؤلاء الصامدين الصابرين على الانحياز الدولى والصمت العربى.
وربى لو قام الفنانون الكبار وعمالقة الطرب والأغنية الوطنية فى مصرو لبنان وسوريا والجزائر وتونس والمغرب والسعودية والكويت والامارات واليمن وغيرها من دول الفن بتنظيم حفلات داخلية وخارجية لدعم غزة ماديًا ومعنويًا، سيتغير الموقف كثيرًا سياسيًا وعسكريًا وإنسانيًا، ولا سيما وأن هناك تعاطفًا نسبيًا الآن من قبل الشعوب الغربية مع القضية الفلسطينية، بدأ يزداد يومًا بعد آخر فى وسائل الاعلام الأجنبية، وفى أمريكا واسرائيل نفسها.
أتمنى أن نسمع قريبًا عن حفل فنى عربى جماعى يعيد للقوة الناعمة العربية مجدها ينطلق من القاهرة ومنها إلى العواصم العالم، وأن نرى عملًا سينمائيًا عربيًا وأوبريتا ملحميًا ضخمًا يكشف بشاعة عدو لا يعترف بالإنسان العربى، ويستبيح عرضه وشرفه، ويمنع عنه الماء و الغذاء والدواء فى حرب قذرة، ينتهك فيها كل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، فوق أرض مغتصبة تشكو من غياب للقوة الناعمة المؤثرة أمام محتل دموى يحاول تصفية قضية لن تموت طالما بقى جاثمًا فوق دماء وجثث الأبرياء.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: القوة الناعمة فين القوة الناعمة
إقرأ أيضاً:
حفلات بلا كحول: لماذا يتجه الناس نحو السهر الصافي في وضح النهار؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- داخل نادي Fire وLightbox في فوكسهول جنوب لندن، انطلقت مقطوعة موسيقية قوية الإيقاع من مكبرات الصوت. وتومض أضواء الستروب فوق رؤوس الحشد الراقص المتعرّق، والمكسو بالأزياء الغريبة واللامعة. يبدو المشهد كأي ليلة نادٍ أخرى، لكن المفاجأة أنّها في منتصف النهار، والجميع هنا لا يشرب الكحول.
تأسّس نادي House of Happiness في العام 2022، ويقدّم نفسه على أنّه "أقصى تجربة للنادي الخالي من الكحول في لندن. وهو واحد من عدد متزايد من الأحداث الهادفة إلى توفير مساحة بأسلوب الحياة الليلية لأولئك الذين لا يرغبون بالشرب لكنهم يحبون الحفلات.
وفي سنغافورة، ازدادت شعبية الحفلات الخالية من الكحول التي تعتمد على شاي الماتشا، بينما في مدن الولايات المتحدة، بدأت الحانات باعتماد مفهوم "النوادي الخفيفة"، وفق تقرير منصة الأحداث الإلكترونية Eventbrite أفاد أن هناك زيادة بنسبة 92% في تجمعات الراغبين بتجربة النوادي من دون كحول، في العام 2024.
وفي أوروبا، أُقيمت فعاليات موسيقى إلكترونية خالية من الكحول في باريس وبرلين، وفي المملكة المتحدة أعلن النادي الكبير Ministry of Sound في وقت سابق من هذا العام عن سلسلة حفلاته الصباحية الأولى الخالية من الكحول.
يصف نيل هادسون-باسينغ (43 عامًا)، المؤسس المشارك لنادي House of Happiness، جمهورهم الأساسي بأن أعماره تتراوح بين أواخر العشرينات ومنتصف الأربعينات، لكنه يشير إلى أنّ أشخاصًا يبلغون من العمر 80 عامًا قد شاركوا بفعالياتهم.
ويتابع: "الاحتفال والرقص والموسيقى للجميع. أردنا أمرًا ساحرًا وجريئًا وقليلًا من الجنون.. يجمع كل عناصر فعاليات النوادي، لكن بلا مخدرات أو كحول".
ويضيف أنّه قرر التوقف عن المخدرات والكحول قبل ست سنوات، مدفوعًا جزئيًا بـ"الشرب وتعاطي المخدرات المسبب للمشاكل"، لكنه لم يرغب بالتخلي عن الاحتفال.
وبمساعدة صديقين أصبحا خاليين من المخدرات أيضًا، أطلق هادسون-باسينغ نادي House of Happiness استجابةً لما اعتبره نقصًا في "تجربة النوادي الحقيقية" للأشخاص الصافيين في المملكة المتحدة، حيث غالبًا ما يكون استهلاك الكحول والمخدرات، والإفراط فيهما، جزءًا متأصلًا من ثقافة الحياة الليلية.
ويُشير إلى حدث Morning Gloryville، الموجود أيضًا في لندن الذي ينظّم حفلات رقص خالية من الكحول شهريًا، باعتباره أحد روّاد حركة الحفلات الخالية من الكحول. لكنه يصف فعالياتهم بأنّها "تركز كثيرًا على اليقظة الذهنية أو الرفاهية"، ويشرح أنّه أراد أن يقدّم للأشخاص الخاليين شيئًا يتمحور بالكامل حول"روح الاستمتاع بالوقت".
تقرّ روكسي دينيز أوزالب، الرئيسة التنفيذية لعمليات Morning Gloryville، بأنّ الرفاهية تُشكّل جزءًا أساسيًا من فلسفتهم. فبالإضافة إلى "حلبة رقص نابضة وطاقم دي جي"، تقدّم حفلاتهم الصباحية وخلال النهار جلسات يوغا، وتأمّل، وتقنيات التنفس.
وتقول: "نحن نحاول فقط تعزيز الإيجابية في العالم. نمنح الناس المساحة والرحمة، ليكونوا لطيفين مع ذواتهم.. ليرقصوا بطريقة سخيفة، وطفولية، ومحرّرة، وحرّة على حلبة الرقص".
وتعتقد أنّ الرقص، لا سيّما في الأوساط الاجتماعية، له أثر إيجابي على الصحة النفسية والرفاهية، كما أظهرت الدراسات أنّه يشجع على الترابط الاجتماعي. وقد ذكرت جمعية صناعات الحياة الليلية في المملكة المتحدة أنّ 80% من الحاضرين في فعاليات الموسيقى الإلكترونية شعروا بأنهم استفادوا نفسيًا وعاطفيًا من التجربة.
لكن دينيز أوزالب تقول إنّ الاستخدام الشائع للمخدرات والكحول في هذه الأوساط يمكن أن يؤثر سلبًا على الصحة النفسية والبدنية للعديد من الأشخاص. وتشير إلى أنّ إطلاق Morning Gloryville جاء جزئيًا بدافع رغبة بجعل أماكن الموسيقى الإلكترونية مساحات أكثر أمانًا، نظرًا لانتشار الوفيات المرتبطة بالمخدرات والكحول في مجتمع موسيقى الرقص.
ومنذ انطلاقها في لندن العام 2013، توسّعت حفلات Morning Gloryville لتشمل 25 مدينة حول العالم، بينها برلين وسيدني، حيث تُقام حفلات رقص خالية من الكحول في أماكن أيقونية مثل برج شارد في لندن، وتستضيف أساطير موسيقى الرقص مثل Fatboy Slim وBasement Jaxx.
على الضفة الأخرى من الأطلسي، بنيويورك العام 2013، كانت رادها أغراوال، مؤسسة Daybreaker، تتناول الفلافل بعد النادي مع صديقة وتتأمل بفكرة إقامة حفلات رقص خالية من الكحول عند الفجر.
وتقول: "كنت مستثمرة في أحد النوادي الليلية بنيويورك، وأقصده كل عطلة نهاية أسبوع، وأنظر حولي وأرى الجميع كأنهم زومبي. كنت أدرك أنّ الذهاب لتناول الفلافل عند الساعة الثالثة صباحًا، مع مكياج ومسكرة تسيل على وجهي، والشعور بالإرهاق لمدة يومين بعد ذلك، أمر لم أعد أرغب بفعله".
تقول أغراوال إنها فوجئت باكتشاف أنّ العديد من الأشخاص يشعرون بالمثل. فقد جذبت أول حفلة رقص خالية من الكحول عند شروق الشمس، في نيويورك في ديسمبر/كانون الأول 2013، 180 شخصًا. وتضيف أنّ فعاليات Daybreaker تجذب الآن حد 2,000 شخص، وبحلول نهاية 2025، ستكون قد نظمت أكثر من 1,000 حفلة خالية من الكحول حول العالم، من طوكيو وبوينس آيرس إلى سان فرانسيسكو وأمستردام.
وتشرح أنّ تعزيز التواصل يشكّل عنصرًا أساسيًا في مهمة Daybreaker، مستشهدةً بإعلان الجراح العام الأمريكي لعام 2023، حول وباء الوحدة في الولايات المتحدة. فمنذ العام 1990، تضاعف عدد البالغين الأمريكيين الذين يقرّون بعدم وجود أصدقاء مقربين حد 12%، بينما انخفضت نسبة من لديهم عشرة أصدقاء مقربين أو أكثر بنحو ثلاثة أضعاف تقريبًا.
وتقول أغراوال: "إذا كنت تشرب الكحول، فأنت لست على طبيعتك بالكامل"، موضحةً أنّ هذا يجعل تكوين علاقات أصيلة أمرًا صعبًا. أعتقد أنّ الناس يدركون أنّهم عندما يشربون، يكونون أكثر شعورًا بالوحدة".
وفيما لا توجد أدلة قوية تشير إلى انخفاض تعاطي المخدرات، إلا أنّ استهلاك الكحول يتراجع حول العالم، لا سيما بين الشباب في الدول ذات الدخل المرتفع. ففي الولايات المتحدة، يقول 18-20% فقط من البالغين دون 28 عامًا ممن لديهم السن القانوني للشرب إنهم يشربون بانتظام البيرة أو النبيذ أو المشروبات الروحية، بينما في المملكة المتحدة، يبلغ معدل الذين لا يشربون على الإطلاق بين 18و24 عامًا 39%.
في حين قد يشعر العديد من عشاق النوادي بالرعب من فكرة الرقص من دون كحول، تقول دينيز أوزالب: "الناس يشعرون بنشوة كبيرة" في فعاليات Morning Gloryville، "بسبب الطاقة المرتفعة وهذا الشعور بالنشوة والإكستاسي مؤمّن فقط من خلال.. الرقص والموسيقى".
ويقول هادسون-باسينغ إنه يلاحظ أنّ الناس في حفلات House of Happiness الخالية من الكحول أكثر استرخاءً مقارنة بالنوادي التقليدية. ويضيف: "الناس يندفعون للرقص في وقت أبكر من اليوم، لأنهم لا ينتظرون تأثير مادة استهلكوها. الأمر مذهل".
وفي حين لا يعتقد أنّ الحفلات الخالية من الكحول ستستبدل ثقافة الشرب والمخدرات في أماكن الحياة الليلية أبدًا، يأمل هادسون-باسينغ أن تقدّم بدائل أكثر صحة للناس مع الحفاظ على المتعة. ويخلص إلى القول: "الخالية من الكحول لا تعني بالضرورة الحفلات المملّة".
أدوية وعلاجالرقصالموسيقىصحة نفسيةمشروبات روحيةنشر الخميس، 11 ديسمبر / كانون الأول 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.