دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- داخل نادي Fire وLightbox في فوكسهول جنوب لندن، انطلقت مقطوعة موسيقية قوية الإيقاع من مكبرات الصوت. وتومض أضواء الستروب فوق رؤوس الحشد الراقص المتعرّق، والمكسو بالأزياء الغريبة واللامعة. يبدو المشهد كأي ليلة نادٍ أخرى، لكن المفاجأة أنّها في منتصف النهار، والجميع هنا لا يشرب الكحول.

تأسّس نادي House of Happiness في العام 2022، ويقدّم نفسه على أنّه "أقصى تجربة للنادي الخالي من الكحول في لندن. وهو واحد من عدد متزايد من الأحداث الهادفة إلى توفير مساحة بأسلوب الحياة الليلية لأولئك الذين لا يرغبون بالشرب لكنهم يحبون الحفلات.

وفي سنغافورة، ازدادت شعبية الحفلات الخالية من الكحول التي تعتمد على شاي الماتشا، بينما في مدن الولايات المتحدة، بدأت الحانات باعتماد مفهوم "النوادي الخفيفة"، وفق تقرير منصة الأحداث الإلكترونية Eventbrite أفاد أن هناك زيادة بنسبة 92% في تجمعات الراغبين بتجربة النوادي من دون كحول، في العام 2024. 

وفي أوروبا، أُقيمت فعاليات موسيقى إلكترونية خالية من الكحول في باريس وبرلين، وفي المملكة المتحدة أعلن النادي الكبير Ministry of Sound في وقت سابق من هذا العام عن سلسلة حفلاته الصباحية الأولى الخالية من الكحول.

يصف نيل هادسون-باسينغ (43 عامًا)، المؤسس المشارك لنادي House of Happiness، جمهورهم الأساسي بأن أعماره تتراوح بين أواخر العشرينات ومنتصف الأربعينات، لكنه يشير إلى أنّ أشخاصًا يبلغون من العمر 80 عامًا قد شاركوا بفعالياتهم.

ويتابع: "الاحتفال والرقص والموسيقى للجميع. أردنا أمرًا ساحرًا وجريئًا وقليلًا من الجنون.. يجمع كل عناصر فعاليات النوادي، لكن بلا مخدرات أو كحول".

ويضيف أنّه قرر التوقف عن المخدرات والكحول قبل ست سنوات، مدفوعًا جزئيًا بـ"الشرب وتعاطي المخدرات المسبب للمشاكل"، لكنه لم يرغب بالتخلي عن الاحتفال.

وبمساعدة صديقين أصبحا خاليين من المخدرات أيضًا، أطلق هادسون-باسينغ نادي House of Happiness استجابةً لما اعتبره نقصًا في "تجربة النوادي الحقيقية" للأشخاص الصافيين في المملكة المتحدة، حيث غالبًا ما يكون استهلاك الكحول والمخدرات، والإفراط فيهما، جزءًا متأصلًا من ثقافة الحياة الليلية.

يقدّم نادي House of Happiness نفسه على أنّه "أقصى تجربة للنادي الخالي من الكحول في لندن".Credit: Phoebe Wynn-Jones

ويُشير إلى حدث Morning Gloryville، الموجود أيضًا في لندن الذي ينظّم حفلات رقص خالية من الكحول شهريًا، باعتباره أحد روّاد حركة الحفلات الخالية من الكحول. لكنه يصف فعالياتهم بأنّها "تركز كثيرًا على اليقظة الذهنية أو الرفاهية"، ويشرح أنّه أراد أن يقدّم للأشخاص الخاليين شيئًا يتمحور بالكامل حول"روح الاستمتاع بالوقت".

من حفل الهالوين الخالي من الكحول في أكتوبر/تشرين الأول، الذي نظمه نادي House of Happiness، بلندن.Credit: Phoebe Wynn-Jones

تقرّ روكسي دينيز أوزالب، الرئيسة التنفيذية لعمليات Morning Gloryville، بأنّ الرفاهية تُشكّل جزءًا أساسيًا من فلسفتهم. فبالإضافة إلى "حلبة رقص نابضة وطاقم دي جي"، تقدّم حفلاتهم الصباحية وخلال النهار جلسات يوغا، وتأمّل، وتقنيات التنفس.

وتقول: "نحن نحاول فقط تعزيز الإيجابية في العالم. نمنح الناس المساحة والرحمة، ليكونوا لطيفين مع ذواتهم.. ليرقصوا بطريقة سخيفة، وطفولية، ومحرّرة، وحرّة على حلبة الرقص".

وتعتقد أنّ الرقص، لا سيّما في الأوساط الاجتماعية، له أثر إيجابي على الصحة النفسية والرفاهية، كما أظهرت الدراسات أنّه يشجع على الترابط الاجتماعي. وقد ذكرت جمعية صناعات الحياة الليلية في المملكة المتحدة أنّ 80% من الحاضرين في فعاليات الموسيقى الإلكترونية شعروا بأنهم استفادوا نفسيًا وعاطفيًا من التجربة.

لكن دينيز أوزالب تقول  إنّ الاستخدام الشائع للمخدرات والكحول في هذه الأوساط يمكن أن يؤثر سلبًا على الصحة النفسية والبدنية للعديد من الأشخاص. وتشير إلى أنّ إطلاق Morning Gloryville جاء جزئيًا بدافع رغبة بجعل أماكن الموسيقى الإلكترونية مساحات أكثر أمانًا، نظرًا لانتشار الوفيات المرتبطة بالمخدرات والكحول في مجتمع موسيقى الرقص.

ومنذ انطلاقها في لندن العام 2013، توسّعت حفلات Morning Gloryville لتشمل 25 مدينة حول العالم، بينها برلين وسيدني، حيث تُقام حفلات رقص خالية من الكحول في أماكن أيقونية مثل برج شارد في لندن، وتستضيف أساطير موسيقى الرقص مثل Fatboy Slim وBasement Jaxx.

إلى جانب حلبة الرقص وطاقم الدي جي، تقدّم حفلات Morning Gloryville النهارية جلسات يوغا وتأمل وتقنيات التنفس.Credit: Morning Gloryville

على الضفة الأخرى من الأطلسي، بنيويورك العام 2013، كانت رادها أغراوال، مؤسسة Daybreaker، تتناول الفلافل بعد النادي مع صديقة وتتأمل بفكرة إقامة حفلات رقص خالية من الكحول عند الفجر.

وتقول: "كنت مستثمرة في أحد النوادي الليلية بنيويورك، وأقصده كل عطلة نهاية أسبوع، وأنظر حولي وأرى الجميع كأنهم زومبي. كنت أدرك أنّ الذهاب لتناول الفلافل عند الساعة الثالثة صباحًا، مع مكياج ومسكرة تسيل على وجهي، والشعور بالإرهاق لمدة يومين بعد ذلك، أمر لم أعد أرغب بفعله".

تقول أغراوال إنها فوجئت باكتشاف أنّ العديد من الأشخاص يشعرون بالمثل. فقد جذبت أول حفلة رقص خالية من الكحول عند شروق الشمس، في نيويورك في ديسمبر/كانون الأول 2013، 180 شخصًا. وتضيف أنّ فعاليات Daybreaker تجذب الآن حد 2,000 شخص، وبحلول نهاية 2025، ستكون قد نظمت أكثر من 1,000 حفلة خالية من الكحول حول العالم، من طوكيو وبوينس آيرس إلى سان فرانسيسكو وأمستردام.

وتشرح أنّ تعزيز التواصل يشكّل عنصرًا أساسيًا في مهمة Daybreaker، مستشهدةً بإعلان الجراح العام الأمريكي لعام 2023، حول وباء الوحدة في الولايات المتحدة. فمنذ العام 1990، تضاعف عدد البالغين الأمريكيين الذين يقرّون بعدم وجود أصدقاء مقربين حد 12%، بينما انخفضت نسبة من لديهم عشرة أصدقاء مقربين أو أكثر بنحو ثلاثة أضعاف تقريبًا.

وتقول أغراوال: "إذا كنت تشرب الكحول، فأنت لست على طبيعتك بالكامل"، موضحةً أنّ هذا يجعل تكوين علاقات أصيلة أمرًا صعبًا. أعتقد أنّ الناس يدركون أنّهم عندما يشربون، يكونون أكثر شعورًا بالوحدة".

وفيما لا توجد أدلة قوية تشير إلى انخفاض تعاطي المخدرات، إلا أنّ استهلاك الكحول يتراجع حول العالم، لا سيما بين الشباب في الدول ذات الدخل المرتفع. ففي الولايات المتحدة، يقول 18-20% فقط من البالغين دون 28 عامًا ممن لديهم السن القانوني للشرب إنهم يشربون بانتظام البيرة أو النبيذ أو المشروبات الروحية، بينما في المملكة المتحدة، يبلغ معدل الذين لا يشربون على الإطلاق بين 18و24 عامًا 39%.

تقول رادها أغراوال، مؤسسة Daybreaker، إن فعالياتهم تجذب حتى 2,000 شخص.Credit: Daybreaker

في حين قد يشعر العديد من عشاق النوادي بالرعب من فكرة الرقص من دون كحول، تقول دينيز أوزالب: "الناس يشعرون بنشوة كبيرة" في فعاليات Morning Gloryville، "بسبب الطاقة المرتفعة وهذا الشعور بالنشوة والإكستاسي مؤمّن فقط من خلال.. الرقص والموسيقى".

ويقول هادسون-باسينغ إنه يلاحظ أنّ الناس في حفلات House of Happiness الخالية من الكحول أكثر استرخاءً مقارنة بالنوادي التقليدية. ويضيف: "الناس يندفعون للرقص في وقت أبكر من اليوم، لأنهم لا ينتظرون  تأثير مادة استهلكوها. الأمر مذهل".

وفي حين لا يعتقد أنّ الحفلات الخالية من الكحول ستستبدل ثقافة الشرب والمخدرات في أماكن الحياة الليلية أبدًا، يأمل هادسون-باسينغ أن تقدّم بدائل أكثر صحة للناس مع الحفاظ على المتعة. ويخلص إلى القول: "الخالية من الكحول لا تعني بالضرورة الحفلات المملّة".

أدوية وعلاجالرقصالموسيقىصحة نفسيةمشروبات روحيةنشر الخميس، 11 ديسمبر / كانون الأول 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: أدوية وعلاج الرقص الموسيقى صحة نفسية مشروبات روحية فی المملکة المتحدة الحیاة اللیلیة من الکحول فی فی لندن کحول فی م حفلات

إقرأ أيضاً:

الاستدراج للمستنقع: لماذا يتجنب حلفاء واشنطن دعم عمليتها العسكرية في الكاريبي؟

– د. أيمن سمير خبير في العلاقات الدولية

يشهد تاريخ الولايات المتحدة أن غالبية الحروب الكبيرة والشاملة التي خاضتها في القرنين العشرين والحادي والعشرين كانت بمشاركة حلفاء آخرين، أو على الأقل بدعم من حلفاء وأصدقاء كانوا يتبنون رواية واشنطن. لكن منذ أن أعلنت وزارة الحرب الأمريكية عن إطلاق عملية “الرمح الجنوبي” في 14 نوفمبر 2025 ضد من تقول إنهم مهربو المخدرات من فنزويلا، لم تحظ واشنطن بأي دعم من حلفائها وأصدقائها، سواء في أوروبا أم في أمريكا اللاتينية والكاريبي، لهذه العملية، كما غابت كلمات التعاطف وخطابات الدعم من دول وقيادات ظلت على الدوام تدعم التحركات الأمريكية.

وتتباين الأسباب وراء هذا الفتور في دعم الأهداف الأمريكية ضد نظام الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، ما بين الخوف من دخول المنطقة في سلسلة من الحروب التي لا تنتهي على غرار الحروب في غزة وأفغانستان والعراق وفيتنام، وبين اعتقاد أصدقاء الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا وأمريكا اللاتينية والكاريبي بغياب الشرعية والأهداف الواضحة للعملية العسكرية التي ينفذها الجيش الأمريكي بالقرب من السواحل الفنزويلية، وبين من يرى أن واشنطن تبالغ في ردها العسكري على تهريب المخدرات من فنزويلا إلى الأراضي الأمريكية، والتي كان يتصدى لها عادةً عناصر حرس الحدود الأمريكي، وليس حاملات الطائرات والطائرات الشبحية.

وفي هذا السياق، تُطرح التساؤلات حول قدرة واشنطن على تنفيذ كل أهدافها العسكرية ضد فنزويلا دون دعم أو مساندة سياسية ولوجستية من حلفائها وأصدقائها.

دبلوماسية القوة:

تحولت فنزويلا إلى عقدة استراتيجية ذات ثلاثة أبعاد بالنسبة للولايات المتحدة بسبب قضية المخدرات، والنفوذ الروسي والصيني، ودعم كاراكاس للحكومات الاشتراكية المناوئة لواشنطن. ويتبنى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، “دبلوماسية القوة” في التعاطي مع فنزويلا، فهذه الاستراتيجية تتراوح بين التلويح بالقوة والتهديد بالنهاية القريبة للرئيس مادورو، وبين “مواقف حذرة” تستبعد الحرب الشاملة. ففي الوقت الذي سمح فيه البيت الأبيض للمخابرات المركزية بالعمل على الأرض ضد نظام مادورو، لا يتردد الرئيس ترامب في تأكيد استعداده للحوار والاتصال بنظيره الفنزويلي.

وتتضح معالم استراتيجية “دبلوماسية القوة” في حشد البنتاغون لعملية “الرمح الجنوبي”، وهو أكبر حشد في منطقة الكاريبي منذ الغزو الأمريكي لهايتي في عام 1994؛ حيث تتألف العملية من حشد عسكري واسع يضم نحو 15 ألف جندي وما يقرب من 12 سفينة تابعة للبحرية الأمريكية، من بينها نشر حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد فورد” في المنطقة، وهي أكبر حاملة طائرات في العالم. كما أرسل البنتاغون طائرات “إف–35″، بجانب سفن عسكرية أخرى مدعومة بطرادات ومدمرات وسفن قيادة للدفاع الجوي والصاروخي، وسفن هجومية برمائية وغواصة هجومية في جزيرة بورتوريكو، التي تحولت إلى مركز لعمليات الجيش الأمريكي في الكاريبي. إضافة إلى أن واشنطن تجهز مطارات جديدة بالقرب من ساحل فنزويلا استعداداً لأي ضربات محتملة، ومنها “مطار رافاييل” في جزيرة سانت كروز.

وعلى الرغم من أن الهدف المُعلن للحملة العسكرية هو القضاء على مهربي المخدرات، لا يخفي البيت الأبيض سعيه لإسقاط نظام الرئيس مادورو، في ظل سيناريوهات وخيارات عدة قدمها قادة البنتاغون للرئيس ترامب، تدور حول إمكانية شن ضربات جوية على منشآت عسكرية أو حكومية وطرق تهريب المخدرات، مع استهداف وحدات الحرس الفنزويلي وحقول النفط. وقد زاد البيت الأبيض خلال الأسابيع الأخيرة من ضغوطه السياسية والعسكرية على نظام مادورو بعد أن شنت الطائرات الأمريكية أكثر من 20 غارة أدت إلى مقتل نحو 83 شخصاً كانوا على متن مراكب تُتهم بتهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة.

مخاوف الحلفاء:

تتعدد الأسباب التي تجعل حلفاء الولايات المتحدة يتجنبون دعم عمليتها العسكرية ضد فنزويلا؛ حيث لم يُسجل دعم واضح من دول مثل الأرجنتين وتشيلي والبرازيل للخطوات التي يتخذها الجيش الأمريكي ضد من يصفهم بأنهم مهربو المخدرات. ومن شأن غياب الدعم السياسي، وعدم التنسيق الاستخباراتي واللوجستي بين واشنطن ودول جوار فنزويلا؛ أن يحد من فرص نجاح العملية العسكرية. كما تشير تقارير إلى أن فرنسا وهولندا وبريطانيا بدأت تقلص مستوى تبادل المعلومات الاستخباراتية مع واشنطن فيما يتعلق بمنطقة الكاريبي.

ويعود النأي بالنفس من جانب حلفاء الولايات المتحدة عن ضرباتها في منطقة الكاريبي، إلى مجموعة من الأسباب، أبرزها الآتي:

1- الخوف من المستنقع: تخشى الدول في أمريكا اللاتينية والكاريبي، وحتى خارج هذه المنطقة، من تحول أي عمل عسكري أمريكي ضد فنزويلا إلى “مستنقع” وحرب طويلة تؤدي إلى تدفق ملايين اللاجئين، على غرار الحروب في غزة وفيتنام، والحرب على الإرهاب التي استمرت نحو 20 عاماً وطالت أفغانستان والعراق. وتعود هذه المخاوف إلى عدم وضوح الأهداف الأمريكية حال تدخلها عسكرياً في فنزويلا، إضافة إلى الانقسام الداخلي في البلاد؛ بما يعني أن إسقاط حكم مادورو قد يحول فنزويلا إلى ساحة جديدة من الفوضى وانعدام الأمن في منطقة لا تحتاج إلى مزيد من المشكلات في ظل تصاعد نشاط عصابات الجريمة والمخدرات.

ومن ينظر إلى التفاعلات الداخلية في فنزويلا يتضح له أنها تعاني من انقسامات، وأي محاولة لتغيير النظام بالقوة قد تؤدي إلى صراع عسكري طويل الأمد، في ظل حشد حكومة كاراكاس نحو 5 ملايين ممن يُطلق عليهم “قوات الدفاع الشعبي البوليفارية” للتصدي لأي هجوم أمريكي؛ وهو ما حذر منه الرئيس الفنزويلي عندما قال: “لا تنقلوا الحرب إلى الكاريبي، لا نريد غزة جديدة ولا أفغانستان جديدة”.

2- غياب الشرعية: لا يرى غالبية حلفاء الولايات المتحدة أن الهدف المُعلن؛ وهو مكافحة تهريب المخدرات، يستحق كل هذا الحشد العسكري غير المسبوق. وعلى الرغم من تصريحات مديرة المخابرات الوطنية الأمريكية، تولسي غابارد، بأن واشنطن لن تسعى مجدداً إلى إسقاط الأنظمة من الخارج أو التدخل في شؤون الدول؛ يرى الحلفاء أن خطط البيت الأبيض تشير إلى نية واضحة لإسقاط حكم مادورو. وفي غياب الدعم الدولي، يحاول الرئيس ترامب ووزير خارجيته، مارك روبيو، إيجاد مبرر قانوني لهذه الحرب بالقول إن المخدرات قتلت نحو 300 ألف أمريكي، وإن واشنطن تتعرض لغزو من مهربي المخدرات، وإن الرئيس مادورو نفسه يترأس عصابات التهريب؛ لكن هذه التبريرات تبدو غير مقنعة لحلفاء واشنطن.

وللتغلب على هذا التحدي، صنفت واشنطن بعض منظمات تهريب المخدرات كمنظمات إرهابية؛ بهدف إيجاد مبرر قانوني لشن عمليات عسكرية ضد فنزويلا، وهو ما عبّر عنه الرئيس ترامب بالقول: “هذا التصنيف يسمح للجيش الأمريكي باستهداف أصول مادورو وبنيته التحتية داخل فنزويلا”.

3- الاستعداد للحوار: عبّر كثير من حلفاء الولايات المتحدة، خاصةً في أمريكا اللاتينية والكاريبي، عن عدم دعمهم أي عملية عسكرية ضد فنزويلا بعد إبداء الرئيس مادورو أكثر من مرة استعداده للحوار “وجهاً لوجه” مع الرئيس ترامب، ومناشدة كاراكاس للبيت الأبيض الابتعاد عن الخيار العسكري واللجوء إلى الخيار السياسي والدبلوماسي. وسبق لمادورو القول: “نعم للسلام لا للحرب، من يرغب في الحوار سيجدنا دائماً”، بل حاول أكثر من مرة استرضاء ترامب قائلاً: “أصحاب نفوذ يضغطون على الرئيس ترامب حتى يرتكب أكبر خطأ في حياته ويتدخل عسكرياً في فنزويلا، وسوف تكون هذه النهاية السياسية لقيادته”.

وفي المقابل، نقل موقع “أكسيوس” الأمريكي عن مسؤولين أمريكيين يوم 24 نوفمبر الجاري أن الرئيس ترامب يخطط للتحدث بشكل مباشر مع مادورو؛ وهو ما قد يكون مؤشراً على تراجع احتمالية شن عمل عسكري أمريكي ضد فنزويلا قريباً؛ ومن ثم دفعت كل هذه المواقف كثيرين إلى التساؤل: إذا كانت هناك فرصة للحل السياسي، فلماذا الإصرار على العملية العسكرية؟

4- تفادي سيناريو “خليج الخنازير” و”عملية النمس”: ترتبط دول أمريكا اللاتينية والكاريبي بعلاقات قوية اقتصادياً وعسكرياً مع الصين وروسيا. وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، في نهاية أكتوبر الماضي، أن الرئيس مادورو أرسل ثلاث رسائل إلى روسيا والصين وإيران لطلب دعم عسكري عاجل للوقوف في وجه أي تدخل عسكري أمريكي محتمل، تضمنت مطالبة موسكو بتزويد كاراكاس بالصواريخ والرادارات وإصلاح الطائرات الحربية القديمة، خصوصاً طائرات “سوخوي سو–30 إم كا 2″، وشراء مجموعات صواريخ روسية.

وسبق لروسيا أن زودت فنزويلا بمعدات دفاع جوي من طراز “بانتسير–إس 1″ و”بوك إم 2 إي”. كما طلب مادورو من القيادة الصينية شراء شحنة من الطائرات المُسيَّرة يصل مداها إلى 1000 كيلومتر. وكتب في رسالته إلى موسكو أن أي هجوم عسكري أمريكي على فنزويلا “هو اعتداء على روسيا والصين”. وتأخذ دول المنطقة هذا الأمر في الحسبان؛ إذ إن أي حرب بين فنزويلا والولايات المتحدة يمكن أن تجر روسيا والصين أيضاً، ولهذا حذر كثيرون في أمريكا اللاتينية والكاريبي من تكرار أزمة “خليج الخنازير” و”عملية النمس”، التي حاولت فيها واشنطن إسقاط حكم الرئيس الكوبي الأسبق، فيدل كاسترو، في عام 1961.

5- كيان غير موجود: هناك تشكيك في الكيانات التي تتهمها واشنطن بأنها وراء تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة مثل “كارتيل دي لوس سوليس” التي تعني “عصابة الشمس”. وبعد أن قال وزير الخارجية الأمريكي، روبيو، إن بلاده ستصنف هذه العصابة كمنظمة إرهابية، ثم تصنيفها رسمياً “تنظيماً إرهابياً أجنبياً” في 24 نوفمبر الجاري؛ ذكرت شبكة “سي. إن. إن” الإخبارية أنها ليست عصابة منظمة على غرار الكيانات الإجرامية في أمريكا اللاتينية، وإنما شبكة لا مركزية من الجماعات الفنزويلية المرتبطة بتجارة المخدرات، لكنها تفتقر إلى التسلسل الهرمي ولا يمكن مقارنتها بالعصابات التقليدية التي سبق لواشنطن ودول في أمريكا اللاتينية تصنيفها كمنظمات إرهابية. حتى إن البعض في الولايات المتحدة قال إن “كارتيل دي لوس سوليس” اسم مختلق يُستخدم لوصف مجموعة مرتجلة من الفنزويليين المتورطين في تهريب المخدرات، وفق ما قاله المدير المشارك لمركز “إنسايت كرايم” (InSight Crime)، جيريمي ماكديرموت. كما نفت حكومة مادورو، في بيان لها، يوم 24 نوفمبر الجاري، بصورة قاطعة وجود “كارتيل دي لوس سوليس”، واصفة اتهام إدارة ترامب بأنه “افتراء سخيف” يهدف إلى “تبرير تدخل غير مشروع وغير قانوني ضد فنزويلا”.

6- معارضة اليسار: تقف الدول التي تحكمها أنظمة يسارية مثل كوبا ونيكاراغوا وبوليفيا، وكذلك الدول التي يحكمها يسار الوسط مثل البرازيل، ضد أي حرب بين الولايات المتحدة وفنزويلا. وترى هذه الأنظمة أن العملية العسكرية الأمريكية في الكاريبي تستهدف كل الأنظمة اليسارية، وتحاول منع شعوب أمريكا اللاتينية والكاريبي من انتخاب اليساريين في عدد من الدول التي ستشهد انتخابات خلال العام المقبل. وتعمل هذه الحكومات على بناء رأي عام ضد استراتيجية الرئيس ترامب تجاه فنزويلا؛ وهو ما يجعل النصف الجنوبي من نصف الكرة الأرضية الغربي يقف بكامله ضد نشوب حرب واسعة بين واشنطن وكاراكاس.

7- أسعار النفط: هناك تخوف من ارتفاع أسعار النفط عالمياً حال نشوب حرب بين فنزويلا والولايات المتحدة. فبالرغم من أن فنزويلا تنتج حالياً مليون برميل نفط يومياً فقط؛ فإن نشوب حرب في دولة لديها أكثر من 300 مليار برميل من احتياطي النفط سيشعل الأسعار العالمية؛ وهو ما يرفضه حلفاء واشنطن.

ختاماً، يمكن القول إن التاريخ الطويل للعمليات العسكرية الأمريكية في أمريكا اللاتينية والكاريبي، التي لم تحقق أي نوع من الاستقرار منذ الغزو الأمريكي لهايتي مرتين في عامي 1925 و1994، وغزو بنما في عام 1989؛ هو ما يقلق حلفاء واشنطن ويجعلهم ينأون بأنفسهم عن عملية “الرمح الجنوبي” ضد فنزويلا.

” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”


مقالات مشابهة

  • الاستدراج للمستنقع: لماذا يتجنب حلفاء واشنطن دعم عمليتها العسكرية في الكاريبي؟
  • لماذا تحتاج أمريكا إلى الخليج في معركة الذكاء الاصطناعي مع الصين؟
  • جوتيريش: 80 عاما ندافع عن حقوق الإنسان وندعم التعليم والانتخابات ونزيل الألغام
  • بودن يشكر أهل تمنراست
  • لماذا يتجه أوليغارش أوكرانيا إلى إسرائيل.. وهل يدخل زيلينسكي على الخط؟
  • المعلومات توقف شاباً يسرق محالاً لبيع الكحول برفقة شريكته
  • الكونغرس الأميركي يتجه لإلغاء «عقوبات قيصر» على سوريا
  • تامر أمين: صلاح يتجه للانتقال للدوري السعودي لينهي مسيرته بتأمين مادي جيد
  • المشروبات الغازية الخالية من السكر أم «الدايت»: أيهما أفضل للصحة؟