بعد تبني الاتحاد الأفريقي خطة إيغاد.. هل تتحول الخرطوم إلى عاصمة منزوعة السلاح؟
تاريخ النشر: 27th, June 2023 GMT
الخرطوم- بعد 11 أسبوعا من اندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، تصاعدت الاشتباكات ودخلت مرحلة "كسر العظم"، ويتوقع مراقبون أن تتحول الجهود الأفريقية لحل الأزمة إلى مواجهة دبلوماسية بعد تبني مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي مقترحات الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا "إيغاد" بجعل الخرطوم منطقة منزوعة السلاح.
وعرض الاتحاد الأفريقي في نهاية مايو/أيار الماضي خريطة طريق لحل أزمة السودان بمشاركة جهات من خارج الاتحاد تستند إلى وقف إطلاق النار ومعالجة الأوضاع الإنسانية والدخول في عملية سياسية لتسوية الأزمة.
لكن مجلس السيادة السوداني رفض التجاوب مع الخطة نسبة لتعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي منذ أكتوبر/تشرين الأول 2012، وعدم مشاورته، ما أدى إلى توتر في العلاقة بين الخرطوم ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي الذي تتهمه دوائر رسمية سودانية بعدم الحياد وتبني أجندة جهات أجنبية تقف خلف قوات الدعم السريع.
وقبل يومين، أعلن مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، والمؤلف من 15 دولة، تأييده بالكامل خطة الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا "إيغاد" بشأن النزاع في السودان، وهي الخطة التي تدعو إلى أن تكون العاصمة الخرطوم منزوعة السلاح، وبوقف غير مشروط للأعمال العدائية وبدء عملية سياسية شاملة.
وأكد مجلس السلم والأمن الأفريقي أن عملية سياسية، تجمع أصحاب المصلحة الرئيسيين هي المخرج للأزمة، كما حذر من سماهم "منتهكي القوانين الدولية لحقوق الإنسان" في السودان من أنهم سيحاسَبون على أفعالهم.
السودان يرفض
وتدعو مقترحات "إيغاد" -التي تبناها مجلس السلم والأمن الأفريقي- إلى خروج القوات العسكرية من الخرطوم مسافة 50 كيلومترا، ونشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الإستراتيجية في العاصمة، على أن تقوم قوات الشرطة والأمن بتأمين المرافق العامة.
لكن "مالك عقار" نائب رئيس مجلس السيادة وصف المقترحات بأنها مبادرة للاحتلال وليس حلا للأزمة، مؤكدا "رفض الحكومة أي مبادرة لا تحترم سيادة السودان وتتدخل في شؤونه الداخلية".
وفي السياق، قال سفير رفيع المستوى في الخارجية السودانية إن "مجلس الأمن الأفريقي تبنى مقترحات منظمة إيغاد بعدما وجدت مفوضية الاتحاد الأفريقية نفسها خارج دائرة الفعل في الأزمة السودانية بعدما كانت تتبضع في بعض الأزمات الأفريقية".
ووفق حديث السفير للجزيرة نت، فإن رئيس المفوضية الأفريقية موسى فكي الذي كان متعنتا في رفع تعليق عضوية السودان في الاتحاد، دعا في مايو/أيار الماضي دول ومنظمات وشخصيات من خارج الاتحاد، وأقر خريطة لحل الأزمة متجاهلا السودان صاحب الشأن لفرض رؤية جهات تريد أن تجد مخرجا لحل أزمة قوات الدعم السريع وليس معالجة الأزمة السودانية، كما أخفق في تجميع كل المبادرات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي.
وأوضح السفير السوداني أن موسى فكي لم يستطع أن يتدخل في الحرب بين الحكومة الأثيوبية وإقليم تيغراي رغم أن أديس أبابا هي مقر الاتحاد الأفريقي، واعتبرها تمردا داخليا من جبهة تحرير تيغراي، بينما اعتبر أزمة السودان صراعا بين طرفين، وقد أخفقت المفوضية التي يرأسها في معالجة النزاعات في 11 دولة أفريقية.
وأضاف أن السودان لن يتعاطى مع هذه المقترحات "المفخخة" ووصفها بأنها مستفزة وتنتهك سيادة البلاد بدعوتها إلى خروج الجيش من عاصمة بلاده وتساوي بين جهة شرعية ومليشيا تمردت عليها، وتقف وراءها جهات تخدم أجندة أجنبية، وفق قوله.
وحذر من أن السودان يمكن أن يجمّد عضويته في الاتحاد الأفريقي إذا استمرت مفوضيته في تجاوزه بشأن قضاياه، وتبني خطوات تأتيها من خارج الأسوار الأفريقية، لافتا إلى أن المغرب جمد عضويته في المنظمة الأفريقية 33 عاما على خلفية قضية الصحراء الغربية قبل أن يعود إليها.
لماذا الخرطوم وليس دارفور؟
وفي الشأن ذاته يتساءل الباحث والخبير في الشؤون الأفريقية علي التجاني عن دوافع تبني الاتحاد الأفريقي مقترحات تدعو إلى جعل الخرطوم منزوعة السلاح ونشر قوة أفريقية في العاصمة لحراسة مؤسسات إستراتيجية.
ويرى التجاني -في حديث للجزيرة نت- أن المنطقي هو الدعوة إلى نشر قوات أفريقية في بعض مناطق دارفور التي تشهد تطهيرا عرقيا وجرائم ضد الإنسانية، كما حدث في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، التي قُتل فيها ما لا يقل عن 5 آلاف شخص، وهُجّر أهلها إلى تشاد المجاورة، وكذلك ما حدث في منطقة كتم بولاية شمال دارفور.
ويوضح الخبير أن دارفور كان فيها قوات أممية أفريقية مشتركة "يوناميد" وساهمت في حماية المدنيين بشكل كبير قبل مغادرتها، وكان من الممكن أن يسعى الاتحاد الأفريقي إلى جعل بعض مناطق دارفور التي تشهد قتالا قبليا ونزاعات على أساس عرقي منزوعة السلاح بدلا من جعل العاصمة منزوعة السلاح، لافتا إلى أن المقترح يدعو إلى التشكيك في دوافعه بصيغته الحالية.
ويضيف الخبير الأفريقي أن قرارات مجلس السلم والأمن الأفريقي ملزمة لأعضائه، لكن عضوية السودان معلقة، وحتى إذا عبرت المقترحات الأفريقية إلى مجلس الأمن فثمة صعوبة في إقرارها بسبب تباين المواقف تجاه الأزمة السودانية مثلما عكست جلسات المجلس الأخيرة.
ويرجح أن يكون منبر جدة الذي ترعاه الولايات المتحدة والسعودية هو الأنسب للمفاوضات بين الجيش والدعم السريع وتوسعة المنبر بإضافة دول ذات تأثير على المشهد السوداني وإشراك القوى السياسية السودانية للتوصل إلى مساومة توقف الحرب وتجد صيغة للتعاون بين العسكريين والمدنيين وتعيد البلاد إلى مسار التحول الديمقراطي وتشكيل حكومة مدنية.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
أنقذوا الفاشر حملة في السودان لفك حصار المدينة ووقف تجويعها
الفاشر- أطلق ناشطون سودانيون حملة إنسانية واسعة بعنوان "أنقذوا الفاشر.. أغيثوا الفاشر" تهدف إلى تسليط الضوء على المعاناة الإنسانية المتفاقمة في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غرب السودان التي ترزح تحت حصار عسكري مشدد منذ أكثر من عامين.
وتأتي الحملة وسط تصاعد أزمة الجوع وانعدام الإمدادات، مما أدى إلى تفشي المجاعة وتحولها إلى سلاح حرب يستخدم ضد المدنيين، وفقا لشهادات محلية وصفها مراقبون بأنها "إبادة بطيئة".
وتخضع المدينة لحصار خانق من قوات الدعم السريع أدى إلى شلل في الحياة اليومية واختفاء شبه كامل للمواد الغذائية والسلع الأساسية، ووصف الناشطون الوضع بأنه "أسوأ موجة تجويع ممنهجة يشهدها السودان منذ عقود"، وسط تجاهل دولي لما يجري على الأرض.
تجويع مبرمجوعبر منصات التواصل الاجتماعي يسعى منظمو حملة "أنقذوا الفاشر" إلى إحداث ضغط شعبي وإعلامي من داخل وخارج السودان، وتحريك الرأي العام الدولي تجاه ما يحدث بهدف فتح ممرات إنسانية عاجلة، والسماح بإدخال الغذاء والدواء للمحاصرين قبل أن تقع كارثة أكبر.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال أحد منظمي الحملة الصحفي الدكتور محمد سليمان أتيم إن "ما يجري لا يقتصر على العزلة العسكرية، بل هو عملية تجويع مبرمجة تهدف إلى خنق حياة المدنيين".
وأضاف أن "السكان باتوا يقتاتون على الأمباز، وهو علف مخصص للحيوانات، وقد أوشك على النفاد، ولا أسواق ولا أغذية، ولا إمكانية لشراء شيء حتى لو توفر المال".
بدوره، أكد الناشط الحقوقي إدريس إسحاق للجزيرة نت أن الأطفال أصبحوا أكثر الفئات تضررا من الجوع، وانتشرت حالات سوء التغذية، وغابت التغذية العلاجية ومعظم الخدمات الصحية، وقال "طفولة الفاشر أُجهضت قبل أن تبدأ أجساد الأطفال تذبل أمام أعيننا".
وذكر إسحاق أن المستشفى الوحيد الذي يعمل في المدينة خلا من الأدوية، مما جعل الطواقم الطبية تلجأ إلى الوصفات التقليدية، مضيفا "نواجه أمراضا مزمنة كالسكري والضغط دون أدنى وسائل علاج، والوضع الصحي في المدينة ينذر بكارثة وشيكة".
وفي السياق، طالب حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي أمس الاثنين بضرورة التحرك العاجل لإنقاذ الأوضاع في الفاشر، منتقدا ما سماه "برود" الدولة في التعامل مع الأوضاع المأزومة هناك.
إعلانوقال مناوي في تصريح صحفي عقب اجتماع للكتلة الديمقراطية في بورتسودان إن الفاشر محاصرة لأكثر من عام، وشعبها وقف بصمود وكرامة حتى الآن "لكن هناك برود شديد في التعامل مع المدينة من كثير من الاتجاهات والمنظومات، وحتى من الدولة نفسها، خاصة بعد خروج الدعم السريع من الخرطوم والجزيرة، بعد أن تكاتفت الأيادي وأخرجته من كل المناطق".
وأضاف "يجب أن تُنقذ الفاشر ودارفور، وأن ندفع بنفس الروح وذات القوى لتحرير كل شبر من الأرض".
وكشفت وزارة الصحة في ولاية شمال دارفور عن وفاة أكثر من ألفي طفل بمرض الحصبة منذ اندلاع الحرب في الإقليم، في حين سُجلت 31 إصابة جديدة خلال الأسبوع الماضي في محليتي طويلة وأمبرو.
وذكرت الوزارة في تقرير نشر على صفحتها الرسمية عبر فيسبوك أن الوضع الوبائي في الولاية يشهد تدهورا مقلقا، مشيرة إلى وفاة 17 شخصا بمرض الكوليرا خلال الأسبوع نفسه، إلى جانب تسجيل 801 إصابة جديدة، وسط نقص حاد في الأدوية والمعقمات وتراجع شبه كامل في خدمات الرعاية الصحية.
وتفاعل مغردون مع الأخبار المتزايدة التي تفيد بتفشي وباء الكوليرا وتمدده من مدينة طويلة الواقعة على بعد 68 كيلومترا غرب الفاشر وتخضع لسيطرة حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور نحو مناطق جبل مرة.
وقال المتحدث الرسمي باسم منسقية النازحين واللاجئين في دارفور آدم رجال للجزيرة نت إن الإحصائيات أظهرت انتشار المرض إلى مناطق أخرى مثل قولو في أعالي جبل مرة، ومخيمات السلام وعطاش بولاية جنوب دارفور.
وأوضح أن منطقة طويلة سجلت اليوم الثلاثاء 2145 إصابة بالكوليرا، بينها 40 وفاة، بالإضافة إلى 207 حالات في مراكز العزل.
وتراوح معدل الإصابات اليومية بين 100 و208 حالة، في حين سجلت منطقة قولو في جبل مرة 23 إصابة و7 وفيات.
وأشار رجال إلى أن المرض ينتشر الآن في مخيمات كلمة وعطاش والسلام، وسط تلوث مياه الشرب وانعدام الصرف الصحي، لافتا إلى أن النساء والأطفال وكبار السن هم الأكثر تضررا.