حيدر الحجاج… والوردة بكامل هجرانها.. في ملتقى ميسان الثقافي.
تاريخ النشر: 12th, November 2023 GMT
شبكة انباء العراق ..
نظّم ملتقى ميسان الثقافي أمسية حفل توقيع المجموعة الشعرية “الوردة بكامل هجرانها” للشاعر حيدر الحجاج ، في قاعة مؤسسة الهدى للدراسات الاستراتيجية وسط حضور أدبي وثقافي وفني وأكاديمي وإعلامي وتخبوي ، وقد أدار الجلسة الشاعر عصام كاظم جري وتضمنت الأمسية قراءتين نقديتين الأولى للكاتبة التونسية حبيبة المحرزي وقرأ الدراسة بالإنابة عنها الشاعر والكاتب رعد شاكر السامرائي وجاء منها (
نصوص شعرية أم أشعار قصصيّة تحكي وجعا ثابتا مرعبا؟
_العتبات .
أولها الغلاف الملوًن بلون ورديّ جذًاب . بل إن الورود تتوزع على المساحة الحاضنة لصورة الشاعر الذي وان حدًق في المتلقي بنظرة ثاقبة متأمّلة فلكي يدعوه إلى التمعًن في الظًلً المتماهي مع الورود .غلاف والوان وردية تنبئ بنصوص رومنسيّة غزلية وجدانية فيها تكفّل الشاعر بتوفير الورود تمهيدا للحبً والعشق والاتًصال والتًواصل. في الخلف صورة الشًاعر الرسميًة التعريفيًة ونظرة إلى اليسار البعيد قد يكون الاتًجاه مقصودا ايكون يساريًا اشتراكيًا ماركسيًا أو هي الصًدفة ليس الاً، لتخف وطأة الورود لتفسح المجال لنصً شعري مربك يفترض المستقبل القريب في تأكيد الانقضاء الموجه إلى “الانت” وحالة الترقب والانتظار لتكون الوردة الحاضرة ساعة الغياب وهي الشاهد الوحيد على “القبر والظلام” .ايً مفارقة بين الورد والقبر بين الحياة والموت بين الحضور والغياب.
.غلاف قد يخفي النًيًة المبيًتة على المتلقّي الخالي الذًهن من مشروع حيدر الحجّاج الإبداعيً “النًضاليً” رغم أنً بعض القصائد جاءت بعنونة لم تخل من الورود وبعضها بحمار أصبح رئيسا .فإنني اذهب قطعا إلى التأويل والتًضادً أو هو المنشود الملحً على حاضر قاتم يبغي له الشًاعر أن يتلوًن بلون الورود هو التًفاؤل أو الأصحً التًشاؤل .
العنوان:
المصافحة البصريًة الذهنيًة الاولى بالخطً العريض مبتدأ “الوردة” باللّون الاسود الدّاجي تخال الأمنية ستتحقق وان الوردة واقع ملموس محسوس بارز رغم السّواد. اي هي المقصودة بكلً دلالاتها الجماليًة والسّيميائيًة التًواصليًة الاحتفاليًة، هي طمأنة موقوتة تحيل إلى عالم عشقيً ورديّ لكن وبخطً جيًد رقيق أسود أيضا يردف الخبر “بكامل هجرانها ” مركًب بالجرً يفيد الحاليًة. ليعصف الشًاعر بالالوان الزًاهية والورود المتناثرة ونظراته الثًاقبة بصورة شعريًة أسند ” الهجران بكامله” إلى الوردة ليتوقًف المتلقًي ويعيد ترتيب القضيًة من الورود والرومانسيًة والرّومنطيقية إلى “الهجران بكامله” دون تنسيب أو تجزئة وكل ما يعنيه من البعاد والأذى والوحش والغياب .لتصبح النًصوص المتوارية داخل المؤلًف الغازا لا يدري القارئ اين سيصنًفها ولا كيف سيرتًبها، في خانة الورود والعشق والجمال ام في خانة الهجران والنًكران المطلق.
عتبة الإهداء: عندما يستهلً الشًاعر الإهداء بالوصف والتًحقيق والتًدقيق بضمير الغائب المفرد المفترض أنّه معروف مألوف بجمل اسميًة مثبتة ثبوت الصّفات والخصائص والمحامد والفضائل الدًالً عليها “روحه عالية وأنفه يطال السًماء” هي الكرامة والعزًة والشّهامة والعلوً وخصال الفتى العربيً ليتدرّج إلى التخصيص والتّعيين “إلى أبي الباسل كالوردة ” صورة شعرية بتشبيه مرسل ” عميق عمق الشذى والمشبًه “أبي الباسل” وهو الشّجاع المستميت في الدًفاع عن القناعات والمواقف والعرض والأرض لكنّ الوردة كجزء من معجم الجمال والطًيب واللًين والحبً والسًلام بدلالة تحيل على الجمال والودً والحبً . ليكون الاستئناف “والى امي …”لينتهي الإهداء بالرًكوع والدًعاء بالرًحمة الأبديًة. سلوك محكوم باللحظة الفارقة بين الحضور والغياب بين الحياة والموت، بين من غيّبهما الرّدى ومن يدعو لهما راكعا مستسلما .
إهداء موجع إلى حدً الأذى ففي البسالة كناية عن الصًمود والصًمود كناية عن التًصادم والتًناحر والتًعارك بارقة تحوصل معاناة وآلاما قد يرشح بعضها في الأسطر المبطًنة داخل المؤلّف.هي ذكريات ومواقف قد تفصح عنها الكلمات التي مازالت ترفً بين الصفحات .
قولة جلال الدًين الرومي عتبة برمزية أدبيّة دينيًة عميقة ثابتة وهو متصوّف عاش في القرن السابع هجريًا. عالم مسلم كتب الفقه والشًعر ومازالت أقواله وحكمه تتردًد هنا وهناك كنبراس يهتدي بها الإنسان الباحث عن الصًراط المستقيم. ولعلً أشعاره الصّوفيًة وتقلًبه بين البلدان مدرًسا ثمً متصوًفا ورعا هي الًتي استقطبت انتباه الشاعر ليكون الانطلاق من قولة تحتفي بالورود وتتعجًب من حلول الخراب وانتفاء الشذى .
هذه المقولة هي التي شرًعت للكاتب العنوان .وجعلت الورود مطمحا وأملا بدلالتها السلميًة الجماليّة. “مضى…”جملة خبريًة تقريريّة تصف الماضي “الخرب” ليكون الاستنكار والاستفهام المغلق والدًالّ على الانتفاء المبرًر المرتبطة نتيجته بسببه .”فأين تبحث عن رائحة الورد”؟ هو النقص الذي يؤذي الروح والكيان هو البحث عن المكان الذي انتفت منه العمارة والجمال والطيب والشذى.هي الثًنائيًة المشينة الًتي تستبدل الورود بالخراب.
لتكون العتبة قبل الأخيرة سيرة الشًاعر والتي تشد الإنتباه لأمرين الاول صورته بالاسود والابيض واظنها الاجمل والاجدى لأنها بثنائية واحدة الاسود والابيض وما بينهما .وضوح وتضادً اللًيل والنًهار ،الحياة والموت . تقابل مختصر لا تشوبه الوان ولا تأويلات.نسبيّة تعديليّة.
لو تتبّعنا إصدارات الشّاعر السّابقة لوجدنا تدرًجا من النًفي المطلق “لا شيء لظهيرتي” إلى “أمارة العمى ” وهو الظلام والانتفاء الكلي ليكون العنوان الثالث “عن الوردة وهي تطيح بحياتي” هي الوردة الفاعلة التي تتصدًر العنوان وهي موضوع القول وهي التي تفعل وتقرّر إذن فالوردة بعد أن أطاحت بحياته نجدها دخلت طورا آخر مع الديوان الاخير “الوردة بكلً هجرانها” إذن فالتًيمة مستعصية تستدعي التًأمًل الفلسفيً لنتتبًع الوردة وما فعلته بشاعر يقدًس الورد في زمن نتكهًن بل نتيقًن أنًه “خرب”
العتبة الأخيرة:
المحتويات وتضمً عناوين النًصوص الشًعريًة .
عتبات وان خطًها الاسى ووثّقها الوجع فإنً للورود مكانا ولو في المتخيًل المفترض .هي البديل لماض مشوّه وحاضر مرتبك .هي الأنشودة المشتعلة .عتبات بفلسفة الرفض والثورة على الواقع المفروض. هي فلسفة الوجود الذي يطمح للكمال والحبً والنّقاء. لكن ورغم الهانات والهزّات والنًكبات يظلً للورود شأن يرمًم ويعدًل ويشذًب كي يكون الغد أجمل وأطيب .
النّصوص الشًعريًة )
أما الورقة النقدية الثانية كانت للشاعر والناقد أحمد باسم قاسم حيث تناول فيها مفهوم العنونة كعتبة أولى للمجموعة وأهميته كنافذة ضوء تكشف للقارئ معدلات عالية من التجربة.
وبعدها قرأ الشاعر حيدر الحجاج مجموعة من قصائده الجميلة وقدّم الكاتب جلال الربيعي درع الملتقى للشاعر والإعلامي المحتفى به
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
الأمن الثقافي.. حماية أم وصاية؟
مع بداية الألفية الجديدة كثرت المناقشات حول تأثير العولمة والنظام العالمي الجديد على الخصوصيات الثقافية في العالم، ثم تزايدت بعد ذلك الدراسات عن مواضيع مثل الغزو الثقافي، وتأثير القوة الناعمة، وتغيير الخصوصية الثقافية، والمواطنة العالمية وغيرها، وهكذا تطور الأمر وصولا إلى الحديث حول الأمن الثقافي.
في عمان بدأت المناقشات حول الأمن الثقافي تتزايد مؤخرا، لعل آخرها كانت جلسة الطاولة المستديرة التي أقامها النادي الثقافي حول الأمن الثقافي ودوره في المحافظة على الهوية الوطنية، وقد تدافعت المناقشات بين فريقي الخبراء والمجتمع حول تعريفات الأمن الثقافي وحضوره في الثقافة العمانية، وخروجًا عن أنماط التعريفات والمحددات لأنها أمور جدلية يُمكن النقاش حولها في مظانها، وكعادة المفاهيم الاجتماعية والثقافية فلا يجمعها تعريف واحد جامع مانع لأنها متغيرة بتغير المدخلات والتغيرات، فإن سؤالا يُمكن طرحه في هذا المقام حول ما إذا كان الأمن الثقافي يشكّل حماية للهويات والمكونات الثقافية في المجتمع، أم وصاية على الإبداع والتطور؟
والإجابة على السؤال تفرض نظرة أكثر شمولية لتأثيرات العولمة والتغير العالمي في عصر مواقع التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي والتغيرات التي تطرأ على الجميع، أفرادًا ومجتمعات.
إن الأمن الثقافي تكوّنه مكونات الثقافة نفسها والتي عادة تناقشها السوسيولوجيا، التي تُعنى بجوانب الحياة الإنسانية المكتسبة بالتعلم لا الوراثة، ويشترك فيها أعضاء المجتمع بعناصر الثقافة التي تخلق التعاون والتواصل فيما بينهم، ومن بينها جوانب مثل المعتقدات والآراء والقيم والأشياء والرموز والتقانة. (كما يذكر ذلك أنتوني غيدنز في كتابه «علم الاجتماع»)، ومن هنا تحضر هذه العناصر لتشكل أهم المكونات للأمن الثقافي في جميع الدول القطرية، ولعل الكثير من النقاشات تبرز حول عنصر جدلي مثل (الهوية) الذي يتعدد في مجتمع مثل المجتمع العماني، فمصاديق الهوية في عمان متعددة ومختلفة، إذ إن المجتمع العماني يمتلك هويات كثيرة صغرى، أحيانا تتداخل فيما بينها (مثل تلك المتعلقة بالمذاهب مثلا) وأحيانا تفترق (مثل تلك المتعلقة بالقبيلة مثلا)، وعلى الرغم من أن المجتمع يعيش في انسجام أنموذجي يُمكن تسليط الضوء لدراسته، إلا أنه من المهم النظر إلى هذه الهويات الصغرى وطريقة تحركها وتأثر بعضها ببعض والتغيرات التي تطرأ عليها لفهم أعمق للحالة الاجتماعية التي تعيشها هذه المجتمعات.
المؤثرات على هذه الهويات الصغرى كثيرة ومتنوعة منها الدين (أو المذهب)، واللغة واللهجة، والقبلية، والجغرافيا، والعوارض العينية مثل اللباس وغيرها، ولذا فإن بناء هوية وطنية واحدة وجامعة ينبغي أن تنطلق من كل هذه المحددات والمؤثرات لتكون هوية جامعة يشترك فيها الجميع، وغالبًا ما تكون هذه الهوية الوطنية تركز على المشتركات بين الأطياف الاجتماعية، مع عدم إهمال الاختلافات والتعددية التي تصنع الصور المختلفة المكوّنة للصورة الواحدة العامة.
في هذه الحالة، تأتي أهمية الأمن الثقافي ليس في إذابة الفوارق بين هذه الهويات الصغرى وجعلها في هوية واحدة، وإنما في الحفاظ على وجودها وطريقة تأثر بعضها ببعض، والحفاظ على المسافات الجيدة فيما بينها من خلال الحقوق والواجبات المدنية والقانونية، مما يشكّل في المحصلة استقرارًا اجتماعيًا وسياسيًا يُمكن للجميع العيش خلاله بحرية وممارسة سلوكياته الهوياتية النابعة من بيئته الاجتماعية بحرية دون أي إقصاء من طرف اجتماعي آخر.
والحديث عن «أمنٍ» ثقافي يعني أن هناك مهددات لهذه الثقافات ينبغي التعامل معها لا بصورة عشوائية أو ارتجالية، وإنما باستراتيجية مدروسة تجعل من المجتمع يحافظ على ذاته وعلى مكوناته، والمهددات غالبًا ما ترتكز على: أولا، الغزو الثقافي والتبعية، الذي يعني إمكانية استيراد ثقافات أخرى وممارستها في الداخل الاجتماعي مما يُمكن أن يضر بالمجتمع، ويخلق حالة من التبعية التلقائية حتى فيما يتعلق بالضغط الشعبي على السياسات الحكومية، ومن هنا جاءت دراسة ما يسمى «الدبلوماسية الشعبية» لمعرفة كيف تتكوّن وما الذي يؤثر عليها، والاختصار المخلّ للدبلوماسية الشعبية، أن دولة ما تصدّر ثقافاتها لدولة أخرى فيضغط شعب الدولة الثانية على حكومته لموافقة سياسات الدولة الأولى، وهنا تأتي هذه الدراسة لمعرفة كيف يُمكن تفادي مثل هذا الضغط من خلال عدم حدوث هذه التبعية أو الغزو الثقافي من الداخل. ثانيا، ضعف الإنتاج الثقافي والفكري المحلّي، وفي هذه الحالة فإن أي دولة يكون إنتاجها الثقافي والفكري ضعيفًا يضطر المجتمع فيها لاستيراد ثقافة دولة أخرى ويُمكن أن يحدث ما حدث في الحالة الأولى، إضافة لذلك فإنها تكون ضعيفة في أمرين، الدفاع عن ثقافتها، وتصدير ثقافتها للآخر من أجل إحداث نوع من التوازن في العلاقات السياسية والثقافية بين الدولتين.
ثالثا، التطرف الفكري، وهذا العامل من أكثر العوامل التي تواجه الدول العربية والإسلامية في الوقت الحالي، فإن هذا التطرف الفكري لا يقتصر على التطرف الديني كما يصور دائما، وإنما يتعداه إلى التطرف الوطني أو الفلسفي أو القومي، مما يجعل المتطرف في حالة من الدفاع المستميت عن فكرته لإبقائها حية، ويتخذ هذا الدفاع أيضا أشكالاً متعددة، منها الدفاع العنيف، بشقيه الفكري والفعلي، مما يجعل الأطياف الأخرى في المجتمع غير قادرة على العيش بحرية واطمئنان، وبالتالي الإضرار بالثقافات المختلفة في المجتمع الواحد وخلخلة الأمن الثقافي عموما.
وعليه، فإن بناء استراتيجية الأمن الثقافي لا بدّ أن تكون مدروسة دراسة دقيقة تحدّد فيها العوامل والمهددات وطرق الحماية، كما يُمكن الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذه المسألة، فالناظر مثلا إلى كوريا الجنوبية، يجدها استطاعت تصدير ثقافتها ليس لدول شرق آسيا فقط، وإنما لجميع دول العالم، من ضمنها الدول الغربية، وبالطبع الشرق الأوسط، فإن القوة الناعمة التي استطاعت كوريا الجنوبية تحقيقها من خلال الموسيقى والسينما مثلا أنموذج جيّد للدراسة، والأمر ذاته ينطبق على اليابان وتصدير ثقافتها من خلال الأنمي وغيره، ومن الدروس المستفادة في هذا الشأن أن ينطلق التصدير الثقافي من المجتمع نفسه ومكوناته لا من خلال نظرة فوقية تصدّر الثقافة البيضاء (التي غالبًا ما تكون خاوية من أي معنى) فإن الانطلاق من الداخل الصغير إلى المجتمع الدولي هو الذي يحقق هذا النوع من القوة الناعمة عند الآخرين، وبالطبع لا يُمكن إغفال القوة الصلبة في هذه الحالة، فإن التوافق بين القوتين مهم وضروري، والانتقاص من أحدهما يؤدي بالضرورة إلى الإضرار بسياسات الدول الأخرى اتجاه الدولة محل النقاش، كما يذكر جوزيف ناي في كتابه الشهير.
عودٌ على بدء، هل هي حماية أم وصاية؟، الإجابة على السؤال تعتمد على استراتيجية الأمن الثقافي نفسها، فمتى تحولت هذه الاستراتيجية إلى استغلال لها للحدّ من الإبداع والصناعة الثقافية والبحث الفكري الحر وممارسة السلوكيات الهوياتية الصغرى المتعددة بحرية بذريعة الأمن الثقافي، تحوّلت إلى وصاية على المجتمع، مما يقتل الإنتاج الثقافي والفكري المحلّي والذي يضرّ في فترة وجيزة بالدولة والمجتمع على حدٍّ سواء ويكون مهدًّدا للثقافات الوطنية من حيث أريد لها أن تكون حامية لها، أما إذا كان الأمر مساعدًا للإنتاج الثقافي والفكري الإبداعي وزيدت الحرية في ذلك مع التسهيلات الإجرائية فيه، كانت حماية وزيادة في القوة في الوقت ذاته.
لذا فإن الأمر يتعلّق في العموم بالتوازن بين الحفاظ على الهويات المتعددة والهوية الوطنية المشتركة وبين الانفتاح الثقافي المتعلّم من الآخر والمستفيد من تجربته، بعيدًا عن أي استغلال لتحقيق مصالح شخصية أو مناطقية أو طائفية، فكلما تحقق هذا التوازن كانت استراتيجية الأمن الثقافي أكثر حفاظًا على ثقافة المجتمع وسياسة الدولة كذلك.
في المحصلة، تكمن أهمية الأمن الثقافي في كونه حاميًا للثقافات في المجتمع الواحد وحارسًا لها من المهددات التي تحتمها أدوات العصر الحديث، لذا فإن استراتيجية الأمن الثقافي يجب أن تكون أكثر مرونة وانفتاحًا على الآخر المختلف مع الحفاظ في الوقت ذاته على الثقافة والتراث القوميين للدولة، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية التصدير الثقافي من خلال أدوات القوة الناعمة والدبلوماسية الشعبية مثل الصناعات الثقافية والإبداعية في الأبحاث العلمية، والإنتاج الثقافي والفكري، وفتح الدراسة الجامعية للطلاب الدوليين بالقدر الممكن، والأدب، والأفلام، والموسيقى، والإنتاج الرقمي، وغيرها، بحيث يُمكن للآخرين في الدول الأخرى معرفة الداخل بغير أساليب القوة الصلبة التي أثبتت فشلها الذريع خلال الحقب الاستعمارية الطويلة.