من أوكرانيا إلى الولايات المتحدة.. حرب غزة ستغير العالم
تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT
بَدَت أغنية «الأمور لا يمكن إلا أن تتحسَّن» وكأنها نشيد أعوام التسعينيات؟ هذه الأغنية التي يعود ظهورها إلى عام 1993 بعد أربع سنوات من سقوط حائط برلين كانت موسيقى تصويرية مثالية لعقد شهد نهاية سياسة الأبارتايت (التفرقة العنصرية) في جنوب إفريقيا ومجيء الديمقراطية إلى أوروبا الشرقية وحلول السلام في إيرلندا الشمالية ووعد اتفاقيات أوسلو بإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
في سنوات التسعينيات كانت روح العصر تفضل صانعي السلام والديمقراطيين ودعاة التعاون الدولي. أما اليوم فالقوميون وعشاق الحرب وأصحاب نظرية المؤامرة هم الذين تهبُّ الرياح في أشرعتهم.
هنالك احتمال مُتنامٍ بأن المبادرة ستكون في يد روسيا في حربها مع أوكرانيا خلال العام القادم. وفي الشرق الأوسط قضت أحداث 7 أكتوبر إلى جانب غزو إسرائيل لقطاع غزة على التفاؤل المؤقت الذي أثارته اتفاقيات السلام الإبراهيمية. ويبدو اندلاع حرب شرق أوسطية أوسع نطاقا أكثر احتمالا الآن من إحياء عملية السلام.
وفي الولايات المتحدة تواجه رئاسة بايدن مشكلة كبيرة. فدونالد ترامب الآن هو المرشح المفضل في أسواق الرهانات للفوز بالرئاسة في عام 2024. وتشير الاستطلاعات الأخيرة إلى أنه يتقدم بارتياح في معظم الولايات التي ستحسم نتيجة الانتخابات. كل هذه التطورات السلبية تسهم في تعكير الأجواء السياسية القاتمة. كما تتغذى من بعضها البعض بشكل مباشر.
أجبرت حرب غزة الولايات المتحدة على توجيه الوقت والموارد بعيدا عن أوكرانيا. وفي بعض الحالات هنالك تنافس مباشر على الذخائر. فأوكرانيا تعاني من نقص فادح في القذائف. وهي الآن تتنافس مع إسرائيل للحصول على الإمدادات الشحيحة. أيضا أنظمة الدفاع الجوي مطلوبة من أوكرانيا وإسرائيل.
إلى ذلك، قدرة الغرب الضعيفة أصلا في حشد الدعم لأوكرانيا تضررت بقدر أكبر من غضب «جنوب العالم» من دعم الولايات المتحدة لإسرائيل. وستُقابَل الآن مساعي الترويج لفكرة أن روسيا ترتكب جرائم حرب في أوكرانيا باتهامات متجددة عن ازدواجية المعايير. (نفاق الغرب أو كيله بمكيالين- المترجم).
جاءت هذه التطورات في وقت يشهد تعثر جهود الحرب الأوكرانية. فالهجوم المضاد الذي شنته حكومة كييف فشل إلى حد كبير.
لقد رفض فولوديمير زيلينسكي رئيس أوكرانيا في غضب فكرة جمود الحرب. لكن قد يتضح أن التنبؤات بوصول الحرب إلى طريق مسدود إغراق في التفاؤل. فروسيا حوَّلت اقتصادها إلى اقتصاد حرب. وربما سيتعاظم تفوقها في التسلح وعدد الجنود في العام القادم. وفي الغالب ستدكُّ القوات الروسية المدنَ والبنية التحتية الأوكرانية مرة أخرى خلال الشهور القادمة.
أوكرانيا التي تعرضت للتنكيل لا تزال معتمدة على الغرب في التسلح والدعم المالي. لكن داعمي كييف الغربيين أخفقوا في زيادة وتيرة إنتاجهم من الأسلحة لتواكب الآلة الحربية الروسية. في الأثناء عَلِقَ قرارُ استمرار تمويل أوكرانيا في الكونجرس مع تحول الجمهوريين المؤيدين لترامب ضد الحرب. ولدى روسيا المزيد من الأسباب التي تدفعها إلى القتال بعزم أشد في العام القادم بالنظر إلى تعاظم احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتركه أوكرانيا لمصيرها.
انتصار ترامب أصبح مرجحا بقدر أكبر بسبب الحرب في غزة. فبايدن يحتاج إلى مشاركة الناخبين الشباب والتقدميين والعرب الأمريكيين في الانتخابات والتصويت له. لكن العديدين منهم غاضبون من تأييد حكومته لإسرائيل. وإذا لم يشارك التقدميون في التصويت أو صوَّتوا لمرشحين هامشيين من الممكن أن تتحول الانتخابات لصالح ترامب. بالطبع سيكون من غير المعقول أن تعيد المشاعر المتعاطفة مع الفلسطينيين ترامب إلى سدَّة الحكم. فالرئيس السابق يهدد مرة أخرى بحظر المسلمين من دخول الولايات المتحدة. لكن التاريخ مليء بمثل هذه المفارقات.
من جهة أخرى، قد يتيح تركُّز الأضواء العالمية بشدة على غزة وإسرائيل غطاء لممارسة انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان. فمؤخرا حدث تهجير جماعي ونقل قسري فعلي أو مُعلن للناس في عدة بلدان.
وهنالك مشاكل أخرى قد تُترك لكي تتفاقم دون حل. فالتغير المناخي يبدو أكثر خطورة. لكن مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب28) القادم سينعقد آخر هذا الشهر في دبي فيما قادة العالم مشغولون بما يحدث في غزة.
مع تمدد أمريكا بأكثر من طاقتها في الخارج وعدم استقرارها في الداخل قد تشعر الصين أن ثمة فرصة مواتية لها. نعم هنالك الآن بعض المؤشرات الأولية على تقارب بين بكين وواشنطن. لكن تظل الصورة الكبيرة هي عزم الصين على الحلول محل الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في منطقة المحيط الهادي وربما في العالم.
تركزت طموحات الرئيس شي جين بينج أساسا على تايوان. وفي مسعى لردع الصين كرر بايدن تعهداته بالدفاع عنها. لكن مع انشغال أمريكا وانقسامها قد تجد الصين فرصة سانحة لزيادة ضغوطها على الجزيرة خلال العام القادم. ومن شأن ذلك أن يضيف أزمة أمنية في شرق آسيا إلى الأزمات التي تمسك بخناق أوروبا والشرق الأوسط.
إذا عدنا إلى أعوام التسعينيات سنجد من المناسب أن تطلق فرقة اسمها «دي: ريم» أغنية الأمور لا يمكن إلا أن تتحسَّن. (اسم الفرقة الغنائية دي: ريم تلاعب بالكلمة الإنجليزية دريم ومعناها الحلم- المترجم). فبعد 30 عاما من إطلاق هذه الأغنية من المؤكد أن ذلك الحلم (حلم أن تكون الأشياء أفضل) قد تلاشى.
حقا القول بأننا الآن في عهد «لا يمكن إلا أن تسوء فيه الأمور» إفراط في التشاؤم. لكن من الواقعية إدراك أن أقوى الاتجاهات السائدة في شؤون العالم ليست حميدة وأنها تكتسب زخما.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة العام القادم
إقرأ أيضاً:
من أين تحصل أوكرانيا على المال للحرب؟ وكيف ستسدد ديونها؟
كييف– يعد التمويل أحد أبرز هواجس وأولويات حكومة أوكرانيا الجديدة بقيادة يوليا سفيريدينكو وسط حاجة ملحة لتغطية نفقات الحرب وتسيير أمور الدولة.
تنفق أوكرانيا على الحرب ما لا يقل عن 4.5 مليارات دولار شهريا، وتبلغ موازنة الدفاع والأمن لديها نحو 54 مليار دولار، أو 61% من الموازنة الإجمالية البالغة قرابة 94 مليار دولار.
الأكثر إنفاقاوحسب وزارة المالية الأوكرانية، وجهت البلاد 26% من ناتجها المحلي الإجمالي نحو قطاع الدفاع والأمن العام الماضي، وباتت -بذلك- على رأس قائمة دول العالم في هذا المجال.
تقول خبيرة الاقتصاد، والناشطة السياسية، روكسولانا بيدلاسا: "هذا كان في العام الماضي. نار الحرب ستنهش 31.1% من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع بنحو 200 مليار دولار في 2025″.
وأضافت بيدلاسا في تعليق للجزيرة نت: للمقارنة فقط. أنفقت روسيا 3 أضعاف ما أنفقته أوكرانيا على الحرب (149 مليار دولار)، لكن هذا لم يتعد 7% من ناتجها المحلي العام الماضي. تنفق إسرائيل 8.8% من الناتج المحلي الإجمالي، ونحن ننفق أكثر بما لا يقل عن 20 مليار دولار".
يبدو أن الخيارات محدودة للغاية أمام الحكومة الأوكرانية لسد عجز سنوي بلغ نحو 40 مليار دولار في المتوسط خلال أعوام الحرب الماضية (2022-2024).
ولسد هذا العجز تعتمد البلاد على المنح والمساعدات الخارجية، والمزيد من قروض صندوق النقد الدولي لسد هذا العجز.
ويقول المدير التنفيذي لمركز البحوث الاجتماعية والاقتصادية الأوكراني، دميترو بويارتشوك: "لتغطية العجز، تدفقت إلى أوكرانيا مساعدات مالية خارجية من الشركاء، جاءت على شكل منح مجانية وقروض ميسرة".
ويضيف في تعليق للجزيرة نت: دخلت نحو 98% من المساعدات الخارجية إلى ميزانية الدولة، وتم توجيهها بشكل رئيس نحو قطاعات التعليم والطب والمعاشات التقاعدية وعمل جهاز الدولة. وبفضل ذلك، تم توجيه اقتصاد أوكرانيا بالكامل تقريبا نحو الحرب".
إعلان حاجة متزايدةلكن حاجة أوكرانيا تزداد مع استمرار واشتداد الحرب، وقد لا تكون مساعدات بحجم 40 مليار دولار كافية خلال العامين الحالي والمقبل، إذ قالت رئيسة الوزراء وليا سفيريدينكو إن "الحرب ستطول، وكييف تتفاوض مع المانحين للحصول منهم ومن صندوق النقد الدولي على قروض مجموعها 75 مليارا تحتاجها البلاد خلال العامين القادمين".
وتوقع البنك الوطني الأوكراني (البنك المركزي)، في تقرير نشر نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي، أن تحصل كييف على 55 مليار دولار من الشركاء خلال العام الجاري.
ويقول أستاذ كلية كييف للاقتصاد، تاراس مارشالوك: زيادة الحاجة نابعة من ارتفاع نسبة التضخم بوتيرة تدريجية منذ بداية الحرب إلى ما تجاوز 100% في يونيو/تموز الماضي. وثمة حاجة لضخ 200-300 مليار هريفنا إضافية (4.7-7.1 مليارات دولار) في ميزانية الدفاع. والهريفنا هي عملة أوكرانيا.
ويضيف في تعليق للجزيرة نت: "نظريا، تنتظر أوكرانيا تلقي نحو 58 مليار دولار من الشركاء في عام 2025. وأكبر مصادر التمويل الخارجي هي: برنامج القروض الميسرة المعتمد من قبل دول مجموعة السبع بـ39.6 مليار دولار، و 13.5 مليار دولار إضافية في إطار برنامج الدعم الأوروبي 2024-2027".
ويوضح مارشالوك أن كييف تأمل كذلك الحصول على أرباح الأصول الروسية المجمدة في البنوك الأوروبية، البالغ حجمها 50 مليار دولار.
أبرز الداعمينولا تكشف وزارة المالية الأوكرانية حجم المساعدات الكلي الذي حصلت عليه البلاد منذ بداية الحرب في فبراير/شباط 2022، لكن دراسة أجراها معهد كيل للاقتصاد العالمي في ديسمبر/كانون الأول 2024 ذكرت أن أوكرانيا تلقت نحو 267 مليار يورو (313.6 مليار دولار) كمساعدات حتى نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول 2024.
وحسب بيانات الدراسة، فإن حصة المساعدات العسكرية بلغت 130 مليار يورو (152.7 مليار دولار)، وحصة الدعم المالي 118 مليار يورو (138.6 مليار دولار)، في حين حصلت على 19 مليار يورو (22.31 مليار دولار) كمساعدات إنسانية.
وجاء لائحة أبرز المانحين والمتعهدين بتقديم مساعدات، وفق كشف نشرته وزارة المالية الأوكرانية في نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي كالتالي:
الولايات المتحدة بنحو 140 مليار دولار الاتحاد الأوروبي بنحو 116 مليار دولار ألمانيا بما يقارب 43 مليار دولار بريطانيا 27 مليار مليار دولار دول النرويج واليابان وكندا وهولندا والسويد والدانمارك وفرنسا بإجمالي يقارب 108 مليارات دولار.وبحسب الوزارة أيضا، فإن هذه الدول وغيرها تعهدت بتقديم ما يصل مجموعه إلى قرابة 410 مليارات يورو (481.6 مليار دولار).
كيف ستسدد أوكرانيا الديون؟
بالإضافة إلى ما سبق، حصلت أوكرانيا منذ بداية الحرب على 9 شرائح قروض من صندوق النقد الدولي وصل حجمها في بداية شهر يوليو/تموز الجاري إلى 10.6 مليارات دولار.
وتدفع هذه الأرقام الضخمة الأوكرانيين وغيرهم إلى التساؤل: هل هي ديون؟ وكيف ستعمل كييف على سدادها قريبا أو في المستقبل، ولماذا لا تعتبر همّا يشغل حكومة كييف، على عكس المتوقع؟
إعلانويجيب أستاذ كلية كييف للاقتصاد، تاراس مارشالوك على هذه التساؤلات، قائلا: "معظم المساعدات التي حصلت عليها أوكرانيا من الولايات المتحدة كانت مجانية، ومع ذلك، تظل الديون من أكبر الأعباء التي سنواجهها. فحجمها تجاوز حاجز الـ190 مليار دولار في الربع الأول من العام 2025، أي ما يقارب نسبة 100% من الناتج المحلي".
مع ذلك، يقول مارشالوك في تعليق للجزيرة نت: "الحكومة لا تخوض في موضوع الديون، لأنه، وبسبب الحرب، حصلت على معظمها بشروط تفضيلية، تنص على عدم سداد جزء كبير من الديون إلا بعد سنوات عديدة، وعلى تحمل بعض الشركاء دفع تكاليف الفوائد جزئيا".
ويضيف "بعبارة أخرى، في السنوات الثلاثين المقبلة، لن نسدد هذه الديون. السداد سيكون على شكل امتيازات تفضيلية وخدمات تقدم للدول والجهات المانحة والمساعدة، وبالتالي لا تشكل الديون عبئا كبيرا في الوقت الحالي والمستقبل القريب"، على حد قوله.
ورغم هذه التسهيلات، يبقى اقتصاد البلاد في وضع صعب، فهو الآن في المركز الـ58 عالميا بعد أن كان في المركز 46 قبل الحرب، ويتوقع خبراء "فوربس" أن تعجز أوكرانيا عن تحسين موقعها خلال الأعوام الـ15 القادمة، إلا بمركز واحد فقط.