بَدَت أغنية «الأمور لا يمكن إلا أن تتحسَّن» وكأنها نشيد أعوام التسعينيات؟ هذه الأغنية التي يعود ظهورها إلى عام 1993 بعد أربع سنوات من سقوط حائط برلين كانت موسيقى تصويرية مثالية لعقد شهد نهاية سياسة الأبارتايت (التفرقة العنصرية) في جنوب إفريقيا ومجيء الديمقراطية إلى أوروبا الشرقية وحلول السلام في إيرلندا الشمالية ووعد اتفاقيات أوسلو بإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

في سنوات التسعينيات كانت روح العصر تفضل صانعي السلام والديمقراطيين ودعاة التعاون الدولي. أما اليوم فالقوميون وعشاق الحرب وأصحاب نظرية المؤامرة هم الذين تهبُّ الرياح في أشرعتهم.

هنالك احتمال مُتنامٍ بأن المبادرة ستكون في يد روسيا في حربها مع أوكرانيا خلال العام القادم. وفي الشرق الأوسط قضت أحداث 7 أكتوبر إلى جانب غزو إسرائيل لقطاع غزة على التفاؤل المؤقت الذي أثارته اتفاقيات السلام الإبراهيمية. ويبدو اندلاع حرب شرق أوسطية أوسع نطاقا أكثر احتمالا الآن من إحياء عملية السلام.

وفي الولايات المتحدة تواجه رئاسة بايدن مشكلة كبيرة. فدونالد ترامب الآن هو المرشح المفضل في أسواق الرهانات للفوز بالرئاسة في عام 2024. وتشير الاستطلاعات الأخيرة إلى أنه يتقدم بارتياح في معظم الولايات التي ستحسم نتيجة الانتخابات. كل هذه التطورات السلبية تسهم في تعكير الأجواء السياسية القاتمة. كما تتغذى من بعضها البعض بشكل مباشر.

أجبرت حرب غزة الولايات المتحدة على توجيه الوقت والموارد بعيدا عن أوكرانيا. وفي بعض الحالات هنالك تنافس مباشر على الذخائر. فأوكرانيا تعاني من نقص فادح في القذائف. وهي الآن تتنافس مع إسرائيل للحصول على الإمدادات الشحيحة. أيضا أنظمة الدفاع الجوي مطلوبة من أوكرانيا وإسرائيل.

إلى ذلك، قدرة الغرب الضعيفة أصلا في حشد الدعم لأوكرانيا تضررت بقدر أكبر من غضب «جنوب العالم» من دعم الولايات المتحدة لإسرائيل. وستُقابَل الآن مساعي الترويج لفكرة أن روسيا ترتكب جرائم حرب في أوكرانيا باتهامات متجددة عن ازدواجية المعايير. (نفاق الغرب أو كيله بمكيالين- المترجم).

جاءت هذه التطورات في وقت يشهد تعثر جهود الحرب الأوكرانية. فالهجوم المضاد الذي شنته حكومة كييف فشل إلى حد كبير.

لقد رفض فولوديمير زيلينسكي رئيس أوكرانيا في غضب فكرة جمود الحرب. لكن قد يتضح أن التنبؤات بوصول الحرب إلى طريق مسدود إغراق في التفاؤل. فروسيا حوَّلت اقتصادها إلى اقتصاد حرب. وربما سيتعاظم تفوقها في التسلح وعدد الجنود في العام القادم. وفي الغالب ستدكُّ القوات الروسية المدنَ والبنية التحتية الأوكرانية مرة أخرى خلال الشهور القادمة.

أوكرانيا التي تعرضت للتنكيل لا تزال معتمدة على الغرب في التسلح والدعم المالي. لكن داعمي كييف الغربيين أخفقوا في زيادة وتيرة إنتاجهم من الأسلحة لتواكب الآلة الحربية الروسية. في الأثناء عَلِقَ قرارُ استمرار تمويل أوكرانيا في الكونجرس مع تحول الجمهوريين المؤيدين لترامب ضد الحرب. ولدى روسيا المزيد من الأسباب التي تدفعها إلى القتال بعزم أشد في العام القادم بالنظر إلى تعاظم احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتركه أوكرانيا لمصيرها.

انتصار ترامب أصبح مرجحا بقدر أكبر بسبب الحرب في غزة. فبايدن يحتاج إلى مشاركة الناخبين الشباب والتقدميين والعرب الأمريكيين في الانتخابات والتصويت له. لكن العديدين منهم غاضبون من تأييد حكومته لإسرائيل. وإذا لم يشارك التقدميون في التصويت أو صوَّتوا لمرشحين هامشيين من الممكن أن تتحول الانتخابات لصالح ترامب. بالطبع سيكون من غير المعقول أن تعيد المشاعر المتعاطفة مع الفلسطينيين ترامب إلى سدَّة الحكم. فالرئيس السابق يهدد مرة أخرى بحظر المسلمين من دخول الولايات المتحدة. لكن التاريخ مليء بمثل هذه المفارقات.

من جهة أخرى، قد يتيح تركُّز الأضواء العالمية بشدة على غزة وإسرائيل غطاء لممارسة انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان. فمؤخرا حدث تهجير جماعي ونقل قسري فعلي أو مُعلن للناس في عدة بلدان.

وهنالك مشاكل أخرى قد تُترك لكي تتفاقم دون حل. فالتغير المناخي يبدو أكثر خطورة. لكن مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب28) القادم سينعقد آخر هذا الشهر في دبي فيما قادة العالم مشغولون بما يحدث في غزة.

مع تمدد أمريكا بأكثر من طاقتها في الخارج وعدم استقرارها في الداخل قد تشعر الصين أن ثمة فرصة مواتية لها. نعم هنالك الآن بعض المؤشرات الأولية على تقارب بين بكين وواشنطن. لكن تظل الصورة الكبيرة هي عزم الصين على الحلول محل الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في منطقة المحيط الهادي وربما في العالم.

تركزت طموحات الرئيس شي جين بينج أساسا على تايوان. وفي مسعى لردع الصين كرر بايدن تعهداته بالدفاع عنها. لكن مع انشغال أمريكا وانقسامها قد تجد الصين فرصة سانحة لزيادة ضغوطها على الجزيرة خلال العام القادم. ومن شأن ذلك أن يضيف أزمة أمنية في شرق آسيا إلى الأزمات التي تمسك بخناق أوروبا والشرق الأوسط.

إذا عدنا إلى أعوام التسعينيات سنجد من المناسب أن تطلق فرقة اسمها «دي: ريم» أغنية الأمور لا يمكن إلا أن تتحسَّن. (اسم الفرقة الغنائية دي: ريم تلاعب بالكلمة الإنجليزية دريم ومعناها الحلم- المترجم). فبعد 30 عاما من إطلاق هذه الأغنية من المؤكد أن ذلك الحلم (حلم أن تكون الأشياء أفضل) قد تلاشى.

حقا القول بأننا الآن في عهد «لا يمكن إلا أن تسوء فيه الأمور» إفراط في التشاؤم. لكن من الواقعية إدراك أن أقوى الاتجاهات السائدة في شؤون العالم ليست حميدة وأنها تكتسب زخما.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة العام القادم

إقرأ أيضاً:

روسيا: وقف إطلاق النار ليس كافياً لإنهاء الحرب في أوكرانيا

موسكو، كييف (الاتحاد، وكالات)

أخبار ذات صلة القوات الروسية تسيطر على 8 بلدات جديدة في أسبوع «أبوظبي إكستريم».. حان وقت «العاشرة» في موسكو الأزمة الأوكرانية تابع التغطية كاملة

قالت روسيا، أمس، إن وقف إطلاق النار ليس كافياً لإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات في أوكرانيا.
وقال مبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا لمجلس الأمن الدولي: «لتحقيق تسوية مستدامة ودائمة للأزمة الأوكرانية، نحتاج إلى معالجة أسبابها الجذرية».
وأضاف «ما نقترحه هو عقد جولة ثانية من المحادثات في إسطنبول يوم الاثنين المقبل، حيث يمكننا تبادل المذكرات حول نهج كل من الطرفين في عملية المفاوضات».
وفي السياق، قال متحدث الرئاسة الروسية «الكرملين» دميتري بيسكوف، إن موسكو مستعدة لخوض جولة تفاوض ثانية مع أوكرانيا في إسطنبول الاثنين المقبل.
وأشار بيسكوف في تصريحات أدلى بها للصحفيين في موسكو، أمس، إلى ضرورة التشاور مع الأوروبيين بشأن مسألة الأمن الأوروبي، قائلاً: «لا يمكننا الاستغناء عنهم، ومع ذلك، فإن جدول أعمال الاجتماع الذي سيعقد في إسطنبول الاثنين سيكون المفاوضات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا».
وأكد أن الوفد الروسي سيكون جاهزاً للمفاوضات في 2 يونيو المقبل في إسطنبول، مضيفاً: «فريق التفاوض الروسي في طريقه إلى إسطنبول، وسيكون جاهزاً للجولة الثانية من المفاوضات صباح الاثنين».
ورداً على سؤال حول إمكانية عقد قمة في تركيا تجمع الرئيس رجب طيب أردوغان ونظراءه الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والأميركي دونالد ترامب، أجاب: «قبل عقد مثل هذا الاجتماع يجب التوصل لنتائج من المحادثات المباشرة بين البلدين».
وأردف متحدث الرئاسة الروسية بالقول، إنه «إذا تم التوصل إلى نتائج بالطبع يمكننا الحديث عن اتصالات رفيعة المستوى».
وأعرب عن أمله بمناقشة مذكرات التفاهم التي أعدتها روسيا وأوكرانيا في الجولة الثانية من محادثات إسطنبول بقوله: «ينصب تركيز الجميع حالياً على المفاوضات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا».
وتابع: «يجري العمل على وضع قائمة بشروط وقف إطلاق النار المؤقت، وبالإضافة لما سبق ستدرج أيضاً مسألة سلامة الملاحة في البحر الأسود ضمن الحلول المستقبلية». 
وكانت تركيا اقترحت في وقت سابق، أمس، استضافة قمة تجمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيريه الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأميركي دونالد ترامب، في إطار سعيها للتوسط في اتفاق لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وفي السياق، قال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها إنه يجب على روسيا أولاً إرسال مذكرة بشأن رؤيتها لوقف إطلاق النار، قبل عقد جولة جديدة من محادثات السلام.
وشدد سيبيها خلال مؤتمر صحفي عقده، أمس، مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في العاصمة الأوكرانية كييف، على أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بذل جهوداً حثيثة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
ولفت سيبيها إلى أنه خلال لقائه مع الوزير فيدان، ناقشا مفاوضات السلام لإنهاء الحرب وإقرار وقف إطلاق نار كامل وغير مشروط.
وذكَّر بأن أوكرانيا قبلت وقف إطلاق النار الكامل وغير المشروط الذي اقترحته الولايات المتحدة سابقاً.

مقالات مشابهة

  • ترامب: الولايات المتحدة ستضاعف الرسوم الجمركية 50% على الصلب
  • روسيا: وقف إطلاق النار ليس كافياً لإنهاء الحرب في أوكرانيا
  • الولايات المتحدة ترفع العقوبات عن الغابون
  • الولايات المتحدة تلغي عقدا بقيمة 590 مليون دولار للقاح مضاد لإنفلونزا الطيور
  • لافروف يكشف عن التهديد الرئيسي القادم
  • الولايات المتحدة تقترب من وقف إطلاق النار في غزة
  • الملحقية الثقافية في الولايات المتحدة تُبرز الهوية السعودية في معرض ثقافي
  • الملحقية الثقافية في الولايات المتحدة تُبرز الهوية السعودية في معرض ثقافي في منزل الرئيس الأمريكي الأسبق وودرو ويلسون
  • الولايات المتحدة تعلن عن سياسة جديدة لشروط التأشيرات
  • هذه شروط بوتين لوقف الحرب ضد أوكرانيا .. أولها لجم الناتو