أكد السيد القائد – عليه السلام – في كلمته أمس بمناسبة فعاليات أسبوع الشهيد، أن أهمية عطاء الشهداء في واقعهم وواقعنا اليوم من عزة وكرامة وكذلك الحديث عن قدسية الشهادة ومفهوم الشهادة، كما قدمها القرآن الكريم، وكذلك الحديث عن أهمية المسؤولية بأسر الشهداء على كافة المستويات، هذه المناسبات تزيدنا اهتماما وتلفت نظرنا أكثر، والشهداء أغنياء عن ذلك، ونحن من نستفيد أخلاقيا وتربويا وإيمانيا، ونجد في القرآن الكريم أن الله أثنى ثناءً عظيم الثناء على الشهداء، وهذه الأهمية مرتبطة بالروح الجهادية للأمة، وارتبط مجد وعز وكرامة وحرية ومنعة وقوة الأمة بفريضة الجهاد، والشر موجود في واقع البشر، والمجتمعات البشرية تسعى لكسب ما يدفع الأخطار عنها، أو تستغلها لاستهداف الآخرين، والإسلام ينظم ذلك وفق القيم الإلهية والضوابط الإلهية ويربطها بالمبادئ والقيم الإلهية، و التفريط بهذا الجانب خطير جدا، إذ يستغله الأشرار، وواقع المسلمين اليوم يترجم حالة الضعف الرهيب وما يترتب عليه من مآس وكوارث على واقع الأمة.

.
يبرز في مقدمة العوائق من عوائق الجهاد عائق الخوف من المجرمين، وخاصة أن المجرمين يستخدمون ممارسات الإجرام والقتل والطغيان، وكل أدوات الطغيان تمارس القتل بشكل عام للناس وللمدنيين بطريقة وحشية واستباحة كل الحرمات، ولذلك فإن الأمه بحاجة بروحية الشهادة، وإذا كان القتل وسيلة لتكبيل الشعوب، وهذا ما حصل كثيرا للمسلمين في مراحل تاريخية كثيرة، وفي وضعنا الراهن الأمة تقدم تضحيات كبيرة جدا في غير موضعها، ولهذا جعل الله القتل في موضع الجهاد ميزة كبيرة، ونعمة الله على الشهداء، استضافته سبحانه للشهداء، وهذا تحفيز كبير جدا، وهذا يعني إزالة أكبر عائق أمام الأمة، وفي إطار هذه الذكرى يحفز الإنسان للانطلاق الجاد لتحرير الإنسان والمجتمع، وكل من عليها فان، والكل سيرحل وما يميز حياة رحيل الشهداء أنهم في حالة فرح، وهذا تحفيز كبير لانطلاق الأمة للتحرك، والأمة بتخاذلها تخسر كل شيء وتضعف وتهون وتذل، وتكون في وضعية مشجعة ومطمعة للأعداء، وعندما تعيش الأمة بروح انهزامية يسيطر عليها أعداؤها، حتى وصل الحال في واقع أمتنا الإسلامية، حتى تمكن اليهود الذي ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة أن يسيطروا على الأمة..
من الشواهد الواضحة اليوم للذل والهوان هو ما يحدث للشعب الفلسطيني، والواقع اليوم في معاناة الشعب الفلسطيني من همجية العدوان الإسرائيلي المدعوم غربيا وأمريكيا بالتحديد، فما هو دور وموقف المليار والنصف مسلم من هذه المظلومية، والعدو الإسرائيلي يتفنن بكل الأساليب الإجرامية بالقتل الجماعي لتدمير المساكن وقتل كل ما فيها، والقتل الجماعي بدم بارد في كل مكان بالمدارس والمستشفيات والجوامع، وممارسة القتل للناس بالطرقات وإعدامهم بدم بارد، يمارس العدو الصهيوني كل جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني، وأكثر الشهداء من الأطفال والنساء، وهناك مشاهد تدمي القلوب، وهي مشاهد تظهر الوحشية الصهيونية التي وصل بها الحال إلى سحق المدنيين بجنازر الدبابات، وكذلك التركيز على المستشفيات، ومنع حصول الجرحى على العلاج والدواء، ومن المهم جدا مشاهدة ما يحدث لإحياء الضمائر الميتة، وتوقظنا جميعا من سبات الغفلة، وكذلك استهداف المخابز والأفران وحصار خانق مشترك (إسرائيلي وعربي) والدول العربية المجاورة لفلسطين لا تسعى لإيصال المساعدات للفلسطينيين ولا تحرك جاد منها، وفي ظل تلك المأساة يطلب أبناء الشعب الفلسطيني المساعدة من أبناء هذه الأمة الذي يجب أن يتحركوا بمسؤولية أمام الله وبكل الاعتبارات..
من الواضح أن الأنظمة العربية بل أغلبها تفقد الجدية والإرادة لإنقاذ غزة، ومع القمة الأخيرة لـ 57 دولة لم تخرج بأي إجراء عملي، وهذا أمر محزن ومخز، وهي قمة طارئة تخرج ببيان بدون أي إجراءات عملية، هل هذه هي إمكانيات 57 بلداً عربياً وإسلامياً، يخرجوا ببيان يمكن أن يصدر من مدرسة ابتدائية، وإسرائيل أخذت الرسالة من القمة على أنها مراعاة لإسرائيل، ولم يرق موقف بعض الدول العربية لموقف أي دولة أخرى في العالم مثل موقف كامبوديا، وبعض الدول العربية متواطئة مع الأمريكي لاستهداف المجاهدين في غزة، ودور مسير في بيانها مناصر لإسرائيل، واحزننا واغصبنا ما قام بها السعودي من إعلان موسم الرياض، موسم الرقص والمجون، في ظل الهجوم على غزة، وتفتتحه مغنية يهودية تتهكم على الله بعبارات صريحة، بالتزامن مع ذلك اليهود الصهاينة يقتلون أبناء غزة، أي وحشية في هذا المشهد، والتنكر فيه حتى للقيم الإنسانية، والواقع الرسمي والعربي لم يتحرك بالشكل المطلوب، وكل العناوين الأخرى تلاشت، وفي مقابل ذلك تحرك الأمريكي، والأمريكي والإسرائيلي هما وجهان لعملة واحدة، هي عملة الطغيان والقتل والإجرام، وبادر الغرب لمساندة الإسرائيلي ويحرضون على المستشفيات، ويتخاذل العربي والإسلامي عن دعم أبناء فلسطين، هذه مقارنة خطيرة جدا وخلل كبير جدا..
ندرك أهمية مثل هذه المناسبات لإحياء الشعور بالجهاد في روحية الأمة، والأحداث نفسها هي لتذكير الأمة بمسؤولياتها تجاه إخواننا في فلسطين، ونحن في اليمن نقف الموقف الصحيح بانتمائنا للإسلام ومسؤوليتنا الدينية الجهادية المقدسة، ومنذ بداية الفصل الجديد من الجرائم في غزة، وموقف شعبنا موقف واضح ومشرف، واعلنا موقفنا بشكل كامل على كافة المستويات وبكل المجالات وبكل ما نستطيعه لنصرتهَم، وهو موقف رسمي وشعبي وتحرك فيه أبناء الشعب اليمني بمختلف فئاته، وشعبنا العزيز جسد هويته الإيمانية بالخروج للمظاهرات والمسيرات المساندة للشعب الفلسطيني، بصدق وإرادة جادة، ونقولها اليوم لو يتوفر لشعبنا العزيز منفذ لفلسطين لتحرك شعبنا كله إلى فلسطين لتحريرها بكل رغبة، ونتمنى ونطلب من الدول أن يوفروا لنا معبراً للعبور إلى فلسطين، وعلى مستوى التحرك العسكري لن نألو جهدا في المواجهة بواسطة الإخوة في القوات الصاروخية والمسيرات، وتخطيطنا للعمليات القادمة في فلسطين أو غير فلسطين لن نتوانى على ذلك..
إن عيوننا مفتوحة في البحر الأحمر و باب المندب والمياه الإقليمية اليمنية، والعدو الإسرائيلي يتهرب من باب المندب بإخفاء العلم الإسرائيلي وأجهزة التعارف في سفنه، وهذا يدل على تأثير اليمن في هذه الحرب، وسوف ننكل بهم ولن نتوانى عن استهداف العدو الصهيوني وليعرف به كل العالم، وقد وصلتنا رسائل تهديد من أمريكا، وقلنا لهم لسنا ممن يخضع لأوامركم، ونحن شعب مجاهد ورفعنا راية الجهاد وقدمنا التضحيات الكبيرة، ورفعنا فيه الصرخة، وهذا هو موقفنا المبدئي الدائم الذي ننطلق من خلاله بمبادئ إيمانية وقرآنية، وهو موقف صحيح ينسجم مع الأخلاق والقيم وهو موقفنا على كافة المستويات، سياسيا وعسكريا وإعلاميا واقتصاديا وشعبيا ورسميا، وكل هذه تحركات جاده ومستمرة، وعلى مستوى المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية والأمريكية، ومن هنا أناشد كل الشعوب للمقاطعة وهو شيء مؤثر وفي متناول الجميع، ومن يسخر من موقف شعبنا، ومن يفعل أكثر من شعبنا مع الشعب الفلسطيني سوف نشكره ونثني عليه، و نطلب أبناء شعبنا أن يقفوا موقفاً واحداً متعاوناً، وموقفنا ليس لعرض العضلات أو المزايدة، وموقفنا موقف مسؤول وصادق بدافع إيماني وأخلاقي وإنساني خالص، وقد هددنا الأمريكي مباشرة بعودة الحرب وإعاقة المفاوضات وكل هذا لن يثنينا أبدا ولن يخنع شعبنا لأعدائه ولن يستعبده احد ولن يرده عن موقفه الأخلاقي والإنساني احد..
سوف تستمر الأنشطة والجهود اليمنية في كل الاتجاهات، ولهذا لا بد من التقييم فالأحداث توضح مبادئ الناس، ومن هم قادة العروبة، يتفضلوا يحملوا الراية باتجاه فلسطين، والأحداث شاهد كبير على حقيقة زيف المجتمعات الغربية المزيفة وحقوق الإنسان والطفل والمرأة في فلسطين، ولهذا يجب أن يكون هذا وعي راسخ، والأمم المتحدة أين موقفها، والتصنيفات التي يطلقونها على أمتنا، القاتل اليوم هو الإسرائيلي والمقتول هو المسلم، يجب أن نحمل الوعي تجاه ذلك، لأن أول من ينخدع بالأمريكي والغربي هم النخب، وبالرغم من حجم العدوان فإن الموقف البطولي للشعب الفلسطيني كبير وعظيم وثمرته بإذن الله هو النصر، والمظاهرات في الغرب مهمة جدا، وهناك إمكانية إذا استمر العدوان أن تتوسع الحرب في المنطقة، ولهذا يجب أن يكون حضورنا واعيا، وأقول لشعبنا العزيز، نحن في الإعداد للتغيير الجذري وعملنا مستمر، وعلى الإخوة أن يستمروا بالتفاعل الواسع في جميع الجهات..

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

قراءة شاملة لجذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور المؤرخ الشاب زاخاري فوستر

في هذا الحوار المطوّل غير التقليدي يقدم المؤرخ والناشط الأميركي زاخاري فوستر قراءته لتاريخ فلسطين المعاصر والحديث ورؤية عميقة وشاملة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد حصل فوستر على درجة الدكتوراه في دراسات الشرق الأدنى من جامعة برينستون عام 2017، وهو مؤسس مشروع "فلسطين نيكسوس" الذي يأمل أن يكون المصدر المفضل لفهم ما يحدث في فلسطين.

يتتبّع الحوار الجذور التاريخية للصراع وتطوراته عبر القرنين الماضيين، ويستعرض فوستر، وهو باحث متخصص في تاريخ المنطقة، أبعادًا متعددة للقضية، مقدمًا تحليلًا نقديًّا للروايات السائدة ومفندًا بعض المفاهيم الخاطئة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما الذي يمنح السلطة شرعيتها؟ كتاب يفتح الباب لمقاربة فلسفية جديدةlist 2 of 2كيف تفكر الدول في العنف المنظم؟end of list

يبدأ الحوار بتأصيل تاريخي للقضية، حيث يقول الضيف: "أعتقد أن جذور قضية إسرائيل وفلسطين تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر… عندما قرر اليهود تحويل دولة عربية، أي فلسطين، إلى دولة يهودية". هذا التحديد الزمني يضع القضية في سياقها التاريخي الصحيح، مؤكدًا أن بدايتها تسبق فترة الاستعمار التقليدي.

يتطرق الحوار إلى مقارنة الصهيونية بحركات الاستعمار الاستيطاني الأخرى، مع تسليط الضوء على خصوصيتها. يقول الضيف: "الصهيونية من بين جميع الحركات الاستعمارية الاستيطانية في جميع أنحاء العالم… هي نوع مثالي من الحركة الاستعمارية الاستيطانية". ويضيف موضحًا الفرق: "ما يميز الحركات الاستعمارية الاستيطانية عن الحركات الاستعمارية العادية هو أن الحركات الاستعمارية الاستيطانية تتخلى عن روابطها بوطنها الأصلي."

إعلان

يناقش الحوار أيضا تطور المواقف الأكاديمية اتجاه القضية، خاصة بين المؤرخين الغربيين واليهود. يشير الضيف إلى أن "هناك تقليدًا طويلًا من معاداة الصهيونية لدى اليهود. في الواقع، يعود هذا التقليد إلى أصول الصهيونية نفسها"، وفي المقابل يفنّد الادعاءات حول عدم وجود هوية فلسطينية قبل قيام إسرائيل.

ويختتم بتأكيد أهمية فهم الجذور التاريخية للصراع لإدراك تعقيداته الحالية. يقول الضيف: "يمكنك أن تفهم بشكل أساسي الكثير من التاريخ الفلسطيني إذا فهمت فقط إجابتهم عن هذا السؤال: ما هو الخيار المناسب كرد فعل على مجموعة من الناس تحاول الاستيلاء على أرضي وتدمير منزلي وتطهيري عرقيًّا من البلاد."

هل ترى جذور القضايا الحالية في الشرق الأوسط، وخاصة في فلسطين؟

أعتقد أن جذور قضية إسرائيل وفلسطين تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر. لذا فهذه الفترة الزمنية تسبق فترة الاستعمار. وفي سبعينيات وثمانينيات القرن التاسع عشر، كان اليهود في أوروبا يتحدثون عن إنشاء دولة يهودية في فلسطين. وأعتقد أن هذا هو أصل قضية فلسطين بالنسبة لي. كان ذلك عندما قرر اليهود تحويل دولة عربية، أي فلسطين، إلى دولة يهودية. بالنسبة لي، كان هذا هو بداية قضية إسرائيل وفلسطين الحديثة.

في القرن التاسع عشر، أي قبل مئة عام من تشكل إسرائيل نفسها؟

نعم. نحن نتحدث عن سبعينيات القرن التاسع عشر أو ثمانينياته، أي ما يعادل 140 أو 150 عامًا، لقد تلقيت عمومًا ردودًا إيجابية جدًّا على فيديو يشرح ذلك. كان هدفي محاولة تغطية أكبر قدر ممكن من الأرض في مقطع مرئي قصير قدر الإمكان. والتركيز على محاولة فهم سبب حدوث الأشياء، والطريقة التي حدثت بها. وأعتقد أن الناس عمومًا قد قدروا ذلك لأنني أعتقد، أولًا وقبل كل شيء، أنني أحاول أن أكون موضوعيًّا. أنا أتحدث عن الإرهاب اليهودي. أنا أتحدث عن الإرهاب الفلسطيني. أنا أتحدث عن الجرائم، جرائم الحرب التي ارتكبتها كل من إسرائيل وحماس. صحيح. لذا، أعتقد أنني أحاول جاهدًا تقديم رواية موضوعية، فضلًا عن الجرأة التفسيرية لمساعدتكم على فهم كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم.

إعلان

وأعتقد أن الناس يقدرون ذلك. من الواضح أن لديَّ وجهة نظري الخاصة. ومن الواضح أنني أعتقد أنه لفهم حقيقة الأمر، وكيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم؛ يتعين عليك أن تفهم حقًّا الفكرة الأساسية الكامنة وراء الصهيونية، التي تتلخص في أننا نريد تحويل هذا البلد من بلد عربي فلسطيني إلى بلد يهودي.

لذا كان على كل زعيم صهيوني أن يسأل نفسه هذا السؤال: ماذا سنفعل بالسكان الأصليين؟ لذا فأنا أحاول تسليط الضوء على وجهة النظر الفلسطينية، والتركيز بشكل خاص على محاولة إعطاء صوت لضحايا هذا الصراع، وللأشخاص الذين ضاعت أصواتهم في الروايات التقليدية.

أعتقد أنني أركز أيضا على إسرائيل وفلسطين بدلًا من الصراع العربي الإسرائيلي. الناس ظلوا لعقود طويلة يعتبرون هذا الصراع أشبه بصراع عربي إسرائيلي بين إسرائيل والدول العربية. وأعتقد أنه من الواضح أنه لم يكن هناك صراع حقيقي كبير بين إسرائيل والدول العربية. بل كان الصراع دائمًا في المقام الأول بين إسرائيل والفلسطينيين.

وأعتقد أن هذا الأمر أصبح الآن أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. لذا فهذه زاوية أخرى للقصة. أنا لا أتحدث عن حرب 1973. ولا أتحدث عن غزو سيناء. ولا أتحدث حقًّا عن اتفاقيات السلام بين الأردن ومصر في التسعينيات أو السبعينيات ثم التسعينيات.

هذه بالنسبة لي مجرد أحداث جانبية. بالنسبة لي، القضية الأساسية هي قضية إسرائيل وفلسطين، وهي المحاولة الصهيونية ثم الإسرائيلية للسيطرة على كل الأراضي الواقعة بين النهر والبحر. أعتقد أن هذا هو ما نحتاج إلى فهمه حقًّا، لفهم كيف وصلنا إلى حيث وصلنا اليوم.

من وجهة نظرك، فإن فترة الاستعمار أسست لهذا الصراع.. إذن ما هو الفرق بين الاستعمار في أستراليا، ثم العالم الجديد، في أميركا، وما حدث في الشرق الأوسط؟

أعتقد أن هناك بعض الاختلافات. أولًا وقبل كل شيء، لا أستطيع أن أسمي الصهيونية حركة استعمارية. بل أسميها حركة استعمارية استيطانية. وفي الواقع، قد تقول إن الصهيونية من بين جميع الحركات الاستعمارية الاستيطانية في جميع أنحاء العالم، في أستراليا، وفي الولايات المتحدة وكندا، هي نوع مثالي من الحركة الاستعمارية الاستيطانية.

إعلان

بمعنى أن ما يميز الحركات الاستعمارية الاستيطانية عن الحركات الاستعمارية العادية هو أن الحركات الاستعمارية الاستيطانية تتخلى عن روابطها بوطنها الأصلي، في حين أن الحركات الاستعمارية تريد الاحتفاظ بروابطها بوطنها.

فلنفكر على سبيل المثال في الفرنسيين، الفرنسيين في الجزائر. لقد كانت تلك حركة استعمارية، أليس كذلك؟ لأنهم أرادوا في واقع الأمر الحفاظ على روابطهم بوطنهم. قد تقول إن الولايات المتحدة كانت في مكان ما بين هذين الأمرين، لأن العديد من المستعمرين كانوا يريدون الحفاظ على ارتباطهم ببريطانيا العظمى، وكانوا يريدون العودة إلى بريطانيا العظمى. ولم يكونوا يريدون قطع هذه الصلة تمامًا.

أما في حالة الصهيونية، فقد تخلوا تمامًا عن بلدانهم الأصلية. ولم تكن لديهم أي نية للعودة أبدًا. أعني أن العديد منهم، بالمناسبة، عادوا، ولكن عندما وصلوا أول مرة إلى فلسطين، كانت فكرتهم أننا لا ننوي العودة إلى الوطن. نحن ننتقل إلى فلسطين، وسنقوم بتأسيس جذورنا هنا، وسنستولي على هذا البلد. لذا فإن هذا هو أحد الاختلافات الرئيسية.

والاختلاف الرئيسي الثاني هو أن الصهيونية متجذرة في العديد من الأفكار اليهودية. أليس كذلك؟ هناك فكرة في اليهودية مفادها أن اليهود سيعودون في نهاية المطاف إلى الأرض المقدسة. إنه نوع من الاعتقاد الأخروي بأن المسيح، سيعود في نهاية الأيام وسيجتمع كل اليهود من أنحاء العالم الأربعة ويعودون إلى فلسطين.

لذا فإن هذا يميزها عن الحركات الاستعمارية الاستيطانية الأخرى التي لم تكن متجذرة في تقاليد دينية عمرها 3000 عام. كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا، ولديها نوع من الروابط الدينية، بالأرض واعتبرت هذه الأرض ذات أهمية دينية. لذا أعتقد أن هذا يميزها أيضًا.

لكن أودّ أن أقول بشكل عام، إن أوجه التشابه مذهلة للغاية. أعني، لديك هؤلاء الأشخاص المضطهدون، أليس كذلك؟ أعتقد أن هذا مهمّ حقًّا لفهم جوهر معظم الحركات الاستعمارية الاستيطانية. عليك أن تفهم أن هؤلاء الناس هم في المقام الأول الذين يشعرون بالاضطهاد في بلدانهم الأصلية. أليس كذلك؟ "لقد واجه البروتستانت الأميركيون الذين قدموا إلى العالم الجديد الاضطهاد في بلدانهم الأصلية. ولهذا السبب كانوا يجمعون أمتعتهم ويغادرون. هل تعتقد أنهم أرادوا ركوب القوارب؟ لقد كانت رحلة خطيرة للغاية وغادرة. إذ استغرقت شهرين عبر المحيط. وقد هلك العديد منهم على طول الطريق. هل كانوا يريدون فعل ذلك؟ لا، بالطبع لا. تمامًا كما لم يرد اليهود التخلي عن أوطانهم في الغالب. لقد أجبروا على المغادرة بسبب المذابح، ومعاداة السامية، وبسبب العنف الذي واجهوه في بلدانهم الأصلية.

إعلان

لذا أعتقد أن هذا يعني بهذا المعنى أن الصهيونية تشبه إلى حد كبير العديد من الحركات الاستعمارية الاستيطانية الأخرى.

ظهر مؤخرًا جيلًا جديدًا من المؤرخين الغربيين، ضد السياسات الإسرائيلية.. كيف نشأ هذا الجيل من الأكاديميين مثلك، داخل المؤسسات التي كانت تعتبر تقليديًّا مؤيدة لإسرائيل؟

أولًا وقبل كل شيء، أنا لست منتميًا إلى أي جهة أكاديمية. أنا لست أستاذًا في جامعة مقرها الولايات المتحدة. وأعتقد أن هذا يقطع شوطًا طويلاً في تفسير ذلك. وبالمناسبة، عندما أخذت شهادتي للدكتوراه من جامعة برينستون، كان هناك عدد من أعضاء هيئة التدريس في قسمي، بما في ذلك مستشاري الأكاديمي، الذي أصدر نداءً وإعلانًا يدعو الجامعة إلى تمرير قرار بالمقاطعة، قرار "BDS"، يدعمون ذلك الحراك ويطالبون الجامعة أن تسحب استثماراتها من الشركات التي تستفيد من احتلال إسرائيل للضفة الغربية وحصارها لغزة.

وأود أن أقول إن الغالبية العظمى من أعضاء هيئة التدريس الذين يدرسون إسرائيل وفلسطين في الولايات المتحدة متعاطفون للغاية مع القضية الفلسطينية.

ولكن ما أود أن أقوله في الوقت نفسه هو أن هناك خوفًا مؤسسيًّا. إنهم يخشون أن تتعرض مؤسساتهم وإدارات جامعاتهم والأشخاص الذين يجلسون في أعلى التسلسل الهرمي للجامعة للانتقام من هؤلاء الأشخاص، لأن هؤلاء الأشخاص لديهم مصالح مختلفة. إنهم ليسوا مؤرخين. إنهم ليسوا علماء سياسة. إنهم لا يتابعون الأحداث على الأرض. إنهم لا يعرفون ما يحدث في إسرائيل وفلسطين. ولكن في الغالب، بدلًا من ذلك لديهم ولاءات للمانحين وما يريدونه، وبالتالي فهم مدينون لفئة المانحين، وهي مجموعة مختلفة جدًّا من الناس..

هناك فرق كبير بين هيئة التدريس في الجامعة، والإدارة، كما تعلمون، ثم هناك فرق أكبر بين هيئة التدريس وفئة المتبرعين. والحقيقة، أن الأشخاص الذين يتولون المسؤولية حقًّا عن الجامعة هم الإدارة وفئة المتبرعين. الأمر لا يتعلق بهيئة التدريس.

إعلان لاحظنا أن هذه الحرب كانت حدثًا مختلفا، في هذا السياق، وظهر كثير من المؤرخين التاريخيين المناهضين للصهيونية، داخل المجتمع اليهودي، في أوروبا والولايات المتحدة. هل يمكنك أن تعطينا نبذة مختصرة عن ذلك؟

انظر، يمكنك العودة بالزمن لعقود عديدة. أعني شخصيات مثل نعوم تشومسكي، نورمان فينكلشتاين. هناك تقليد طويل من معاداة الصهيونية لدى اليهود. في الواقع، يعود هذا التقليد إلى أصول الصهيونية نفسها، أليس كذلك؟ عندما ظهرت الصهيونية أول مرة على عتبات المنازل، في أوروبا والولايات المتحدة، كان اليهودي العادي، يعارض الصهيونية.

عندما ظهرت الصهيونية أول مرة في أواخر القرن التاسع عشر، في الولايات المتحدة، كانت حركة الإصلاح، التي تعد اليوم أكبر الحركات اليهودية في الولايات المتحدة، تتألف من ثلث اليهود الأميركيين. وأنا أنتمي إلى حركة الإصلاح التي تأسست أول مرة في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وتبنت برنامج بيتسبرغ.

وبرنامج بيتسبرغ يقول في الأساس، إننا لا ندعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين؛ لأنها تتناقض مع اعتقادنا بأن اليهود يجب أن يندمجوا في المجتمعات التي يعيشون فيها. وكانوا في ذلك الوقت يحاولون الاندماج في الولايات المتحدة في مواجهة معاداة السامية. وكانوا يعتقدون أنه إذا ظهرت هذه الحركة اليهودية التي تقول إن اليهود ينتمون إلى فلسطين، فإنهم سيواجهون المزيد من الاضطهاد في بلدانهم الأصلية، وسيواجهون اتهامات بالولاء المزدوج، وسيواجهون المزيد من التمييز لأن الناس سيقولون، حسنًا، إذا كنت تريد الذهاب إلى فلسطين، فماذا تفعل هنا؟

لذا كانت هناك حركة نشطة للغاية بين اليهود. هذا كان برنامج بيتسبرغ في ثمانينيات القرن التاسع عشر. ثم لديك العديد والعديد من المثقفين اليهود، طوال فترة ما بين الحربين العالميتين، الذين عارضوا الصهيونية. أعتقد أن السبب وراء معارضتهم للصهيونية هو أنهم رأوا أن الصهيونية باعتبارها حركة استعمارية استيطانية لن يكون لها سوى نتيجة حتمية واحدة، وهي في النهاية تهجير السكان الأصليين من الأرض. وقد كرر ذلك العديد من المناهضين للصهيونية، واليهود المناهضين للصهيونية في فترة ما بين الحربين العالميتين، من عام 1919 إلى 1939. العديد من اليهود يعارضون الصهيونية لهذا السبب.

إعلان

ثم كان لديك سلالة ثالثة من اليهود المناهضين للصهيونية، وكانت في الأساس من اليهود المتدينين المناهضين للصهيونية، وكان بعضهم مثقفين للغاية. أعني أنهم ربما لم يكونوا أكاديميين، لكنهم كانوا بالتأكيد غارقين في التقاليد اليهودية وكانوا يعتقدون أن أي محاولة لتسريع مجيء المسيح، تعدّ بالنسبة لهم محاولة من الصهيونية لتسريع المستقبل، وهي محاولة من اليهود للتدخل لتحقيق المجيء الثاني للمسيح.

كان هناك اعتقاد لاهوتي في اليهودية بأن اليهود سيعودون إلى فلسطين أو إسرائيل في آخر الزمن عندما يأتي المسيح مرة ثانية،، وكان اعتقادهم هو أنه إذا انتقلت إلى فلسطين، فإنك تنتهك قانون التوراة لأن الله وحده هو الذي يقرر ذلك. إن قرار الله هو عندما يأتي وليس قرار البشر. عندما يتصرف البشر لمحاولة تسريع هذا المستقبل، فهذا انتهاك لقانون التوراة. كانت هذه سلالة ثالثة داخل اليهودية، داخل الدوائر اليهودية. أعتقد أنه يمكن القول إنها كانت معارضة للصهيونية.

لذا كان هناك اليهود الذين أرادوا الاندماج في مجتمعاتهم الأصلية وعارضوا الصهيونية. وكان هناك يهود ربما عارضوا الصهيونية لأنهم اعتقدوا أنها ستؤدي إلى طرد السكان الأصليين من الأرض. وكانوا قلقين للغاية بشأن ذلك. وكانوا على حق تمامًا. وهذه هي السلالة الثانية. ثم كانت هناك السلالة الثالثة، التي تمثلت في الصهاينة المتدينين المناهضين للصهيونية.

يهود متدينين اعتقدوا أنه عندما يتصرف البشر لمحاولة تسريع هذا المستقبل، فإن ذلك انتهاك لقانون التوراة (غيتي) ماذا عن اليهود القادمين من خلفيات قومية؟

أعتقد أن وجهة نظري هي أن المثقفين الذين يعارضون الصهيونية يعارضون على الأرجح معظم القوميات لأن الصهيونية هي شكل من أشكال القومية. إنها قومية يهودية. وأعتقد أن لديك العديد من الأكاديميين مثلهم، وخاصة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة في أعقاب التطهير العرقي ضد البوسنيين، وفي ميانمار، والتطهير العرقي ضد السكان الأصليين في جميع أنحاء العالم، في أستراليا والولايات المتحدة.

إعلان

أعتقد أنه كان هناك صحوة في العقود القليلة الماضية، بأن الصهيونية كانت في الأساس مشابهة جدًّا للعديد من حركات الاستعمار الاستيطاني الأخرى. إذا عدنا إلى أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، فلن تجد الكثير من الأكاديميين يتحدثون عن الصهيونية كحركة استعمارية استيطانية. لم يدرك الأكاديميون إلا في العقود القليلة الماضية أن الصهيونية تشترك في الكثير مع كل هذه الحركات الاستعمارية الاستيطانية الأخرى، التي ارتكبت جميعها فظائع مروعة ضد السكان الأصليين.

لذا أعتقد أن القومية العرقية، وخاصة في أعقاب التطهير الذي حدث في البلقان في التسعينيات، عندما دخلت المليشيات الصربية إلى سربرنيتشا وذبحت 8000 من البوسنيين المسلمين، لارتكابهم جريمة كونهم بوسنيين، أعتقد أن هذا النوع أيقظ العالم على فكرة مفادها أنه عندما تحاول إنشاء دولة قومية عرقية، أي دولة تخدم مصالح مجموعة عرقية واحدة فقط، فإن ذلك يؤدي إلى عواقب وخيمة للغاية على المجموعات التي تقع داخل الدولة والتي تنتمي إلى عرقية مختلفة.

أنت تدرس الكثير من القضايا في تاريخ الفلسطينيين والإسرائيليين المعاصرين، كما درست أيضًا ردود الشعب الفلسطيني والتفاعل مع الصهيونيين في عدة مناسبات. كيف تقارن ما حدث في عام 1948، وقبل وبعد عام 1967، بما يقع الآن؟ وكيف تقارن ردود الشعب الفلسطيني اتجاه الاحتلال، قبل وبعد النكبة؟ لأنك تركز على ما قبل النكبة أيضًا. وهذا ليس شائعًا في الوقت الحاضر لأنه يبدو – لدى البعض- أن التاريخ بدأ في السابع من أكتوبر. لذا نريد أن نضع سياقًا تاريخيًّا.

يمكنك فهم الكثير عن التاريخ الفلسطيني إذا فهمت الإجابة الفلسطينية عن سؤال واحد فقط، وهو: ما هي الطريقة الشرعية؟ ما هي الطريقة المناسبة لمقاومة مجموعة من الناس تريد الاستيلاء على بلدك واتخاذ جميع القرارات المهمة بشأن حياتك؟ لأن هذا هو ما كانت عليه الصهيونية.

إعلان

وإذا كان من الواضح أن الفلسطينيين استجابوا بطرق مختلفة، وكانت هناك مجموعة من الردود. كان هناك فلسطينيون خلال فترة الانتداب في عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين (يقولون) دعونا نعمل مع هؤلاء الناس. دعونا نعمل مع الصهاينة. كما تعلمون، دعونا نقدم ملاحظات احتجاج إلى البريطانيين، ونقول لهم إننا سنقاوم هذا سلميًّا. سنقدم احتجاجنا في شكل مكتوب. سنحتج سلميًّا في الشوارع. وهذا بالضبط ما فعله العديد من الفلسطينيين. كان هذا في الواقع، أحد أهم التيارات داخل الحركة الوطنية الفلسطينية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. كان هذا الشكل من أشكال النضال غير عنيف بشكل كامل، وكانوا يطلقون عليه ما كانوا يسمونه المؤتمرات الوطنية طوال عشرينيات القرن العشرين، وكانت كلها سلمية.

واجتمع الفلسطينيون في أعوام 1919، و1920، و1921، و1922، و1923، و1924، و1925، وقالوا: انظروا، نحن ندعو إلى إنشاء دولة ديمقراطية في فلسطين. لقد دعونا البريطانيين إلى السماح لنا بانتخاب ممثلينا ديمقراطيًّا من السكان الأصليين اليهود والمسيحيين والمسلمين في فلسطين. وبطبيعة الحال، تجاهل البريطانيون كل هذه المقترحات تمامًا.

كان النظام البريطاني مناهضًا للديمقراطية. لقد انتهك الإرادة السياسية لـ85% من السكان. وبعد ذلك، بالطبع، كان هناك تيار أكثر تشددًا داخل السلطة.

يمكنك أن تفهم بشكل أساسي الكثير من التاريخ الفلسطيني إذا فهمت فقط، إجابتهم عن هذا السؤال: ما هي الطريقة المناسبة لمقاومة مجموعة من الناس تحاول الاستيلاء على أرضي وتدمير منزلي وتطهير البلاد مني عرقيًّا (الأناضول)

نحن هنا لا نتحدث فقط عن السياسات التي فشلت، بل عن كل سياسة نجحت خلال فترة الحكم البريطاني لفلسطين. نتحدث عن آلاف الفلسطينيين الذين عملوا في ظل الإدارة البريطانية، كل واحد منهم – من خلال هذا العمل – كان يقبل ضمنيًا النظام الذي فرضه البريطانيون، وهو نظام لم يكن ديمقراطيًا بأي حال، بل كان منحازًا بوضوح لمصلحة المشروع الصهيوني. هذا القبول، حتى وإن بدا براغماتيًا، كان يعكس موقفًا واسع الانتشار في تلك الفترة.

إعلان

لكن، في المقابل، لا بد أن أقول إن هناك تيارًا واضحًا داخل الحركة الوطنية الفلسطينية تبنى موقفًا أكثر صرامة. هذا التيار كان يرى بوضوح أن الاستعمار البريطاني لم يأتِ بالتوافق، بل فُرض بالقوة المسلحة. وبالتالي، فإن الرد عليه يجب أن يكون بالقوة أيضًا. فحين تواجه مشروعًا استعماريًّا عنيفًا يسعى لانتزاع أرضك، وطمس هويتك، وتحويل وطنك من بلد عربي إلى كيان يهودي، فإن الوسيلة الوحيدة لمقاومته هي الرد بالمثل، بالقوة.

وأعتقد أن هذا التوجه، رغم أنه لم يكن الغالب في البداية، إلا أنه بدأ يكتسب زخمًا متزايدًا، خصوصًا في أواخر الثلاثينيات، وتحديدًا مع انطلاق الثورة العربية الكبرى في فلسطين بين عامي 1936 و1939. ومنذ ذلك الحين، وعلى مدى العقود السبعة التي تلت نكبة عام 1948، وحتى يومنا هذا، يمكن القول إن هذين التيارين – السلمي والمسلح – ظلا حاضرين ومتداخلين في المشهد الفلسطيني.

هناك دائمًا من قال إن تحرير فلسطين لا يمكن أن يتم إلا عبر القوة. هذا الرأي لم يكن هامشيًّا، بل شكّل التيار المركزي في أوساط الشتات الفلسطيني، وتبنته جماعات كبرى مثل “فتح” و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”. بل إن منظمة التحرير الفلسطينية نفسها، في بداياتها، تبنت الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة للتحرر الوطني، قبل أن تتحول تدريجيًا إلى خيارات سياسية وسلمية، رافضة العنف في مراحل لاحقة.

وهنا أجد من المهم الإشارة إلى مسألة ديناميكية المواقف، لأن هذه التحولات لم تكن حكرًا على جماعة واحدة. بل إن الجماعات نفسها، بالأشخاص أنفسهم، والقيادات ذاتها، والبنية التنظيمية الأساسية نفسها، قد تنقلوا عبر الطيف السياسي بين العنف واللاعنف وفقًا للظروف، وتبعًا لطبيعة الاحتلال وتكتيكاته القمعية.

نفس التحول شهدناه مع حركة “حماس”. فهذه الحركة، التي بدأت في الأصل كامتداد لجماعة “المجمع الإسلامي” ذات الطابع الخيري وغير العنيف، تطورت لاحقًا إلى تبني الكفاح المسلح. وكما حصل مع منظمة التحرير من قبل، فإن المواقف تتغير وفقًا لتصاعد العنف من الطرف الآخر، ومدى البطش الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي، وشروط البيئة السياسية في كل مرحلة.

إعلان

وبالتالي، لفهم التاريخ الفلسطيني المعاصر، لا أعتقد أنك بحاجة إلى قراءة كل التفاصيل الصغيرة، بل يكفي أن تطرح سؤالًا واحدًا وتتابع كيف أجاب عليه الفلسطينيون عبر الزمن: ما هي الوسيلة المشروعة لمقاومة مشروع استعماري يسعى إلى سلب أرضك، وهدم منزلك، وتطهيرك عرقيًا من وطنك؟ الإجابة على هذا السؤال وحدها كافية لفهم الكثير من التحولات والتوجهات التي شهدها هذا الشعب في مواجهة استعمار طال أمده.

هناك نقاش كبير حاليا عن الهوية الفلسطينية قبل النكبة، وهناك من ينكر هذه الهوية تاريخيا؟

لطالما سعى الخطاب الصهيوني إلى إنكار الهوية الوطنية الفلسطينية، من خلال تصوير الفلسطينيين كمجرد “عرب” أو “سوريين جنوبيين”، بهدف الطعن في فكرة أنهم شعب أصيل له وجود وطني وتاريخي. هذا الإنكار كان وسيلة لتسهيل الرواية الصهيونية التي تؤمن بقومية يهودية تمنح “إسرائيل” لليهود حصريًا.

ومن هنا جاءت جهود متعمدة لإعادة كتابة التاريخ، عبر أوراق أكاديمية ومؤلفات تنفي وجود “الفلسطيني” كشخصية قومية. ردًا على ذلك، حاولت توثيق استخدام مصطلح “فلسطيني” في السياقات المحلية، ليثبت بالأدلة اللغوية والتاريخية أن الفلسطينيين عرّفوا أنفسهم كأمة قبل ظهور الصهيونية بسنوات، بل وعقود.

في المصادر الإنجليزية، يظهر المصطلح منذ ستينيات القرن التاسع عشر، وفي المصادر العربية منذ أواخر القرن ذاته، تحديدًا عام 1898. ويؤكد الباحث أن استخدام هذا المصطلح لم يكن نتيجة رد فعل على الصهيونية، بل سبقها، وظهر في أوساط طلاب فلسطينيين في الناصرة، بعيدًا عن أي تأثير مباشر للحركة الصهيونية التي لم تكن قد انتشرت بعد في المنطقة.

كما يشير إلى أن هؤلاء الرواد من الفلسطينيين، مثل نجيب نصار وخليل بيدس وسليم قبعين، تلقوا تعليمهم في مدارس عربية وروسية، وشكلت مفاهيم الوطن والهوية بالنسبة لهم جزءًا من وعي ثقافي أوسع، لا علاقة له بالصراع اللاحق مع الصهيونية، بل بجذور وطنية ضاربة في الوجدان واللغة والخرائط التي علقت على جدران المدارس.

إعلان

مقالات مشابهة

  • السعودية تبدأ إصدار تأشيرات العمرة يوم 14 ذو الحجة 1447هـ.. وهذا موقف مصر
  • “الجهاد الإسلامي” : استهداف العدو الإسرائيلي للقيادة لن يزيد الشعب الفلسطيني إلا ثباتا وعزيمة
  • قراءة شاملة لجذور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور المؤرخ الشاب زاخاري فوستر
  • قيادة لجان المقاومة في فلسطين: اغتيال “أبو شريعة” يزيدنا إصراراً على مواصلة الجهاد
  • الأمير محمد بن سلمان : معاناة فلسطين نتيجة العدوان الإسرائيلي... ويجب إنهاء تداعياته الكارثية
  • ولي العهد: يجب إنهاء تداعيات العدوان الإسرائيلي الكارثية.. وإيجاد واقع جديد تنعم فيه فلسطين بالسلام
  • القصص القرآني في ذي الحجة.. مشروع نهضة من منبر السيد القائد
  • الحوثي يؤكد على التمسك بدعم الشعب الفلسطيني.. حتى يزول الكيان
  • وقفات شعبية حاشدة في أمانة العاصمة تضامنًا مع الشعب الفلسطيني
  • وسام أبو علي عن مواجهة عمان: أكون خائنا إن لم أشارك.. وهذا موقف الأهلي