الجزيرة:
2025-05-28@06:19:25 GMT

عن التطهّر من رجس إسرائيل والحرب القادمة

تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT

عن التطهّر من رجس إسرائيل والحرب القادمة

بعد انتهاء الظاهرة الصهيونية، ممثلة في «دولة» إسرائيل، سيراجع المنظّرون والمفكّرون مفاهيم أثارها كيان عسكري كان يحتل فلسطين. من هذه المصطلحات: «المجتمع»، «الديمقراطية»، «المدني والعسكري». إلى أي درجة نصدّق الادعاء بوجود «مدنيين»؟ أليس المهندس والصيدلي والعامل قوة احتياط؟ تنتهي خدمتهم العسكرية، ويظل السلاح رفيقًا؛ انتظارًا لاستدعائهم إلى حرب جديدة.

هم مدنيون بقدر ما كان العاملون في جيوش الاحتلال- قبل غروب الكولونيالية التقليدية- يجلبون أسرهم إلى دول يجنّدون فيها، وينعزلون عن مجتمعاتها. وهل «كانت» إسرائيل ديمقراطية؟ ربما تكون الإجابة: «نعم»، إذا اختص الأمر بالأشكيناز. أما اليهود الشرقيون من أفريقيا والعالم العربي وفلسطين فهم أدنى، ويقل فلسطينيو 1948 درجة عن هذا «الأدنى»

ستجذب انتباه المؤرخين أيضًا ظاهرة اليقظة المتأخرة لبعض الضمائر، بالحد الأدنى من شروط الآدمية، فيختارون مغادرة الكيان الصهيوني، ويبرّئون الذمة بدراسات مهمة، كما يفعل إيفي شلايم وإيلان بابيه، وغيرهما من المؤرخين الجدد المقيمين حاليًا خارج فلسطين المحتلة. وقد يكتبون شهادات تحتمل التطهّر من ماضيهم، وفي الوقت نفسه يتباهون بقدرة كيان لا يأبه لما ينشر في هذه الشهادات. يوثّقون عمليات إجراميّة بأدلة تكفي لتقديم الجناة إلى المحكمة الجنائية الدولية، لو توفّرت في العالم العربي الإرادة. وهل يملك المتواطئون والشامتون إرادة؟ أعد وزير الخارجية المصري محمد إبراهيم كامل، في آذار/مارس 1978، بيانًا يدين «إبادة منظمة للفلسطينيين»، في اجتياح جيش الاحتلال لجنوبي لبنان.

هل أعطوهم العلقة؟

سجّل الوزير، في كتابه «السلام الضائع في كامب ديفيد»، أنه ظل يتصل بالرئيس أنور السادات، وقبيل الظهر استيقظ السادات، وسأله عن سبب اتصاله المتكرر في الصباح؟ فأبلغه الوزير بالعدوان الإسرائيلي، «فقال السادات ضاحكًا: هل أعطوهم العَلْقة ولا لِسّه؟… أدبوهم ولا لسه؟ وفهمت أنه يقصد إن كان قد تم للإسرائيليين تلقين الفلسطينيين درسًا بسبب العملية التي قام بها الفدائيون داخل إسرائيل منذ أيام. وكان الدم يندفع إلى شرايين رأسي وأنا أجيبه: لقد حدث العكس ولقّن الفلسطينيون الإسرائيليين درسًا». لا يوحي الوزير بوجود معرفة سابقة لرئيسه بالهجوم. السادات لم يغضب، ولم يفاجأ بتحرك جيش الاحتلال، وإنما فوجئ بجسارة الفلسطينيين في التصدي للعدوان.

سلوك لائق بكوميديان. ردّ فعل يليق باستمراء الإهانة، ففي 7 حزيران/يونيو 1981 دمرت إسرائيل المفاعل النووي العراقي، بعد دقائق من مغادرة الفنيين الفرنسيين للموقع. وقبل الجريمة بثلاثة أيام التقى السادات ومناحيم بيغن في شرم الشيخ. علم السادات بإغارة قوات العدو على المفاعل؛ فكانت غضبته كوميدية؛ إذ أمر بإيقاف التعاون مع خبراء زراعة إسرائيليين بدؤوا عملهم في أيار/مايو 1981، عقب زيارة شارون بطل الثغرة في حرب 1973 لمصر التي علمت العالم الزراعة. ومن واقعة تدمير المفاعل، أصل إلى كتاب «جواسيس جدعون» لجوردون توماس البريطاني الإسرائيلي. صدر الكتاب في نيويورك 1999، وترجمه في العام نفسه كل من أحمد عمر شاهين، ومجدي شرشر.

كتب لي الصديق الفلسطيني أحمد عمر شاهين هذا الإهداء: «ها هم اليهود على حقيقتهم». كنت عضو هيئة تحرير مجلة «سطور». وبعد المجلة، بدأت دار سطور مشروعًا للنشر بكتابين لكارين أرمسترونج، وتلاهما كتاب جوردون توماس وعنوانه الفرعي: «التاريخ السري للموساد». قرأته فأخافني. هنا في المكتب، في مدخل البناية، في الأتوبيس، في الشارع، في البيت، في أي مكان، جهاز زرعه الموساد، يحصي الأنفاس. الموساد «عين إسرائيل السرية على العالم». والصهاينة حاضرون، لهم في كل مكان أثر، وفي كل «عملية» بصمة. تشمل عملياتهم عمق أفريقيا، وأوروبا، والأرجنتين، ومنها اصطادوا أدولف إيشمان (يصرّ صديقي المترجم سمير جريس على أن النطق الصحيح إيشمان لا إيخمان).

المكالمة الحاسمة

نجح رافي إيتان في اختطاف إيشمان، تنفيذًا لمبدأ «لا نجاة لأي نازي حي». لا أستبعد يومًا يرفع فيه الفلسطينيون شعار: «لا نجاة لأي قاتل صهيوني حي»، والقتلة لا يكذبون. يتفاخرون بجرائمهم منذ النكبة، ويضحكون للكاميرات ساخرين من فلسطينيين عزل قتلوهم حتى نفاد الذخائر. ربما تتحقق جملة قالها إيشمان قبل إعدامه وما تلاه من حرق جثته، وبعثرة الرماد في البحر، إذ أمر بن جوريون ألا يتركوا أثرًا قد يثير التعاطف معه، ويحوّله «إلى معبود نازي». فكّوا الفرن، ولم يستخدم ثانية. في 31 أيار/مايو 1962، قال إيشمان لإيتان في غرفة الإعدام: «سيأتي اليوم الذي تلحقني به، أيها اليهودي». هذا يوم أراه قريبًا.

يشرح الكتاب دورًا خطيرًا للموساد قبل حرب حزيران/يونيو 1967. تأكد لهم أن الوقت الحرج لوحدات الرادار يقع بين الساعة 7:30 و7:45 صباحًا. خلال خمس عشرة دقيقة تكون وردية الليل منهكة، والتالية لم تستعد بعد، «وتتأخر قليلًا بسبب البطء في قاعات الطعام»، حيث يفطرون بداية من الساعة السابعة والربع، لمدة نصف ساعة. إحاطة بكل تفاصيل سلاح الطيران، إذ «كان هناك إما عميل عربي أو أحد رجال الموساد في كل قاعدة جوية مصرية أو رئاسة للأركان، وعلى الأقل كان هناك ثلاثة منهم في رئاسة الأركان العليا في القاهرة». كما تم تسجيل «المكالمة الحاسمة» بين جمال عبد الناصر والملك حسين في بدايات الحرب.

قبل الحرب، استطاع الموساد خلخلة التكوين النفسي والاجتماعي والعائلي لضباط الجيش. كانت عائلاتهم تتلقى خطابات، مرسلة من القاهرة، تتضمن أمورًا محددة تخص تصرفات رجالها. ولاحظ العملاء كثرة الإجازات المرضية «لرجال الطيران لحل مشاكلهم». والضباط يتلقون اتصالات هاتفية مجهولة تتضمن معلومات محددة يعرفونها. اتصلت امرأة بأحد المدرسين، وأخبرته أن سوء أداء التلميذ فلان بسبب أنه «عشيق والدها الضابط الكبير، مما أدى إلى إطلاق الضابط النار على نفسه». تسببت الحملة القاسية، كما يصفها المؤلف، في «شقاق ملحوظ داخل العسكرية المصرية، وأرضت مئير أميت (مدير الموساد 1963 ـ 1968) بشكل كبير». سلوك استخباري قاعدي ناعم لم يضطرهم، آنذاك، إلى انتهاج وسائل إرهاب الدولة.

لا يبالي الموساد بأدوات التنفيذ: اليهود أو المتعاونين. لا يفكرون في العميل «على أنه بشر، إنه مجرد سلاح، وسيلة لتحقيق غاية مثل الكلاشينكوف تمامًا، هذا هو كل ما في الأمر، وإذا تعين عليك أن ترسله إلى حتفه فلا تفكر في الأمر، فالعميل دائمًا مجرد لا شيء، شخص تافه لا شأن له، إنه ليس إنسانًا بالمرة». وفي الكتاب وقائع لملفات مفتوحة، ففي أيار/مايو 1965، طلب الملك الحسن «من الموساد مساعدته في التخلص من بن بركة». الجنرال محمد أوفقير «المخيف» نقل إلى ديفيد كيمحي «ما يريده الملك: رأس بن بركة»، وكان على أوفقير أن يذهب معه إلى إسرائيل، عبر روما، لشرح الطلب.

الاغتيال من العمل

تمارس إسرائيل إرهاب الدولة، تعتبر «الاغتيال جزءًا من العمل». اكتشف الموساد، عام 1977، تزويد فرنسا للعراق بقدرات نووية. فكروا في ضرب المفاعل قبل بدء تشغيله، لكن هذا «سينهي المناورات الدقيقة لإقناع مصر بتوقيع اتفاقية سلام». رصدوا وجود العالم المصري يحيى المشد في باريس، للإشراف على شحن وقود ذري إلى بغداد، فأرسل مدير الموساد إسحاق هوفي فريقًا لاغتياله، «دخل غرفته اثنان بمفتاح ماستر، ذبحاه وطعناه في القلب، ونهبا الغرفة لتبدو العملية وكأنها بدافع السرقة. واعترفت فتاة ليل في الغرفة المجاورة أنها سمعت أصواتًا غير عادية في غرفة المشد، بعد ساعات من تقديم إفادتها… قتلت في حادث سير، ولم توجد العربة قط».

أنهى «فريق القتل» العملية، ولحق بطائرة تل أبيب. هل يكفي توثيق جوردون توماس للجريمة لإعادة فتح الملف؟ من يفتحه؟ العراق جريح، تبعات الاحتلال الأميركي والاحتراب الأهلي تثقله بقضايا أخرى. ومصر ترى ذلك ترفًا، فالكتاب ترجم عام 1999، وأضاف المؤلف فصولًا في طبعة ترجمت في بيروت عام 2007. وفي مصر، نشرت دار سطور ترجمة الدكتورة فاطمة نصر لكتاب «الحرب القادمة بين مصر وإسرائيل»، عام 2016 بعد عامين على صدوره في لندن. والمؤلف إيهود إيلام، المقيم في أميركا، كان مجندًا في فرقة الأسلحة المضادة للطائرات، وبعد الدكتوراه ظل مشاركًا أكاديميًا وعمليًا في دراسة «الإستراتيجية القومية والمبدأ العسكري لإسرائيل»، وعمل في وزارة الدفاع.

هل هذا المؤلف يؤلف؟ من غرفة العمليات يطلعنا على سيناريو حرب حاشدة مكثفة تقتحم فيها إسرائيل سيناء، «وسيعمل الجيش المصري على حماية أرضه، الأمر الذي سيجبر قوات الدفاع الإسرائيلية على تدمير الوحدات المصرية أو إجبارها على التقهقر». ويقول: إن إسرائيل، بعد الحرب القادمة، قد تحتل بعض المناطق في سيناء، وإنها لن تصادف أثناء تقدمها في سيناء «تحصينات كتلك التي كانت موجودة في حروب 1956 و1967، ومن ثم لن يعيق شيء طريقها، ستقوم قوات الدفاع الإسرائيلية بتفكيك أية بنى أساسية يكون الجيش المصري قد بدأ في إقامتها هناك… سوف تبذل قوات الدفاع الإسرائيلية أقصى جهدها من أجل سحق القوات المصرية بسيناء»

رغم معاهدة السلام 1979، يوقن إيهود إيلام بأن مصر تظل «التحدي الرئيسي في أية حرب… قد لا تسعى مصر إلى مواجهة مع إسرائيل، لكن إن حدثت… وبما أن لمصر جيشًا قويًا، فعلى قوات الدفاع الإسرائيلية أن تكون مستعدة لهزيمته، لأنها لو لم تكن كذلك، فقد يغري هذا مصر باختبار قوة إسرائيل. سيكون نجاح مصر في نشر قوات لها بسيناء من دون رد مناسب من جانب إسرائيل- ناهيك عن ثباتها في مواقعها ضد الهجمات الإسرائيلية- ضربة هائلة لإسرائيل». رغم المعاهدة، تظل مصر هي العدو، والسلام معها- كما قال عوزي ديان الرئيس السابق لمجلس الأمن الوطني- يتأسس على جعل سيناء «منزوعة السلاح».

سيناريو الحرب القادمة- كما يعلن المؤلف- تكرار لاجتياحَيْ 1956 و1967، «بضربة استباقية». وقد مرّ الكتاب في صمت، كأن الحرب- التي يحدد المؤلف الصهيوني تفاصيلها- ستقع في هضبة التبت بين الهند والصين.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الحرب القادمة

إقرأ أيضاً:

هل تنجح هجمة أوروبا على إسرائيل في وقف الحرب؟

"يسعدني أن هناك اليوم عددًا متزايدًا من الأميركيين الذين سيفهمون ما فعلت، وربما يرونه أكثر الأفعال عقلانية"، هكذا عقّب إلياس رودريغيز على عملية إطلاق النار التي نفذها ضد موظفي السفارة "الإسرائيلية" في الولايات المتحدة، والتي يرى الكثيرون أنها أتت في سياق رأي عام غربي يتصاعد في رفضه حرب الإبادة، ويترافق مع مواقف رسمية أوروبية ضاغطة على "إسرائيل" مؤخرًا.

مواقف مستجدة

شهدت الأسابيع الماضية تصعيدًا ملحوظًا في خطاب ومواقف أوروبية ضد "إسرائيل" على خلفية استمرار عدوانها على غزة وبشكل أكثر دقة بسبب منعها دخول المساعدات للقطاع على مدى ما يقرب من ثلاثة أشهر.

فقد أصدر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني بيانًا مشتركًا هددوا فيه بعدم الوقوف "مكتوفي الأيدي" إزاء ما عدّوه "أفعالًا مشينة" ترتكبها حكومة نتنياهو، ملوّحين باتخاذ "إجراءات عقابية ملموسة" ضدها، إذ لم توقف العملية العسكرية وتسمح بإدخال المساعدات فورًا وبكميات كافية.

كما طالبها وزراء خارجية 22 دولة، في مقدمتها ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وكندا، وأستراليا، "بالسماح بدخول المساعدات بشكل كامل وفوري" تحت إشراف الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، في رفض علني ومباشر الآليةَ التي اقترحتها بالتعاون مع واشنطن.

إعلان

كما وصف وزير خارجية بريطانيا الحصار المفروض على غزة بأنه "غير أخلاقي ولا يمكن تبريره"، معلنًا تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرّة مع "إسرائيل"، وفرض عقوبات على منظّمات ومستوطنين متورّطين بالعنف في الضفة الغربية.

وفي تصعيد أوروبي غير مسبوق، بدأ وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مناقشة دعوات قدّمتها عدة دول لتعليق اتّفاقية الشراكة بين الاتحاد و"إسرائيل"، في ظلّ أحاديث عن دعم أغلبية الأعضاء.

كما أكّد ماكرون أن "كل الخيارات مطروحة" للضغط على "إسرائيل" لوقف الحرب وإدخال المساعدات، مع التلويح بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. ووصف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز "إسرائيل" بـ "دولة الإبادة"، رافضًا التعامل التجاري معها.

قبل ذلك، كانت ست دول أوروبية، هي أيرلندا، وإسبانيا، وسلوفينيا، ولوكسمبورغ، والنرويج، وآيسلندا، قد أصدرت بيانًا مشتركًا عدّت فيه مساعي "إسرائيل" لتهجير سكان غزة "ترحيلًا قسريًا، وجريمة بموجب القانون الدولي"، منتقدة تعمّد منع دخول المساعدات.

على الجانب الآخر من الأطلسي، تواترت تصريحات أميركية بأن ترامب "يريد وقف الحرب"، في خلاف شبه علني مع نتنياهو، كما أجّل وزير الدفاع الأميركي زيارة كانت مقررة لـ "إسرائيل"، وأكد أكثر من مصدر أميركي أن إدارة ترامب مستمرة في تواصلها المباشر مع حركة حماس، رغم اعتراض نتنياهو، فضلًا عن خلافات علنية بين الجانبين بخصوص المفاوضات الأميركية – الإيرانية وطريقة التعامل مع الحوثيين.

يضاف كل ذلك إلى الحركة الطلابية في الجامعات الأميركية التي ما زالت عالية السقف ضد الحرب، وضد ترهيب الطلاب المتضامنين مع الفلسطينيين.

ويرى الكثيرون أن العملية التي نفذها رودريغيز تأتي في سياق الرأي العام الغاضب من استمرار الإبادة والتجويع، لا سيما أنها أتت من شخص غير عربي أو مسلم، فضلًا عن تعليمه وثقافته واطّلاعه على القضية الفلسطينية وحرب الإبادة بكامل تفاصيلها، وحديثه الملموس عن "المسؤولية الإنسانية"، و"تواطؤ الحكومة الأميركية"، واستمرار دعمها حكومة الاحتلال.

إعلان الدوافع

لا يمكن النظر للمواقف الأوروبية على أنها مواقف مبدئية مع الفلسطينيين وقضيتهم، فقد تبنّت معظم هذه الدول سردية الاحتلال بخصوص هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وأيدت ما أسمته "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". بيد أن أكثرَ من سنة ونصفٍ من حرب الإبادة المستمرة، قد راكمَ عدة دوافع وأسباب ساهمت في بلورة الموقف الأوروبي – الغربي المستجد.

في المقام الأول، ليست حرب الإبادة مما يمكن تأييده، تحديدًا بشكل علني ورسمي، لا سيما بعد أن تحوّلت منذ أشهرها الأولى إلى إبادة وحصار وتجويع للمدنيين، ثم تواترت التصريحات الرسمية، ولا سيما من وزير المالية سموتريتش، بضرورة إعادة احتلال القطاع وتفريغه من سكانه.

هنا، تتبدّى رغبة أوروبية بالتنصّل من حرب الإبادة وتبعاتها، ولا سيما في البعد الإنساني، وبشكل أكثر دقة بخصوص قتل الأطفال واستهداف المدنيين بشكل مكثف ومتكرر ومقصود. حيث أكدت وزارة الصحة العالمية أن غزة تواجه "إحدى أسوأ أزمات الجوع عالميًا"، مما يتسبب بوفاة عشرات الأطفال بسبب "الحرمان المتعمّد من الغذاء".

ينطلق ذلك من رغبة أوروبية في تأكيد "المنطلق الأخلاقي" في النظر للقضايا، وكذلك استشعار المسؤولية الأوروبية عن أفعال "إسرائيل" التي نُظر لها لعقود على أنها ممثلة الغرب المتحضر في قلب الشرق الأوسط، فضلًا عن الحقائق التاريخية بخصوص دور أوروبا في إنشائها بالأساس.

إضافة إلى ذلك، يتابع القادة الأوروبيون التغير الكبير في الرأي العام في بلادهم من "إسرائيل" والقضية الفلسطينية، ولا سيما بين الأجيال الجديدة، وهو ما يخشون ارتداده عليهم بشكل سلبي، وخصوصًا في الاستحقاقات الانتخابية، وقد كانت الانتخابات البريطانية العام الفائت مثالًا حيًا على ذلك.

وكمثال يمكن تعميمه بدرجة أو أخرى، فقد أوضح استطلاع للرأي أُجري في يونيو/ حزيران من العام الفائت، أن 54% من الشباب البريطاني (18-24 عامًا) يرون أن "إسرائيل لا ينبغي أن توجد"، بينما رأى نصفهم أنها هي المسؤولة عن الحرب وليس الفلسطينيين.

إعلان

كما أن الاعتداءات "الإسرائيلية" في مجمل المنطقة، في لبنان رغم وقف اتفاق إطلاق النار، وضد سوريا دون أي خطر منها، والتهديد المتكرر لإيران واليمن، تعمّق عدم الاستقرار في المنطقة، وبالتالي تسير عكس اتجاه السياسات الأوروبية وعلى النقيض من مصالحها. ولعل حادثة إطلاق النار على دبلوماسيين أوروبيين وعرب في جنين يظهر إلى أي مدى فقدت "إسرائيل" عقلها.

وأخيرًا، قد تكون المواقف الأوروبية في جزء منها مناكفة أو ردًا ضمنيًا على سياسات الرئيس الأميركي غير المرضية بالنسبة لها، ولا سيما ما يتعلق بالحرب الروسية – الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية.

أي تأثير؟

السؤال الأكثر إلحاحًا الآن هو إلى أي مدى يمكن أن تؤثر المواقف الأوروبية والغربية الأخيرة على استمرار الحرب.

بالنظر إلى توجهات حكومة الاحتلال، والدعم الأميركي المستمر، والمواقف الإقليمية الرسمية، والوضع الميداني في غزة، لا يمكن انتظار تأثير أوروبي مباشر يؤدي لوقف الحرب. لكن ذلك لا يعني أن الخطوات الأوروبية بلا أثر بالمطلق.

فقي المقام الأول، ثمة موقف عابر للدول يكاد يشمل معظم أعضاء الاتحاد الأوروبي ومعهم بريطانيا، برفض استمرار الحرب وضرورة إدخال المساعدات، وهي الدول الأكثر دعمًا لـ"إسرائيل" تقليديًا. يعني ذلك أن الأخيرة تفقد بشكل ملحوظ رصيدها الداعم لها في الغرب ليس فقط على صعيد النخب والشعوب، ولكن أيضًا على الصعيد الرسمي.

كما أنّ الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الأكبر لدولة الاحتلال، وبالتّالي فإن مضيّه في مسار تعليق اتفاقية الشراكة وغيرها من العقوبات الاقتصادية المحتملة، قد تكون له آثار سلبية وربما كارثية على اقتصاد الحرب في "إسرائيل" المتراجع أصلًا.

من جهة ثالثة، فإن تواتر المواقف الدولية الضاغطة على نتنياهو وحكومته يشكل دعمًا كبيرًا وتحفيزًا للمعارضة الداخلية ضد نتنياهو على الصعيدين؛ الشعبي والسياسي، وهو ما لاحت بعض إشاراته في الأيام القليلة الأخيرة.

إعلان

فقد حذر رئيس الحزب الديمقراطي "الإسرائيلي" يائير غولان من تحول "إسرائيل" إلى دولة منبوذة دوليًا لأنها "تقاتل المدنيين، وتقتل الأطفال كهواية، وتعمل على ترحيل السكان".

وقال رئيس الوزراء السابق إيهود باراك إن الهدف الحقيقي لما أسماه "حرب الأشرار" هو "ضمان بقاء نتنياهو، لا أمن إسرائيل"، داعيًا إلى الإطاحة به. كما دعا رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت إلى سحب الجيش من غزة وإنهاء الحرب، طالبًا "مساندة المجتمع الدولي للتخلص من بن غفير وسموتريتش ونتنياهو".

في المحصلة، فإن المواقف الأوروبية والغربية الأخيرة تشكّل ضغطًا كبيرًا على نتنياهو وحكومته، خارجيًا وداخليًا، وهو ما يمكن أن يساهم مع عوامل أخرى إضافية في وقف الحرب مستقبلًا. بينما قد يكون تأثيرها المباشر والسريع المتوقع هو السماح بإدخال المزيد من المساعدات للقطاع استجابة للضغوط كما حصل مؤخرًا.

وتبقى الحرب الحالية الخالية من أي أهداف عسكرية وبرنامج سياسي لما بعدها عبئًا على الأطراف الداعمة للاحتلال، ويبقى ملف الأسرى عامل ضغط إضافي في المدى المنظور، ما يعزز إمكانية وقف الحرب لاحقًا إذا ما توفرت عوامل ضغط إضافية.

وهنا تتبدى مسؤولية منظومة العمل العربي والإسلامي الرسمي، بشكل مباشر، وكذلك من خلال العلاقات مع الإدارة الأميركية التي أثبتت مرارًا أن ترامب قابل لتغيير المواقف وحسم القرارات إذا توفّرَ ما يقنعه و/ أو يغريه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • قوات الدعم السريع تضرب هدفين استراتيجيين جنوب البلاد
  • رئيس الموساد الإسرائيلي يصل واشنطن لإجراء مباحثات بشأن غزة
  • العاهل الأردني يشدد على ضرورة تكثيف الجهود لوقف الحرب في غزة
  • إسرائيل توسع العمليات البرية بقطاع غزة وغارات مكثفة تسفر عن شهداء وجرحى
  • ما رسالة إسرائيل من استدعاء 450 ألفا من قوات الاحتياط؟
  • أمريكا والحرب
  • إسرائيل تواصل عدوانها على جنين ومخيمها لليوم 126 على التوالي
  • هل تنجح هجمة أوروبا على إسرائيل في وقف الحرب؟
  • الأعراف والأسلاف اليمنية والحرب الناعمة .. معركة على الهوية
  • لجنة اقامة ومتابعة الدعاوي الدوليه تناقش خطة التقاضي الدولي والاقليمي للمرحلة القادمة ضد قوات الدعم السريع المتمردة