تُعدّ الكلمة الطيبة طاقةً إيجابية عظيمة الأثر، قادرة على انتشال الإنسان من حافة السقوط ورفعه إلى قمم العطاء والنجاح ، فهي تزرع في النفس الأمل، وتمنح التقدّم، وكأنها جسرٌ يعبُر به الإنسان فوق العقبات نحو أهدافه بثقة وسلام.
لقد أولى ديننا الإسلامي الحنيف أهمية بالغة للكلمة الطيبة، حتى أنه جعلها صدقة، لما تحمله من أثر نفسي واجتماعي عميق، فهي تفتح القلوب، وتبث الطمأنينة، وتُعيد للإنسان ثقته بنفسه، وحين ندرك قيمة ما ننطق به من كلمات، نصبح أكثر وعيًا بتأثيرها على من حولنا، فنُسهم في بناء أجيال واثقة، مشحونة بالإيجابية، تتعامل بلطف واحترام في حياتها اليومية.
ومع الأسف، باتت بعض المجتمعات تميل إلى استخدام الألفاظ الجارحة بين الأهل والأصدقاء ، ظنًّا منهم أن في ذلك دلالة على القرب والمودة، بينما يُختار أجمل الكلام للغرباء، وهذه الظاهرة، وإن كانت تبدو بسيطة، إلا أنها تنعكس سلبًا على الذوق العام والتعامل الاجتماعي، من هنا، تبرز الحاجة إلى نشر الوعي بأهمية الكلمة الطيبة عبر منابر الجمعة، والبرامج التوعوية، ووسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي؛ لتصبح ثقافة راسخة وسلوكًا يوميًا يعبر عن احترام الذات والآخرين.
إن كلماتنا مسؤوليتنا، فهي ملكٌ لنا ما لم ننطق بها، فإذا خرجت من أفواهنا أصبحت سلاحًا ذا حدين؛ إما أن تبعث الأمل، أو تزرع الألم ، فلنحرص أن تكون كلماتنا بلسمًا شافيًا لا سمًّا جارحًا، وأن نغرس هذه القيمة في أبنائنا وبناتنا داخل البيت والمدرسة والمجتمع.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
قمة شرم الشيخ واتفاق غزة.. بين الأمل والريبة
مقدمة:في مشهد غير مسبوق، اجتمع قادة من أربع دول مؤثرة في شرم الشيخ، ليعلنوا ما وصفوه بـ"اتفاق السلام التاريخي" حول غزة. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وقّعوا اتفاق وقف إطلاق النار الذي يُعد المرحلة الأولى من "خطة ترامب للسلام".
ورغم ما رافق الحدث من تغطية إعلامية واسعة وأجواء تفاؤل رسمية، فإن أجواء الشك تخيّم على الميدان، وسط تساؤلات حول التزام إسرائيل بالاتفاق، ورفض الفصائل الفلسطينية نزع سلاحها، واحتمال تفجّر الخلافات داخل الصف الفلسطيني ذاته.
المرحلة الأولى: اتفاق هش على أرض ملتهبة
قمة شرم الشيخ التي جمعت القادة الأربعة جاءت بعد أسابيع من التصعيد الدامي في غزة. وقد أعلن ترامب خلالها أن "المرحلة الأولى من خطة السلام" دخلت حيّز التنفيذ، وتشمل وقفا متبادلا لإطلاق النار، وفتح المعابر الإنسانية، وتبادل الأسرى والمعتقلين، وانسحابا جزئيا للقوات الإسرائيلية من بعض مناطق القطاع.
السيسي بدوره أكد أن "مصر ضامنة لتنفيذ الاتفاق"، فيما أبدى أردوغان ترحيبه الحذر مشددا على ضرورة "ضمان حقوق الشعب الفلسطيني وعدم المساس بسلاح المقاومة". أما الشيخ تميم فاعتبر أن "النجاح الحقيقي يبدأ حين يشعر أهالي غزة بالسلام والكرامة لا بالحصار".
الاتفاق حظي بدعم غربي محدود، لكنه قوبل بترحيب من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، مع دعوات لضمان استدامة الهدنة عبر آلية رقابة دولية مشتركة.
المرحلة الثانية: التحدي الأصعب
بحسب تصريحات ترامب في المؤتمر الختامي، فإن المرحلة الثانية من الخطة هي "الأكثر تعقيدا"، وتشمل ترتيبات سياسية وأمنية طويلة الأمد، أهمها "ضمان نزع سلاح الفصائل الفلسطينية" مقابل إطلاق مشاريع إعمار وتنمية واسعة في غزة.
لكن هذه النقطة بالتحديد فجّرت موجة من الرفض داخل الأوساط الفلسطينية، إذ اعتبرتها الفصائل "محاولة لانتزاع جوهر المقاومة وفرض الاستسلام تحت غطاء الإعمار".
قيادات من حركتي حماس والجهاد الإسلامي أعلنت صراحة أنها "لن تتخلى عن السلاح ما دام الاحتلال قائما"، بينما أبدت السلطة الفلسطينية ارتباكا في موقفها، مائلة إلى انتظار نتائج الميدان قبل اتخاذ قرار رسمي.
ويخشى مراقبون من أن يؤدي أي ضغط لنزع السلاح إلى انهيار الاتفاق وعودة التصعيد، خصوصا في ظل غياب ضمانات أمريكية واضحة تلزم إسرائيل بوقف عملياتها في القطاع أو الكفّ عن اغتيال قادة المقاومة.
الانقسام الفلسطيني يعقّد المشهد
من أبرز التحديات التي تواجه الاتفاق، الانقسام الداخلي الفلسطيني. فبينما ترى بعض القوى أن القمة تمثل فرصة لوقف نزيف الدم، تعتبرها أخرى محاولة لتهميش دور المقاومة وإعادة إنتاج "اتفاق أوسلو" بنسخة جديدة.
وتشير تسريبات من داخل غزة إلى تصاعد الخلاف بين الفصائل حول من يتولى إدارة المرحلة الانتقالية، ومن سيشرف على المعابر، ومن يملك حق التفاوض في المرحلة الثانية.
ويرى محللون أن غياب وحدة القرار الفلسطيني يهدد بتفريغ الاتفاق من مضمونه، ويمنح إسرائيل ذريعة للانقلاب عليه متى شاءت.
تخوّف من نكث العهود
رغم التصريحات الإيجابية، تتزايد المخاوف من أن يعمد ترامب أو إسرائيل إلى خرق الاتفاق بمجرد تحقّق مصالحهما. فالإدارة الأمريكية معروفة بتقلّب مواقفها، كما أن اليمين الإسرائيلي لن يقبل بسهولة بأي اتفاق يُبقي على بنية المقاومة في غزة. وتجارب السنوات الماضية، من "اتفاق القاهرة" إلى "هدنة 2014"، تؤكد أن إسرائيل نادرا ما التزمت بأي اتفاق طويل الأمد.
من هنا، فإن الميدان وحده – وليس المؤتمرات- سيُحدّد صدقية هذه الهدنة، خاصة إذا تكررت عمليات القصف أو التوغّل خلال الأسابيع المقبلة.
ما المطلوب لإنجاح الاتفاق؟
لكي لا يتحوّل اتفاق شرم الشيخ إلى ورقة إضافية في أرشيف الفشل العربي، يرى خبراء أن إنجاحه يتطلب:
1. رقابة دولية ملزمة تضمن تنفيذ البنود بدقة وشفافية.
2. ضمانات اقتصادية وإنسانية ترفع الحصار فعليا وتبدأ بإعمار غزة.
3. مصالحة فلسطينية شاملة تُعيد ترتيب البيت الداخلي وتمنح الاتفاق غطاء وطنيا.
4. آلية واضحة للردّ على أي خرق إسرائيلي، كي لا يتحول الفلسطينيون إلى ضحايا خدعة جديدة.
خاتمة:
قمة شرم الشيخ فتحت نافذة أمل، لكنها أيضا فتحت بابا واسعا للشك. فبين وعود ترامب، وقلق الفصائل، وضبابية المرحلة الثانية، يبدو أن طريق السلام ما زال محفوفا بالألغام. يبقى السؤال الذي يفرض نفسه: هل تكون هذه القمة بداية عهد جديد لغزة.. أم محطة أخرى في مسلسل "سلام بلا سلام"؟
سؤال للقراء:
هل ترون أن المقاومة الفلسطينية ستقبل مستقبلا بنزع سلاحها مقابل إعمار غزة، أم أن السلاح سيبقى عنوان البقاء ومصدر الكرامة في وجه الاحتلال؟