هل طلاق مريض الوسواس القهري يقع؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (ما مدى وقوع طلاق مريض الوسواس القهري؟ وهل يشترط لوقوعه التوثيق؟.
وأجابت دار الإفتاء، على السؤال، بأن مريض الوسواس مغلوب على عقله، ولا يقع له طلاق إذا طلَّق والحالة هذه على ما ذكره جمهور الفقهاء.
وظاهر عبارات الفقهاء من إطلاق كلمة "الموسوس" أنها تشمل جميع أحواله التي تُغلب فيها على عقله بإطلاق، بينما عَنَى المالكية بـ"الموسوس" المُسْتَنْكَح، وهو الذي لازمه الشَّك أغلب أحواله وأيامه بحيث لا ينقطع عنه، أو ينقطع لكن زمن إتيانه يزيد على عدم إتيانه، كما في "مواهب الجليل" للعلامة الحطَّاب (1/ 301، ط.
وأوضحت دار الإفتاء، أن حالة الوسواس القهرية ينعدم معها إملاك الزوج لأنه يغلب عليه الاضطراب والخلل في أقواله وأفعاله، فيسبق اللـفظُ منه بلا قصد لـه إليه، أو من غير تفكيرٍ في معناه، أو استيعابٍ لمآل ما يقول، أو يسيطر عليه الحال فلا يستطيع منع نفسه من التلفظ بالطلاق، فيخرج منه رغمًا عنه، ومن ثَمَّ فهذه الأوصاف المذكورة تجعل المصاب بهذا المرض فيما قرره العلَّامة ابنُ عابدين بقوله في "رد المحتار" (3/ 244، ط. دار الفكر) بحثًا واستخلاصًا: [الذي ينبغي التعويل عليه في المدهوش ونحوه: إناطة الحكم بغلبة الخلل في أقواله وأفعاله الخارجة عن عادته، وكذا يقال فيمن اختل عقله لكبر أو لمرض أو لمصيبة فاجأته، فما دام في حال غلبة الخلل في الأقوال والأفعال لا تعتبر أقواله، وإن كان يعلمها ويريدها؛ لأن هذه المعرفة والإرادة غير معتبرة لعدم حصولها عن الإدراك صحيح، كما لا تعتبر من الصبي العاقل] اهـ.
وقد جاء في قضاء النقض المصري الطعن رقم (28) لسنة 48 قضائية (جلسة: 13 فبراير 1980م) أن: [طلاق الغضبان لا يقع إذا بلغ به الغضبُ مبلغًا لا يدري منه ما يقول، أو يفعل، أو وصل به إلى حالة من الهذيان يغلب عليه فيها الاضطراب في أقواله أو أفعاله، وذلك لافتقاده الإرادة والإدراك الصحيحين] اهـ.
صور طلاق مريض الوسواس
وأضافت دار الإفتاء، أنه بتتبع ألفاظ الطلاق التي تصدر من زوجٍ مصابٍ بمرض الوسواس، تبين أنها تتنوع على ثلاث صور:
- الأولى: تلفظ مريض الوسواس بألفاظ لا علاقة لها بالطلاق، ولكن تحدثه نفسه بأنَّ هذه الألفاظ قد تكون سببًا في وقوع الطلاق.
- والثانية: وسوسة الزوج في وقوع طلاقه بسبب جريان لفظ الطلاق على فكره من غير تلفظ به.
- والثالثة: شكُّ الزوج وتردده في صدور ألفاظ الطلاق منه من عدمه.
وأشارت إلى أن هذه الصور الثلاث لا يقع معها طلاقٌ؛ لانعدام التلفظ في الصورتين الأوليين، وهو ركنٌ من أركان الطلاق التي ينعدم الطلاق بانعدامه، سواء نوى بها الزوج الطلاق أو لم ينوه، حاله في ذلك كالصحيح، كما هو مذهب جماهير الفقهاء، ومن ثمَّ: فلا أثر لجريان أفكار الطلاق على خاطر الزوج في حصول الطلاق ما دام أنه لم يصدر منه لفظ الطلاق، أو ما يقوم مقام اللفظ كالكتابة، وذلك بناءً على أنَّ الله تعالى وضعَ الألفاظ بين عباده دلالةً للتعبير عن مُرادِهم ومكنوناتِ نفوسِهِم.
ولذلك رتَّب الشرعُ الشريفُ الأحكام على تلك الإرادة بواسطة الألفاظ المُعبِّرة عنها، لا على مُجَرَّدِ ورود معانيها في النفوس دون الدلالة عليه بقولٍ أو فعلٍ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ» متفقٌ عليه، زاد الإمام البخاري: قال قتادة: "إذا طلَّقَ في نفسهِ فليسَ بشيءٍ".
وقد سبق وأن أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى بعنوان: "خواطر طلاق" (رقم 27 لسنة 1986م، سجل 121)؛ حيث جاء فيها: [ولمَّا كان الظاهر من السؤال أنَّ السائل لم ينطق بلفظ الطلاق، بل لا وطر له فيه أصلًا وإنما يأتيه هاتف من داخله يأمره بعدم فعل شيء معين وإن خالف تكون امرأته طالقًا، وهذا ممَّا يندرج تحت الحديث النفسي الذي لا يقع به طلاق، لما كان الأمر كذلك: فإنه لا يقع طلاق بذلك، سواء فعل السائل ما أُمر بعدم فعله ناسيًا أو عامدًا] اهـ.
وأما عدم وقوع الطلاق في الصورة الثالثة -وهي شك الزوج في أنه تلفَّظ بالطلاق أو لا-: فلأن الشرع الشريف لا يُرتِّب أثرًا على الشَّك ولا يرفع به يقينًا، فالحياة الزوجية القائمة بين الزوجين ثابتةٌ بيقين، وما ثبت بيقين لا يُرفع إلا بيقين مثله. ينظر: "المنثور في القواعد الفقهية" للإمام الزركشي (3/ 135، ط. أوقاف الكويت)، و"الأشباه والنظائر" للإمام السيوطي (ص: 55، ط. دار الكتب العلمية).
وهو ما نص عليه الفقهاء في أحكام الشك في أصل وقوع الطلاق:
قال العلامة الحَصْكَفِي الحنفي في "الدر المختار" (ص: 212، ط. دار الكتب العلمية): [عَلِمَ أنه حلف ولم يدرِ بطلاقٍ أو غيره: لَغَا؛ كما لو شكَّ أطلَّق أم لا] اهـ.
وقال العلامة ابن جُزَيٍّ المالكي في "القوانين الفقهية" (ص: 153، ط. دار القلم): [إن شك هل طَلَّق أم لا؟ لم يلزمه شيء] اهـ.
وقال العلامة الخَرَشِي المالكي في "شرحه على مختصر خليل" (4/ 65، ط. دار الفكر): [والفرق بين الشَّك في الحدث والشَّك في الطلاق حيث ألغي في الثاني دون الأول: هو أن الشَّك في الحدث راجع إلى استيفاء حكم الأصل؛ فإن الأصل شغل الذمة بالصلاة فلا يبرأ منها إلا بيقينٍ، وفي الطلاق راجع إلى رفع حكم الأصل، فإن الأصل في الزوجة النكاح المبيح للوطء وهو لا يرتفع بالشَّك] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (4/ 491، ط. دار الكتب العلمية): [(فصلٌ) في الشك في الطلاق.. إذا (شكَّ) أي: تردَّد برجحانٍ أو غيره (في) وقوع (طلاق) منه.. (فلا) نحكم بوقوعه، قال المحاملي: بالإجماع؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ الطلاق وبقاءُ النكاح] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (7/ 492، ط. مكتبة القاهرة): [وإذا لم يَدْرِ أَطَلَّقَ أَمْ لا: فَلا يَزُولُ يَقِينُ النِّكَاحِ بِشَكِّ الطَّلاقِ] اهـ.
وذكرت أن الواجب فعله على المريض بالوسواس القهري في هذه الحالة، ولا يُكلَّف المبتلى بالوسواس القهري الذهاب إلى المأذون لتوثيق الطلاق، بدعوى الاطمئنان وتبرئة نفسه من احتمالية وقوع الطلاق، وذلك حفاظًا على حياته الزوجية والأسرية التي يتشوف الشرع الشريف إلى استقرارها والحفاظ عليها وحمايتها، حيث وضع لها سياجًا لحمايتها وصيانتها، ومنه عدم المسارعة بالقول بوقوع الطلاق إلا بتوفر أركان الطلاق وشروطه، والأصل عدمُ الطلاق وبقاءُ الزواج.
وعلى المريض أن يذهب إلى الطبيب بحثًا عن العلاج والخلاص ممَّا أصابه، فمن رحمة الله بعباده أن شَرَع لهم العلاج والتداوي من الأمراض واعتبره نوعًا من أنواع الأخذ بالأسباب؛ فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قال: قَالَتِ الأَعْرَابُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: «نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، أَوْ قَالَ: دَوَاءً إِلَّا دَاءً وَاحِدًا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «الهَرَمُ». أخرجه الإمام أحمد في "مسنده"، والترمذي في "سننه" وقال: وهذا حديث حسن صحيح.
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ» أخرجه أبو داود في "سننه".
وبناءً على ذلك: فلا يقع طلاق الموسوس، ولا يُكَلَّف بتوثيق الطلاق والحالة هذه، وهو في حاجة إلى صبرٍ وتحملٍ في مقاومة هذا المرض وآثاره، وعليه أن يذهب إلى الطبيب المختص بحثًا عن العلاج وتخلصًا من هذا المرض.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء الوسواس القهري الوسواس القهری وقوع الطلاق دار الإفتاء اهـ وقال لا یقع الله ع
إقرأ أيضاً:
كيف أعرف أن الله قد عفا عني وسامحني؟.. الإفتاء تجيب
كيف أعرف أن الله قد عفا عني وسامحني؟ سؤال ورد الى دار الإفتاء المصرية.
وأجاب الدكتور أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، عن السؤال قائلا: إن الإنسان إذا فعل الانسان المعصية، ورجع الى الله سريعا.. عفا الله عنه وسامحه إذا كانت توبته نصوحة.
وأشار خلال بث مباشر سابق لدار الإفتاء إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم".
وأشار "ممدوح" خلال فيديو عبر صفحة دار الإفتاء المصرية على "يوتيوب" إلى أن هذا ليس تبريرا للمعصية.. ولكن فتحا لباب الرجاء أمام العصاة التائبين بأن باب القبول ليس مغلقا فى وجوهم.
وأوضح "ممدوح" أنك إذا أخطأت وعصيت ووجدت أن الله بعد هذه التوبة قد وفقك لطاعات، فهذه علامة إن شاء الله على العفو.
وتابع: عندما تكون توبتك صادقة بقلب خاشع مقبل نادم ندم حقيقي فيرجى أن تكون قد قبلت توبتك وعفا الله عنك.
وأكد أن الإنسان عليه الإكثار من عمل الحسنات فإن الحسنات يذهبن السيئات، وحسن الظن بالله، وربنا يعفو عنا جميعا.
كيف أعلم أن الله راض عني
العلامات الباطنية:
أن القلب يشعر بذلك، أي يشعر أنه مرتاح ومطمأن وسعيد، إذ قال النبي صل الله عليه وسلم: (المؤمن من سرته حسنته، وساءته سيئته).
لذلك فإذا قمت بالحسنة ووجدت قلبك فرحان وليس نفسك، لأنه إذا عصي الشخص الله كثيراً ستسعد نفسه، فهذا يعني أن الطاعة جيدة، وسيتقبلها الله بإذنه.
القلب هو المقياس، بمعني أنه إذا انشغل الشخص وهو يصلي ولم يخشع فسيشعر وكأنه لم يصلي، لأن قلبه لم يشعر، على الرغم من أن صلاته صحيحة فقهاً ومكتملة الأركان.
العلامات الظاهرة:
1.أن الإنسان يجد نفسه دائماً مستخدماً في الطاعة، ودائماً منهمك في الطاعات، هذا توفيقٌ رباني ودليل على رضي الله عنك.
2.أن تخرج من طاعة إلى طاعة دون أن يمل قلبه
3.أن تسأل نفسك هل أنت راضٍ عن ربك؟، بمعني هل ترضي عما يرزقك الله به؟، فالمولي عز وجل يريد أن يستنطقك.
فإذا كانت إجابتك بنعم وقلت أنا راضٍ عما رزقني الله به، فهذا يعني أن الله راضٍ عنك.
لأنك تذكر النعمة فكأنك تشكر الله على ما رزقك به، فيرضي عنك لأنك تحمده.
آثار رضا الله عن العبد
رضا الله -عزّ وجلّ- محلّ اهتمام المؤمنين وغاية مقصدهم، وتحقق ذلك لهم يكون كالحصول على أعظم وأكبر النعم في الدنيا والآخرة، وقد جعل الله -تعالى- جزاء عباده المؤمنين حقّ الإيمان هو رضاه -جلّ وعلا- عنهم؛ فإذا ما رضي العبد عن ربّه رضي الله -تعالى- عنه، كما أنّ رضا العبد عن ربّه يُعدّ من آثار رضا الله -تعالى- عنه، حيث يكون رضا الله -تعالى- سبباً ونتيجةً في الآن نفسه، وهو أعظم ما يمكن أن يحققّه العبد في حياته؛ فهو طمأنينة العابدين، وسكينة المشتاقين،[١٩] وإذا أراد العبد أن يعرف حال رضا الله -تعالى- عنه؛ ينظر إلى حال إيمانه، فمِن كمال رضوان الله -تعالى- عن العبد كمال إيمان العبد نفسه، حتى إذا ما رضي الله -تعالى- عن العبد أرضى عنه جميع خلقه.
علامات رضا الله عن العبد
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، إن من علامات رضا الله عن عبده التوفيق فإذا كنت تصلي مثلا ومواظب على الصلاة باستمرار دون انقطاع فهذا توفيق من الله بسبب رضاه عنك.
وأضاف خلال إجابته على سؤال ورد اليه يقول: "كيف أعلم أن الله راضي عني وهل هناك علامات على ذلك؟". قائلا: إذا كنت تداوم على فعل شيء تقربا لله فهو رضا من الله عليك كأن تداوم على صلاة ركعتين يوميا قبل نومك. و"أحب الأعمال الى الله أدومها".
وأوضح "جمعة" ان من بين علامات رضا الله عن عبده هو استجابة الله لدعاء عبده وفي نفس الوقت لا يمكن القول بأن عدم الاستجابة غضب من الله لعل كان التأخير أفضل فالله يعلم وانتم لا تعلمون.
ومن بين علامات الرضا أيضا: "منعك ولو قهرا من المعصية" كأن ان تكون متوجه بسيارتك لفعل معصية ما فتجد إطار السيارة قد تعطل في الطريق فهذا خير لك قدره الله حتى لا تتوجه الى فعل هذه المعصية.
وتابع المفتي السابق أن من بين علامات رضا الله عن عبده ان يكون لسان العبد رطبا من كثرة ذكر الله والتحكم في نفسه عند الغضب.