تجارة المخدرات تشعل نار الصراع بين محمد على الحوثي وقيادي آخر مقرّب من زعيم المليشيات
تاريخ النشر: 25th, November 2023 GMT
بعد أقل من شهر واحد من ضبط آخر شحنة مخدرات متجهة إلى الحوثيين في اليمن، استحدثت الجماعة إدارة جديدة لمكافحة المخدرات، في مسعى للسيطرة على تنافس أجنحتها حول هذا المصدر المالي الضخم، الذي يعد أهم مصادر تمويل الجماعة، وفق ما أكدته دراسة يمنية حديثة.
وبالتزامن مع ذلك، ضبطت قوات البحرية الأميركية سفينةً مجهولة الهوية محملة بالمخدرات أثناء مرورها في خليج عُمان، دون أن تعلن عن الجهة التي تتبعها الشحنة المضبوطة منتصف الشهر الحالي، والمقدر ثمنها بـ21 مليون دولار، أو وجهتها.
إلا أن هذه العملية ذكرت مجدداً بعشرات العمليات الشبيهة، التي ضبطت فيها البحرية الأميركية وحلفاؤها مخدرات إيرانية في طريقها إلى الجماعة الحوثية.
وتعود آخر مرة جرى فيها ضبط مخدرات إيرانية متجهة إلى الجماعة الحوثية إلى ما قبل ثلاثة أسابيع؛ حيث ألقت الأجهزة الأمنية في محافظة المهرة، على الحدود الشرقية للبلاد، القبض على خمسة من المهربين الإيرانيين، وبحوزتهم أربعة أطنان من المخدرات على متن زورق مخصص لأعمال التهريب.
واعترف البحّارة الإيرانيون بأن الكمية التي تم ضبطها بحوزتهم كانت لصالح الحوثيين في صنعاء، وأنه سيتم تسليمها لقيادات وعناصر ضمن خلية حوثية تنشط في المحافظة.
وبالتزامن مع هذه العملية، زعمت الجماعة الحوثية إحراق وإتلاف الكمية من مادة الحشيش المخدر في محافظة صعدة على الحدود الشمالية للبلاد، مدعية أنها ضبطتها قادمة من الأراضي السعودية، بعكس ما هو متعارف عليه من أن عمليات التهريب تستهدف السعودية.
وتثير الصور التي تنشرها جماعة الحوثي عن عمليات إتلاف وإحراق أطنان من المخدرات السخرية والتهكم في أوساط اليمنيين، حيث تظهر تلك الصور إحراق كميات محدودة جداً من العبوات التي يفترض احتواؤها على المخدرات المقدرة بالأطنان، أو إحراق نفايات المنازل بزعم أنها مخدرات.
وخلال العام الماضي فاق حجم تهريب المخدرات من إيران إلى الجماعة الحوثية المليار دولار، حسب مصادر أميركية تحدثت عن نقل مصانع للكبتاجون إلى مناطق سيطرة الجماعة، مقدرةً أن ما تتمكن القوات الأميركية وحلفاؤها من اعتراضه لا يتعدى نصف الكمية التي يتم تهريبها.
ومنذ أسبوع كشفت دراسة يمنية متخصصة في الجريمة المنظمة أن تجارة المخدرات كانت مصدراً رئيساً لتمويل الجماعة الحوثية، منذ ما قبل الانقلاب، إلا أن تلك التجارة تضاعفت بعد الانقلاب، وبلغ حجم الإنفاق الكلي السنوي على المخدرات بين 153 مليوناً و284 مليون دولار، بنسبة تمثل 43 في المائة من نسبة الإنفاق الفردي العام.
وبينت دراسة جرائم المخدرات وارتباطها بالجرائم المالية أن الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة اليمنية ضبطتا أكثر من 351 طناً من الحشيش المخدر، إضافة إلى 21 مليون حبة مخدرة، ناهيك عن 159 كيلوغراماً من الشبو، و808 كيلوغرامات من الكوكايين، ومليون و352 ألفاً و495 أمبولة مخدرة، و444 كيلوغراماً من الهيروين المخدر، خلال الفترة ما بين 2015 و2022.
ولم تتعرض الدراسة إلى الكميات التي ضبطتها قوات البحرية الأميركية والبريطانية في الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب خلال السنوات الماضية، وهي بالعشرات.
ومنذ الانقلاب الحوثي تحولت البلاد إلى سوق مفتوحة للمخدرات، ومكب لكل الممنوعات والمحظورات، وأصبح البلد سوقاً رائجة للكثير من أنواع المنشطات والمخدرات التي انتشرت بشكل لافت وبطريقة غير معهودة، وباتت تباع علناً بصورة لم يسبق لليمن أن شهد مثلها.
وقالت الدراسة إن الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية في اليمن أسهمت بشكل كبير في انتعاش تجارة المخدرات بمختلف أنواعها، وارتباط ذلك بتمويل الجماعة كونها تدر مبالغ مالية كبيرة، ويجري إدخال كميات كبيرة من المواد المخدرة عن طريق التهريب لتسهم تدفقاتها المالية غير المشروعة في الجريمة والفساد وتشويه الاقتصاد.
ونبهت الدراسة إلى أن ارتفاع مستويات التفاوت في الدخل يشجع على الاتجار بالمخدرات والفساد، وقد تؤدي صناعة المخدرات إلى إدامة التفاوت في الدخل، وتفاقمه، وهو ما قد يتسبب بدوره في توسيع نطاق إنتاج المخدرات والاتجار بها.
وورد في تحقيقات لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي الخاصة باليمن، أن المخدرات أحد سبعة مصادر تحصلت من خلالها الجماعة الحوثية على الأموال لتمويل حروبها.
وأخيراً ذكرت مصادر في العاصمة صنعاء أن إنشاء إدارة حوثية جديدة لمكافحة المخدرات يأتي في سياق صراع الأجنحة والتنافس على هذا المورد المالي المهم، مشيرة إلى عدد من الحوادث التي كشفت عن تورط قيادات حوثية بتجارة المخدرات، وحدوث تنافس حولها.
المصادر أفادت لـ«الشرق الأوسط» بأن قرار إنشاء الإدارة الجديدة اتخذه عبد الكريم الحوثي المعين وزيراً لداخلية حكومة الجماعة الحوثية التي لا يعترف بها أحد، وهي الحكومة التي تحمل منذ أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي صفة حكومة تصريف الأعمال في انتظار أن يجري تشكيل حكومة جديدة ضمن ما يعرف بالتغييرات الجذرية التي وعد بها زعيم الجماعة.
وطبقاً للمصادر، فإن خلافاً كبيراً نشب خلال الأسابيع الماضية بين القياديين محمد علي الحوثي عضو ما يعرف بالمجلس السياسي الأعلى (مجلس حكم الانقلاب)، وأحمد حامد مدير مكتب رئيس المجلس ذاته، على خلفية صراع مشرفين حوثيين في محافظة الحديدة حول كمية كبيرة من المخدرات، وهو الصراع الذي جرت محاولات احتوائه من طرف الحوثي وحامد، كل على حدة، لينتقل الصراع إليهما.
ولا يزال الخلاف مستعراً بين الطرفين، حيث يرغب كل منهما في أن يتولى حل الخلاف بين المشرفين الذين يتصارعون حول كمية المخدرات ويتبادلون الاتهامات بالاستيلاء عليها وبيعها للمهربين، ويتنافس الحوثي وحامد على حل الخلاف من أجل الحصول على نسبة من مبلغ بيع المخدرات، والدخول شريكاً في أعمال التهريب والبيع مستقبلاً، طبقاً للمصادر.
وفي أواخر أغسطس (آب) الماضي اشتبكت قوتان تابعتان لقياديين من الجماعة الحوثية، شمال العاصمة صنعاء، بمختلف أنواع الأسلحة بعد مداهمة إحداهما، التي لم يعرف القيادي الذي تتبعه، منزلاً تستخدمه القوة الأخرى التابعة لعبد الله الرزامي، مخزناً للمخدرات.
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
توحّش الميليشيات الحوثية يتجاوز الخطوط.. مؤيدوها تحت سيف القمع بعد الخصوم
في مشهد يعكس اتساع دائرة القمع الحوثي وتحول سلطتهم إلى كيان لا يرحم أحدًا، بات الموالون أنفسهم في مرمى العنف والانتهاك، كما حدث مؤخرًا مع الناشط المؤيد للجماعة فارس أبو بارعة، الذي تعرّض لاعتداء مسلح مروّع أمام منزله في صنعاء، على يد مجهولين يُعتقد أنهم مرتبطون بقيادات نافذة في الجماعة، بعد أيام فقط من منشور انتقد فيه فساد أحد أركانها.
الحادثة فتحت كشفت حقيقة ما يدعيه النظام القائم في صنعاء، وسلوكه القمعي الذي لم يعد يفرّق بين خصومه ومن كان بالأمس جزءًا من أدواته الإعلامية والدعائية.
فارس أبو بارعة، ناشط موالٍ للحوثيين ومرتبط إعلاميًا بميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، نشر قبل أيام منشورًا على حسابه في "فيسبوك" هاجم فيه القيادي في الجماعة عبد المجيد الحوثي، رئيس هيئة الأوقاف، متهمًا إياه بتعيين زوج ابنته مديرًا لمكتب الهيئة في محافظة إب، عقب ما وصفه بـ"تصفية معنوية" للمدير السابق أثناء احتجازه.
لم يمضِ على المنشور أكثر من ثلاثة أيام، حتى تعرّض أبو بارعة لهجوم مسلح من قبل سبعة رجال مدججين بالسلاح والهراوات، هاجموه أمام منزله وأمام عيني طفله الصغير، البالغ من العمر ست سنوات، والذي طاله الاعتداء أيضًا أثناء محاولة والده حمايته بجسده.
زوجة أبو بارعة، وفي منشور مقتضب على حساب زوجها، وصفت حالته الصحية بأنه "بين الحياة والموت"، مؤكدة أنه نُقل إلى المستشفى وهو يعاني كسورًا في اليد والأصابع وجراحًا متعددة، وسط غياب تام لأي تحرك أمني أو رسمي من سلطات صنعاء.
ما يلفت الانتباه أن الجهات الأمنية التابعة للجماعة، كعادتها، لم تعلن فتح أي تحقيق، في حين تتوالى الأسئلة بشأن هوية الجناة، الذين استقلوا سيارة "مجهولة الهوية" ثم فرّوا من موقع الجريمة دون أن يتعرضوا للملاحقة أو التعقب، الأمر الذي يُغذّي الشكوك بوجود توجيه أو غطاء رسمي للاعتداء.
يتفق متابعون وناشطون يمنيون على أن الحادثة تمثل نموذجًا صارخًا لطبيعة الحكم القائم في صنعاء، والذي يُدار وفق ما وصفه البعض بـ"المزاج النزق"، حيث يغدو القمع خيارًا دائمًا، يتخذ أشكالًا شتى: من إرسال مسلحين لتأديب المعارضين، إلى تفجير البيوت، ومداهمات المنازل، والاعتقال التعسفي، والتشهير والتشريد... وكلها أدوات تستخدمها الجماعة ضد من يعارضها أو حتى ينتقدها نقدًا داخليًا.
الكاتب والسياسي المعروف محمد المقالح، علّق على الاعتداء قائلًا إن ما تعرّض له أبو بارعة يختلف في الشكل فقط عن اعتداءات سابقة، بينها الاعتداء على الدكتور إبراهيم الكبسي، والذي أُخذ إلى قسم الشرطة بعد تعرضه لضرب مبرح وتحطيم سيارته، ثم خُيّر بين السجن والصمت، فاختار الصمت.
واعتبر المقالح أن أبو بارعة لم يُؤخذ إلى قسم الشرطة ولم يُعرض عليه الخيار ذاته، لأن "الجهة المعتدية في حالته لا تزال مجهولة"، مضيفًا بسخرية: "ربما السيارة فقط مجهولة، لا المعتدون"، قبل أن يعلن تضامنه الكامل مع الناشط المصاب.
لكن ناشطين آخرين رأوا أن التفرقة بين مسلحين بزي أمني وآخرين مدنيين باتت بلا معنى، طالما أن الجميع يتحركون تحت مظلة سلطة واحدة، وصفوها بـ"العصابة التي تحكم بلا قانون ولا مساءلة".
في أول منشور له بعد الحادث، كتب أبو بارعة – رغم آلامه وإصاباته – أنه لن يتراجع عن كشف الفساد مهما كان الثمن، مؤكدًا أن هدفه ليس الانتقام، بل محاسبة المعتدين في إطار القانون. وخاطب قادة الأمن الحوثيين قائلًا: "الأمن ليس شعارات.. بل فعل. والعدالة لا تأتي بالتمني، بل بالإرادة والقرار".
لكنه لم يوجّه الاتهام لأي جهة مباشرة، معتبرًا أن "من الصعب استبعاد أحد، في ظل غياب أي تحرك أمني حقيقي"، في إشارة ضمنية إلى البيئة الأمنية المختنقة في صنعاء، التي أصبحت غير آمنة حتى للموالين للجماعة.
الكثير من النشطاء الموالين في صنعاء أصبحو تحت مطرقة الانتهاكات الحوثية، فالولاء لم يعد كافيًا لحمايتهم، فإن خالفت مزاج المتنفذين أو لامست ملفاتهم الحساسة، فمصيرك الاعتداء أو الاختفاء".
في الوقت الذي تواصل فيه ميليشيا الحوثي الحديث عن "الدولة والعدالة ومحاربة الفساد"، تتسع قائمة ضحاياها لتشمل معارضين، وأكاديميين، وناشطين، وأخيرًا مؤيدين حاولوا ممارسة النقد الذاتي... ليجدوا أنفسهم بين الحياة والموت.
وما يفاقم خطورة الانتهاكات التي تمارسها ميليشيا الحوثي بحق حتى الموالين لها، هو الطابع العنصري والطبقي الذي بات واضحًا في تعاملها مع المنتقدين. فبينما يتم تجاهل الانتقادات الصادرة عن نشطاء محسوبين على عائلات هاشمية أو من يُعرفون بـ"آل البيت"، بل وتُعامل على أنها "نقدٌ بنّاء"، يُقابل نفس النقد حين يصدر عن نشطاء من خلفيات اجتماعية "دونية" – وفق التصنيف الحوثي – أو ممن لا ينتمون لصعدة أو للسلالة الحاكمة، بـالعنف والتأديب والإذلال.
قضية فارس أبو بارعة تمثل هذا الواقع بوضوح، إذ لم يشفع له ولاؤه السياسي والإعلامي للجماعة، لأنه لا ينتمي لدوائرها الطبقية المغلقة، مما جعل انتقاده يُعامل كجريمة تستحق العقاب، بعكس ما يحدث مع آخرين من داخل "السلالة" تُغض الطرف عن مواقفهم الأكثر حدة.
ويرى ناشطون أن هذا التمييز العنصري داخل صفوف الموالين أنفسهم يعكس بنية فكرية عنصرية تتعامل مع اليمنيين وفق مبدأ "السيد والخادم"، ويؤكد أن الجماعة لا تسعى لبناء دولة أو مشروع وطني، بل إلى تثبيت منظومة سلالية ترى النقد امتيازًا لا يُمنح إلا لـ"الصفوة"، بينما يعامل غيرهم كخونة أو خصوم في حال تجرؤوا على الكلام.
ويصف أحد النشطاء في صنعاء أن المشهد في المدينة مرعب، ليس فقط للرافضين للحوثيين، بل حتى للمؤمنين بهم، فالجماعة لم تعد تسمح بوجود أي رأي، حتى لو كان نابعًا من قلب مؤيديها. فارس أبو بارعة ليس أول من يدفع ثمن كلمة، وقد لا يكون الأخير، ما لم يُرفع الصوت مجددًا ضد سلطةٍ لم تعد ترى أمامها سوى سلاحها، ولا تسمع إلا صدى بطشها.