في ظل استمرار واشتداد المعارك بين القوات الروسية والقوات الأوكرانية، في الحرب الطاحنة التي تدور رحاها بين الطرفين منذ أواخر فبراير من العام الماضي، وسعي كل من الطرفين إلى إظهار تفوقه على الطرف الآخر؛ تأتي العاصفة الشتوية القاسية التي تضرب جنوبي أوكرانيا لتفاقم المصاعب التي يواجهها المدنيون والعسكريون الأوكرانيون على حد سواء.

وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن العاصفة الثلجية أدت إلى تقطع السبل بالمدنيين على الطرق، في حين ساهمت بتعقيد حركة المساعدات الإنسانية إلى المجتمعات المحلية التي دمرها القتال في جميع أنحاء أوكرانيا.

ومع انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون درجة التجمد في معظم أنحاء أوكرانيا، أصبح مئات الآلاف من المدنيين دون كهرباء، في الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، بعد انقطاع التيار عن مناطق بجنوب البلاد. كما تسببت العاصفة في إعاقة طرق الإمداد لجيشي روسيا وأوكرانيا، وعمقت بؤس عشرات الآلاف من الجنود المتجمعين في خنادق ضحلة عبر خط المواجهة مترامي الأطراف.

وضربت عاصفة شتوية قوية جنوبي أوكرانيا، مما أدى إلى جرف الدفاعات الساحلية الروسية من بعض الشواطئ في شبه جزيرة القرم المحتلة. وأغلقت السلطات الأوكرانية الطريق السريع الرئيسي بين مدينة أوديسا الساحلية والعاصمة كييف، بينما يتسابق عمال الإنقاذ، بما في ذلك بعضهم على عربات الثلوج، لإنقاذ الأشخاص الذين تقطعت بهم السبل في السيارات والحافلات.

وقالت خدمات الطوارئ الأوكرانية تم إجلاء أكثر من ١٦٠٠ شخص، من بينهم ٩٣ طفلا، من الطرق في منطقة أوديسا. وكتب وزير الداخلية الأوكراني، إيهور كليمينكو، على تطبيق تلجرام، إن "ما لا يقل عن ١٣٧٠ شاحنة بضائع كانت عالقة، وجرى سحب ٨٤٠ سيارة" بسبب تراكم الثلج، الذي وصل ارتفاعه في بعض الأماكن إلى مترين.

انقطاع التيار الكهربائي
وفي موسكو، قالت وزارة الطاقة الروسية إن أكثر من ١.٩ مليون شخص تضرروا من انقطاع التيار الكهربائي. وقال المشغلون في بيان إن شركات التشغيل الروسية اضطرت إلى تعليق تحميل النفط الخام على السفن في محطة نوفوروسيسك بسبب العاصفة.

وأعلنت وكالة النقل البحري والنهري الروسية فرض قيود في وقت مبكر من صباح الاثنين على الملاحة في البحر المفتوح وعلى الاقتراب من موانئها البحرية الرئيسية على البحر الأسود. وقال مسئولون محليون إن الكهرباء انقطعت عن أكثر من ٤٠٠ ألف شخص يعيشون في شبه جزيرة القرم، كما تعطلت خدمة القطارات على طول ساحل البحر الأسود وفوق جسر مضيق كيرتش.

وذكرت وسائل الإعلام الرسمية الروسية أن أحد البحارة توفي في المضيق أثناء العاصفة، لكن لم يكن من الواضح ما إذا كان مدنيًا أم جنديًا. والجسر فوق المضيق هو الرابط البري الوحيد بين روسيا وشبه الجزيرة المحتلة.

وقالت شركة الطاقة الأوكرانية "دتيك"، إن الروس قصفوا إحدى محطات الطاقة الحرارية التابعة لها بالقرب من الجبهة، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن الناس في المنطقة. وقالت الشركة في بيان: "نواصل بذل كل ما في وسعنا للحفاظ على التشغيل الموثوق لنظام الطاقة الأوكراني".

من جانبه حث الرئيس فولوديمير زيلينسكي الأوكرانيين على توخي الحذر وطلب التفكير بشكل خاص في الجنود في مواقع القتال القاتمة وهم يقاتلون من أجل الصمود في وجه الهجمات الروسية التي لا هوادة فيها. ومع تحرك العاصفة شمالا من البحر الأسود عبر أوكرانيا، مُنعت المركبات الكبيرة من دخول العاصمة كييف، حتى تتمكن أطقم العمل من إزالة الثلوج من الطرق.

ونادرا ما يهدأ القتال في أوكرانيا منذ أن شنت روسيا غزوها الشامل على البلاد في فبراير ٢٠٢٢. ومع ذلك، فإن العاصفة الثلجية كان لها تأثير على وتيرة المعارك هذه المرة. وأصبحت أوكرانيا الآن في موقف دفاعي إلى حد كبير في معظم أنحاء الجبهة. ويأمل القادة العسكريون أن تعمل ظروف الشتاء القاسية لصالحهم.

وفي حين أنهم ما زالوا أقل عددا وتسليحا في معظم النواحي، فإنهم يقاتلون على أرضهم. والأسبوع الماضي، قال المتحدث باسم القوات البرية الأوكرانية، فولوديمير فيتيو، إنه "مع تحرك أوكرانيا إلى الوضع الدفاعي، فإن تركيزها الرئيسي هذا الشتاء سيكون على تعطيل الخدمات اللوجستية الروسية، ومنع تسليم الأسلحة وحصص الإعاشة وغيرها من السلع الضرورية، حتى يجوعوا ويشعروا بالبرد، ولا يكون لديهم الرغبة في القتال".

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: القوات الروسية القوات الأوكرانية أوكرانيا انقطاع التیار

إقرأ أيضاً:

من أين تحصل أوكرانيا على المال للحرب؟ وكيف ستسدد ديونها؟

كييف– يعد التمويل أحد أبرز هواجس وأولويات حكومة أوكرانيا الجديدة بقيادة يوليا سفيريدينكو وسط حاجة ملحة لتغطية نفقات الحرب وتسيير أمور الدولة.

تنفق أوكرانيا على الحرب ما لا يقل عن 4.5 مليارات دولار شهريا، وتبلغ موازنة الدفاع والأمن لديها نحو 54 مليار دولار، أو 61% من الموازنة الإجمالية البالغة قرابة 94 مليار دولار.

الأكثر إنفاقا

وحسب وزارة المالية الأوكرانية، وجهت البلاد 26% من ناتجها المحلي الإجمالي نحو قطاع الدفاع والأمن العام الماضي، وباتت -بذلك- على رأس قائمة دول العالم في هذا المجال.

تقول خبيرة الاقتصاد، والناشطة السياسية، روكسولانا بيدلاسا: "هذا كان في العام الماضي. نار الحرب ستنهش 31.1% من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع بنحو 200 مليار دولار في 2025″.

وأضافت بيدلاسا في تعليق للجزيرة نت: للمقارنة فقط. أنفقت روسيا 3 أضعاف ما أنفقته أوكرانيا على الحرب (149 مليار دولار)، لكن هذا لم يتعد 7% من ناتجها المحلي العام الماضي. تنفق إسرائيل 8.8% من الناتج المحلي الإجمالي، ونحن ننفق أكثر بما لا يقل عن 20 مليار دولار".

أوكرانيا تنفق 61% من موازنتها على الحرب (وكالة الأناضول) خيار التمويل

يبدو أن الخيارات محدودة للغاية أمام الحكومة الأوكرانية لسد عجز سنوي بلغ نحو 40 مليار دولار في المتوسط خلال أعوام الحرب الماضية (2022-2024).

ولسد هذا العجز تعتمد البلاد على المنح والمساعدات الخارجية، والمزيد من قروض صندوق النقد الدولي لسد هذا العجز.

ويقول المدير التنفيذي لمركز البحوث الاجتماعية والاقتصادية الأوكراني، دميترو بويارتشوك: "لتغطية العجز، تدفقت إلى أوكرانيا مساعدات مالية خارجية من الشركاء، جاءت على شكل منح مجانية وقروض ميسرة".

ويضيف في تعليق للجزيرة نت: دخلت نحو 98% من المساعدات الخارجية إلى ميزانية الدولة، وتم توجيهها بشكل رئيس نحو قطاعات التعليم والطب والمعاشات التقاعدية وعمل جهاز الدولة. وبفضل ذلك، تم توجيه اقتصاد أوكرانيا بالكامل تقريبا نحو الحرب".

إعلان حاجة متزايدة

لكن حاجة أوكرانيا تزداد مع استمرار واشتداد الحرب، وقد لا تكون مساعدات بحجم 40 مليار دولار كافية خلال العامين الحالي والمقبل، إذ قالت رئيسة الوزراء وليا سفيريدينكو إن "الحرب ستطول، وكييف تتفاوض مع المانحين للحصول منهم ومن صندوق النقد الدولي على قروض مجموعها 75 مليارا تحتاجها البلاد خلال العامين القادمين".

وتوقع البنك الوطني الأوكراني (البنك المركزي)، في تقرير نشر نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي، أن تحصل كييف على 55 مليار دولار من الشركاء خلال العام الجاري.

ويقول أستاذ كلية كييف للاقتصاد، تاراس مارشالوك: زيادة الحاجة نابعة من ارتفاع نسبة التضخم بوتيرة تدريجية منذ بداية الحرب إلى ما تجاوز 100% في يونيو/تموز الماضي. وثمة حاجة لضخ 200-300 مليار هريفنا إضافية (4.7-7.1 مليارات دولار) في ميزانية الدفاع. والهريفنا هي عملة أوكرانيا.

رئيسة الوزراء الأوكرانية: الحرب ستطول وكييف تتفاوض مع المانحين للحصول على قروض مجموعها 75 مليار دولار (رويترز)

ويضيف في تعليق للجزيرة نت: "نظريا، تنتظر أوكرانيا تلقي نحو 58 مليار دولار من الشركاء في عام 2025. وأكبر مصادر التمويل الخارجي هي: برنامج القروض الميسرة المعتمد من قبل دول مجموعة السبع بـ39.6 مليار دولار، و 13.5 مليار دولار إضافية في إطار برنامج الدعم الأوروبي 2024-2027".

ويوضح مارشالوك أن كييف تأمل كذلك الحصول على أرباح الأصول الروسية المجمدة في البنوك الأوروبية، البالغ حجمها 50 مليار دولار.

أبرز الداعمين

ولا تكشف وزارة المالية الأوكرانية حجم المساعدات الكلي الذي حصلت عليه البلاد منذ بداية الحرب في فبراير/شباط 2022، لكن دراسة أجراها معهد كيل للاقتصاد العالمي في ديسمبر/كانون الأول 2024 ذكرت أن أوكرانيا تلقت نحو 267 مليار يورو (313.6 مليار دولار) كمساعدات حتى نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول 2024.

وحسب بيانات الدراسة، فإن حصة المساعدات العسكرية بلغت 130 مليار يورو (152.7 مليار دولار)، وحصة الدعم المالي 118 مليار يورو (138.6 مليار دولار)، في حين حصلت على 19 مليار يورو (22.31 مليار دولار) كمساعدات إنسانية.

وجاء لائحة أبرز المانحين والمتعهدين بتقديم مساعدات، وفق كشف نشرته وزارة المالية الأوكرانية في نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي كالتالي:

الولايات المتحدة بنحو 140 مليار دولار الاتحاد الأوروبي بنحو 116 مليار دولار  ألمانيا بما يقارب 43 مليار دولار بريطانيا 27 مليار مليار دولار  دول النرويج واليابان وكندا وهولندا والسويد والدانمارك وفرنسا بإجمالي يقارب 108 مليارات دولار.

وبحسب الوزارة أيضا، فإن هذه الدول وغيرها تعهدت بتقديم ما يصل مجموعه إلى قرابة 410 مليارات يورو (481.6 مليار دولار).

كيف ستسدد أوكرانيا الديون؟

بالإضافة إلى ما سبق، حصلت أوكرانيا منذ بداية الحرب على 9 شرائح قروض من صندوق النقد الدولي وصل حجمها في بداية شهر يوليو/تموز الجاري إلى 10.6 مليارات دولار.

وتدفع هذه الأرقام الضخمة الأوكرانيين وغيرهم إلى التساؤل: هل هي ديون؟ وكيف ستعمل كييف على سدادها قريبا أو في المستقبل، ولماذا لا تعتبر همّا يشغل حكومة كييف، على عكس المتوقع؟

إعلان

ويجيب أستاذ كلية كييف للاقتصاد، تاراس مارشالوك على هذه التساؤلات، قائلا: "معظم المساعدات التي حصلت عليها أوكرانيا من الولايات المتحدة كانت مجانية، ومع ذلك، تظل الديون من أكبر الأعباء التي سنواجهها. فحجمها تجاوز حاجز الـ190 مليار دولار في الربع الأول من العام 2025، أي ما يقارب نسبة 100% من الناتج المحلي".

مع ذلك، يقول مارشالوك في تعليق للجزيرة نت: "الحكومة لا تخوض في موضوع الديون، لأنه، وبسبب الحرب، حصلت على معظمها بشروط تفضيلية، تنص على عدم سداد جزء كبير من الديون إلا بعد سنوات عديدة، وعلى تحمل بعض الشركاء دفع تكاليف الفوائد جزئيا".

ويضيف "بعبارة أخرى، في السنوات الثلاثين المقبلة، لن نسدد هذه الديون. السداد سيكون على شكل امتيازات تفضيلية وخدمات تقدم للدول والجهات المانحة والمساعدة، وبالتالي لا تشكل الديون عبئا كبيرا في الوقت الحالي والمستقبل القريب"، على حد قوله.

ورغم هذه التسهيلات، يبقى اقتصاد البلاد في وضع صعب، فهو الآن في المركز الـ58 عالميا بعد أن كان في المركز 46 قبل الحرب، ويتوقع خبراء "فوربس" أن تعجز أوكرانيا عن تحسين موقعها خلال الأعوام الـ15 القادمة، إلا بمركز واحد فقط.

مقالات مشابهة

  • الحرب الروسية الأوكرانية: كتاب لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات يفوز بجائزة ثقافية لعام 2025
  • ترامب يمهل روسيا 10 أيام لوقف الحرب في أوكرانيا
  • فايننشال تايمز: العالم يخذل الشعب الفلسطيني.. والعار سيطارد الدول الغربية لسنوات طويلة قادمة
  • 16 قتيلاً وعشرات الجرحى في قصف روسي عنيف يستهدف منطقة زابوريجيا الأوكرانية
  • نيويورك تايمز: ناشطون إسرائيليون يعتبرون الانتقام من غزة جريمة
  • أزمة نفسية في صفوف جنود الاحتلال.. رفض للقتال وسجن وتأديب
  • ترامب: بوتين أمامه مهلة 10 أيام لإنهاء الحرب في أوكرانيا
  • ترامب يقلص مهلته لإنهاء الحرب في أوكرانيا
  • ترامب يدرس تقليص مهلة التوصل لوقف الحرب الروسية الأوكرانية
  • من أين تحصل أوكرانيا على المال للحرب؟ وكيف ستسدد ديونها؟