شبكة اخبار العراق:
2025-12-13@03:13:50 GMT

كل هذا الغبار من تلك الحروب

تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT

كل هذا الغبار من تلك الحروب

آخر تحديث: 2 دجنبر 2023 - 9:53 ص بقلم:فاروق يوسف ألا يزال ذلك الجندي الآشوري يحارب؟ تعرفت عليه في المتحف العراقي ولم أكن في حاجة إلى التعرف على عمره. فالمسافة بين ولادته وموته يغطيها الغبار نفسه الذي أثقل خطوات الملايين من رجال عصرنا والعصور التي سبقته الذين مشوا إلى أرض الموت مكللين بالأغاني التي لم يصدقوها.

“احنه مشينا للحرب”. كان يضحك وهو يسمعها. لا يصدق كلمة واحدة منها. “لست أنا من مشى”، يقول لي وهو يشير إلى قدميه. كان الغبار يعلوه حتى بعد أن يغوص في مياه المحيطات كلها ويخرج. فغبار الحرب يقيم عميقا في روحه. لا يصدق الآخرون أنه خرج حيا. غير أنه يعرف أن الحياة في مكان آخر. مكان لا تقع عليه أعين الآخرين الذين لم يعيشوا السنوات العمياء التي مرت به واخترقها مدفوعا بهواء الأناشيد الوطنية الثقيل. عاد حيا كما لو أنه لم يكن حيا من قبل. ذلك لغزه الذي لن يتمكن من شرح تفاصيل دروب متاهته. تلك متاهة لا تقع على الأرض. كانت الكوابيس جزءا من وجبته الليلية. لن يتمكن من وصف عشائه الأخير. وكل عشاء هو عشاؤه الأخير. “كلهم ميتون” سيكون متأكدا من أنه حين يعود لن يجد أحدا. سيجلب معه شيئا من الغبار. ذلك ما سيهبه طابع الشبح الخارج من التاريخ. لا زمن له بعد أن كان غادر بقوة الغبار الزمان الذي صدق يوما ما أنه ابنه. لم يعد في إمكانه أن يقنع أحدا بأنه عاش زمن الآخرين. فليس لديه ما يقوله. لديه أخبار لا يفهم لغتها أحد. لقد لعبت الجغرافيا بذاكرته. فبين معارك شرق البصرة وحرب غزة مسافة تسكنها الألغام المشبوهة بقدرتها على خلق الأوهام. لا شيء يهم في ما يعتبره الآخرون طرفي المعادلة المجنونة. إما النصر أو الهزيمة. تلك معادلة كاذبة. فلا نصر في الحرب ولا هزيمة. دع المنتصرين والمهزومين يحتفلون بنجاتهم. ولكن الحرب لم تنته بعد.

إما النصر أو الهزيمة. تلك معادلة كاذبة. فلا نصر في الحرب ولا هزيمة. دع المنتصرين والمهزومين يحتفلون بنجاتهم. ولكن الحرب لم تنته بعد

الأسوأ أنك حين تعود من الحرب تصدم أن البشر من حولك لم يتغيروا. إنهم كما تركتهم. ما زالوا يكذبون وينافس بعضهم البعض الآخر إلى درجة الحسد والغيرة وتمني الموت ويتمتعون بحيلهم الصغيرة كما لو أنهم يصنعون المعجزات ويضحكون من الفشل ويغيظهم النجاح ويصفقون للسياسيين الذين أقنعوهم بأن الحرب هي آخر الحلول ويسخرون من المفكرين الذين دافعوا عن السلام باعتباره مجموعة متلاحقة من المحاولات التي لا تنتهي. تحتاج حينها إلى كيلومتر من غبار الحرب في إمكانها أن تُلهم العالم تنفس هواء مختلفا، هو هواء الحقيقة التي انتهت إليها البشرية. تعرف أن صرختك لن تصل. فقد يعتبرك الكثيرون مجنونا. سيكون عليك أن تصدق أنك مجنون. ولكن جنون الحرب لا يعفي أحدا من هذيانه. نحن جميعا نهذي أيها الجندي الآشوري. حين تسلقنا الجبل لم نكن نرغب في رؤية قمته. كنا في كل خطوة صعود نفكر في الهبوط. ولكن الأرض التي صغرت أثناء صعودنا كانت أرضا أخرى غير التي غادرناها. لا أشجار ولا منازل ولا بحيرات ولا شوارع ولا كهوف ولا مزارع ولا حتى قصائد يمكن أن نغوي من خلالها الفتيات الجميلات. سوداء تلك الأرض التي طردتنا حين اختارتنا محاربين من أجل أوهام عدد من بنيها الذين أقنعوا الجميع بأنهم رأوا السماء قريبة وأن الأفق قريب. ذلك ما يحدث دائما. واقعيا لم ينج صدام حسين أو ياسر عرفات أو معمر القذافي من ذلك الوهم. “تلك هي أنوار القدس”، لطالما قالها عرفات بإلهام شبه إلهي. لا تأسف على ما فاتك أيها الجندي الآشوري. أنت تحارب منذ أكثر من ألفين وخمسمئة سنة. هل هي مهنتك؟ ليس حمل الغبار مهنة. ولكن للحروب حساباتها. وأنت ابن الحروب لا ابن الزمن. “عشت زمنا أسطوريا” يقول لي. يضيف “بدلا من 18 شهرا وهو زمن الخدمة العسكرية الإلزامية خدمت عشر سنوات بسبب الحرب مع إيران. لم أذهب إلى بيتي إلا وقتا قصيرا إلا واستدعيت للخدمة الاحتياط من أجل الحرب في الكويت. لقد صدقت ما قاله الآخرون من أنني خرجت حيا من الحرب الأولى وهو أمر غير مؤكد غير أنني لم أصدق أنني سأعود حيا من الحرب الجديدة. لقد استيقظ الغبار القديم في روحي وهو ما دفعني إلى السخرية من تفاؤل الآخرين. لقد خُلقنا إذاً للموت. ذلك ما يقولونه وهو ما تحققه لهم الحروب”. تلك خلاصة عيش لا حياة فيها. هناك أجيال عاشت وهي تتنفس غبار الحرب. إذا لم تكن إيران هناك أميركا أو إسرائيل. أما حين ترى المنتصرين وهم يرقصون فإنك تفكر بقبضة من غبار الحرب. قبضة واحدة كافية لكي يستيقظ الموتى من أوهامهم.

المصدر: شبكة اخبار العراق

إقرأ أيضاً:

تطبيقات جديدة تحوّل الحروب إلى سلع.. ومصير الشعوب إلى مقامرة رقمية

أوضح مطورو "بولي غلوب" في حديثهم مع "فوتوريزم" أن التطبيق لا يقتصر على عرض المراهنات، بل يدمج أيضاً بيانات "استخبارات مفتوحة المصدر (OSINT) في الوقت الفعلي"، مستنداً إلى تغريدات "أكثر المصادر موثوقية" على منصة  "إكس".

كشف تقرير جديد نشره موقع "فوتوريزم" أن منصات المراهنات القائمة على العملات الرقمية باتت تدرّ أرباحاً هائلة من خلال تحويل الأزمات الإنسانية والجيوسياسية إلى سلع تداولية.

ووفقاً للتقرير، تتصدر منصة "بولي ماركت" (Polymarket) هذا المشهد، حيث تتيح للمستخدمين وضع رهانات على نتائج كوارث مناخية، وانتخابات سياسية، وصراعات مسلحة، بمنطق يشبه سوق الأسهم أكثر مما يشبه لعبة الحظ التقليدية.

وأشار تقرير "فوتوريزم" إلى أن النمو السريع لـ"بولي ماركت" يعود جزئياً إلى سياسات التخفيف التنظيمي التي طبّقتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقد حوّلت المنصة نفسها، بفضل هذا المناخ التنظيمي، إلى الوجهة المفضلة للمراهنات المرتبطة بالصراعات الدولية.

وبحسب المعطيات التي استعرضها "فوتوريزم"، سجّلت "بولي ماركت" حجم تداول تجاوز ملياري دولار أمريكي في عام 2025، مع رهانات مركزة على أسئلة مثل "هل ستستولي روسيا على كامل مدينة بوكروفسك قبل 2026؟"، والتي ولّدت وحدها أكثر من 2.7 مليون دولار من الصفقات.

من رهانات رقمية إلى خريطة تفاعلية

ولمواكبة تعقيدات الساحة الجيوسياسية وتعدد بؤر التوتر، طوّر فريق تقني تطبيقاً جديداً باسم "بولي غلوب" (PolyGlobe) يربط الرهانات مباشرةً بخريطة رقمية للعالم.

ويسمح التطبيق للمستخدمين بالتنقّل عبر خريطة تفاعلية والضغط على مؤشرات جغرافية ــ مثل تلك المرسومة على خطوط المواجهة في الحرب الأوكرانية-الروسية ـــ للوصول فوراً إلى صفحة الرهان ذات الصلة على "بولي ماركت".

وأوضح مطورو "بولي غلوب" في حديثهم مع "فوتوريزم" أن التطبيق لا يقتصر على عرض المراهنات، بل يدمج أيضاً بيانات "استخبارات مفتوحة المصدر (OSINT) في الوقت الفعلي"، مستنداً إلى تغريدات "أكثر المصادر موثوقية" على منصة "إكس".

ورغم غياب معيار موحّد لانتقاء المصادر، تُظهر مراجعة سريعة أن حسابات مجهولة—مثل "Conflict_Radar" و"Osint613"—تشكّل العمود الفقري للمحتوى المعروض.

من تتبع بيتزا البنتاغون إلى مراقبة الحروب

ويأتي "بولي غلوب" من نفس الفريق الذي أطلق مشروع "بيتزا بنتاغون ووتش"، الذي يراقب عمليات توصيل البيتزا بالقرب من مقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) كمؤشر غير تقليدي للنشاطات الأمنية السرّية.

وأكد الفريق لـ"فوتوريزم" أنه شريك رسمي لـ"بولي ماركت" عبر برنامج "Builders Program"، ما يمنحه دعماً تقنياً مباشراً.

وفي منشور أطلقه الفريق على منصة "إكس"، عرض "بولي غلوب" واجهة تفاعلية تتضمّن اتجاهات الهجوم، ومناطق السيطرة الملوّنة، ومخططات أسعار الرهانات في الوقت الحقيقي—تشبه تماماً مخططات الأسهم.

وأشار الفريق إلى أن التطبيق "يعرض بالضبط منطقة العمليات التي يُعتمد عليها في تسوية الرهان، ويوضّح القاعدة بلغة واضحة". لكن هذه الميزة توقفت مؤقتاً بعد انتقادات من مجموعة "ديب ستيت" (DeepState)، التي طوّرت خريطة خط المواجهة في أوكرانيا واعتبرت استخدام بياناتها في المراهنات غير أخلاقي.

تطبيق موجّه لجمهور احترافي

وبحسب موقع "بولي غلوب"، فإن التطبيق مصمم خصيصاً "للمتداوليين، والباحثين، والصحفيين الذين يحتاجون إلى رؤية الأثر المالي للأحداث الجيوسياسية فور وقوعها، وفي الوقت الفعلي".

وأوضح الفريق لـ"فوتوريزم" أنه لا يجنى أرباحاً مباشرة من رهانات "بولي ماركت"، بل يعتمد حالياً على "رسوم المبدعين" المولّدة من عملته الرقمية الخاصة.

وأفاد المطورون أنهم يستكشفون وسائل بديلة لتحقيق الدخل، مثل "ترخيص البيانات" و"تمكين التداول مباشرةً على الموقع"، ما قد يوسع نطاق استخدام التطبيق خارج حدود المراهنات الحالية.

ورغم الادعاءات حول كفاءة "أسواق التنبؤ"، يشير تقرير "فوتوريزم" إلى وجود تحديات هيكلية. فخلال الجولة الأولى من الرهانات، يمكن لمراهن محترف أن يُزيّف الاحتمالات برهان ضخم، مما يولّد إجماعاً مشوّشاً. كما تُظهر دراسة نُشرت عام 2023—التي استعرضها "فوتوريزم"—أن سلوك المستخدمين غالباً غير عقلاني، نتيجة ظواهر مثل "مغالطة القماري" و"تأثير القرب من الفوز".

Related بسبب المراهنات.. إيقاف لاعب يوفنتوس الدولي فاجولي 7 أشهر مكاتب المراهنات تعارض نتائج الاستطلاعات في مسألة الانتخابات الأميركية الاتحاد التركي يفرض عقوبات قاسية على أكثر من 100 لاعب على خلفية فضيحة المراهنات درس هولندي عن هشاشة الرهان الجيوسياسي

وجسّد المثال الهولندي هذا الخلل. فقبل الانتخابات الهولندية في أكتوبر 2025، أشارت احتمالات "بولي ماركت" إلى فوز شبه مؤكد (95%) لحزب "الحرية" اليميني المتطرف على "ديمقراطيون 66". لكن أول استطلاع خروج ناخبين أظهر تفوّقاً مفاجئاً للحزب الليبرالي، ما دفع باحتمال فوزه للقفز من 5% إلى 100% في دقائق. ونتيجة لذلك، تغيّرت ملكية أكثر من 32 مليون دولار، منها 1.2 مليون دولار كانت رهانات مفتوحة ضد "D66"—قسم كبير منها من حسابات بأسماء مثل "WhiteLivesMatter".

ويخلص تقرير "فوتوريزم" إلى أن أسواق المراهنات، في أفضل الأحوال، ليست مؤشرات موثوقة على مصير الأحداث الجيوسياسية. وفي أسوأ الأحوال، فإنها تمثّل سوقاً للقمار يُبنى مباشرةً على الألم والدمار، ويفتح الباب أمام أشكال جديدة من الاستغلال على مستوى عالمي—حيث يتحول الصراع البشري إلى سلعة مالية، والعواقب المأساوية إلى فرص تداول.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • تطبيقات جديدة تحوّل الحروب إلى سلع.. ومصير الشعوب إلى مقامرة رقمية
  • البعثة الأممية تنظم جلسة توعوية حول «مخلفات الحروب» لأطفال طرابلس
  • مستشار حكومي: انهيار البنية التعليمية بسبب الحروب يعيق التحول الرقمي
  • بين الغبار والحصار.. مرضى القرنية بغزة يبحثون عن نور يعيد أبصارهم
  • عاجل | تحذيرات عاجلة … سيول وبرد قارس يضرب الأردن
  • شتاء غزة لم يعد كما كان.. كيف تركت الحروب المتتالية بصمتها على المناخ؟
  • السيّد: هل تكفي الدولارات القليلة التي تحال على القطاع العام ليومين في لبنان ؟
  • تناسل الحروب
  • اليمن.. وطن أكلته الحروب وأنهكته الصراعات
  • أكد نوايا بلاده القائمة على الاعتداءات وإشعال نار الحروب.. وزير إسرائيلي متطرف: الحرب مع سوريا حتمية