جريدة الوطن:
2025-05-21@02:46:36 GMT

الثقافة العربية وضرورات كسر حاجز اللغة

تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT

الثقافة العربية وضرورات كسر حاجز اللغة

اليوم يضطر الفنَّان العراقي (الواسع الانتشار عربيًّا)، كاظم الساهر، إلى وضع أنواع الدروع على صدره لصدِّ السّهام الموجَّهة إليه بشيء من الضَّغينة والحقد (أحيانًا) بسبب أغنيته المُهمَّة المعنونة بـ»أوقفوا إطلاق النَّار» باللغة الإنجليزيَّة Hold the Fire.
والغريب في الأمْرِ هو أنَّ أغلَب مهاجميه ومنتقديه بسبب هذه الأغنية باللغة الإنجليزيَّة كانوا من العراقيِّين الَّذين نتوقع مِنْهم التشجيع (وليس سهام التجريح)، فلك الله أيُّها الفنَّان القدير.


المُهمُّ في سياق جدلي، كما أرى، هو أهمِّية «كسر حاجز اللغة» الَّذي أبقى الثقافة العربيَّة والإسلاميَّة عامَّة في الإقامة الجبريَّة، حبيسة المحليَّة والإقليميَّة المحدودة: وبَيْنَما يستمتع الفتيان والفتيات عَبْرَ العالَم العربي بالاستماع للموسيقى والأغاني الغربيَّة على نَحْوٍ لافتٍ للنظر الآن، لَمْ أسمعْ أو أرَ شبَّانًا أو شابَّات غربيِّين يعمدون إلى الاستماع لفنوننا الموسيقيَّة قط! أمَّا إذا ما حمَّل الساهر أغنيته (باللغة الإنجليزيَّة رسالةً إنسانيَّة عن مأساة غزَّة ومعاناة أهلها، الصَّامدين، فإنَّ في ذلك فضيلتَيْنِ: فضيلة تعريف العالَم الخارجي بما أخفق الإعلام العالَمي والعربي في إيصاله إلى الجمهور العريض عَبْرَ أنحاء العالَم، وهو الوَيْل والثبور اللَّذان ألْحَقا بإخواننا الغزِّيين (وكأنَّه تكرار طبق الأصل لنكبة فلسطين الأولى، 1948). والحقُّ، فإنِّي أكتبُ هذا الموضوع المُهمَّ حَوْلَ «كسر حاجز اللغة» وأهمِّيته للثقافة العربيَّة وللتعريف بها في المستقبل انطلاقًا من معاناة شخصيَّة: فقَدْ ألَّفتُ عددًا من الروايات باللغة الإنجليزيَّة، وقَدْ جاء ذلك ثمَّ نشرتها في أميركا عَبْرَ (أمازون Amazon)، إلَّا أنِّي لاحظت كمًّا مهولًا من النَّقد والضغائن بسبب نشر هذه الروايات بالإنجليزية بدلًا عن الإطراء والنقد البنَّاء الَّذي ينبغي أن يرصدَ ويلاحظَ مُهمَّة «كسر حاجز اللغة» بالنسبة لثقافتنا العربيَّة الَّتي لَمْ تزَلْ حبيسة المحليَّة والنَّفي في جزيرة نائيَّة لَمْ يكتشفْها أحَد من سكَّان قارَّات العالَم، لبالغ الأسف: فأن تؤلِّفَ وتنشرَ بلُغة أجنبيَّة كالإنجليزيَّة والفرنسيَّة، يَعدُّه البعض «خيانة» أو تبخترًا أو «وجاهة» أو «تكابرًا»، بدليل أنَّ مسابقات الثقافة العربيَّة من نَوْع «كتارا» (وأغْلَبُها خليجيَّة) ترفض دخول أيِّ عمل ثقافي «عربي» يُقدَّم بلُغة أجنبيَّة، بغَضِّ النظر عن أنَّ موضوعه عربي ومؤلِّفه عربي وأجواءه عربيَّة: فما معنى هذا الهوان؟ يفترض بكُلِّ هيئة ثقافيَّة عربيَّة تشجيع الأصوات العربيَّة القادرة على خلق أصداء ثقافيَّة عربيَّة عَبْرَ قارَّات، العالَم وليس العكس، أليس كذلك؟

أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: اللغة ال العال م

إقرأ أيضاً:

قمة بغداد العربية والحاجة للمّ الشمل العربي !

ليس من المبالغة في شيء القول إن قمة بغداد الرابعة والثلاثين، التي عُقدت في العاصمة العراقية بغداد يوم السبت الماضي، تُشكّل في الواقع علامة بارزة على طريق القمم العربية منذ القمة العربية الأولى في «أنشاص» عام 1946، والقمة العربية عام 1989 في العاصمة العراقية بغداد برئاسة الرئيس العراقي صدام حسين في ذلك الوقت، والتي اتُّخذ فيها قرار مقاطعة مصر ونقل مقر جامعة الدول العربية مؤقتًا من القاهرة إلى تونس، بسبب معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، ورفض الدول العربية الأعضاء في الجامعة رفع أعلامها الوطنية إلى جانب العلم الإسرائيلي على ضفاف النيل في القاهرة.

وبين عامي 1946 و1989 من ناحية، وعامي 1989 و2025 من ناحية ثانية، مرت أحداث وتطورات عديدة على الدول العربية، وعلى امتداد نحو ثمانين عامًا تقريبًا، جرت تغيّرات لم يكن يتصورها أحد. وآخرها الجولة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وشملت كلًا من السعودية وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، واختتمها ترامب قبل أيام قليلة باحتفالات غير مسبوقة وبإشادات لم يعهدها قادة المنطقة من جانب الرئيس الأمريكي، والأسباب معروفة ومبررة أيضًا إلى حد كبير في مثل هذه الحالات، في ظل الفجوة الكبيرة بين الدولة الأولى في عالم اليوم (أي الولايات المتحدة)، وبين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وأيًا كانت العلاقات بين الدول ومستوياتها، فإنها تحتمل الكثير من المعاني والمجاملات والتقديرات المتبادلة، على أكثر من مستوى، خاصة وأنها تخص القيادات في المقام الأول، ولا تتخطاهم إلى غيرهم في الغالب.

على أية حال، فإن جولة ترامب في الشرق الأوسط أرست في الواقع أساسًا جديدًا ومختلفًا للعلاقات الأمريكية مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والآفاق التي تنتظرها، أو تنتظر بعضها على الأقل، في السنوات القادمة، والتي تبلورت في عدد من الصفقات، تم الإعلان عن بعضها، وسيُعلن عن البعض الآخر خلال الأشهر القادمة، وفق كل حالة على حدة.

أولًا: إن استضافة بغداد للقمة العربية الرابعة والثلاثين تأتي في وقت بالغ الأهمية على المستويين الفردي والجماعي العربي، وهو ما تجسّد في الجدل حول مشاركة سوريا في القمة، ومعارضة بعض النواب العراقيين لتلك المشاركة، في ضوء أعمال القيادة السورية في السنوات السابقة، والتي حسبها البعض على القيادة، وترتب على ذلك عدم مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في أعمال القمة، وتمثيل وزير الخارجية بلاده في أعمال القمة.

ومن بين أعمال كثيرة، يمكن الإشارة إلى بعضها، وأبرزها ما يلي:

أولًا: أن الظروف العربية في هذه الفترة تتسم بوجه عام بعدم الاستقرار وعدم الهدوء، ثم ترتب على ذلك تقاطع الكثير من المشكلات بين الدول العربية، ووصول بعض الخلافات إلى محكمة العدل الدولية؛ كخلاف الجيش السوداني مع دولة الإمارات العربية المتحدة، لاتهام الجيش السوداني للإمارات بتسليح قوات الدعم السريع، وهو ما نفته الإمارات، ولم تعترف به، وترتب عليه شطب الدعوى.

ومن جانب آخر، نشبت مواجهات مسلحة بين أكثر من دولة عربية؛ منها على سبيل المثال توتر العلاقات السورية اللبنانية، والعلاقات الأردنية السورية بسبب تهريب المخدرات عبر الحدود، وكذلك تهريب المرتزقة والميليشيات إلى داخل الدول. يُضاف إلى ذلك توتر العلاقات الجزائرية المغربية، والصدامات الداخلية في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. هذا فضلًا عن تدخل دول عربية في مشكلات دول عربية أخرى، مما زاد من تعقيدها وعرقلة محاولات حلّها بشكل أو بآخر.

كما لا يمكن تجاهل الخلافات الفلسطينية ـ الفلسطينية، وتعثر جهود الوساطة العربية والدولية، وما يترتب عليه من نتائج مباشرة وغير مباشرة، بالإضافة إلى الصدامات المسلحة بين الميليشيات في ليبيا، وآخرها ما حدث مؤخرًا في طرابلس. وقد أدى كل ذلك إلى مواجهات وتصفية حسابات بين القوى المتصارعة في أكثر من بلد عربي، ثم إلى إضعاف الدول وانحدارها إلى ما يشبه الدول الفاشلة، مما تتحمل الشعوب العربية كلفته في النهاية.

وأمام هذه الأوضاع، كان من الضروري السعي بقوة لعقد القمة العربية، في محاولة للخروج من أكبر قدر ممكن من المشكلات، أو على الأقل التوصل إلى تفاهمات تمهّد للحلول، حتى لو كانت عبر الإطاحة بالنظام القائم، كما حدث في سوريا في ديسمبر الماضي.

ثانيًا: إن تعدد المشكلات والخلافات العربية ترتب عليه تعدد وتنوع مصادر التصعيد، بما يعنيه من قابلية التوسع وامتداد الخلافات وتعقيدها، وعرقلة حلها. ومن ثم، فإن عقد القمة العربية كان أحد السبل الممكنة للبحث عن حلول، وتقريب وجهات النظر، ومحاولة التوصل إلى تفاهمات تُسهم في تخفيف حدة الأزمات. وهذا النوع من التفاهمات غالبًا ما يكون بيد القادة، بما يتيحه لهم من قدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة.

ثالثًا: إن حالة من الاستقطاب شغلت الأطراف العربية، خاصة حول حل القضية الفلسطينية، وحول خيار حل الدولتين، ومقترح ترامب بتهجير سكان غزة إلى دول ومناطق أخرى تتوفر فيها حياة أكثر هدوءًا. وهو ما عارضته الدول العربية بشدة، لمخالفته للقانون الدولي والشرعية الدولية، كما قوبل بالرفض داخل الأمم المتحدة وخارجها.

ورغم أن ترامب عاد مؤخرًا للحديث عن خيار التهجير، فإن الموقف العربي الرافض لا يزال يشكل عائقًا أمام هذا المسار، برغم ما يُشاع عن تقديم إغراءات لتسهيله. ومن المؤكد أن بلورة موقف فلسطيني وعربي مشترك، ستُسهم في دعم خيار حل الدولتين، وهو ما تخشاه إسرائيل بشدة، خاصة بعد تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون، ورئيس وزراء إسبانيا، عن احتمال اعتراف بلديهما بالدولة الفلسطينية.

هذا الاعتراف قد يشكل بداية سلسلة من الاعترافات الدولية، في إطار حل الدولتين الذي تسعى إسرائيل لعرقلته بشتى الوسائل. ومن هنا نفهم تصريحات نتنياهو الرافضة لهذا الحل تحت أي ظرف. ومع الوضع في الاعتبار التماسك العربي، والدعم الإقليمي والدولي المتزايد لحل الدولتين، فإن قمة بغداد تزداد أهمية، خاصة مع وجود ميل أمريكي ـ كما يبدو من تصريحات ترامب ـ لتفهم أهمية هذا الحل، والتعامل معه ضمن صفقة شاملة تشمل إطلاق سراح الرهائن، ومنح ترامب لقب «رجل السلام»، وهو ما يتطلع إليه، خصوصًا مع تأكيده عدم الترشح لفترة رئاسية ثالثة.

ومن هنا، فإن تركيز «بيان بغداد» على حل الدولتين، ورفض التهجير، يكتسب أهمية كبيرة في مواجهة أية ضغوط مباشرة أو غير مباشرة. وبرغم محاولات ترامب، فإن حق الشعوب، وخاصة الشعب الفلسطيني، لا يمكن التنازل عنه تحت أي ظرف.

مقالات مشابهة

  • فتح باب التقديم لمهرجان المسرح العربي
  • مدكور: نخدم اللغة العربية على ما يربو من قرن.. ونحتاج تشريعات لحمايتها
  • مقيم أجنبي يوجه رسالة للمواطنين: من لا يعرف اللغة العربية يجب أن يعتذروا لكم.. فيديو
  • شاب متعدّد اللغات يحصد الملايين من المعجبين عبر الإنترنت.. ماذا قال عن اللغة العربية؟
  • قمة بغداد العربية والحاجة للمّ الشمل العربي !
  • ثقافة الشيوخ تُقر استراتيجية وطنية لحماية اللغة العربية
  • جمال عبد العال: زيارة السيسي لبغداد تؤكد دعم مصر للعراق وتعزز العمل العربي
  • خطوات تحديث الاسم باللغتين العربية والإنجليزية في مركز قياس
  • صوت عربي صادق.. اتحاد المهن الطبية مشيدا بكلمة السيسي في القمة العربية
  • ليبيا تؤكد التزامها بالتكامل العربي في بغداد.. الحويج يختتم مشاركته في اجتماع اقتصادي عربي رفيع