لجريدة عمان:
2025-07-29@01:32:37 GMT

التأثيرات الجانبية للحرب على غزة

تاريخ النشر: 12th, December 2023 GMT

((هل يمكننا بعد أن تتحرر فلسطين أن نحرر أمريكا...)) جاء التعليق من أحد مواطني الولايات المتحدة الأمريكية في مقطع مصور نشره عبر منصة انستجرام وكان يعبّر كالعديدين غيره عن حالة الذهول التي أصابتهم وهم يستشعرون قدر الاستغفال الذي مورس عليهم وإحساسهم بأنهم ليسوا فعلًا أحرارًا ولا وزنًا حقيقيًا لأصواتهم وأن كل مناحي الحياة وأهم مفاصلها يسيطر عليه من قبل مجموعات ترعى مصالحها وقضاياها وليس من قبل الأغلبية مثلما كانوا يتوهمون.

دار الحديث كثيرا عن مدى توغل القوى الصهيونية ومن يواليها في قطاعات الاقتصاد والسياسة ولكن ما تم نشره مؤخرا في استجواب عضوة في الكونجرس الأمريكي بذلك الأسلوب الشرس والمتنمر لرئيسات ثلاث جامعات أمريكية من أعرق الجامعات على مستوى العالم يلفت الانتباه إلى تسلط الخطاب الصهيوني على النتاج الثقافي والعلمي والأكاديمي. عقب الاجتماع اضطرت رئيسة جامعة بنسلفانيا إلى نشر مقطع مصور على منصة إكس تتراجع فيه عما قالت وتحاول توضيح معنى إجابتها عن سؤال موجه إليها بشأن معاداة اليهود بل أدانت نفسها واصفة سلوكها بأنها باختصار وبساطة إنسانة شريرة. قدمت استقالتها بعد موجة من الانتقادات وسحب بعض الممولين النافذين أموالهم الممنوحة للجامعة. كما فعلت رئيسة جامعة هارفارد مجبرة إثر مطالبة 47 عضوا في الكونجرس الأمريكي بذلك.العجيب أن الجامعات تتعرض للاستجواب والتحقيق لأنها سمحت للمؤيدين للقضية الفلسطينية بالتعبير عن آرائهم وتوجيه إدانات لإسرائيل (الإدانة التي تعتبر معاداة لليهود جميعًا ودعوة لإبادتهم وفق ما يحاول الصهاينة تصويره دائما) الإدانة التي لم تتعد رفع شعارات والتعبير عن الرأي حول ممارسات إسرائيل التي يفترض أنها مكفولة وفق الدستور الأمريكي. لم يتم تحوير الشعارات المرفوعة التي سمحت بها الجامعات فقط بل إنهاء المسيرة العملية للأكاديميات في رئاسة هذه الجامعات وجعلهن مثالا. في حين أننا لا نجد مواقف مشابهة في التحقيق والاستجواب فيما يخص المسلمين، رغم أن جرائم الكراهية التي وقعت إلى الآن في الولايات المتحدة الأمريكية بعد السابع من أكتوبر كانت أغلبها إن لم تكن كلها ضد المسلمين والعرب.

منذ بداية إنشاء دولة الاحتلال إسرائيل وهي تسعى للاستفادة من العلم والمعرفة لتقويتها، فكان إنشاء الشعبة العلمية في منظمة الهاغناه عام 1948 واحدة من المراكز البحثية التي تخدم التصنيع العسكري وكذلك إنشاء مراكز بحثية تهتم بالعلوم الإنسانية تحت إمرة وتوجيهات الجيش.

في فترات لاحقة قدمت إسرائيل نفسها للعالم بأنها رائدة في بعض مجالات التقانة والتكنولوجيا والأمن السيبراني. وخارج إسرائيل خصوصا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية قد حرصت عبر جماعات الضغط الصهيوني ورجال الأعمال الممولين للمراكز البحثية على إحكام قبضتها على الجامعات.

تغلغل الرواية الصهيونية في ما ينتج ثقافيا قديم ومقصود فهي لن تسمح أن يخرج من بين أعرق الجامعات الغربية مفكر ينتصر لقضايا العرب والمسلمين وينتقد ممارساتها، خصوصًا أن هناك عددا من الباحثين والأكاديميين العرب والغربيين بدأت كتبهم وبحوثهم ومحاضراتهم في هذا السياق تلاقي انتشارًا وقبولًا، وجماعات الضغط الصهيوني تحاول محاصرتهم مثل ما حدث مع الأكاديمي ديفيد ميلر في جامعة بريستول البريطانية في عام 2021 الذي تم فصله من الجامعة بسبب بحوثه وآرائه الناقدة لدولة الاحتلال وغيره من الحالات التي لم توثق جميعها. حيث يواجه الأكاديميون وفق العديد من الروايات المنشورة صحفيًا تضييقًا وتنمرًا خصوصًا في الجامعات العريقة والرفيعة.

يفعل اللوبي الصهيوني ذلك لأنه يعلم مدى خطورة مثل هذا التأثير للنتاج المعرفي الكاشف والناقد إن اتسع نطاقه ويعلم خطورة وأهمية الفئة التي تعيش في محيط الجامعات وتتأثر بما يدور فيها من أفكار: الشباب. النخب. المثقفون.

وقد حاولت إسرائيل تطويع النتاج العلمي الذي يتمتع بالمصداقية ليعطي الشرعية والمبررات والأدلة المثبتة لحقها في الوجود، ويدعم رواياتها وتوجهاتها.

كان واحدا من أهم أهدافها بالإضافة للترويج للصهيونية وحمايتها (لاصقة إياها باليهود المظلومين المحبوبين الأذكياء) تشويه مبادئ العالم الإسلامي وعاداته وطريقة حياته والسعي لجعل العالم شكلًا ممسوخًا وإلصاق صيغ الراديكالية والتخلف بالعقل العربي المسلم والدعوة إلى تحريره منها كما يدعي في كثير من الخطابات في محاولة مقنعة لإضعاف قيمه وأسسه. وفي معركة غزة خسرت الصهيونية هذه الحرب تحديدا. خسرت بأثر رجعي. يمتد بعيدا وكأنها بنت بنيانا من أحجار الدومينو بدأت بالتساقط.

لم تنته الحرب بعد، ومن الواضح أنه على المستوى الاستراتيجي سياسيا فإن الغلبة لما يجاوز الـ20 ألف شهيد سقطوا وسحبوا وهم يذهبون إلى الجنة غطاء ثقيلا من على أعين البشرية.

تعترف إسرائيل بالهزيمة إعلاميا بشكل مباشر عبر التقارير التي تبثها الصحف والتحليلات التي تقوم بها بعض المؤسسات والتي تبدو مؤشراتها واضحة للعيان.. ثمة ميل شعبي عالمي للفلسطينيين وأن إسرائيل بدأت تحرج نفسها وأعوانها. وأن كذبهم ودفاعهم القائم على التضليل وفبركة الحقائق صار ممجوجا، وكذلك تباكي اليهود الإسرائيليين وكل الصهاينة معهم بما حدث على يد النازية وما قبلها من أحداث غابرة، وتصوير أنفسهم بدور الضحية واستخدام هذا الاستعطاف ذريعة لارتكاب جرائمهم، وتمرير أجنداتهم أصبح ثقيلًا جدًا ليس بالنسبة للمسلمين فقط بل في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ذاتها الحاضن الأول لمشروعهم.

إسرائيل تتخبط. ليس أدل على ذلك من حالة التشتت والتباين والتناقض في تصريحات سياسييها وأدائها الإعلامي. على نقيض الخطاب القوي الموحد المحدد المندفع الذي كان في بداية الحرب. من الواضح أن حساباتها تغيرت ولم يعد الموقف بذات الثبات ولا تبدو أن هناك رؤية واضحة لديها للكيفية التي يمكن أن تنهي بها هذه الحرب. أو اتفاق حقيقي حول كيف سيكون الوضع لاحقا. وتبدو أنها تواجه اهتزازات داخلية وخسارات سياسية (شعبية) موجعة، وليس أقل منها أبدا خسارتها أمام صمود المقاومة وشعب غزة في وجه هذا الهجوم الحانق القلق بشكل أحرجها فلا انتصارات عسكرية حقيقية تزن هذا الحشد والعدة والعتاد والوقت مقابل كتائب عزل، كتائب محاصرة لعقود. آخر محاولاتها رديئة التنفيذ والفاشلة هي في تشويه صورة المقاتلين الأبطال وادعاء انهزامهم ووجود الفرقة بين المقاومة وغزة. بلغت بهم الحماقة تقليد أهل غزة في الرفق بالحيوانات..سلتهم فارغة تماما.

وعشرون ألف شهيد وأكثر حتى الآن سيحررون العالم كله وليس غزة وحدها مهما طالت هذه الحرب وأيا كانت نتائجها في المدى المنظور.

الحقيقة التي تيقظ لها العديدون، أننا جميعا تحت الاحتلال. حين لا يتمكن كل هؤلاء البشر بأعدادهم الهائلة من وقف هذه المجزرة والدفاع عن هؤلاء الأطفال والمدنيين لأنهم باختصار هم أنفسهم لا يملكون ذاك الحق تجعل من هذه الشعوب تعيد حساباتها وكان الرجل الأشقر الأغبر على منصة انستجرام على حق. وأن الدول والمنظمات وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة واهية وهي ألعوبة في يد المتنفذين. ولم تكن يوما مفضوحة ومكشوف عجزها مثلما هي عليه اليوم.

لذا حين يسأل الشباب أنفسهم هنا في العالم العربي أو يسأل مواطنو الولايات المتحدة الأمريكية هناك كيف أنهم عاجزون عن إيصال المساعدات للمدنيين الأبرياء وكيف يشهدون مباشرة بالصوت والصورة جريمة إبادة جماعية ولا يستطيعون فعل شيء إزاء ذلك أصبحوا يعرفون الإجابة.

يتردد كثيرا أن المعركة الحالية هي معركة وعي. الوعي هنا أصبح أكبر بكثير من الوعي بالقضية الفلسطينية وحقيقة الاحتلال الإسرائيلي وتسلط المحتل لأكثر من سبعين عاما على الأطفال والنساء. وجرائمه في أسر القصّر والأبرياء. الوعي يتعدى معرفة ما جرى حقيقة يوم السابع من أكتوبر وما قبله وما بعده، سواء ذلك المشهود على ساحة الحرب في مدينة كاملة أو ذلك الغائب الذي يتعدى الحواجز الموجودة على حدودها ويتعدى التاريخ الذي نعيشه للمؤامرات والتحضيرات لهذا الكيان والأنظمة الاستعمارية الداعمة له بأيديولوجياتها البغيضة منذ القرن التاسع عشر.

غزة تعطي درسا في السياسة والتاريخ وتعيد تشكيل الجغرافيا. لأن الشعوب العربية شعرت بضعفها مثلما لم تشعر من قبل وهي تعلم جيدًا أن حالة العجز هذه ناتجة عن ضعفها في الداخل لأنها لم تستطع أن تبني دولا قوية بما يكفي ومستقلة بما يكفي وديمقراطية بما يكفي وأنها من أقصى البحر لأقصى البحر ومن جنوبها الموجوع في القارة الإفريقية قارة الغنى والجوع لشمالها الذي جاور طويلا حضارات صديقة وعدوة لا تشترك فقط في الوجع على غزة وإنما تشترك في أسباب العجز، وأنها باختلاف النسب مهمومة بالديون والأمن الغذائي والمائي بعيد المنال وبالاقتصاد والسياسة التي لا قول لها فيهما.

هذه المراجعات التي يعيشها هذا الجيل وهو يشارك في المعركة من على بعد تتلاقى مع مثيله في أوروبا والولايات المتحدة وإن كانت تدور حول مفاهيم أخرى لكنها ترتكز إلى الأساس ذاته. غزة في الجامعات وغزة في الاقتصاد وغزة في الإعلام وغزة في الانتخابات الأمريكية تكشف نقابًا إثر الآخر قصدًا وصدفة. هذا المفعول الجانبي الذي لم يحسب له حساب -عميق جدا وكبير جدا بعدد المدنيين الذين سقطوا كخسارات هامشية (أضرار جانبية) لا بد منها وفق مفهوم إسرائيل وداعميها- لن نجد أثره في يوم وليلة لكنه سيكون. من يعيشون مع ما يحدث بمشاعرهم وفي عمق تفكيرهم هم غالبا بين أطفال وشباب هؤلاء بين السادسة وحتى مشارف الأربعين توقع أنه من بينهم من سيأتي بذلك التغيير. أولا لأنهم أعداد هائلة ومن بينهم لا بد من سيملك الكاريزما والقوة والذكاء والجرأة ليقوموا بتغيير جذري بطرق حاسمة لم يفلح الجيل الذي سبقهم بإتمامها. هي مهمتهم وواضح أنهم على قدر هذه المهمة لديهم الأدوات وهم قادمون.

ثانيا: أحداث غزة ليست مفصولة عن سلسلة من الأحداث التاريخية والتقلبات التي شهدها العالم العربي وتلك التي تحدث هناك في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وهناك دائما على مر التاريخ حدث مفصلي يشكل نقطة التحول وأحيانا يكون الأقل توقعا في التأثير، وهذا الأمر سيأخذ وقته حتما في فعل التغيير ذاته وفي محاولات التغلب والنصر. لكن حالة الوعي قد حدثت. غزة مقبرة الأعداء. مقبرة أكاذيبهم ومقبرة الخونة ومقبرة الأنظمة الظالمة. حالة التحرر في المعارك القادمة لن تخص غزة وحدها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المتحدة الأمریکیة غزة فی

إقرأ أيضاً:

وزارة الخارجية الأمريكية: واشنطن ترفض مؤتمر حل الدولتين

رفضت الولايات المتحدة اليوم الاثنين مؤتمر الأمم المتحدة الذي شارك فيه عدد كبير من الدول للعمل على تحقيق حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، ووصفته بأنه "خدعة دعائية".

الرئيس الفلسطيني يثمن دعوة الرئيس السيسي لترامب من أجل وقف الحرب في غزةمصر وكندا تبحثان تعزيز العلاقات ودعم جهود وقف إطلاق النار في غزة

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس، في بيان: "هذه خدعة دعائية تأتي في خضم جهود دبلوماسية دقيقة لإنهاء الصراع وبعيدًا عن تعزيز السلام، سيُطيل المؤتمر أمد الحرب، ويُشجع حماس، ويُكافئ عرقلتها، ويُقوض الجهود الحقيقية لتحقيق السلام".

قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة، المؤلفة من 193 عضوًا، في سبتمبر من العام الماضي عقد هذا المؤتمر في عام 2025. 

وقد أُجّل المؤتمر، الذي استضافته فرنسا والسعودية، في يونيو بعد هجوم إسرائيلي على إيران.

مصر وباكستان تؤكدان تعزيز التعاون ودعم القضية الفلسطينيةمصر تواصل دعمها الأمني للفلسطينيين: تدريب قوات السلطة لتمهيد إقامة الدولة المستقلة

في كلمته أمام المؤتمر، حث وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، جميع الدول على دعم هدف المؤتمر المتمثل في وضع خارطة طريق تحدد معالم الدولة الفلسطينية مع ضمان أمن إسرائيل.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، في كلمته الافتتاحية: "يجب أن نضمن ألا يصبح هذا المؤتمر مجرد خطاب حسن النية".

وأضاف: "يمكنه، بل يجب، أن يكون نقطة تحول حاسمة - نقطة تُحفّز تقدمًا لا رجعة فيه نحو إنهاء الاحتلال وتحقيق طموحنا المشترك في حل الدولتين القابل للتطبيق".

مصر تؤكد دعمها لفلسطين وتحذر من المساس بأمنها المائيوزير خارجية فرنسا: اعترافنا بالدولة الفلسطينية سيحدث رسميا في سبتمبر المقبل

وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أمام المؤتمر: "يجب أن نعمل على إيجاد السبل والوسائل للانتقال من نهاية الحرب في غزة إلى نهاية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، في وقت تُهدد فيه هذه الحرب استقرار وأمن المنطقة بأسرها".

طباعة شارك الولايات المتحدة مؤتمر الأمم المتحدة حل الدولتين وزارة الخارجية الأمريكية وزير الخارجية الفرنسي

مقالات مشابهة

  • وزارة الخارجية الأمريكية: واشنطن ترفض مؤتمر حل الدولتين
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • لأول مرة… هولندا تدرج إسرائيل ضمن الدول التي تشكل تهديداً
  • عاجل. خليل الحية ينتقد انسحاب إسرائيل من مفاوضات الدوحة رغم التقدم الذي تحقق ويدعو العرب للزحف نحو فلسطين
  • التقديم في الجامعات الأهلية 2025.. ما هي الكليات التي تقبل من 70%؟
  • تنسيق الجامعات 2025.. قائمة الكليات التي لا تخضع للتوزيع الجغرافي
  • عاجل | الوكالة الوطنية للأمن في هولندا: إدراج إسرائيل لأول مرة على قائمة الدول التي تشكل تهديدا للبلاد
  • هولندا تدرج إسرائيل لأول مرة على قائمة الدول التي تشكل تهديدا للبلاد
  • العدو الذي يتحدث لغتك.. خطة إسرائيل الجديدة لاختراق المجتمعات
  • يهدف لمنع انتقاد إسرائيل.. تعريف جديد لـمعاداة السامية يثير الغضب في الجامعات الأمريكية