مع الصادق تلودي_دبي قفلت فهل تفتح الجزيرة ؟!
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
(١)الجزيرة ودبي -!
لم اجد مكتب مسؤول حكومى مؤخرا ملئ بالناس والأوراق ومليء بالحركة والحيوية مثلما هو حال مكتب مفوض الاستثمار- الوزير المكلف – بولاية الجزيرة السيد الصادق تلودى لذا امتد الحديث بيننا داخل وخارج هذا المكتب حول قضية الاستثمار بالجزيرة والتى قلت له :- إننا مع كثافة مواردها وكثرة مشاريع وطلبات الاستثمار فيها لكننا مع كل ذلك لازلنا في إنتظار أن تحقق الجزيرة كفاية أهل السودان كما كانت وههنا اعتدل السيد الصادق تلودي في جلسته وقال لي :-شوف انا إلتقيت رجل أعمال عربي كبير في دولة الإمارات وقال لي بالحرف الواحد أن دبي وصلت سقفها _بمعنى قفلت _من الإستثمارات والفرصة عندكم في السودان بل وفي ولاية الجزيرة تحديدا ولكننا _تابع الصادق- _نحتاج الى تفكير دولة /استراتيجى لإستقبال هذا الأمر /عمل بيوت خبرة /فتح المجال لشراكات كبيرة _تدريب /توعية وتثقيف على الاستثمار وعندها يمكن الجزيرة أن تكون الأولى والحديث يمتد سألت تلودي بالذكر عن مشروع الجزيرة فقال لي كل مشروعات الولاية يمكن أن تقوم داخل مشروع الجزيرة وهو جاهز ومؤهل لذلك و ٤٠ ٠/٠ منه مملوكة للدولة والأفضل أن تؤول كل الأرض لها حتى تستطيع الحكومة الدخول في استثمارات كبيرة مع الوطنيين والعرب والأجانب من رجال الأعمال _
(٢) آل البرير – وكل العالم جاء!
على ذكر رجال الأعمال سألت السيد مفوض الاستثمار -الوزير المكلف _بولاية الجزيرة عن المستثمرين الذين دخلوا الولاية اثناء حرب الخرطوم الجارية وكمن ينتظر السؤال تدفق بالإجابة :_كل الأسماء الكبيرة تقريبا وكافة الشركات وكل المصانع وعدد منها للذكر وليس الحصر /السلع الغذائية-الدقيق -البسكويت -الصلصةوالكاتشاب الألبان والأجبان والزبادى /الأعلاف والدواجن /المصنوعات _التعبئة والتغليف والقوارير/الصابون والمعجون وقال الوزير الصادق أن بعض هذه الاستثمارات قد بدأت الإنتاج الفعلي وضرب مثلا بمنتجات آل البرير
(٣)رداءة وتجاوزات الطرق!
واضاف الصادق – هناك آليات تصنيع إخرى اليوم في طريقها للجزيرة وذلك لأن إجراءات التصديق ومنح المواقع والرسوم مبسطة جدا في الولاية لأجل تشجيع الإستثمار وهناك نافذة موحدة لكل الإجراءات مع كل الوزارات كما أكد الصادق أن الطرق الداخلية جيدة والكهرباء متوفرة للصناعة ولكن هناك مشكلتان تواجهان رجال الأعمال الأولى رداءة الطرق الموصلة لمواقع التوزيع والتصدير وكثرة الارتكازات عليها وما يصاحبها من تجاوزات !
(٤)استثمارات باقية وقادمة!
قلت للسيد الصادق -هذه استثمارات وافدة بسبب الحرب فماذا عن الإستثمارات الخاصة والإستراتيجية بالولاية؟ فقال -أولا -الاستثمارات الوافدة يعمل أصحابها اليوم على تأسيس دائم لها بالجزيرة تشييدا للمصانع والمخازن وإنشاء المستودعات-استئجار/امتلاك ومحطات الخدمة وكلهم _يقول الصادق _أكد بقاء أعماله بالجزيرة ما بعد الحرب مستفيدا من مزايا الولاية التى تعمل على استيعاب المستثمرين ومقدما الفائدة لمجتمعها توظيف ومال مسؤولية إجتماعية أما الاستثمارات الجديدة فقائمة وقادمة وذكر شراكات مع سعوديين في مجال مجازر اللحوم والمسالخ والمحاجر وقال إن المطار الجديد شرق مدني -قيد الإنشاء-من أهم عوامل نجاح الاستثمار بالولايةوشدد على أن تسهيل الإجراءات وأعمال الجمارك داخل المنطقة والنافذة الواحدة زائدا مقومات الاستثمار مع توفر الخدمات في الجزيرة من أهم عوامل النجاح مع حفظ حق الولاية في نزع اي مشروع لا يلتزم صاحبه وتقديمه لمستثمر جاد الشيء الذي يضمن وفرة اي منتج والمحافظة علي السوق
(٥)مع الوالى الجديد _الاستثمار مستمر!
عمليا شهدت ولاية الجزيرة بحسب الصادق مؤخرا افتتاح عدد من المصانع والمشاريع منها مصانع للألبان وسفاري للبلاستيك مع انتاج بعض خطوط حياد والاستثمار مستمر مع الوالي الجديد والذي أكد عليه في كل خطاباته وجولاته التى صحبه فيها مفوض الاستثمار الوزير المكلف السيد الصادق تلودي
بقلم بكرى المدنى
.المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
مراسلة الجزيرة نت.. قصة أم تطعم أبناءها من رماد المجاعة
غزة- في معركة الجوع يكون صراعك مع شبح وهمي، حتما يهزمك لأنه يوهن قوتك من الداخل، يرديك صريعا، أو يصنع منك جثة واهنة أشبه ما تكون برجل آلي، تجرُّ الخطى جرا.
تحتاج أن تكرر قراءة الخبر كي تفهمه، ويحتاج من يحدثك أن يعيد مرارا كي تدرك ما يقول، ستضطر للجلوس لالتقاط أنفاسك بعد عدة أمتار من المشي.
أنت كصائم منذ مدة، لكن صيامه مستمر لأجل غير معلوم، وليس في جسده وقود مخزّن أو زاد مشبّع إلا بألم الفقد وشحنات الخوف وبؤس النزوح.
وكل ذلك عاشته ولا تزال مراسلة الجزيرة نت في غزة يسرى العكلوك، وهي اليوم تروي تفاصيله كواحدة من أهالي القطاع الذين يواجهون التجويع الإسرائيلي بكل أشكاله، ويعيشون الحصار والحرب دون حول ولا قوة بتأمين حتى أبسط احتياجاتهم.
الصحفية الأم
صباح أمس، هرول طفلي الصغير نحوي حاملا حذاءه، يطلب مني أن أساعده في انتعاله، أسأله عن السبب، فيجيبني أنه يريد أن يصطف كما الأطفال الذين رآهم من النافذة حاملين أواني ليعبئوها طعاما أمام قدور التكية في المخيم المقابل أسفل المنزل، كان الطلب أشبه بصفعة على وجه أم لم تتخيل يوما أن تعجز عن "إشباع" أطفالها!
"لقيمات يقمن صلبه" قاعدة جديدة كلَّفني إقناع أطفالي بها جهدا، واستغرقت مني وقتا وجدالا مطولا حتى أُعوِّد أولادي عليها، فملء المعدة ترف نحن في غنى عنه حاليا، لكنني اليوم بتّ أتبعهم كي يأكلوا أو أن يزيدوا لكنهم يرفضون، لا أدري أهو انكماش المعدة، أم أن أنفسهم عافت الأصناف نفسها التي يتناولونها منذ أشهر.
يبدو طبق "البقلة" وجبة أساسية، وهي عشبة تنمو من تلقاء نفسها، كنّا قديما في بستاننا المُجرَّف نجمعها مع خشاش الأرض ونرميها، لكن أمي تراها ورقا يؤكل، تُجمّل طعمها مع قليل من الملح والخل، تجيب عن تساؤلات أحفادها عنها، حين تذوقوا اللقمة الأولى منها "كلها حديد يا تيتا (جدة) مفيدة كثيرا كسبانخ باباي (فلم كرتوني للأطفال)"، يبتلعونها، لكني أزدريها وأبتلع معها دمعي.
إعلانأما أنا فأخجل من الشكوى بين أهلي وصديقاتي، أو أن أعبّر عن حاجتي الملحة للقهوة التي تعد وقودا للتركيز عندي، بعدما صرنا نحتسي بذور الحمص المحمص والمطحون بدلا منها، شراب لا يشبه القهوة إلا في لونها ومراراتها، لا يعدل مزاجا ولا يبدد شتاتا ولا يصلب تركيزا.
لماذا أصبحت مدة إعدادي لقصة إنسانية تستغرق أكثر من أسبوع بعد أن كنت أتمها بيومين أو 3؟ تتساءل الصحفية يسرى ثم تواصل، كيف تمكنت الحرب مني فنهشت عافيتي حتى صرت أتمنى أن يمر يوم من دون أن أتناول فيه جرعات أدويتي المكثفة؟، والتي أتجرَّعُها معظم الأحيان على معدة فارغة، معدة تستقر فيها الجرثومة، وتتطفل عليها الأنتميبا، ويتفنن القولون العصبي بإيلامي، وترتبك فيه أمعائي المتلبكة من الماء المسموم الذي نملؤه من صهاريج جوالة لا نعرف مصدرها.
في شوارع غزة جلها كل الآباء نكسوا رؤوسهم، يُرتِّقون عِفَّتهم بالصمت، كخاسر عائد من حرب ضارية مع معركة الظفر بلقمة، مع التجار الذين يتخذون من الجوع صفقات للبيع والشراء.
والناس هائمة على وجوهها، صامتة بملامح يفضحها البؤس، سيدات عفيفات كريمات بشفاه متشققة ووجوه شاحبة يحملن أواني وقدورا في أكياس سوداء لئلا يراها الناس، ويسابقن الخطى قبل أن تنفض التكايا.
يُصرُّ المجوَّعون أن سلاح الجوع بات أشد فتكا من صاروخ يقتلك أو يفتك بك أو يُذيبك مرة واحدة، فالجوع يقتلك ببطء وبرود، ويميت فيك خلاياك، وتتصارع فيه أنفاسك فتسمعها وهي تختفي منك شيئا فشيئا.
صار مشهد فتح أكياس القمامة والتجمع حول الحاويات اعتياديا، أطفال يترصدون حبات حمص تساقطت تحت أقدام الباعة، يلعقون بقايا المكمل الغذائي من قلب سلال القمامة، أو يمدون أصابعهم في داخل المعلبات الفارغة للملمة العوالق في الحواف.
وأطفال آخرون ينتظرون أن يفرغ بائع الفلافل من عمله حتى يلتقطوا فتات ما تناثر ويأكلوها بِنَهم، ورضُع جياع تختلط أصواتهم المنبعثة طيلة الليل جوعا، تسقيهم أمهاتهن ماء أو يغلون لهم الحلبة بدلا من الحليب الصناعي الذي يصل سعره إلى 100 دولار نقدا، غير أن تاريخ صلاحيته منته أصلا.
قرصة الجوع وقرقرتها هو صوت أنين النفس المنكسرة، لأعزة قوم أذلتهم الحرب وأهانهم الجوع، بعد أن كانوا أهل الرفاه وأصحاب الوفرة، حين فاضت أطباقهم بما لذ وطاب.
حتى سياقات محادثاتنا ورسائلنا بين الأصدقاء تغيرت، فقد كنا عن قريب نستقبل رسائل من الصديقات يستعرضن فيها إنجازاتهن، "لقد عجنت العدس خبزا"، و "صنعت كعكة من المُكمِّل الغذائي"، لكننا اليوم صرنا نتبادل طرق النجاة من الموت جوعا، وتحولت الرسائل كيف تحمي أمعاءك من التعفن؟ من يقايضنا حفاضات أطفال بكيلو طحين؟
محاربة النفسالناس في غزة سواسية في الجوع، إلا التاجر الفاجر واللص والمتسلقين على ظهر جوعنا إلى رغد العيش، فالفقير والغني هنا سيان، ورغم أنني أملك رصيدا في حسابي البنكي كنت أجمعه لأطفالي إلى حين يكبرون أو هكذا كنت أظن، خاصة أن عبء توفير الحياة الكريمة غير مقسوم على اثنين، فهم أبناء لرجل شهيد، وأتحمل وحدي عناء أن يعيشوا كراما.
إعلانلكنني وجدت أني ألجأ لقرشي الأبيض لاتقاء اليوم الأسود، ولا شيء أشد سوادا من هذه الأيام، فأضطر لكل ما ادخرته يوما كي يأكلوا الحد الأدنى من الطعام الذي يبقيهم "أحياء"، أحياء فقط.
ومع هذا فلا أقبل على نفسي أن أقوم بالبذخ الذي يدفعني لشراء شوكلاتة واحدة بـ20 دولارا بعد أن كان ثمنها ربع دولار، أو شراء كيلو من المانجو بـ100 دولار بدلا من 5 دولارات.
المانجو "فاكهتي الأثيرة" التي رأيتها أول مرة منذ عامين على بسطة يتيمة، حيث مررت من أمامها، وتوقفت أمام جلالتها، خفق قلبي وأنا أقلّبها بكفي كأني أمسك كنزا أتحرّق شوقا لالتهامه، شممتها وعبأت رئتيّ من رائحتها، وبينما أنا في سكرة تذكري لمذاقها، سألت امرأة بجواري البائع كم ثمنها فرد من دون أن يلتفت 80 شيكلا (حوالي 25 دولارا).
تمعَّنتُ تلك الثمرة الجوهرة ووضعتها برفق في مكانها ثم انصرفت، فاشتعل فيّ الصراع بين أن أكون أمّا مثالية بعيون أطفالي، أو متلونة أدّعي المأساة في العلن وأخونها في الخفاء، أو أن أكون مُعينة للتاجر الذي قال للسيدة التي عاتبته من صدمتها بالسعر "ما بدك تشتري غيرك بيشتري"!
تجار ولصوص ينفّذون دورهم باقتدار، يتوحَّدون مع جيش الاحتلال علينا، ويؤدون دورا أساسيا في ملهاة سوداء متكاملة الأركان، تتالت مشاهدها: أن نُقتل ثم نحاصر ثم نجوّع ثم يصير غاية أهدافنا ليس النجاة بأنفسنا من الموت قصفا بل النجاة بأجسادنا منه جوعا.
ويتبع ذلك كله مشاهد إدخال المساعدات يدفعون بذلك أدواتهم من إعلاميين ونشطاء يُروِّجون لانتهاء التجويع، ثم يقتلون من ينوي تأمينها أو توزيعها بالعدل، ويُسهّلون في المقابل الأمر للصوص يسرقونها، فلا التجويع انتهى ولا المساعدات وصلت.
يسألني طفلي (10 سنوات) كيف يتركنا العالم جوعى؟ وبينما أهمّ بالإجابة، تقمّصت ابنتي الكبرى (13 عاما) دوري، وردت "نحن ننزف دما منذ عامين وقد تركونا كذلك هل سيقهرهم أن نموت جياعا؟".
لقد فهما بلا جهد مني وأصابا بلا تعب منهما، واقعٌ يشكل وعي أطفالنا، يبدو بمثابة منهاج أسقطت مدينتهم معظم المسلمات منه حين مات فيها الناس جوعا، وصار دمهم ماء، وحين وجدوا أنهم وحدهم دون نصر من عربي، أو سند من مسلم.