يبدو أن أوكرانيا ستدفع ثمن تصديق أمريكا. فى العام الماضى، عندما وصل فولوديمير زيلينسكى إلى واشنطن استقبل كنجم عالمى. وقوبل خطابه أمام الكونجرس بهتافات مدوية. ولكن مع عودته فى رحلة ثالثة، منذ أيام ؛ قوبل بتحذير الإدارة من أن التمويل قد ينفد بحلول نهاية العام..
لقد فشل الهجوم المضاد الذى شنته أوكرانيا ما سبب فى ضرب الروح المعنوية فى الداخل والحماس للقضية فى الخارج.
لقد اشتكى أحد المساعدين المقربين من زيلينسكى قائلاً: «إنه يخدع نفسه... نحن لا نفوز». ووسط الإرهاق واليأس، بدأ الأوكرانيون العاديون أيضاً فى التشكيك فى تفاؤله العنيد. وينظر إلى الجنرال زالوزنى على أنه منافس سياسى محتمل فى المستقبل لزيلينسكى؛ وادعى آخر، فيتالى كليتشكو، عمدة كييف، أن أوكرانيا «تنزلق إلى الاستبداد». ولم تعد السياسة مجمدة بسبب الصراع. ومع ذلك، لا ينبغى المبالغة فى التذمر. فالشهية ضئيلة لإجراء انتخابات فى أوكرانيا، أو للسعى إلى وقف إطلاق النار.
على الرغم من كل الخطابات العالية التى سمعت فى عام 2022، وبينما تأثر الناس حقاً بأداء السيد زيلينسكى وشجاعة ونجاح الأوكرانيين فى القتال، فإن الدعم الدولى لم يكن أبداً يتعلق بشكل أساسى بالدعم الإيثارى لأمة بطولية. وقد عززت هذه المثل الدعم الشعبى، وشجعت البلدان على تحمل تكاليف دعم كييف، ولكن القيم المشتركة تعايشت مع الاعتراف الصارم بالمصالح المشتركة. وكان وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، محقاً عندما لاحظ أن روسيا «لن تتوقف فى أوكرانيا».
وروسيا ليست مهتمة بوقف إطلاق النار فى الوقت الحاضر. ولم تعد العقوبات النفطية التى فرضها الغرب فعالة. ويتوقع فلاديمير بوتين بفارغ الصبر ويعمل على تحقيق رئاسة ثانية لترامب، فى حين يستمتع بالعلامات الموجودة على «إرهاق أوكرانيا». فهو قادر على حشد الأفراد من خلال التعبئة؛ على الرغم من أنه قد يتحمل بعض التكاليف إذا لم يتمكن من تحقيق انتصارات تؤدى إلى سقوط المزيد من القتلى الروس.
والحقيقة هى أن الحماس لعام 2022 لن يستمر أبداً إلى أجل غير مسمى. الحرب لا تستنزف الموارد فحسب، بل تستنزف الأرواح أيضاً. كان الاعتراف الأكثر واقعية بالطول المحتمل لهذه الحرب وتكاليفها، والنطاق المحتمل للنتائج، أمراً لا مفر منه دائماً. ولا ينبغى أن يعنى ذلك التخلى عن كييف. ويتعين على الأوكرانيين أن يقرروا ما إذا كان الوقت قد حان لإجراء المفاوضات. وفى الوقت الحالى تحتاج أوكرانيا إلى المساعدات، وإلى البدء فى مفاوضات الانضمام مع الاتحاد الأوروبى. قبل عام، قال زيلينسكى للكونجرس: «أموالكم ليست صدقة. إنه استثمار فى الأمن العالمى والديمقراطية». وأياً كان ما تغير، فإن تلك الرسالة لا تزال قائمة. ولكن أمريكا تغيرت.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مصطفى محمود زيلينسكي اوكرانيا العام الماضي فولوديمير زيلينسكي واشنطن فشل الهجوم
إقرأ أيضاً:
معادلة الردع .. الورقة الرابحة
عندما تمتلك القوة القادرة على ردع وتأديب عدوك، فإنه لن يتمادى في غيه وإجرامه، وسيجد نفسه ملزما بكبح جماح عنجهيته وغطرسته وغروره، لأنه أمام خصم ليس من السهل إسقاطه أو التغلب عليه، ما دام يمتلك أدوات ومفاعيل الرد الرادعة له، والكفيلة بتكبيده خسائر كبيرة، وخير شاهد على ذلك حرب الـ 12 يوما بين إيران وإسرائيل والتي نجحت الأولى في تلقين الثانية درسا قاسيا ومؤلما، نتيجة قوة الردع الإيرانية التي أثبتت علو كعبها في مواجهة كيان العدو الصهيوني، هذا الكيان المجرم الباغي الذي وصل إلى مرحلة الفرعنة، ومنح نفسه الحق في انتهاك واستباحة سيادة الدول والاعتداء عليها، على خلفية مبررات كاذبة وواهنة لا أساس لها من الصحة، حيث فرضت القوة الإيرانية على هذا الكيان طلب النجدة من أمريكا بإعلان وقف العمليات العسكرية بين الطرفين، بعد أن اتسعت رقعة الخراب والدمار في الداخل الفلسطيني المحتل، علاوة على الخسائر البشرية والمالية و الاقتصادية غير المسبوقة التي تكبدها الكيان للمرة الأولى منذ احتلاله لفلسطين والإعلان عن إقامة دولته المزعومة .
واليوم يفرض أبطال المقاومة الفلسطينية معادلة ردع مماثلة في سياق معركتهم الوجودية التي يخوضها مع الكيان الصهيوني رغم فارق الإمكانيات والقدرات، حيث شكلت الكمائن العسكرية المعدة بدقة، والعمليات النوعية المدروسة والمخطط لها من قبل كتائب القسام وسرايا القدس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية التي تستهدف جنود الاحتلال ضربة موجعة له، قياسا بحجم الخسائر والأضرار التي يتكبدها والتي يعمد إلى التقليل منها، من باب الحفاظ على الروح المعنوية لجنوده .
من حي الشجاعية إلى جباليا وخان يونس ومحور نتساريم وحي التفاح وغيرها من المناطق والأحياء في قطاع غزة، يواصل أبطال المقاومة الباسلة حرب الاستنزاف لهذا الكيان الذي ظن بأنه على بعد خطوات قليلة من إعلان أهالي غزة الاستسلام ورفع الراية البيضاء، معولا على جرائم الحرب والإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي يمارسها بحق أبناء غزة في بث روح الهزيمة والانكسار وإعلان الخنوع والخضوع، ولكنه بعد ما يقارب العشرين شهرا من العدوان الإسرائيلي الغاشم والحصار الجائر، يجد نفسه أمام مقاومة شرسة تختطف أرواح جنوده في عمليات نوعية يجد صعوبة في إفشالها أو الحد منها، في ظل شجاعة وإقدام وبأس أبطال المقاومة الذين ضربوا وما يزالون أروع الأمثلة في الشجاعة والإقدام والتضحية والفداء، حيث كان لهذه العمليات أثرها البالغ ودورها البارز في تغيير موقف النتن ياهو وحكومته تجاه استمرارية العدوان على قطاع غزة، فذهب كالعادة للاستنجاد بالأمريكي للبحث عن مخرج له من هذه الورطة، بعد أن أقنع نفسه بأن فرض الحصار على القطاع سيحقق له أهدافه دون الحاجة لمواصلة المسار العسكري الذي أثبت فشله وعجزه رغم كل الخسائر والأضرار التي خلفها في الأرواح والممتلكات العامة والخاصة .
ومن العوامل التي أسهمت في تعزيز قوة الردع الغزاوية الفلسطينية في مواجهة الكيان الصهيوني، حالة الصمود الفلسطينية الغزاوية المنقطعة النظير رغم كل محاولات الاختراق، واللعب على ورقة استهداف النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وتفكيك وحدة الجبهة الداخلية الفلسطينية الغزاوية، وكذلك الثبات الغزاوي الصادم للكيان فيما يتعلق برفضه مخططات التهجير وتشبث أهالي غزة بأرضهم ورفض كافة أشكال وأساليب المساومة، هذا بالإضافة إلى استمرارية الموقف اليمني الثابت الداعم والمساند لمظلومية قطاع غزة، من خلال عمليات الدعم والإسناد البحرية والعسكرية، أضف إلى ذلك عاملاً داخلياً إسرائيلياً، يتمثل في الضغوطات الداخلية التي تمارسها المعارضة الإسرائيلية وأهالي الأسرى والمحتجزين الصهاينة لدى فصائل المقاومة الفلسطينية والتي شكلت مصدر قلق للحكومة اليمينية المتطرفة التي وجدت نفسها مرغمة على الاعتراف بنجاح حركة حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية في تركيعها وإذلالها وإجبارها على التسليم باستحالة الحسم العسكري كخيار لإعادة الأسرى والمحتجزين، وأن خيار التفاوض هو الخيار الوحيد لإبرام صفقات تبادل وطي هذا الملف، ووضع نهاية للعنجهية الصهيونية التي عملت على إفشال كافة الجهود التي بذلت من أجل إنهاء وطي هذا الملف .
خلاصة الخلاصة : القوة عز، ومن يريد السلام عليه أن يكون قويا، عليه أن يحمل السلاح، ويتحلى بالشجاعة والإقدام والثبات، وخصوصا مع كيان العدو الصهيوني الذي لا يعترف ولا يفهم إلا منطق القوة، ولا يمكن أن يرعوي ويكف عن حماقاته واعتداءاته إلا عندما يشعر بالندية وقوة الردع التي يمتلكها خصمه، حينها فقط سنجده يخنع ويخضع، ويسارع في البحث عن قارب نجاة ينقذه من الغرق، بعد أن وجد نفسه وسط أمواج متلاطمة في ظل رياح عاصفة عاتية، قد تحمل معها كتابة المشهد الأخير لهذا الكيان الإجرامي المتوحش، النهاية التي تبدو من خلال المعطيات الراهنة أنها باتت قريبة جدا بمشيئة الله وعونه وتوفيقه، وخصوصا بعد أن استطال هذا الكيان في إجرامه وتوحشه وصلفه الذي تفوق من خلاله على الكثير من الحيوانات المفترسة .
والعاقبة للمتقين .