جمال بن ماجد الكندي  

ما زالت آلة الحرب الصهيونية الهمجية تقصف في قطاع غزة، وجحافل دباباتها تتوغل في القطاع قبل وبعد هدنة السبعة أيام، وما بعد الهدنة توسعت وشملت وسط وجنوب القطاع، بعد أن كانت تركز حملتها البربرية في شمال غزة، وتدعي أنها حققت نتائجها في القطاع الشمالي من غزة عن طريق تدمير المستشفيات والبنية التحتية فيها وقتل الأطفال والشيوخ والنساء، والسؤال الجوهري هنا هل المُعطيات التي أجبرتها على قبول الهدنة الأولى ما زالت باقية وقوية وتجبر هذا العدو الصهيوني على قبول هدنة أخرى طويلة نسبيًا عن الهدنة السابقة وبشروط المقاومة الفلسطينية.

طبعًا كانت المُعطيات السابقة داخلية وخارجية، منها أعداد القتلى من الجنود الصهاينة، وضغط أهالي الأسرى والمحتجزين لدى قوى المقاومة الفلسطينية خاصة حركة حماس.

اليوم وبعد دخولنا في الأيام العشرة التي تفصلنا عن اليوم الثمانين على انطلاق معركة "طوفان الأقصى" زادت وقويت معطيات المقاومة الفلسطينية والجبهات المساندة لها، هذه المعطيات سوف نوضحها في العامل الداخلي، والخارجي، وكيف أنها أصبحت ضاغطة على المحتل الإسرائيلي لقبول هدنة جديدة، ولكن بشروط فلسطينية.

أولا العامل الداخلي: كما كانت الهدنة السابقة يؤثر فيها هذا العامل المهم في قبولها، تطور إلى ما بعد الهدنة الأولى ليكون من أهم أدوات المقاومة الفلسطينية في وجه العدو الصهيوني، وسوف نقسمه إلى سلبي وإيجابي، السلبي منه يخص العدو الصهيوني، والإيجابي يخص المقاومة الفلسطينية.

العامل الداخلي السلبي الأول: وهو ذاته الذي أدى إلى قبول الهدنة الأولى، ولكنه هذه المرة تطور أكثر بفعل المقاومة الفلسطينية والتكتيكات التي قامت بها للتصدي لهذا العدوان، فالعدو الصهيوني فتح جبهة جديدة في وسط وجنوب قطاع غزة بعد أن قال بأنه سيطر ناريًا على الجزء الشمالي من القطاع، والمعطيات الميدانية تكذب ذلك وباعتراف وسائل إعلام العدو، حيث إنها تقول بأنه لم يُحقق شيئاً في الشمال من أهدافه المُعلنة، وهي تحرير الأسرى والقضاء على المقاومة الفلسطينية في الشمال، عوضًا عنها في الوسط والجنوب، ونستطيع أن نستنتج ذلك بأمرين وهما أعداد القتلى جراء العمليات التي يصورها رجال المقاومة الفلسطينية في الشمال ومن أهمها ما حصل قبل أيام بسيطة في منطقة "جحر الديك" من عملية بطولية احتار فيها المحللون العرب قبل الصهاينة، فهي تشتبك في منطقة يقول العدو بأنه يسيطر عليها والسؤال من أين جاء هؤلاء الأبطال وكيف خرجوا سالمين؟!

الأمر الثاني وهو استمرار خروج الصواريخ الفلسطينية من شمال غزة وبوتيرة مدروسة تصيب غلاف غزة وأهمها التي استهدفت قبل أيام معدودة القدس المحتلة وتل أبيب. لذلك فإن العدو الصهيوني مهما قال بأنه سيطر على الأوضاع المعطيات الميدانية تكذب الروية الإسرائيلية.

العامل الداخلي السلبي الثاني هو إخفاقه حتى هذه الساعة بتحرير أسير واحد لدى قوى المقاومة الفلسطينية، وكل الذين تم تحريرهم عن طريق الهدنة فقط، وما قام به العدو الصهيوني من قتل ثلاثة أسرى لقي استنكارا كبيرا في الداخل الصهيوني، وكان عامل ضغط كبير للمطالبة بوقف الحرب وبدء مفاوضات جديدة، والمظاهرة الكبيرة التي قامت بعد فضيحة قتل الأسرى دليل تضعضع الجبهة الداخلية والاختلاف الكبير في استمرارية الحرب ضد حماس، خاصةً بعد فشل تحقيق أهداف هذه الحرب التي كان من أهمها تحرير الأسرى والمحتجزين.

المعطى السلبي الداخلي الثاني، وهو اختلاف الجبهة الداخلية الإسرائيلية على استمرارية هذه الحرب، وبأنها لم تحقق أهدافها الرئيسية نأتي للعامل الداخلي الإيجابي الذي كان سلبيا على العدو الصهيوني وإيجابيًا للمقاومة في غزة، وهو في تماسك الجبهة الداخلية وتأييد البيئة الغزاوية التي تحتضن المقاومة لما تقوم به قتال الإسرائيلي رغم الخسائر الكبيرة في الأرواح والمتلكات، فمن أهداف العدو الصهيوني من القصف الممنهج والقتل الهمجي لآلة الحرب الصهيونية قلب هذه البيئة ضد حماس، وقوى المقاومة الأخرى والتي لم تنجح في ذلك.

فقد ذكر الأستاذ ناصر قنديل عبر ظهوره في سلسلة الحرب والهدنة التي يقدمها عبر "واتساب" أنَّ المراكز الفلسطينية للدراسات السياسية والمسيحية بعد الهدنة قام باستطلاع عينة قوامها 1400 فلسطيني، شملت 1000 في قطاع غزة، و400 في الضفة الغربية، وخلصت الدارسة إلى أنَّ نسبة تحميل معركة طوفان الأقصى من مجازر وتدمير على المقاومة الفلسطينية في غزة أقل من 20%، وهذا يعني أنَّ الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية في غزة ما زالت قوية ومتماسكة وتقف مع المقاومة، وهذا ما لا نجده في الجبهة الداخلية للعدو الصهيوني.

العامل الخارجي: وكما في العامل الداخلي سوف نقسم هذا العامل إلى جزءين وهما مؤثر سلبي على الكيان الصهيوني، ومؤثر إيجابي على المقاومة الفلسطينية. العامل الخارجي ذو التأثير السلبي هو امتداد لما كان من أسباب الهدنة الأولى، وهو الشارع العالمي بتحركه ضد ممارسات الجيش الإسرائيلي في غزة، فوتيرة المظاهرات زادت وأدت إلى تحرك المنظمات السياسية التابعة للأمم المتحدة ومنها منظمة الصحة العالمية، وإدانة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي انتقد ما ترتكبه إسرائيل في غزة من مجازر واستهداف المستشفيات، وقد قال قبل انتقاده الأخير "إن هجمات حماس لم تأت من فراغ في ظل معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من 5 عقود" مما أثار غضب مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة وطالب باستقالته.

العامل الخارجي كان كذلك في عدم استطاعة إسرائيل تسويق روايتها الكاذبة لما يحصل في غزة، فما رأيناه مؤخرا في تصويت 13 عضوًا في مجلس الأمن لقرار وقف إطلاق النار، وامتناع بريطانيا عن التصويت وليس استخدامها حق الفيتو ضد القرار، وبقاء أمريكا وحيدة في رفض القرار بالفيتو يدل على أن الدائرة السياسية المؤيدة للكيان الصهيوني بدأت فعلًا تضيق، والأمريكي في أي قرار آخر لن يستطيع الاعتراض، خاصةً بعد المُعطيات الأمريكية الجديدة، والتي تمثلت بانتقاد الرئيس الأمريكي " بايدن " الأخير لإسرائيل بسبب هجماتها على غزة، والتي كانت رسالة للإسرائيلي بأنَّ المدة التي يستطيع تغطيتها الأمريكي لهذه الجرائم بدأت تنفد ولم يحقق الصهيوني شيئاً يذكر من الأهداف التي أعلنها قبل الحرب غير التدمير وقتل المدنيين في غزة.

العامل الخارجي الثاني؛ وهو الذي سميناه المؤثر الإيجابي للمقاومة الفلسطينية وضاغط على الكيان الصهيوني وداعميه يكمن في الجبهات المساندة وهي في لبنان واليمن وسوريا والعراق. ففي جبهة لبنان التي يتسارع فيها العمل العسكري ضد الكيان الصهيوني، وبسبب هذا التسارع تم تهجير صهاينة منطقة الجليل (كريات شمونه) إلى مناطق في الداخل، بعيدة عن الحدود اللبنانية وهذا الأمر يؤثر اقتصاديًا وسياسيًا على حكومة الكيان الصهيوني، فضربات المقاومة اللبنانية تسير على وتيرة متسارعة ومدروسة والعين على الميادين، كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير والمعادلة التي رسمها حزب الله تطبق في الميدان، وهذا يسبب رعباً للكيان الصهيوني ويحاول إرسال الرسائل عبر الوسطاء لتحييد حزب الله في هذه المعركة.

أما في الجانب السوري والعراقي؛ فهجمات المقاومة باتت واضحة وتؤلم الجانب الأمريكي؛ حيث تتعرض قواعده في العراق وسوريا لهجمات لم نكن نعهدها قبل معركة طوفان الأقصى، وهذا عامل يجبر الأمريكي للضغط على الإسرائيلي لوقف النار وقبول الهدنة، وأخيرًا الجبهة المساندة الأقوى وهي جبهة اليمن فما تقوم به حكومة صنعاء بمنع أي سفينة مواد غذائية أو محروقات متجهة إلى الكيان الصهيوني هي ضربة قوية لهذا الكيان، وقد ترجمت على الأرض بخسائر اقتصادية يذكرها الصهيوني قبل غيره، لذلك قام بدعوى مع الأمريكي لتشكيل تحالف بحري يحميه من ضربات "أنصار الله " وهذا الأمر لو حصل سوف تشتعل المنطقة وسوف يتأثر الجميع، فمعادلة صنعاء هي مادام هنالك حصار على غزة فممنوع مرور مواد غذائية ومحروقات عبر الخليج العربي، ومفتاح الحل هو رفع الحصار عن غزة فقط.

جميع هذه المعطيات الداخلية والخارجية تعطينا إشارات مهمة بأنَّ الحسم العسكري الصهيوني في غزة بعيد المنال، وهو ما يدركه العسكريون والساسة الصهاينة والأمريكان، وسوف يترجم في القريب العاجل عبر تصويت قريب لمجلس الأمن بوقف القتال في غزة وبدء مرحلة جديدة ربما تكون أشبه بما كانت عليه لبنان بعد حرب 2006 وظهور قرار شبيه بـ1701 الذي أوجد قوات دولية فاصلة بين العدو الصهيوني والمقاومة اللبنانية، مع العلم بأنَّ أهداف إسرائيل كانت في تلك الفترة نفسها التي هي اليوم.

السيناريوهات التي تُعد لغزة عبر الأدوات السياسية، والتي من بينها رجوع سلطة محمود عباس لحكم غزة، هذه العملية يسميها الإسرائيلي والأمريكي في اليوم التالي بعد إنهاء المعارك، فهذه السيناريوهات لا وجود لها على الأرض بفضل صمود المقاومة الفلسطينية التي ما زالت قوية مع حاضنتها الشعبية، والنصر بإذن الله تعالى حليفها؛ ببركة دماء شهدائها الأبرار.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

المقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون جنود وآليات العدو الإسرائيلي غرب مخيم يبنا بمدينة رفح جنوب قطاع غزة

2024-06-02haninسابق المكسيك.. عمليات اقتراع لانتخاب أول رئيسة بتاريخ البلادالتالي وزارة الصحة الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي ارتكب خلال الساعات الـ 24 الماضية 4 مجازر في قطاع غزة راح ضحيتها 60 شهيداً و 220 جريحاً انظر ايضاًوزارة الصحة الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي ارتكب خلال الساعات الـ 24 الماضية 4 مجازر في قطاع غزة راح ضحيتها 60 شهيداً و 220 جريحاً

آخر الأخبار 2024-06-02المكسيك.. عمليات اقتراع لانتخاب أول رئيسة بتاريخ البلاد 2024-06-02إصابة لبناني بعدوان إسرائيلي على سوق جنوب لبنان 2024-06-02الاحتلال يعتقل 10 فلسطينيين في أنحاء متفرقة من الضفة الغربية 2024-06-02المقاومة العراقية تستهدف بالطيران المسير موقعاً حيوياً للعدو الإسرائيلي بفلسطين المحتلة 2024-06-02استشهاد فلسطيني متأثراً بإصابته برصاص الاحتلال في الضفة الغربية 2024-06-02الدفاعات الروسية تسقط ثلاث مسيرات أوكرانية 2024-06-02الخارجية الإيرانية تستدعي القائم بأعمال سفارة السويد 2024-06-02في اليوم الـ 240 من العدوان على قطاع غزة… عشرات الشهداء والجرحى 2024-06-02سيناتور أميركي يصف نتنياهو بمجرم حرب ويرفض دعوته للحديث أمام الكونغرس 2024-06-02الرئيس الأسد يصدر مرسومين بتنفيذ عقوبة العزل بحق قاضيين

مراسيم وقوانين الرئيس الأسد يصدر مرسومين بتنفيذ عقوبة العزل بحق قاضيين 2024-06-02 الرئيس الأسد يصدر مرسومين بتعيين أربعة محافظين جدد 2024-05-12 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتحديد الـ 15 من تموز القادم موعداً لانتخابات أعضاء مجلس الشعب 2024-05-11الأحداث على حقيقتها استشهاد طفلة وإصابة 10 مدنيين جراء عدوان إسرائيلي على المنطقة الوسطى وأحد الأبنية السكنية في بانياس 2024-05-29 ضبط مستودعي ذخيرة وأسلحة للتنظيمات الإرهابية بريفي درعا 2024-05-28صور من سورية منوعات المسبار الصيني يهبط على سطح القمر بعد شهر على إطلاقه 2024-06-02 علماء روس يبتكرون طرفاً اصطناعياً للوجه والفكين 2024-06-01فرص عمل السورية للاتصالات تعلن عن مسابقة توظيف بفرعها باللاذقية 2024-05-12 السورية للاتصالات تعلن عن مسابقة لشغل عدد من الوظائف في الإدارة المركزية 2024-04-24الصحافة الغارديان: رئيس الموساد السابق هدد المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية لمنع التحقيق ضد “إسرائيل” 2024-05-28 لماذا التزمت إدارة بايدن الصمت بعد قرار العدل الدولية حول رفح 2024-05-27حدث في مثل هذا اليوم 2024-06-022 حزيران 1875- ظهور الهاتف لأول مرة على يد المخترع ألكسندر غراهام بيل 2024-06-011 حزيران 1980- شبكة الأخبار بالكابل “سي إن إن” تبدأ بثها لتكون أول قناة إخبارية في العالم 2024-05-3131 أيار-اليوم العالمي للامتناع عن التدخين 2024-05-3030 أيار 2008- إقرار معاهدة حظر الأسلحة الانشطارية 2024-05-2929 أيار- يوم قوى الأمن الداخلي في سورية 2024-05-2828 أيار 1975- تأسيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2024, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • تعرف على إحصائيات العدوان الصهيوني على غزة خلال 240 يوما
  • ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني الأمريكي على قطاع غزة الى 36439 شهيد
  • المقاومة الفلسطينية تواصل التصدي لقوات العدو في محاور التوغل في قطاع غزة
  • اليوم الـ240 من العدوان: شهداء وجرحى في قصف صهيوني تركز على غزة ورفح
  • المقاومة الفلسطينية تستهدف بقذائف الهاون جنود وآليات العدو الإسرائيلي غرب مخيم يبنا بمدينة رفح جنوب قطاع غزة
  • جيش الاحتلال يقر بخسائره البشرية في غزة ويتلقى ضربات موجعة من مجاهدي المقاومة الفلسطينية واللبنانية
  • 25 مسيرة ووقفة في المحويت بعنوان “مع غزة .. تصعيد مهما كانت التحديات”
  • حركة المجاهدين الفلسطينية تدين بشدة العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن
  • هل ستنهار الهدنة؟ الحوثي يوجه رسالة تحذير قوية للسعودية بشأن نقل البنوك من صنعاء
  • المقاومة الفلسطينية تواصل عملياتها البطولية ضد قوات العدو في رفح