حقوق الإنسان في السودان واليتم المقيم

خالد فضل

ياخي إنتو بتنظروا ساي، هو في حقوق إنسان في بلدنا ده!! عبارة صادمة من المؤكد أنّ أيّ مدافع/ة عن حقوق الإنسان في السودان قد سمعها/تها  عشرات أو مئات المرات على الأقل في أي نقاش بين الناس العاديين، في القرية أو الحي أو مكان العمل أو الأسواق.

قد يكون مطلق العبارة جزّار أو سوّاق حافلة أو مزارع، وحتى أستاذ في جامعة أو معلم في مدرسة! تلك وعثاء الدرب الذي يسير عليه المدافعون عن حقوق الإنسان في السودان، وقد تسنى لشخصي مرافقة هذه الحركة الحقوقية ضمن آخرين/يات لفترة تزيد على العقدين من الزمان، أتذكّر في بعض اللحظات العبارة الموجعة التي وردت على لسان أحد الشخصيات الإنجليزية في رواية مبدعنا الراحل الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال عن (فشل مهمتنا الحضارية) تلك تكون من لحظات الإحباط في الحياة العامة، ولكن الدفاع عن حقوق الإنسان يحتاج إلى طول البال وصبر أيوب، وتحمّل الأذى المادي والمعنوي، تلك سكة وعرة وعثاؤها يستغرق جل العمر مشيا بأقدام حافية وبقلب جامد لا يتلفت كثيراً.

منذ مطلع الألفية على الأقل، وفي عهد نظام الإنقاذ الذي سيطر على الحكم لثلاثين عاما (1989- 2019م) ظلّت أوضاع حقوق الإنسان في السودان تشهد تأرجحا مؤذياً، فالحرب الأهلية في الجنوب سابقا، وجبال النوبا والنيل الأزرق والشرق وأخيرا دارفور؛ هذه الحروب أودت بالحق الأساسي (الحياة) لملايين السودانيين من المدنيين والعسكريين، وانسحبت إفرازاتها مباشرة على بقية منظومة جقوق الإنسان، وقد عبّر الصديق الزميل نيال بول عن ذلك ذات مرّة عندما قال لي (خالد أخوي، إنتو ناس حقوق ديمقراطية وإجتماعية لإنسان على قيد الحياة أنحنا ياخي نناضل من أجل حق الحياة نفسو)!! وعلى تعدد المنظمات الحقوقية التي نشطت في تلك الفترة وخاصة عقب توقيع إتفاقية السلام الشامل بين الحكومة السودانية (المؤتمر الوطني) والحركة/ الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة الراحل د. جون قرنق في 2005م، إلاّ أنّ تقدما يسيرا قد تحقق في بعض المجالات؛ مثل المصادقة على بعض الإتفاقات والعهود الدولية كاتفاقية حقوق الطفل  وغيرها، بيد أنّ بعض الإتفاقيات المهمة لم يتم التوقيع أو المصادقة عليها مثل إتفاقية مناهضة التعذيب، المحكمة الجنائية الدولية، سيداو.. إلخ، كما ظلّ المدافعون عن حقوق الإنسان من الأهداف الثابتة للأجهزة الأمنية ترصدا واستدعاءات متكررة واعتقالات ومصادرة وإغلاق للمنظمات وتشريدا ومضايقات بغرض الفرار من البلاد وغيرها من صنوف وألوان التضييق التي برعت فيها الأجهزة الأمنية التي كانت في الواقع تسيطر على كل أوجه النشاط البشري من التجارة إلى السفارة وما بينهما من نشاط.

لقد أضطر كثير من المدافعين/ات الأشداء للهجرة خارج البلاد نتيجة هذه الضغوط الكثيفة والعنيفة التي واجهتهم وهم يقومون بدورهم في الذود عن حقوق الإنسان السوداني المغلوب على أمره.

إنّ الوعي بمنظومة حقوق الإنسان ظلّ هو الآخر يشكل عقبة أمام السير بخطى مستقيمة نحو بلوغ تلك الحقوق، لدى كثير من المجتمعات السودانية يعتبر الإنتهاك من العادات والتقاليد التي يجب المحافظة عليها، مثل عادة ختان الإناث، أو غمط حقوق النساء في أبسط صورها؛ التعليم، اختيار الزوج، السفر بمفردها… إلخ، فيما تبدو حقوق ذوي الإعاقة وكبار السن من الحقوق المنسية في معظم الأحوال، حيث لا يوضع في الاعتبار أنّ ثمّة أشخاص يحتاجون إلى معمار خاص في البنايات والمؤسسات العامة والخاصة، وفي محطات المواصلات والطرق مثلا، أمّا البيئة والحياة البرية فحدّث ولا حرج، المركوب المصنوع من جلد النمر أو ثعبان الأصلة يعتبر من مظاهر الأبهة والثراء والوجاهة الاجتماعية، وربما تتغنى بجماله مغنية تمجّد من يحتذيه!! ويرقص طربا على الإيقاع جمهور الحفل المهيب.

وخلال العامين (2019- 2021م) وهي الفترة القصيرة جدا التي تولت فيها السلطة التنفيذية حكومة انتقالية مدنية تمثل قوى الثورة السودانية المجيدة، لم يتحقق الكثير في مضمار حقوق الإنسان، فقط تمكّن بعض المطاردين من زيارة ذويهم وأهلهم في السودان، والإقامة لفترة قصيرة دون أن تلاحقهم الاستدعاءات والمضايقات الأمنية، وتمكّنت بعض المنظمات من الوصول إلى مناطق كانت محرّم الوصول إليها في السابق، أمّا الإتفاقيات المعلّقة فقد ظلت على حالها لم تتم المصادقة عليها بسبب غياب المجلس التشريعي الانتقالي وممارسة الاجتماع المشترك لمجلسي الوزراء والسيادة لسلطة التشريع كإجراء مؤقت استمر مع الأسف حتى انقلاب البرهان/ حميدتي على الثورة والسلطة المدنية الانتقالية في 25 أكتوبر 2021م، كما أنّ الدعاية المضادة للثورة، وعلى قيادتها بعض أئمة المساجد ومن يوصفون بالفقهاء والعلماء ومنابر إعلامية تبث من الخارج والسوشيال ميديا كل هذه الوسائط تم استغلالها بصورة ممنهجة لتصوير المطالبة بكفالة حقوق الإنسان والمصادقة على بعض الاتفاقيات الدولية كأنه مطالبة فقط بحقوق المثليين والدعارة والسفور للنساء!! هكذا ببساطة فعلت آلة الدعاية فعلتها وسممت الفضاء القابل للتسمم أساسا بفضل عقود طويلة من التغييب المتعمد لأجيال وأجيال من السودانيين/ات.

إنّ العمل في حقل حقوق الإنسان، والدفاع عن تلك الحقوق يشكل مؤشرا أخلاقيا وفكريا رفيعا، التجرد من النواقص البشرية والتقدم بخطى ثابتة وشجاعة نحو هذه الأهداف النبيلة؛ يشكل أهم الروافع والدوافع في تقديري لبناء حركة حقوقية وطنية قوية وفعالة ومؤثرة، لا مستقبل لبلادنا بغير بناء مجتمع مكفول الحقوق، صونها والدفاع عنها من أبجديات أي مشروع أو برنامج سياسي أو خطة حكومية للتنمية. ثم  لا للحرب نعم للسلام، لا لانتهاكات حقوق الإنسان نعم لكفالة هذه الحقوق ومعاقبة منتهكيها في المحاكم المحلية والدولية.

الوسومالبرهان السودان الفترة الانتقالية انقلاب 25 اكتوبر ثورة ديسمبر حقوق الإنسان حميدتي خالد فضل ختان الإناث قوى الثورة السودانية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: البرهان السودان الفترة الانتقالية انقلاب 25 اكتوبر ثورة ديسمبر حقوق الإنسان حميدتي خالد فضل ختان الإناث حقوق الإنسان فی السودان عن حقوق الإنسان

إقرأ أيضاً:

برلمانية: مصر مستمرة في ترسيخ كرامة الإنسان وتوسيع مظلة الحقوق الأساسية

أكدت النائبة فاطمة سليم، عضو لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، أن احتفاء مصر باليوم العالمي لحقوق الإنسان هذا العام يأتي ليجسد ما قطعته الدولة من خطوات جادة في تعزيز حقوق المواطن، وترسيخ قيم الكرامة الإنسانية، وتنفيذ استراتيجية شاملة ترتكز على بناء الإنسان أولا.

نواب البرلمان: تراجع التضخم مؤشر واضح على استقرار الاقتصاد وثقة المستثمرينبرلمانية: تراجع التضخم خطوة تعيد الانضباط للأسواق.. ورسالة ثقة في مسار الإصلاح الاقتصاديبرلماني: تراجع التضخم رسالة طمأنة قوية.. والاقتصاد المصري يسير بثبات نحو استقرار أكبربرلمانية: تراجع التضخم ينعش القطاعات الإنتاجية ويفتح الطريق لخفض تكاليف الصناعة

وقالت سليم في تصريحات خاصة إن العاشر من ديسمبر يمثل مناسبة لتعزيز الالتزام بالمبادئ التي قامت عليها المواثيق الدولية، وفي مقدمتها الحق في الحياة الكريمة، والتعليم، والصحة، والحماية الاجتماعية، مشيرة إلى أن الدولة المصرية استطاعت خلال السنوات الماضية إطلاق برامج ومبادرات تنموية غير مسبوقة تستهدف تحسين جودة حياة المواطنين في مختلف المحافظات.

وأضافت أن الدولة ماضية في استكمال تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي، والتي تعد خارطة طريق واضحة للعمل على صون الحقوق والحريات وتعزيز المشاركة السياسية وتمكين الفئات الأولى بالرعاية، إلى جانب جهود دعم المرأة والشباب وذوي الهمم ومواصلة تطوير البنية التشريعية الداعمة لحقوق الإنسان.

وشددت النائبة على أن مصر تقدم نموذج متوازن يجمع بين حماية الأمن القومي وصون الحقوق الأساسية، مع استمرار التعاون مع المؤسسات الدولية والشركاء الإقليميين بما يعزز مكانة مصر وريادتها على المستويين العربي والدولي في قضايا حقوق الإنسان.

طباعة شارك حقوق الإنسان مجلس النواب اليوم العالمي لحقوق الإنسان عبدالفتاح السيسي

مقالات مشابهة

  • مستقبل وطن : الجمهورية الجديدة تعزز حقوق الإنسان برؤية شاملة
  • خلافاً للواقع..السوداني:حقوق الإنسان العراقي لامثيل لها في العالم!!
  • في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. ما هو وضعها في تونس؟
  • في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. أي وضع حقوقي في تونس؟
  • برلمانية: مصر مستمرة في ترسيخ كرامة الإنسان وتوسيع مظلة الحقوق الأساسية
  • في يومها العالمي.. الشباب المصري: حقوق الإنسان تمثل أساسا لاستقرار المجتمع وتقدمه
  • مصر تحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان
  • رسالة هامة من القومي لحقوق الإنسان في يوم اليوم العالمي
  • "القومي لحقوق الإنسان" يجدد التزامه بمواصلة دوره المستقل
  • الخارجية: مصر شهدت طفرة في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة