تستعد شركة "ميرسك"، ثاني أكبر خط ملاحي في العالم، لاستئناف عملياتها في البحر الأحمر، بعد أن تعهد التحالف البحري بقيادة الولايات المتحدة بالقيام بدوريات في البحر الأحمر.

وقالت شركة الشحن العملاقة في بيان الأحد، نشرته عبر موقعها، وترجمه "الخليج الجديد": "مع تفعيل المبادرة، نستعد للسماح للسفن باستئناف العبور عبر البحر الأحمر نحو الشرق والغرب".

وأوقفت شركة الشحن العملاقة مؤقتا، إرسال السفن عبر مضيق باب المندب هذا الشهر، بسبب الهجمات على سفنها.

وهذا جعل قناة السويس، التي تعتبر أساسية للتجارة العالمية، غير صالحة للاستخدام بالنسبة لمعظم المسارات.

وأعلنت الولايات المتحدة، الثلاثاء، إطلاق عملية متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين اليمنيين المدعومين من إيران الذين يطلقون طائرات مسيرة وصواريخ على السفن الدولية منذ الشهر الماضي، فيما يقولون إنه رد على الحرب الإسرائيلية في غزة.

وقالت "ميرسك" إنها ستعلن المزيد من التفاصيل في الأيام المقبلة، لكنها أشارت إلى أنها قد تلجأ مرة أخرى لتحويل مسار السفن، وفقا لظروف السلامة.

اقرأ أيضاً

تقرير: المسيرات الحوثية والإيرانية خلقت قوس تهديدات من البحر الأحمر للمحيط الهندي 

وأعلنت الشركة، الثلاثاء، إعادة توجيه السفن حول أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح، وقالت إنها ستفرض رسوما إضافية على الحاويات للشحنات المتجهة من آسيا لتغطية التكاليف الإضافية الناجمة عن زيادة مدة الرحلة.

ويعد استئناف عبور السفن في البحر الأحمر، بمثابة خبر مهم لإيرادات مصر من العملة الصعبة، والتي قد تتأثر بشدة إذا طالت الأزمة.

يأتي هذا بعد يوم فقط من إعلان "ميرسك" تأجيل مواعيد الوصول لأكثر من 150 من ناقلاتها، وامتد بعضها حتى مارس/آذار، بسبب عمليات تحويل المسار للعبور من طريق رأس الرجاء الصالح، ما أعطانا الانطباع أن تلك الاضطرابات في حركة التجارة يمكن أن تدوم لأشهر.

وحتى الآن، "ميرسك" هي الشركة الكبرى الوحيدة التي أعلنت أنها ستستأنف عبور سفنها في البحر الأحمر، ولكن بالنظر إلى كيف انتشر قرار إيقاف العبور مؤقتا بين عمالقة الشحن والنفط في الأيام الماضية، وكذلك الوقت والمال الذي يستغرقه قرار الدوران حول طريق رأس الرجاء الصالح، فمن غير المتوقع أن يمر وقتا طويلا قبل أن نسمع عن تغير في الموقف من جانب شركات أخرى.

وبالتزامن مع إعلان "ميرسك" استئناف الشجن عبر البحر الأحمر، ذكرت قناة "NHK" اليابانية، أن شركات الشحن الوطنية تخلت عن طريق الملاحة عبر البحر الأحمر وقناة السويس، بسبب تهديدات جماعة "أنصار الله" الحوثيين اليمنية.

وأعلنت شركتا (NYK Line) و(Mitsui OSK Lines) تعليقهما ملاحة سفنهما عبر البحر الأحمر إلى أوروبا، وأعادت توجيهها على طول طريق حول أفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح.

اقرأ أيضاً

20% تراجعا في سعة الشحن العالمي بسبب هجمات البحر الأحمر

واتخذت (Ocean Network Express) إجراءات مماثلة، كما بدأت شركة (Kawasaki Kisen Kaisha) في استخدام الطرق التي تمر عبر أمريكا الشمالية.

ومقارنة بالمسار عبر قناة السويس، فإن زمن تسليم الحاويات إلى موانئ دول الاتحاد الأوروبي من الصين أو كوريا الجنوبية أو اليابان عبر رأس الرجاء الصالح يزيد بنحو ثلاثة إلى أربعة أسابيع.

وتسببت جماعة الحوثي، المدعومة من إيران وتسيطر على الكثير من أراضي اليمن، في اضطراب التجارة العالمية على مدى أسابيع، بسبب شنها هجمات على السفن المارة عبر مضيق باب المندب عند الطرف الجنوبي للبحر الأحمر، فيما تقول إنه رد على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

ومنذ بدء الهجمات بالصواريخ والمسيرات من اليمن على السفن التجارية، علقت عدة شركات كبرى للنقل البحري المرور عبر مضيق باب المندب إلى حين ضمان سلامة الملاحة فيه، منها الدنماركية "ميرسك" والألمانية "هاباغ-ليود"، والفرنسية "سي إم إيه سي جي إم"، والإيطالية السويسرية "إم أس سي"، وعملاق النفط البريطاني "بريتيش بتروليوم".

وتضيف الرحلات بين أوروبا وآسيا عبر طريق رأس الرجال الصالح بدلاً من الإبحار عبر قناة السويس مدة تتراوح ما بين 3 إلى 4 أسابيع إلى مدة الرحلة.

ويمر نحو 10% إلى 15% من التجارة العالمية، و30% من تجارة الحاويات، عبر قناة السويس، الممر المائي الذي يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط.

اقرأ أيضاً

ميرسك تعلن وقف جميع عمليات الشحن عبر البحر الأحمر

المصدر | الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: البحر الأحمر الحوثيون ميرسك شركات شحن سفن قناة السويس رأس الرجاء الصالح عبر البحر الأحمر فی البحر الأحمر قناة السویس

إقرأ أيضاً:

أنصار الله.. معادلة الهيمنة الاستراتيجية في البحر الأحمر

 

 

في واحد من أكثر التحوّلات الاستراتيجية غير المتوقعة خلال العقود الأخيرة، فرض أنصار الله في اليمن واقعاً جديداً على خريطة الملاحة الدولية، وبخاصة في البحر الأحمر وباب المندب، عبر أدوات عسكرية غير تقليدية ومنهجية صراعية تقوم على الجمع بين الردع الثابت والضغط المرحلي الموجّه. هذا التحوّل لم يقتصر على المعطى العسكري، بل امتد ليشكّل إعادة تعريف للهندسة الجيوسياسية في المنطقة، وأسفر عن إرباك غير مسبوق في مراكز اتخاذ القرار داخل الولايات المتحدة، وأدى في نهاية المطاف إلى رضوخ أمريكي لشروط صنعاء الثورية، مقابل تعليق الهجمات على المصالح الأمريكية فقط، مع الإبقاء على وتيرة الهجمات المتصاعدة ضد الكيان الصهيوني، الذي بات يتلقى الضربات بشكل منفصل ومنهجي باستخدام صواريخ فرط صوتية.
هذا التحول ليس فقط انتصاراً ميدانياً، بل نجاحاً استراتيجياً لليمن الذي استطاع فرض معادلته في واحد من أكثر المسارح البحرية تعقيداً، بل واستطاع إعادة صياغة العلاقة بين الحلفاء الغربيين أنفسهم، وبالذات بين واشنطن و”تل أبيب”.
من الهامش إلى المركز: إعادة تعريف الجغرافيا اليمنية
لأكثر من قرن، كان اليمن، وبالذات مناطقه الساحلية المطلة على البحر الأحمر، موقعاً هامشياً في المعادلة الدولية. وُظفت أحياناً كممر، وتُركت غالباً كمستقر للاضطرابات. لكن، منذ عام 2023، بدأت هذه الجغرافيا تتبلور كفاعل، لا كمجرد موقع.
نجح أنصار الله في تحويل ما يُعرف في الأدبيات العسكرية بـ”الهامش الجغرافي” إلى رأس حربة جيوسياسية، مستندين إلى قراءة دقيقة لتحوّلات التجارة العالمية، وانكفاء الهيمنة الغربية التقليدية، والفجوة المتزايدة بين القدرات الأمريكية ورغباتها الإمبراطورية. هذا التحول لم يكن عشوائياً، بل تم بتخطيط متدرج، استثمر في الوقت، ومعرفة العدو، وتطوير القدرة الصاروخية والنفس الثوري في آنٍ معاً.
صناعة الردع البحري: معادلة جديدة لميزان القوة
الردع في البحر الأحمر لم يعد، كما كان في السابق، يعتمد على حاملات الطائرات أو القواعد العسكرية الدائمة، بل على القدرة على تهديد المصالح الاقتصادية في نقاط حرجة من دون الانجرار إلى صدام مفتوح. استطاع أنصار الله بلورة هذا الردع عبر استراتيجية تجمع بين المفاجأة والتدرج، وبين التصعيد المحسوب والضبط العملياتي الدقيق.
ففي الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة تراهن على تكثيف الوجود البحري في المنطقة، باغتتها الجماعة بضربات ذكية استهدفت السفن المرتبطة بالمصالح الغربية، ثم وسّعت نطاق عملياتها لتطال “إسرائيل” بشكل مباشر، من دون أن تخسر خطابها الأخلاقي أو مشروعيتها الداخلية.
إن ما حدث هو ولادة “ردع طرف ثالث،”، أي فصل الولايات المتحدة عن التزامها المباشر بأمن الكيان المحتل، عبر إقناع واشنطن أن كلفة استمرار الارتباط العسكري مع “تل أبيب” باتت أكبر من كلفة التخلي عنها مرحلياً.
فك الارتباط الأمريكي- الإسرائيلي: مكسب أممي لمحور المقاومة
أحد أعمق أبعاد التحوّل الاستراتيجي يتمثل في نجاح أنصار الله في صياغة معادلة جديدة داخل المحور الغربي نفسه. لقد قبلت الولايات المتحدة، بشكل صريح هذه المرة، وقف العمليات ضد سفنها ومصالحها، مقابل تعليق أنصار الله الهجمات تجاه السفن الأمريكية، لكنها لم تنجح في دفع اليمن إلى وقف استهداف الكيان الصهيوني.
هذا التمايز في الاستجابة العسكرية يعكس ما هو أعمق من نجاح تكتيكي. إنه فصل نفسي واستراتيجي بين الحليفين التاريخيين، واشنطن و”تل أبيب”. فكيان الاحتلال الذي تعوّد على الاحتماء تحت المظلة الأمريكية بات مكشوفاً أمام قوة جديدة في اليمن تتقن استخدام تكنولوجيا الصواريخ فرط صوتية ومبادئ الردع الثوري.
المفارقة هنا أن واشنطن، التي تدّعي حماية الاستقرار العالمي، وجدت نفسها مرغمة على الدخول في مفاوضات غير معلنة مع جماعة تعدّها هي “إرهابية”، في وقت يستمر اليمن في مهاجمة مدن كيان الاحتلال من دون رادع. هذا التحول وحده كفيل بإعادة تشكيل منطق التحالفات في الشرق الأوسط، وهو سقوط مدوٍ لمبدأ “الأمن الجماعي الغربي”. وفرض معادلة يمنية وهي أن وقف الهجمات على “تل أبيب” يستلزم وقف حرب الإبادة على غزة في التزام أخلاقي لا نظير له بين الدول الإسلامية.
العمق الشعبي: السر الخفي لاستمرار الزخم الثوري
الاستراتيجية لا تُبنى فقط على الأسلحة، بل على الشرعية. هنا، يكمن أحد أسرار قوة أنصار الله، وهي القاعدة الشعبية الصلبة التي يستندون إليها. فبينما تعاني الأنظمة الموالية للغرب من انعدام الشرعية وفقدان الحاضنة الداخلية بعد دعمها لإبادة جماعية وقتل يومي بحق الأطفال والنساء في غزة، يتمتع أنصار الله بدرجة عالية من الالتفاف الشعبي ليس فقط في اليمن، بل في العالمين الإسلامي والدولي الذي ينظر إلى قضية فلسطين كقضية تحرر يجب دعمها.
هذا الالتفاف لم يأتِ من فراغ، بل من إدراكهم لأهمية تمثيل الهوية المحلية في مشروعها السياسي والعسكري. بخلاف مشاريع الهيمنة التي تهمل الشعوب وتفرض سياسات فوقية، بنى أنصار الله مشروعهم على أساس الارتباط بالناس، والحديث بلغتهم، والقتال من أجل قضاياهم، وليس بالنيابة عنهم.
هذا العمق الشعبي هو ما يحميهم من الاختراق، وهو ما يقلق الغرب أكثر من الصواريخ: كيف تواجه خصماً تتجذر مشروعيته في قلوب الناس، لا في بيانات الأمم المتحدة؟
الحرب النفسية: السلاح الأمريكي القادم
بما أن أدوات القوة الصلبة أثبتت محدوديتها تجاه اليمن، من المتوقع أن يتحوّل تركيز الولايات المتحدة إلى الحرب النفسية والإعلامية. سيُعاد تشغيل ماكينة التضليل، وستُبث الروايات حول الانقسامات داخل اليمن، أو الأزمات الاقتصادية، أو “الإرهاق الشعبي” من الحرب.
سيُوظّف الإعلام العربي والغربي لتفكيك الخطاب المقاوم، وشيطنة أنصار الله، وتقديمهم كعبء على اليمن بدل كونهم ممثلاً للسيادة والكرامة. هذه الحرب الناعمة ستكون أشرس من القصف الأمريكي الذي فشل في كسر إرادة الشعب اليمني العظيم، لأنها تستهدف المعنويات، وتُبنى على الاستنزاف البطيء، وليس الضربة السريعة.
لكنّ وعي أنصار الله وقاعدتهم الشعبية بهذا النمط من الحروب يُعدّ من نقاط قوتهم. فهم يدركون أن المعركة القادمة ليست فقط بالسلاح، بل بالوعي والرسالة والسردية. وبالتالي، فإن تطوير أدواتهم الإعلامية، وبناء خطاب يتحدث إلى العالم، لا فقط إلى اليمن، سيكون ركيزة دفاعهم المقبلة.
لم يعد البحر الأحمر مجرد ممر تجاري، بل تحول إلى منصة صراع تُرسم فيها خرائط النفوذ الجديدة. وإن كانت واشنطن قد دخلت البحر الأحمر بأساطيلها، فإن صنعاء دخلته برؤية، واستراتيجية، وتوقيت، ونفس طويل.
الانتصار اليمني ليس ميدانياً فقط، بل مفهومياً عبر فرض قواعد اشتباك جديدة، وانتزع اعتراف أمريكي بفاعلية المقاومة، وزرع أولى بذور الانفصال بين واشنطن و”تل أبيب.”
المعادلة الجديدة تقول إنّ من يتحكم بباب المندب، يتحكم بتدفق التجارة العالمية، وبالتالي بتوازنات الهيمنة. وأنصار الله اليوم، بفضل وعيهم، وقاعدتهم، وشجاعتهم، والتزامهم الأخلاقي والديني تجاه غزة لم يعودوا مجرد فاعل محلي، بل صاروا رقماً إقليمياً يُحسب له في كل قرار دولي.
مدير ورئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية.

مقالات مشابهة

  • فلاي دبي تستأنف رحلاتها لسوريا بعد 12 عاما من توقفها
  • الحوثيون يبثون خطابا لشركات الشحن العالمية بشأن الملاحة بالبحر الأحمر
  • بعد أسبوعين من اتفاق مسقط.. مليشيا الحوثي تعلن نيتها استئناف الهجمات على الملاحة الدولية
  • مركز ستراتفور: استهداف اليمن لميناء حيفا سيزيد مخاوف شركات الشحن ويهدد حركة الملاحة
  • مركز تنسيق العمليات يحذر شركات الشحن: الملاحة من وإلى ميناء حيفا باتت محظورة وتعرض السفن للعقوبات والاستهداف
  • أنصار الله.. معادلة الهيمنة الاستراتيجية في البحر الأحمر
  • مجلة أمريكية تعلق على الحظر اليمني على ميناء حيفا
  • اليمن.. «أنصار الله» تفرض حظراً بحرياً على ميناء حيفا الإسرائيلي وتحذر شركات الشحن
  • بشهادة أمريكية. اليمن قادرعلى استهداف السفن المتعاملة مع حيفا
  • مركز تنسيق العمليات الإنسانية يخاطب شركات الشحن بشأن مخاطر الملاحة من وإلى ميناء حيفا