حزب الله يُلاقي الضغوط بـ... بعد غزة لكل حادث حديث
تاريخ النشر: 26th, December 2023 GMT
كتبت "الراي الكويتية": لم يكن عادياً ما كَشَفَهُ نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، عن بعضٍ من «علبةِ أسرارٍ» ما يحمله الموفدون الغربيون رفيعو المستوى في «حقائبهم الديبلوماسية» إلى الحزب في زياراتهم للبنان الذي تشتعل جبهته الجنوبية منذ 8 أكتوبر بمواجهاتٍ جاءت لتصبّ «الزيتَ على نار» أزماته الأخطبوطية السياسية والمالية وتضعه على «فالق» غزة التي تزلزل الأرض تحت أقدام أبنائها الذين يتخبّطون في دمائهم فيما القطاعُ يتحوّل.
فعلى وقْع «تأكيد المؤكد» عبر تقارير صحافية أميركية حول أن إسرائيل أوشكتْ بعد 4 أيام من «طوفان الأقصى» أن تفتحَ الجبهة مع «حزب الله» وتوجّه ضربةً استباقيةً له قبل أن تردعها إدارة الرئيس جو بايدن، وأن تل أبيب لن تكون في وارد التسليم بأن تبقى وضعيةُ الحزب في جنوب الليطاني على ما هي حالياً وأنها تحاول توفير كل أدوات الضغط لتغيير هذا الواقع تحت لافتة القرار 1701 - سواء قبل انتهاء حرب غزة أو بعدها - اختار قاسم أن يُلاقي «المناخَ التعبوي» الإسرائيلي - الدولي عبر كشْفٍ متعمَّدٍ لمداولاتِ الغرف المغلقة ولـ «مثلث أسئلة» تُطرح على الحزب الذي يَعتمد حيالها إستراتيجية «الغموض البنّاء» على طريقة «الجواب المستتر».
فالرجل الثاني في «حزب الله» قال إن «الوفود المرسَلة من الدول الغربية على أعلى المستويات تسألنا ثلاثة أسئلة. الأول: هل ستوسعون الحرب أم لا؟ الثاني: ما مصير المستوطنين وهل يستطيعون العودة الآمنة إلى شمال فلسطين؟ والثالث: هل ستبقى المقاومة موجودة في الجنوب وعلى الحدود مباشرة، أم أن هناك حلولاً معينة؟ ويقولون كل ذلك من أجل الاستقرار في المنطقة».
وأضاف: «أجبناهم سراً ونجيبهم علناً، أَوْقِفوا العدوان على غزة قبل أي سؤال، فالحرب في الجنوب انعكاسٌ للعدوان على غزة، واستمراريتُها مرتبطةٌ باستمرار العدوان على غزة، وتصعيد الحرب في الجنوب مرتبط بأداء إسرائيل، فإذا وسّعت عدوانها سنردّ الصاع صاعين. لا يمكن أن نرضخ، ولا تؤثر علينا لا تهديدات إسرائيلية ولا أميركية ولا دولية». وتابع: «لا نقاش لدينا الآن مع أحد عما يمكن أن يكون الوضع عليه بعد حرب إسرائيل على غزة، أوقفوا الحرب ثم تحصلون على الإجابات المناسبة في وقتها (...) ولا نقبل أن يبقى لبنان تحت التهديد والتهويل، ولا أحد يملك صلاحية أن يعطي التزامات للآخَرين بأن لبنان مستكين ولن يفعل شيئاً».
وفي رأي أوساط عليمة، أن كلامَ قاسم «المشفّر» يترجم في جانبٍ منه الاقتناعَ السائد لدى دوائر عدة بأن «حزب الله» ليس محشوراً في الميدان، وفق الدينامية العسكرية الحالية، ولا يوجد ما يضطره لتقديم أي تنازلاتٍ لإسرائيل، وأن تقديم الأجوبة ولا سيما على سؤال «هل ستبقى المقاومة موجودة في الجنوب وعلى الحدود مباشرة» مرهونٌ حكْماً بـ «السلّة» التي تعمل عليها واشنطن عبر آموس هوكشتاين وحتى الفرنسيين على قاعدة بلوغ تفاهم على «فض النزاع البري» بما في ذلك إيجاد صيغة لمزارع شبعا المحتلة (ربما وضْعها في عهدة الأمم المتحدة) لقاء ترتيباتٍ ترتكز على تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 بحذافيره أي جعل جنوب الليطاني منطقة منزوعة السلاح أو أقله سحب وحدة النخبة التابعة للحزب (الرضوان) والأسلحة الثقيلة.
وبحسب الأوساط فإن الحزب، الذي كرّس الترابطَ بين أي «كلامٍ» حول وضعيته ودوره في مرحلة ما بعد حرب غزة وبين انتهائها أولاً - وسط معطياتٍ عن أن واشنطن تتعاطى بواقعية أيضاً من خلال تَمايُزها عن محاولاتٍ إسرائيلية للضغط في اتجاه تطبيق الـ 1701 فيما الحرب مشتعلة - لم يَحِدْ ولن يخرج عن سياسةِ أن أي انسحابٍ إسرائيلي من أرض لبنانية محتلة أو بتٍّ لنقاط خلافية على الخط الأزرق هو «حقّ للبنان ولا أثمان مقابله» وذلك في تأكيدٍ على «فصل مساريْ»:
- نزْع الذرائع الذي يعتقد الحزب أن تل أبيب وواشنطن يسعيان إليه من خلال ملف التفاهم البري الذي يعمل عليه هوكشتاين خصوصاً.
- مصير انتشاره وتموْضعه جنوب الليطاني، الذي له حسابات إستراتيجية أخرى لا يمكن تَصَوُّر مقاربتها خارج «الحرب الباردة» مع إيران ومشروعها الكبير الذي تزين تحريكَ أذرعها العسكرية في المنطقة، على تخوم حرب غزة، تحت سقف عدم تعريضه لخطرِ الوقوع في فم الأساطيل الأميركية المنتشرة في المتوسط.
وفيما تشهدُ الأروقة الديبلوماسية في أكثر من عاصمة مفاوضاتٍ شاقةً لإيجاد «حمّالة» سياسية توقف «محرقة غزة» على قاعدة إنجاز تبادُل الأسرى والمعتقلين وإيجادِ ترتيباتٍ ضامنة لعدم تكرار 7 أكتوبر 2022 إن لم يكن عبر القضاء على «حماس» فمن خلال «تذويب» قدرتها، قيادياً ولوجستياً، على تشكيل خطر مميت، وفق منظور إسرائيل، فإن الميدان في جنوب لبنان لم يهدأ بل مضى في تصعيدٍ تَصاعُدي وإن محكوماً برقعة جغرافية شبه «محدَّدة».
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی الجنوب حزب الله على غزة
إقرأ أيضاً:
الحزب والمقاومة بعد 43 عاما على التأسيس: مرحلة جديدة ومراجعة شاملة
في الأسبوع الأول من شهر حزيران/ يونيو من العام 1982 بدأ الاجتياح الإسرائيلي الجديد للبنان، بهدف إنهاء وتصفية منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وإقامة نظام سياسي جديد للبنان يقبل بالتفاوض مع العدو الصهيوني وإقامة معاهدة سلام بين لبنان وهذا الكيان، وحصل هذا الاجتياح بالتعاون والتنسيق مع القوات اللبنانية التي كانت تعمل لإيصال قائدها بشير الجميل لرئاسة لبنان بعد انتهاء عهد الرئيس اللبناني إلياس سركيس.
وخلال أيام قليلة استطاعت القوات الإسرائيلية احتلال قسم كبير من الأراضي اللبنانية والوصول إلى محيط العاصمة اللبنانية بيروت، وحصلت مواجهات محدودة بين القوات الإسرائيلية والقوى الوطنية والفلسطينية في بعض المناطق الجنوبية وبعض مناطق الجبل وكذلك في منطقة خلدة قرب بيروت، وحاصر الجيش الإسرائيلي مدينة بيروت لمدة شهرين، انتهت بخروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية وسيطرة العدو الإسرائيلي على بيروت وانتخاب بشير الجميل رئيسا للجمهورية.
لكن بعد أيام قليلة من هذه التطورات بدأت تنشأ قوى مقاومة لبنانية ووطنية وقومية وإسلامية جديدة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وتشكلت جبهة المقاومة الوطنية، فيما تحركت أفواج المقاومة اللبنانية التابعة لحركة أمل، في حين قامت قوات ناصرية وقومية ويسارية وبعض المجموعات اللبنانية الناشطة مع القوى الفلسطينية بعمليات ضد القوات الإسرائيلية.
في هذه المرحلة بدأت تبرز مجموعات إسلامية جديدة كانت ناشطة في إطار اللجان والجمعيات الإسلامية في لبنان حيث نفذت عمليات مقاومة دون الإعلان عنها، وتعاونت هذه المجموعات مع أعضاء في حركة فتح والجماعة الإسلامية وحركة التوحيد الإسلامي وبدأت تتواصل مع القيادة الإيرانية، وتلقت دعما من العديد من العلماء وأبرزهم المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله والشيخ سعيد شعبان وغيرهم من العلماء الذين انخرطوا في إطار تجمع العلماء المسلمين وهيئة علماء جبل عامل وتجمع علماء البقاع، وكل هذه الجهود مهّدت لبروز حالة إسلامية جديدة في لبنان لم تكن معروفة سابقا واطلق عليها لاحقا اسم : أمة حزب الله أو حزب الله.
وكانت العملية الأبرز لهذه المجموعات الإسلامية المقاومة العملية الاستشهادية الأولى في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1982 قرب مدينة صور والتي نفذها الشهيد أحمد قصير والذي لم يعلن عن اسمه إلا بعد ثلاثة سنوات وبعد تحرير قسم كبير من الأراضي اللبنانية المحتلة، وأدت هذه العملية إلى مقتل أكثر من مائة وعشرين جنديا إسرائيليا.
وخلال 43 عاما، من حزيران/ يونيو 1982 إلى حزيران/ يونيو 2025 تطورت تجربة حزب الله والمقاومة الإسلامية في لبنان ومرّت في مراحل عديدة، وتحول حزب الله إلى أحد أهم اللاعبين المحليين والإقليميين والدوليين.
ويمكن تلخيص أهم المراحل التي مر بها حزب الله والمقاومة الإسلامية منذ التأسيس إلى اليوم بما يلي:
المرحلة الأولى، من العام 1982 إلى العام 1989، وهي مرحلة التأسيس والعمل الجهادي وتركز فيها العمل على العمل المقاوم ومواجهة النظام السياسي اللبناني وبناء القاعدة الشعبية، وفيها صدرت الوثيقة الأولى للحزب باسم الرسالة المفتوحة، وشهدت تحرير قسم كبير من الأراضي اللبنانية المحتلة وبعض الصراعات الداخلية.
المرحلة الثانية، بعد اتفاق الطائف ووقف الحرب العراقية- الايرانية وإعادة بناء الدولة اللبنانية وتصاعد العمليات المقاومة وصولا إلى التحرير شبه الكامل، وامتدت من العام 1989 حتى العام 2000، وشهدت مشاركة حزب الله في الانتخابات النيابية وبدء الاهتمام بالشأن الداخلي ومواجهة العدوان الإسرائيلي في العام 1993 وفي العام 1996، وعقد تفاهم نيسان. وتطورت أيضا البنية التنظيمية للحزب، حيث انتُخب ثلاثة أمناء عامين منهم الشيخ صبحي الطفيلي والسيد عباس الموسوي والسيد حسن نصر الله، وشهد الحزب تطورا كبيرا وتحول إلى قوة داخلية بارزة.
المرحلة الثالثة، من العام 2000 وحتى العام 2005، حيث زاد انخراط الحزب في الشأن الداخلي وتراجعت عمليات المقاومة وأصبحت الأولوية تعزيز الحضور السياسي والشعبي والتفاهم مع الرئيس رفيق الحريري، ومواجهة الضغوط الخارجية والداخلية الهادفة لانسحاب السوريين من لبنان، وتعززت علاقات الحزب مع الرئيس السوري بشار الأسد والذي تسلم الحكم بعد رحيل والده حافظ الأسد.
المرحلة الرابعة، من العام 2005 وحتى العام 2011، والتي بدأت باغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج القوات السورية من لبنان ومشاركة الحزب في الحكومة اللبنانية وخوضه صراعا داخليا كبيرا، مرورا بحرب تموز/ يوليو 2006 التي عززت من دور الحزب داخليا وخارجيا، ولكن الحزب غرق في الصراع الداخلي وأحداث أيار/ مايو 2008 ثم عقد اتفاق الدوحة وصدور وثيقة سياسية جديدة في العام 2009. وتعرض الحزب في هذه المرحلة لحرب قاسية داخليا وخارجيا.
المرحلة الخامسة، من العام 2011 وحتى العام 2023، حيث اندلعت الثورات الشعبية العربية وبرز تنظيم داعش، وانخرط الحزب في كل صراعات المنطقة وواجه تحديات كبيرة ومنها الصراعات المذهبية والطائفية وانخرط في الصراع في سوريا دفاعا عن نظام الرئيس بشار الأسد، وترك كل ذلك انعكاسات صعبة على دور الحزب وصورته.
المرحلة السادسة، منذ طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ نوفمبر إلى اليوم، حيث شارك الحزب في معركة الإسناد وتطور دوره العسكري، لكنه تعرض لضربات قاسية من خلال العدوان الإسرائيلي في العام 2024 وأدى إلى استشهاد الأمينين العاميين السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين والعديد من القادة العسكريين وآلاف المقاتلين، وتعرض الحزب لضربات قاسية، إضافة لسقوط النظام السوري. لكن الحزب عمد إلى إعادة ترتيب أوضاعه الداخلية والبحث عن رؤية جديدة في مواجهة مختلف التحديات، وانتخاب أمين عام جديد وهو الشيخ نعيم قاسم.
وفي هذه المرحلة يحتاج حزب الله والمقاومة الإسلامية إلى رؤية سياسية وميدانية لمواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، وإجراء مراجعة شاملة لأدائه السياسي والميداني. وقد بدأت ملامح التغيير تظهر من خلال مواقف الحزب وأدائه وحرصه على الحوار الداخلي والوقوف خلف الدولة اللبنانية.
فهل سنكون في المرحلة المقبلة أمام حزب جديد ومقاومة جديدة؟ وهل سيعمد الحزب لإطلاق رؤية سياسية جديدة قادرة على مواكبة المتغيرات؟
الجميع في داخل لبنان وخارجه يراقب الحزب وأداءه، بانتظار الصورة الجديدة والمشروع السياسي والميداني الجديد.
x.com/kassirkassem