السودان... التقسيم والمأساة (1)
تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT
ليست علاقة مصر بالسودان علاقة دولة جوار شقيقة فحسب، بل هى علاقة التاريخ بالحضارة أرسى دعائمها المصريون القدماء، والتى عرفت باسم حضارة "وادى النيل"، وقد امتدت إلى أن أصبحت مصر والسودان شعبا واحدا له قلبان يرويهما دم واحد ونيل واحد، وظلت هذه الحضارة تتمتع تحت لواء حكم واحد فى عهد والى مصر محمد على باشا، والذى تمتع حكمه للسودان بالاستقلال الذاتى المعترف به دوليا، تحت مسمى وحدة مصر والسودان، إلا أن هذه الوحدة لم تدم طويلا، وكانت تحاك ضدها المؤامرات من جانب دولة الاحتلال البريطانى، بعد أن استغلت قيام الثورة المهدية فى السودان سنة 1881، وسقوط الخرطوم فى قبضة أيدى الثوار فى 26 يناير من عام 1985، ما أدى إلى إخلاء السودان من الجنود المصريين، بناءً على إرغام من الحكومة البريطانية للحكومة المصرية، والتى امتدت حدود السودان المصرى أواخر عهد الخديو توفيق إلى وادى الواقعة غربى "دارفور " كما ذكر فى كتب المؤرخين.
ومن المؤامرة الاستعمارية الكبرى لفصل السودان عن مصر أواخر القرن التاسع عشر، إلى المؤامرة الأشد خطرا فى القرن الواحد والعشرين، وهى تقسيم السودان إلى دويلات صغيرة وتقليص مركزها العربى والدولى، بعد أن بدأ الحال يتغير مع اكتشاف البترول فيها وخصوصا فى جنوبه الغنى، إلى جانب وجود الثروات الطبيعية المادية الأخرى؛ مثل الذهب والحديد والفحم والنحاس ومعادن كثيرة، علاوة على مساحتها الزراعية الشاسعة وتوسعها الزراعى فى جميع المحاصيل وأشهرها القطن طويل التيلة، والذى كان سببا فى أطماع الإنجليز لها، من أجل تسويقه لهم وجعل السوق السودانى تصريفا لمنتجاتهم، إلا أن من سوء حظ السودان تعاقبت عليه حكومات أتت عن طريق انقلابات عسكرية وتمرد مسلح، وسط خلافات وانقسامات عصفت بالحياة السياسية والاجتماعية، تأخر فيها التمدين والرقى ومواكبة عصر التطور والتقدم فى البلاد، تعمق فيها الانقسام وفقدت الدولة قوميتها، وأصبحت مسرحا للطائفية والانغماس فى أودية الفوضى، وانتشر فيها الفساد والفقر والجهل والمرض.
تأتى مشكلة جنوب السودان ذات التعقيدات القبلية والعرقية الدينية، وانتشار الجماعات التبشيرية فيها، بعد أن وضع الاستعمار القديم بذرة شيطانها بأن قام بتمويل أصحاب هذه الدعوات، بمساعدتهم على الوصول إلى المناطق الأشد فقرا وبؤسا للسيطرة على عقليتهم الفكرية المحدودة، بل قام ايضا بإنشاء مدارس لهذه الدعوات، وبدأ المخطط الغربى ينخر فى عظام وحدة السودان بفصل جنوبه عن شماله، وهذه سياسة معول هدم للدول الاستعمارية الكبرى، والتى تنتهج سياسة تقسيم الدول العربية وتقطيع أوصالها، وإفقار شعوبها بتسليط سياسة صندوق النقد الدولى عليها، وهذه الأغراض غير الشريفة الهدف منها تدمير الشعوب والسعى فى خرابها، والسودان داخل هذا المخطط منذ أكثر من قرن والنصف، عندما لعبت أصابع المستعمر فى سياسة السودان وجعل لأهل الجنوب شبه حكم ذاتى، وتعليما يختلف عن تعليم أشقائهم فى الشمال، ما أدى إلى زيادة الاحتقانات والكراهية من سكان الجنوب ضد سكان الشمال، وكانت نتائج تلك الصراعات هى اندلاع الحرب فى الجنوب نتيجة للتمرد المسلح لإحدى فرقه العسكرية، استمر ما يقرب من 60 عاما، بعد أن خلف وراءه ملايين القتلى وإهدار موارد الدولة الاقتصادية والتى كانت تقدر ب 600 مليار دولار فى ذلك الوقت، إلى أن أخمدت نيرانها اتفاقية سلام شامل بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق، وكان ذلك فى التاسع من يناير عام 2005 والتى عرفت باتفاقية "نيفاشا"، إلى أن تم فصل الجنوب رسميا من خلال استفتاء شارك فيه أهل الجنوب فى الفترة من التاسع يناير وحتى الخامس عشر منه عام 2011، إذ كانوا يرغبون فى سودان موحد، أو إقامة دولة مستقلة تحت مسمى جمهورية جنوب السودان، طبقا لبنود الاتفاقية المذكورة آنفا، وقد كان الانفصال الذى رغب فى تحقيقه واحتفى به الرئيس السودانى المعزول عمر البشير يشاركه فيه رئيس جمهورية جنوب السودان الوليدة سالفا كير، وتعتبر موافقة البشير الرسمية على الانفصال هى كسب ولاء الغرب له، لكى ينجو من مقصلة المحكمة الجنائية الدولية، والتى أصدرت الدائرة التمهيدية لها التوقف بحقه، بعد أن طلب المدعى العام لها «لويس مورينيو اوكامبو» توقيفه، بمذكرة رسمية أصدرها المدعى العام بتاريخ 14/7/ 2008، بناء على اتهامات وجرائم ضد الإنسانية وكانت ابشعها واشدها قسوة وأشرسها، هى جرائم الإبادة الجماعية والتى ارتكبت فى حق سكان ولاية «دارفور» خلال فترة حكمه، خلفت وراءها مقتل 300 ألف نفس بشرية وتشريد الآلاف منهم، ورغم أن البشير قدم هديته للغرب فصل جنوب السودان عن شماله، إلا أن كل ذلك لم يشفع له استمراره فى الحكم أكثر من ذلك، والذى دام فيه قرابة ثلاثين عاما، حتى كان خلعه فى ثورة شعبية نتيجة لتردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وسوء الأحوال المعيشية والارتفاع الجنوني للأسعار، وعرفت بثورة ديسمبر المجيدة والتى بدأت شرارتها بتاريخ 19 من يناير عام 2018، بدعوة من تيارات شيوعية وحركات يسارية تدعمها نقابات مهنية وعمالية كان الشعب نواة لها، إلى أن تم عزله عن الحكم رسميا فى 11 إبريل عام 2019 وللحديث بقية عن المؤامرة على السودان وتهديد أمن مصر القومى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: السودان علاقة التاريخ المصريون القدماء محمد على باشا جنوب السودان إلى أن بعد أن
إقرأ أيضاً:
كاتب أميركي: 4 أسئلة حاسمة على ترامب التفكير فيها قبل الضربة
يقول الكاتب دانيال بايمن إن على الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يجيب على 4 أسئلة رئيسية قبل الإقدام على أي عمل عسكري ضد إيران.
وحذر في مقال له نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية من أن أي خطة لضرب إيران تتطلب تفكيرا عميقا حول التكاليف والمخاطر، مشيرا إلى أن ترامب منح نفسه مهلة أسبوعين مع تصاعد الحرب بين إسرائيل وإيران.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تايمز: أوكرانيا تلجأ لحل غير تقليدي لتعويض النقص بالجنودlist 2 of 2إعلام إسرائيلي: نفتقر لإستراتيجية خروج وإيران تجيد التصويبend of listوفيما يلي الأسئلة الأربعة التي يعنيها الكاتب:
1. ما الهدف من العملية الأميركية؟ذكر بايمن أن الأهداف المحتملة تتراوح بين محدودة وواسعة النطاق. والهدف المباشر والأكثر إلحاحا هو تدمير البرنامج النووي الإيراني أو عرقلته بشكل كبير، خاصة أن إسرائيل رغم نجاحها في ضرب منشأة "نطنز"، لم تمسّ منشأة "فوردو" شديدة التحصين.
ويمكن للولايات المتحدة، وفقا للكاتب، أن توسّع أهدافها لتشمل تقويض النظام الإيراني نفسه، من خلال ضرب الجيش والبنية التحتية الإيرانية، ما قد يزيد الضغط على طهران لتقديم تنازلات نووية وربما وقف دعمها للجماعات الوكيلة.
أما الخيار الأقصى، يقول الكاتب، فهو تغيير النظام، وهو خيار لم يُعلن رسميا، لكنه مطروح ضمنيا، مضيفا أن تنفيذ مثل هذا الهدف دون غزو شامل سيكون صعبا جدا، وغالبا ما يؤدي إلى نتائج عكسية.
2. كيف ترد إيران؟
ويرجّح الكاتب أن ترد إيران على أي هجوم بمحاولة استهداف أميركيين، سواء عبر وكلائها في الشرق الأوسط أو من خلال عمليات "إرهابية" دولية، مشيرا إلى أن ذلك عمل قد يوحّد العالم ضدها. وقد تشمل الردود أيضا مهاجمة حلفاء واشنطن في المنطقة، خصوصا من يساهمون في تسهيل الضربات.
ورغم أن بعض وكلاء إيران قد تعرّضوا لضربات قوية ويبدون حذرين حاليا، فإن إيران قد تدفعهم لتنفيذ ردود رمزية على الأقل.
ويستطرد بايمن بأن أحد الخيارات الخطيرة أيضا هو استهداف تدفق النفط في الخليج، رغم أن ذلك قد يضرّ باقتصاد إيران نفسه ويوحّد خصومها ضدها، وقد تكتفي طهران بالتهديد، مما قد يرفع أسعار النفط مؤقتا ويضغط اقتصاديا على الأسواق العالمية.
إعلان 3. ما العواقب طويلة الأمد؟ويحذر الكاتب أيضا من أنه حتى لو انتهت الحرب المفتوحة في غضون أسابيع، فإن تبعاتها قد تمتد لسنوات. ومن أبرز المخاوف إمكانية تسريع إيران جهودها نحو امتلاك سلاح نووي، خاصة إذا انسحبت من معاهدة عدم الانتشار النووي وبدأت برنامجا سريا خارج رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ومن الصعب ضمان رصد جميع أنشطة التسلّح، حتى لو كانت لدى إسرائيل وأميركا قدرات استخباراتية متقدمة، يقول بايمن.
وكذلك، قد تشن إيران هجمات انتقامية بعد انتهاء الحرب بمدة طويلة، مثلما حاولت اغتيال جون بولتون بعد عام من مقتل قاسم سليماني القائد السابق لـفيلق القدس الإيراني.
4. ما التكاليف البديلة لهذه العملية؟
ويؤكد الكاتب أن تركيز الولايات المتحدة على إيران يُضعف أولوياتها الإستراتيجية في آسيا، حيث يجب أن تركّز على مواجهة الصين، كما أن الموارد العسكرية والوقت السياسي الذي تُخصصه واشنطن لأزمة إيران، يستهلك ما هو مخصص لقضايا كبرى مثل تايوان أو بحر جنوب الصين. أما الحرب في أوكرانيا، فقد أصبحت شبه منسية في ظل الأزمة الإيرانية المتصاعدة.
ويلفت بايمن الانتباه إلى أن الحرب مكلفة أيضا من الناحية المالية، فبينما كلّف التدخل ضد الحوثيين في اليمن أكثر من مليار دولار، فإن أي عملية ضد إيران ستكون أكثر تعقيدا وتكلفة، كما ستضطر واشنطن إلى استنفاد علاقاتها وتحالفاتها لتأمين الدعم، ما قد يترك تأثيرا على ملفات أخرى.
وأضاف بايمن أنه إذا تبيّن لترامب أن الأهداف العسكرية قابلة للتحقيق، وأن الرد الإيراني يمكن احتواؤه، وأن العواقب طويلة الأمد ليست مدمرة، وأن التكاليف البديلة ليست باهظة، فقد يُعد الهجوم على إيران خيارا إستراتيجيا مبررا.
وختم بأن النجاح لن يُقاس بالضربات الأولى، بل بوجود خطة واضحة لتحويل المكاسب الميدانية إلى نفوذ سياسي طويل الأمد، مع إدراك الرأي العام والكونغرس لحجم التضحيات المطلوبة، فالحرب مع إيران، إن بدأت، لن تكون لحظة تكتيكية عابرة، بل بداية لإستراتيجية ممتدة لسنوات.