عربي21:
2025-06-25@16:02:08 GMT

كشف حساب 90 يوما من العدوان

تاريخ النشر: 4th, January 2024 GMT

لم تسقط دولة الاحتلال الصهيوني فقط يوم "ضربة القرن" في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لكن سقطت جميع الأنظمة الإقليمية وبالطبع الدولية، ورغم اقتراب العدوان من حاجز ثلاثة أشهر، فإن الفارس الوحيد هو الشعب الفلسطيني، وفي القلب منه مقاومته الصلبة الشرسة أمام العدو، وأيضا الحركات المقاومة المنخرطة في المواجهة.



يستدعي هذا العدوان الإشارةَ إلى نظام مبارك قبل الثورة في أثناء تعامله مع أي عدوان صهيوني، فآخر عدوان خلال فترة حكمه عام 2008-2009، أعلنت قبله تسيبي ليفني من القاهرة عزم بلادها ضرب غزة، وبعد المؤتمر المشؤوم رافقها وزير الخارجية السابق وأمين جامعة الدول العربية الحالي أحمد أبو الغيط واستندت عليه عندما تعثرت خطاها، ثم ذكر في مذكراته أنه فعل ذلك بتلقائية، لأنه لا يليق أن يتركها تقع، بينما لم نجد مثل هذه الشهامة في إنقاذ أهل غزة.

رغم قبح المشهد، كان المعبر مفتوحا للجرحى جراء العدوان، ولم تكن هناك قوائم تُعرض على الاحتلال للموافقة عليها أولا، بل كان يدخل مقاتلو المقاومة للعلاج أيضا، كما كانت المساعدات تتدفق دون انقطاع على القطاع، ولم نجد وقتها كلمة عن "منع إسرائيل دخول المساعدات"، كما يفعل النظام الحالي، وكان مبارك يسمح بالتظاهرات الداعمة للقضية خاصة في الجامعات، وتزداد الحركة في الأنفاق وفوقها لإدخال حاجات الناس هناك.

تُحاصَر القاهرة، فلا تظاهرات داعمة للفلسطينيين، وتخضع المساعدات للإملاءات الصهيونية، والجرحى لا يخرجون إلا بإرادتهم وموافقتهم، والمستشفيات الميدانية والدائمة تُقصف أو تعطَّل عن العمل، والنازحون بمئات الآلاف، والحدود مغلقة على السطح وأسفل التراب، ورغم كل هذا لا نجد تحركا يثبت أن هناك بقية نخوة أو كرامة أو رجولة لتخفيف المعاناة لا لوقف العدوان
كانت العلاقات الدبلوماسية تنقطع بين مصر والاحتلال إذا زاد الغضب الشعبي من الإجرام الصهيوني، وتبقى القنوات الأساسية مفتوحة (القنوات الأمنية والعسكرية). كانت لمصر مواقف ثابتة وواضحة في القضية، نتفق ونختلف معها، لكن كانت هناك ملامح لموقف مصري مفهوم وواضح، أيضا يلبي قدرا من المحافظة على الحدود الدنيا من الحقوق الفلسطينية، مثل رفض ما يمس القدس وحق العودة وإقامة دولة فلسطينية والعودة إلى حدود عام 1967.

الآن تُحاصَر القاهرة، فلا تظاهرات داعمة للفلسطينيين، وتخضع المساعدات للإملاءات الصهيونية، والجرحى لا يخرجون إلا بإرادتهم وموافقتهم، والمستشفيات الميدانية والدائمة تُقصف أو تعطَّل عن العمل، والنازحون بمئات الآلاف، والحدود مغلقة على السطح وأسفل التراب، ورغم كل هذا لا نجد تحركا يثبت أن هناك بقية نخوة أو كرامة أو رجولة لتخفيف المعاناة لا لوقف العدوان.

لم يسقط النظام المصري فقط في وحل التخاذل أو التواطؤ، بل سقطت كل الأنظمة العربية، وسقطت معظم الأنظمة الإسلامية أيضا ومنها تركيا، ولا أدري كيف يمكن لحاكم يرتبط بالفلسطينيين بأي رباط ديني أو قومي فضلا عن بعض الإنسانية ويستطيع أن ينام بعدما شاهد الجثث المتحللة، وقوافل النزوح، وتعرية المعتقلين، والأطفال الموتى على أَسرَّة المستشفيات، والإعدامات الميدانية، واعتقال النساء لا سيما الحوامل منهن.

كيف ينامون والأطفال والكبار يلتحفون السماء في برد قارس، ولا يجدون لقمة عيش أو وجبة تعينهم ولو قليلا على برد الشتاء، هُدِّمت البيوت على رؤوس ساكنيها دون أن يرف لحاكم جفن ويلقي بكل ثقله لإيقاف العدوان لا للقتال، فأهل فلسطين يكفون وحدهم لهزيمة الغاصب مع الزمن.

كيف يتصالحون مع أنفسهم بعدما رأوا الأطفال يرتجفون من وقع القصف رجفة الخوف لا البرد! تبا للسياسة ولحساباتها إذا لم تكن هناك كرامة ونخوة، لقد كان الحكام قبل ثورات الربيع العربي يقفون عند حدود معينة لا يتخطونها، أما الآن فلم تعد هناك حدود للسقوط ولا العمالة.

لن ننخدع بمسرحيات المعارك الدبلوماسية في أروقة الأمم المتحدة المنشئة للكيان الغاصب، ولا بالمساعدات الرمزية، ولا بالمستشفيات الميدانية المحدودة، ولا بمحطات تحلية المياه ذات الضخ المنخفض الكثافة، ولا باستضافة مئات الجرحى وترك عشرات الآلاف، فكل ذلك يحدث لتخفيف الضغط عن الاحتلال لا لتخفيف معاناة الفلسطينيين
ربما أخطأنا عندما وصفنا بعض الحكام بالعمالة قبل الثورات، هؤلاء كانوا مشغولين بأمنهم أكثر من شعوبهم فاتهمناهم بالعمالة لتهويل جرمهم، أما اليوم فنحن أمام متعاونين دون لَبْس، لقد تُرك الفلسطينيون وحدهم، ولم تقف معهم إلا إيران. هذه هي الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها، ولا يعنينا الدافع الإيراني بقدر ما تعنينا النصرة الإيرانية من اليمن والعراق ولبنان.

لن ننخدع بمسرحيات المعارك الدبلوماسية في أروقة الأمم المتحدة المنشئة للكيان الغاصب، ولا بالمساعدات الرمزية، ولا بالمستشفيات الميدانية المحدودة، ولا بمحطات تحلية المياه ذات الضخ المنخفض الكثافة، ولا باستضافة مئات الجرحى وترك عشرات الآلاف، فكل ذلك يحدث لتخفيف الضغط عن الاحتلال لا لتخفيف معاناة الفلسطينيين، ولن يبقى لأي حاكم من هؤلاء في التاريخ سوى أوصاف الخيانة كالصالح إسماعيل الذي تحالف مع الصليبيين، أو المعلم يعقوب الذي تحالف مع نابليون، وغيرهما الكثير ممن باعوا أوطانهم وبلادهم وسلموها للغاصبين المعتدين.

لقد سقط الجميع في اختبار غزة سقوطا مقرونا بالخزي، ولم ينجُ منه إلا الذين صمدوا في أرضهم وهم عُزّل لإفشال مخططات التهجير، والذين وهبوا أرواحهم في سبيل أرضهم وقضيتهم، ولن يكون الشيخ الشهيد صالح العاروري ورفاقه آخرهم، فساحات الشام تَعرِف الرجال، وساحات فلسطين تعرف أشدَّهم بأسا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال غزة مصر مصر غزة الاحتلال جرائم مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

دراسة: العدوان على غزة يزلزل الاقتصاد والمجتمع داخل الاحتلال

أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ترجمة تحليلية مكثفة لدراسة إسرائيلية شاملة تسلّط الضوء على التبعات العميقة التي خلّفها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة داخل دولة الاحتلال، في مجالات قلّما تناولتها التحليلات السابقة، مثل الاقتصاد، وسوق العمل، والرعاية الصحية، والتعليم، والطفولة المبكرة، والديموغرافيا.

وتأتي هذه الترجمة ضمن سلسلة "ترجمات الزيتونة"، وتحمل عنوان: "تبعات العدوان على غزة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والديموغرافية الإسرائيلية"، وهي ملخص تحريري مكثف لكتاب صدر باللغة العبرية بعنوان "تقرير حالة الأمة: المجتمع، الاقتصاد والسياسة 2024"، من إعداد مركز "تاوب" الإسرائيلي، ويقع في 360 صفحة.

شارك في إعداد الكتاب ثمانية باحثين وأكاديميين، وأشرف عليه خبراء بارزون في السياسات الاجتماعية والاقتصادية داخل كيان الاحتلال، وجرى نشره في كانون الأول/ ديسمبر 2024، في واحدة من أكثر الفترات تقلباً وأزمات في تاريخ إسرائيل الحديث.

رصد غير تقليدي لتداعيات الحرب

خلافاً للتركيز الإعلامي المعتاد على الأبعاد الأمنية والسياسية للعدوان، يسلّط هذا العمل الضوء على ما وُصف بـ"الآثار الزلزالية" التي أصابت المجتمع الإسرائيلي من الداخل، بما في ذلك:

ـ أضرار اقتصادية مباشرة وغير مباشرة أدّت إلى تباطؤ النمو، وارتفاع نسب البطالة، واضطرابات في قطاع الأعمال.

ـ تراجع جودة الخدمات الصحية والاجتماعية بسبب الضغط المتزايد على الموارد.

ـ انقطاع واسع في العملية التعليمية وخلل في خدمات الطفولة المبكرة.

ـ أزمات ديموغرافية ونفسية شملت تزايد حالات النزوح الداخلي والضغوط النفسية في صفوف الأطفال والشباب.

أرقام ومعطيات موثّقة

يستعرض الكتاب بيانات وإحصائيات دقيقة، جمعتها مؤسسات رسمية وأكاديمية إسرائيلية، مما يمنحه مصداقية عالية ومكانة مرجعية، خصوصاً أنه يُعد من أهم التقارير السنوية في دولة الاحتلال لرصد الواقع الداخلي.

لماذا هذه الترجمة مهمة؟

بحسب مركز الزيتونة، فإن نشر هذه الترجمة التحريرية الدقيقة يخدم هدفين:

ـ إطلاع القارئ وصانع القرار الفلسطيني والعربي على البعد الاجتماعي والاقتصادي للحرب، وهو بُعد مؤثر لكنه أقل تناولاً في النقاشات الإعلامية.

ـ تحليل نقاط الضعف البنيوية داخل كيان الاحتلال، خصوصاً في الجبهات التي تؤثر على التماسك المجتمعي والمناعة الوطنية.

تحفظات تحريرية

نوّه مركز الزيتونة إلى أنّه، ورغم الأمانة التحريرية التي التزم بها في الترجمة، فإنه لا يتبنى بالضرورة المفاهيم أو المصطلحات المستخدمة في الأصل العبري، بل حافظ على دقتها خدمةً للفهم المعمق لرؤية واضعي الدراسة.

الكتاب، كما يوضح التقرير، صدر في ظرف بالغ الحساسية، حيث يواجه الكيان الإسرائيلي تحديات أمنية وجيوسياسية متصاعدة، بالتزامن مع تراجع واضح في قدرة مؤسساته على الاستجابة الفاعلة، مما يكشف ـ بحسب التقرير ـ أن تبعات العدوان على غزة تجاوزت حدود الميدان إلى عمق المجتمع الإسرائيلي ذاته.

مقالات مشابهة

  • مليارات الدولارات.. كم خسرت إسرائيل بعدوانها على إيران خلال 12 يوما؟
  • الأونروا: المساعدات الإنسانية تنتظر خارج حدود غزة وهي جاهزة للدخول
  • القدس: 623 منزلا ومنشأة هدمها الاحتلال منذ بدء العدوان على غزة
  • إعادة فتح أبواب كنيسة القيامة في القدس بعد إغلاق دام لمدة 12 يوما
  • محافظ الحديدة لـ” الثورة “:المحافظة لطالما كانت محط أطماع وحصنًا منيعًا أمام أطماع الغزاة والمرتزقة
  • بعد إغلاقهما 12 يوما.. إعادة فتح المسجد الأقصى وكنيسة القيامة
  • 47 أسيرة في السجون الإسرائيلية.. الاحتلال يواصل انتهاكاته في غزة والضفة والقدس
  • هذا إعتراف من قائدهم بأنهم في أضعف أوضاعهم الميدانية
  • ضحايا الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة يقتربون من 56 ألف شهيد
  • دراسة: العدوان على غزة يزلزل الاقتصاد والمجتمع داخل الاحتلال